الكذب

الكذب في الكلام

ورد في الخبر عن شخص معتبر قال كان بمكان تاجر ذو مال وزوجة ذات جمال كل يهوى صاحبه ويرعى جانبه ويفديه بروحه ويترشف رضابه في غبوته وصبوحه كأنهما زوج حمام وفي بذمام ، ففي بعض الأيام قال أحدهما لرفيقه لو كان لنا عبد يتعاطى مالنا من حاجة ويخلصنا من جميلة عمر وزيد ، فذهب التاجر إلى سوق الرقيق فوجد مع النخاس عبدا ذا قد رشيق ينادي عليه أبيعه بكذا على ما فيه من أذى ، فقال وما عيبه ؟ قال كذبه لا على الدوام وإنما هو مرة في عام ؟ فقال عيب هين وشين لين فاشتراه وأتى إلى داره وارتضاه فاستمر في خدمة حسنة حتى أتى عليه سنة ونسى سيده عيبه وأمن ريبه بالأمانة وجرب بالأمانة يده وبالطهارة جيبه ، فلما مضى عليه عام كان سيده في الحمام فأتى البيت في بعض الحوائج في صورة الجمل الهائج شاهقا باشرا صائحا ثائرا صارخا واويلاه واسيداه وامولاه فسئل مالك لا أحسن الله حالك ولا أنعش بالك فقال رمح البغل بسيدي فما تمالك أن تهالك وسلم الروح لخالقها وقال لوارثه تسلم مالك فأقيم العزاء والسخام وتركهم ، وأتى للحمام وهو يبكي وينوح ويصرخ ويصيح فسأله مولاه ما دهاه فقال وقع البيت على كل من أويت ولم يبق في الدار نافخ نار فهلك الكبير والصغير ونهب ما فيها من جليل وحقير فخرج وهو يستغيث من حديث ذلك الخبيث فوجد أهل البيت سالمين ورأوه من الناجين فعزم على خباطه فذكر له ما سلف من اشتراطه ثم أنه استقام ونسي هذا الكلام ومضى عليه عام فاستأنف ذلك الخبيث أمره العبيث وقال لامرأة مولاه يا هنتاه إن كنت نائمة فاستيقظي وخذي حذرك وتيقظي واعلمي أن نية صاحبك أن يلقي حبلك على غاربك لأنه قد عشق عليك ونبذ حبل حلك إليك وتعلق قلبه ببنت رجل كبير ولا ينبئك مثل خبير وقد حملني على نصيحتك الشفقة وما أسديت إلي من إحسان وصدقة فبادري قبل حلول البأس ونزول الفأس في الرأس فأثر فيها هذا الحديث فاستشارت ما تفعله ذلك الخبيث فقال لو ظفرت بشيء من شعره لكفيتك مؤنة مكره وفكره فإن لي صاحبا منجما وأستاذا معلما يرقي الشعور ويجعلها في النحور وإذا وجد لي خيشومه مساغه ودخل البخور دماغه صار عبدا لك على الدوام وحظيت عنده بالمراد وارتقيت إلى أعلى مقام ولكن ينبغي أن يكون من شعر لحيته النابت على ترقوته قالت وأنى لي أن أصل إلى ذاك وقاك الله شر أذاك فقال إذا نام وغرق في المنام فاحلقي منه بموسي لتكفي الضرر والبوسي وأنا آتيك بموسي يحلق الشعور فافعلي ذلك من غير أن يكون له شعور فاتفقا على ذلك الاتفاق وأتاها بموسي حلاق ثم توجه إلى مولاه وقد أضمر له ما دهاه وقال أشعرت يا ذا الفضائل أن زوجتك البديعة الشمائل تغير خاطرها عليك وتقدمت بالإساءة إليك ولولا أنك شفيق علي وعزيز ومكرم لدي ما أنبأتك من أخبارها بشيء فإني أريد أن يكون ما أنهيته إليك مكتوما إلى أن يصير عندك محققا معلوما وقد أرسل إليها من يخطبها وأمالها عنك بما يرغبها واتفق معها أنها تقتلك وتستريح وتصبح في فراشك وأنت ذبيح وذلك يقوم بديتك وقد أرسل إليها من الجواهر والأموال أضعاف قيمتك فإن أردت مصداق هذا الكلام فتثاقل عندها في المنام ليزول الشك باليقين وتتحقق من الصادقين فأثر هذا الكلام فيه وخاف من مكر النساء ودواهيه فلما أقبل العشاء وأحضروا العشاء تناول من ذلك الطعام ونهض إلى الفراش لينام وأظهر بين القوم أنه غرق في النوم وغمض عينه وانط وسال لعابه فنهضت الزوجة إليه وفتحت الموس ودخلت عليه ومدت يدها إلى لحيته ووضعتها على ترقوته ففتح عينيه فرأى آلة الموت متوجهة إليه فما تمالك أن وثب عليها وجثم إليها وخرج زمام تفكره عن يد تأمله وتدبره وخطف الموسي من كفها وسقاها كأس حتفها ، فلما فوران الدم أدركه لاحق الندم وقد تبدل الوجود بالعدم ووقع القال والقيل واشتهر أمر القتيل وعلق في شر الاقتناص وعومل في صاحبه بالقصاص.

وإنما أوردت هذا الكلام لتعلم أن ما أهلك الأنام وأوقعهم في شرك الآثام والكفر والفسوق والحرام مثل الكذب في الكلام.

الكتاب : فاكهة الخلفاء و مفاكهة الظرفاء