رياض الصالحين 1

كتاب رياض الصالحين -2-

باب إجراء أحكام الناس عَلَى الظاهر وسرائرهم إِلَى الله تَعَالَى
قَالَ الله تَعَالَى : { فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُم } " التوبة" .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أنَّ رَسُول الله ﷺ قال: (( أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أنْ لاَ إلهَ إلاَّ الله ، وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُول الله ، وَيُقيمُوا الصَّلاةَ ، وَيُؤتُوا الزَّكَاةَ ، فَإِذَا فَعَلُوا ذلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءهُمْ وَأمْوَالَهُمْ إلاَّ بحَقِّ الإسْلاَمِ ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى الله تَعَالَى )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .

وعن أُسَامة بن زيدٍ رضي الله عنهماقال: بعثنا رَسُول الله ﷺ إِلَى الْحُرَقَةِ مِنْ جُهَيْنَةَ فَصَبَّحْنَا القَوْمَ عَلَى مِيَاهِهِمْ ، وَلَحقْتُ أنَا وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلاً مِنْهُمْ ، فَلَمَّا غَشَيْنَاهُ قال: لاَ إلهَ إلاَّ الله ، فَكفَّ عَنْهُ الأَنْصَاري ، وطَعَنْتُهُ برُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ ، فَلَمَّا قَدِمْنَا المَدِينَةَ ، بَلَغَ ذلِكَ النَّبيَّ ﷺ فَقَالَ لِي : (( يَا أُسَامَة ، أقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لا إلهَ إلاَّ اللهُ ؟! )) قُلْتُ : يَا رَسُول الله ، إِنَّمَا كَانَ متعوِّذاً ، فَقَالَ : (( أقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لا إلهَ إلاَّ اللهُ ؟! )) فما زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمنْيَّتُ أنِّي لَمْ أكُنْ أسْلَمْتُ قَبْلَ ذلِكَ اليَوْمِ . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
من كتاب رياض الصالحين -106-


عن عبد الله بن عتبة بن مسعودقال: سَمِعْتُ عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، يقولُ : إنَّ نَاساً كَانُوا يُؤْخَذُونَ بِالوَحْيِ في عَهْدِ رَسُول الله ﷺ ، وَإنَّ الوَحْيَ قَدِ انْقَطَعَ ، وإِنَّمَا نَأخُذُكُمُ الآن بما ظَهَرَ لَنَا مِنْ أعمَالِكُمْ ، فَمَنْ أظْهَرَ لَنَا خَيْراً أمَّنَّاهُ وَقَرَّبْنَاهُ ، وَلَيْسَ لَنَا مِنْ سَرِيرَتِهِ شَيْء ، اللهُ يُحَاسِبُهُ فِي سَرِيرَتِهِ ، وَمَنْ أظْهَرَ لَنَا سُوءاً لَمْ نَأمَنْهُ وَلَمْ نُصَدِّقْهُ وَإنْ قَالَ : إنَّ سَرِيرَتَهُ حَسَنَةٌ . رواه البخاري .

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رَسُول الله ﷺ وَهُوَ الصادق المصدوق : (( إنَّ أحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ في بَطْنِ أُمِّهِ أربَعِينَ يَوماً نُطْفَةً ، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذلِكَ ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذلِكَ ، ثُمَّ يُرْسَلُ المَلَكُ ، فَيَنْفُخُ فِيهِ الرُّوحَ ، وَيُؤْمَرُ بِأرْبَعِ كَلِمَاتٍ : بِكَتْبِ رِزْقِهِ وَأجَلِهِ وَعَمَلِهِ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ . فَوَالَّذِي لا إلهَ غَيْرُهُ إنَّ أحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وبيْنَهَا إلاَّ ذِرَاعٌ فَيَسْبِقُ عَلَيهِ الكِتَابُ ، فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ النَّارِ فَيدْخُلُهَا ، وَإنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إلاَّ ذراعٌ ، فَيَسْبِقُ عَلَيهِ الكِتَابُ فَيعْمَلُ بِعَمَلِ أهْلِ الجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
من كتاب رياض الصالحين -107-

وعن النعمان بن بشير رضي الله عنهماقال: سَمِعْتُ رَسُول الله ﷺ ، يقول : (( إنَّ أهْوَنَ أهْلِ النَّارِ عَذَاباً يَوْمَ القِيَامَةِ لَرَجُلٌ يوضعُ في أخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ يَغْلِي مِنْهُمَا دِمَاغُهُ ، مَا يَرَى أنَّ أَحَداً أشَدُّ مِنْهُ عَذَاباً ، وَأنَّهُ لأَهْوَنُهُمْ عَذَاباً )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ بَلَغَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَنْ أَصْحَابِهِ شَىْءٌ فَخَطَبَ فَقَالَ « عُرِضَتْ عَلَىَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَلَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ فِى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَلَوْ تَعْلَمُونَ مَا أَعْلَمُ لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا » قَالَ فَمَا أَتَى عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمٌ أَشَدُّ مِنْهُ - قَالَ - غَطَّوْا رُءُوسَهُمْ وَلَهُمْ خَنِينٌ . صحيح مسلم
عن عدي بن حاتم رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : (( مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إلاَّ سَيُكَلِّمُهُ رَبُّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وبَيْنَهُ تَرْجُمَانٌ ، فَيَنْظُرُ أيْمَنَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إلاَّ مَا قَدَّمَ ، وَيَنْظُرُ أشْأَمَ مِنْهُ فَلاَ يَرَى إلاَّ مَا قَدَّمَ ، وَيَنْظُرُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلاَ يَرَى إلاَّ النَّارَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
من كتاب رياض الصالحين -108-

عن أَبي ذر رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُول الله ﷺ : (( إنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ ، أطَّتِ السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أنْ تَئِطَّ ، مَا فِيهَا مَوضِعُ أرْبَع أصَابعَ إلاَّ وَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ سَاجِداً للهِ تَعَالَى ، والله لَوْ تَعْلَمُونَ مَا أعْلَمُ ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلاً وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيراً ، وَمَا تَلَذَّذْتُمْ بالنِّساءِ عَلَى الفُرُشِ ، وَلَخَرَجْتُمْ إِلَى الصُّعُدَاتِ تَجْأرُونَ إِلَى اللهِ تَعَالَى )) رواه الترمذي ، وَقالَ : (( حديث حسن )) .

وعن أَبي برزة براء ثُمَّ زاي نَضْلَة بن عبيد الأسلمي رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُول الله ﷺ : (( لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَومَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أفنَاهُ ؟ وَعَنْ عِلمِهِ فِيمَ فَعَلَ فِيهِ ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أيْنَ اكْتَسَبَهُ ؟ وَفيمَ أنْفَقَهُ ؟ وَعَنْ جِسمِهِ فِيمَ أبلاهُ ؟ )) رواه الترمذي ، وَقالَ : (( حديث حسن صحيح )) .
من كتاب رياض الصالحين -109-


عن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُول الله ﷺ : (( مَنْ خَافَ أدْلَجَ ، وَمَنْ أدْلَجَ بَلَغَ المَنْزِلَ . ألا إنَّ سِلْعَةَ اللهِ غَالِيَةٌ ، ألاَ إنَّ سِلْعَةَ الله الجَنَّةُ )) رواه الترمذي ، وَقالَ : (( حديث حسن )) .
وَ(( أدْلَجَ )) : سار من أول الليلِ . والمراد التشمير في الطاعة ، والله أعلم .
وعن عائشة رضي الله عنها ، قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُول الله ﷺ ، يقول : (( يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ القِيَامَةِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً )) قُلْتُ : يَا رَسُول الله ، الرِّجَالُ وَالنِّساءُ جَمِيعاً يَنْظُرُ بَعضُهُمْ إِلَى بَعْض ؟! قَالَ : (( يَا عائِشَةُ ، الأمرُ أشَدُّ مِنْ أنْ يُهِمَّهُمْ ذلِكَ )) .
وفي رواية : (( الأَمْرُ أهمُّ مِنْ أنْ يَنْظُرَ بَعضُهُمْ إِلَى بَعض )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(( غُرلاً )) أيْ : غَيرَ مَختُونينَ .


باب الرجاء
قَالَ الله تَعَالَى : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ } " الزمر " ، وَقالَ تَعَالَى : { وَهَلْ نُجَازِي إِلاَّ الْكَفُور } " سبأ " ، وَقالَ تَعَالَى : { إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى } " طه " ، وَقالَ تَعَالَى : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } " الأعراف " .
من كتاب رياض الصالحين -110-
عن عبادة بن الصامتِ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُول الله ﷺ : (( مَنْ شَهِدَ أنَّ لا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأنَّ مُحَمداً عَبْدهُ ورَسُولُهُ ، وَأنَّ عِيسى عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ ألْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ ورُوحٌ مِنْهُ ، وَأنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ ، وَالنَّارَ حَقٌّ ، أدْخَلَهُ اللهُ الجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ العَمَلِ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ . وفي رواية لمسلم : (( مَنْ شَهِدَ أنْ لا إلَهَ إلاَّ اللهُ وَأنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللهِ ، حَرَّمَ اللهُ عَلَيهِ النَّارَ )) .

وعن أَبي ذر رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبيّ ﷺ : (( يقول الله عز وجل : مَنْ جَاء بالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أمْثَالِهَا أَوْ أزْيَد ، وَمَنْ جَاءَ بالسَيِّئَةِ فَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا أَوْ أغْفِرُ . وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْراً تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعاً ، وَمَنْ تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعاً تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعاً ، وَمَنْ أتَانِي يَمْشِي أتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ، وَمَنْ لَقِيني بِقُرَابِ الأرْض خَطِيئةً لا يُشْرِكُ بِي شَيئاً ، لَقِيتُهُ بِمِثْلِهَا مَغفِرَةً )) رواه مسلم .
معنى الحديث : (( مَنْ تَقَرَّبَ )) إلَيَّ بطَاعَتِي (( تَقَرَّبْتُ )) إِلَيْهِ بِرَحْمَتِي وَإنْ زَادَ زِدْتُ
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قدِم رَسُول الله ﷺ بسَبْيٍ فَإِذَا امْرَأةٌ مِنَ السَّبْيِ تَسْعَى ، إِذْ وَجَدَتْ صَبياً في السَّبْيِ أخَذَتْهُ فَألْزَقَتهُ بِبَطْنِهَا فَأَرضَعَتْهُ ، فَقَالَ رَسُول الله ﷺ : (( أتَرَوْنَ هذِهِ المَرْأةَ طَارِحَةً وَلَدَها في النَّارِ ؟ )) قُلْنَا : لاَ وَاللهِ . فَقَالَ : (( للهُ أرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هذِهِ بِوَلَدِهَا )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
من كتاب رياض الصالحين -111-


وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُول الله ﷺ : (( لَمَّا خَلَقَ الله الخَلْقَ كَتَبَ في كِتَابٍ ، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوقَ العَرْشِ : إنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبي )) . وفي رواية : (( غَلَبَتْ غَضَبي )) وفي رواية : (( سَبَقَتْ غَضَبي )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .

وعنه قال: سَمِعْتُ رَسُول الله ﷺ ، يقول : (( جَعَلَ الله الرَّحْمَةَ مِئَةَ جُزْءٍ، فَأمْسَكَ عِنْدَهُ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ، وَأنْزَلَ في الأرْضِ جُزْءاً وَاحِداً، فَمِنْ ذلِكَ الجُزءِ يَتَرَاحَمُ الخَلائِقُ، حَتَّى تَرْفَعَ الدَّابّةُ حَافِرهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشْيَةَ أنْ تُصِيبَهُ )) .

وفي رواية : (( إنّ للهِ تَعَالَى مئَةَ رَحمَةٍ ، أنْزَلَ مِنْهَا رَحْمَةً وَاحِدَةً بَيْنَ الجنِّ وَالإنس وَالبهائِمِ وَالهَوامّ ، فبها يَتَعاطَفُونَ ، وبِهَا يَتَرَاحَمُونَ ، وبِهَا تَعْطِفُ الوَحْشُ عَلَى وَلَدِهَا ، وَأخَّرَ اللهُ تَعَالَى تِسْعاً وَتِسْعينَ رَحْمَةً يرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ يَوْمَ القِيَامَة )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .

من كتاب رياض الصالحين -112-


عن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : عن النَّبيّ ﷺ فيما يحكِي عن ربهِ تبارك وتعالىقال: (( أذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْباً ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي ، فَقَالَ الله تَبَاركَ وَتَعَالَى : أذنَبَ عبدي ذَنباً ، فَعَلِمَ أنَّ لَهُ رَبّاً يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ ، ثُمَّ عَادَ فَأذْنَبَ ، فَقَالَ : أيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبي ، فَقَالَ تبارك وتعالى : أذنَبَ عبدِي ذَنباً ، فَعَلِمَ أنَّ لَهُ رَبّاً ، يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيَأْخُذُ بالذَّنْبِ ، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي فَلْيَفْعَلْ مَا شَاءَ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وقوله تَعَالَى : (( فَلْيَفْعَلْ مَا شَاءَ )) أيْ : مَا دَامَ يَفْعَلُ هكذا ، يُذْنِبُ وَيَتُوبُ أغفِرُ لَهُ ، فَإنَّ التَّوْبَةَ تَهْدِمُ مَا قَبْلَهَا .

وعنهقال: قَالَ رَسُول الله ﷺ : (( والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا ، لَذَهَبَ الله بِكُمْ ، وَجَاءَ بِقَومٍ يُذْنِبُونَ ، فَيَسْتَغْفِرُونَ الله تَعَالَى ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ )) رواه مسلم .

وعن أَبي أيوب خالد بن زيد رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رَسُول الله ﷺ ، يقول : (( لَوْلاَ أنَّكُمْ تُذْنِبُونَ ، لَخَلَقَ الله خَلْقاً يُذْنِبُونَ ، فَيَسْتَغْفِرونَ ، فَيَغْفِرُ لَهُمْ )) رواه مسلم .
من كتاب رياض الصالحين -113-

عن البراءِ بن عازب رضي الله عنهما ، عن النَّبيّ ﷺ قال: (( المُسْلِمُ إِذَا سُئِلَ في القَبْرِ يَشْهَدُ أنْ لاَ إلَهَ إلاَّ الله ، وَأنّ مُحَمّداً رَسُول الله ، فذلك قوله تَعَالَى : { يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَة } " إبراهيم " )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .

عن أنس رضي الله عنه ، عن رَسُول الله ﷺ قال: (( إنّ الكَافِرَ إِذَا عَمِلَ حَسَنَةً ، أُطعِمَ بِهَا طُعْمَةً مِنَ الدُّنْيَا ، وَأَمَّا المُؤْمِنُ فَإنَّ الله تَعَالَى يَدَّخِرُ لَهُ حَسَنَاتِهِ في الآخِرَةِ ، وَيُعْقِبُهُ رِزْقاً في الدُّنْيَا عَلَى طَاعَتِهِ )) .

وفي رواية : (( إنَّ الله لاَ يَظْلِمُ مُؤْمِناً حَسنَةً يُعْطَى بِهَا في الدُّنْيَا ، وَيُجْزَى بِهَا في الآخِرَةِ . وَأَمَّا الكَافِرُ فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ للهِ تَعَالَى في الدُّنْيَا ، حَتَّى إِذَا أفْضَى إِلَى الآخرَةِ ، لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ يُجْزَى بِهَا )) رواه مسلم .

وعن ابن عباس رضي الله عنهماقال: سَمِعْتُ رَسُول الله ﷺ ، يقول : (( مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ ، فَيقُومُ عَلَى جَنَازَتهِ أرْبَعونَ رَجُلاً لاَ يُشْرِكُونَ بِاللهِ شَيئاً ، إلاَّ شَفَّعَهُمُ اللهُ فِيهِ )) رواه مسلم .
من كتاب رياض الصالحين -114-

وعن ابن عمر رضي الله عنهماقال: سَمِعْتُ رسولَ الله ﷺ ، يقول : (( يُدْنَى المُؤْمِنُ يَوْمَ القِيَامَة مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ كَنَفَهُ عَلَيهِ ، فَيُقَرِّرُهُ بذُنُوبِهِ ، فيقولُ : أتعرِفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ أتَعرفُ ذَنْبَ كَذَا ؟ فيقول : رَبِّ أعْرِفُقال: فَإنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ في الدُّنْيا ، وَأنَا أغْفِرُهَا لَكَ اليَومَ ، فَيُعْطَى صَحيفَةَ حَسَنَاتِهِ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
(( كَنَفَهُ )) : سَتْرُهُ وَرَحْمَتُهُ .
وعن جابر رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُول الله ﷺ : (( مَثَلُ الصَّلَوَاتِ الخَمْسِ كَمَثَلِ نَهْرٍ جَارٍ غَمْرٍ عَلَى بَابِ أحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ مِنْهُ كُلَّ يَوْم خَمْسَ مَرَّات )) رواه مسلم .

وعن ابن مسعود رضي الله عنه : أنَّ رَجُلاً أصَابَ مِن امْرَأة قُبْلَةً ، فَأتَى النَّبيَّ ﷺ فَأخْبَرَهُ ، فَأنْزَلَ الله تَعَالَى : { وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَات } " هود : 114" فَقَالَ الرجل: أَليَ هَذَا يَا رَسُول الله ؟ قَالَ : (( لجميعِ أُمَّتِي كُلِّهِمْ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
من كتاب رياض الصالحين -115-


وعن أنس رضي الله عنه ، قَالَ: جاء رجل إِلَى النَّبيّ ﷺ ، فَقَالَ : يَا رَسُول الله، أَصَبْتُ حَدّاً ، فَأَقِمْهُ عَلَيَّ ، وَحَضَرَتِ الصَّلاةُ ، فَصَلَّى مَعَ رَسُول الله ﷺ ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَقال: يَا رَسُول الله ، إنِّي أصَبْتُ حَدّاً فَأقِمْ فيَّ كِتَابَ الله . قَالَ : (( هَلْ حَضَرْتَ مَعَنَا الصَّلاةَ )) ؟ قَالَ : نَعَمْ . قَالَ : (( قَدْ غُفِرَ لَكَ )) مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
وقوله : (( أصَبْتُ حَدّاً )) مَعنَاهُ : مَعْصِيَةً تُوجِبُ التَّعْزيرَ ، وَلَيْسَ المُرَادُ الحدّ الشَّرعيَّ الحَقِيقيَّ كَحَدِّ الزِّنَا وَالخمر وَغَيرِهِمَا ، فإنَّ هذِهِ الحُدودَ لا تَسْقُطُ بالصَّلاةِ ، وَلاَ يَجُوزُ للإمَامِ تَرْكُهَا .
وعنه قال: قَالَ رَسُول الله ﷺ : (( إنَّ الله لَيرْضَى عَنِ العَبْدِ أنْ يَأكُلَ الأَكْلَةَ ، فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا ، أَوْ يَشْرَبَ الشَّرْبَةَ ، فَيَحْمَدُهُ عَلَيْهَا )) رواه مسلم .
(( الأَكْلَة )) : بفتح الهمزة وهي المرةُ الواحدةُ مِنَ الأكلِ كَالغَدوَةِ وَالعَشْوَةِ ، والله أعلم .


من كتاب رياض الصالحين -116-
عن عمرو بن عَبَسَة السُّلَمِيِّ رضي الله عنه قال: كُنْتُ وأنَا في الجاهِلِيَّةِ أظُنُّ أنَّ النَّاسَ عَلَى ضَلاَلَةٍ ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ ، وَهُمْ يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ ، فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ أخْبَاراً ، فَقَعَدْتُ عَلَى رَاحِلَتِي ، فَقَدِمْتُ عَلَيهِ ، فإِذَا رسولُ الله ﷺ مُسْتَخْفِياً ، جرَءاءُ عَلَيهِ قَومُهُ ، فَتَلَطَّفَتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيهِ بِمَكَّةَ ، فَقُلْتُ لَهُ : مَا أنْتَ ؟
قَالَ : (( أنا نَبيٌّ )) قُلْتُ : وما نبيٌّ ؟ قَالَ : (( أرْسَلَنِي الله )) قُلْتُ : وبأيِّ شَيْء أرْسَلَكَ ؟ قَالَ : (( أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الأرْحَامِ ، وَكَسْرِ الأَوْثَانِ ، وَأنْ يُوَحَّدَ اللهُ لاَ يُشْرَكُ بِهِ شَيْء )) قُلْتُ : فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا ؟ قَالَ : (( حُرٌّ وَعَبْدٌ )) ومعه يَوْمَئذٍ أَبُو بكرٍ وبلالٌ رضي الله عنهما ، قُلْتُ : إنّي مُتَّبِعُكَقال: (( إنَّكَ لَنْ تَسْتَطيعَ ذلِكَ يَومَكَ هَذَا ، ألا تَرَى حَالي وحالَ النَّاسِ ؟ وَلَكِنِ ارْجعْ إِلَى أهْلِكَ فَإِذَا سَمِعْتَ بي قَدْ ظَهرْتُ فَأتِنِي )) قَالَ : فَذَهَبْتُ إِلَى أهْلِي وقَدِمَ رَسُول الله ﷺ المَدِينَةَ حَتَّى قَدِمَ نَفَرٌ مِنْ أهْلِي المَدِينَةَ ، فقلتُ : مَا فَعَلَ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي قَدِمَ المَدِينَةَ ؟ فقالوا : النَّاس إلَيهِ سِرَاعٌ ، وَقَدْ أرادَ قَومُهُ قَتْلَهُ ، فلَمْ يَسْتَطِيعُوا ذلِكَ ، فقَدِمْتُ المدينَةَ ، فَدَخَلْتُ عَلَيهِ ، فقلتُ : يَا رَسُول الله أَتَعْرِفُني ؟ قَالَ : (( نَعَمْ ، أنْتَ الَّذِي لَقَيْتَنِي بمكّةَ )) قَالَ : فقلتُ : يَا رَسُول الله ، أخْبِرنِي عَمَّا عَلَّمَكَ الله وأَجْهَلُهُ ، أخْبِرْنِي عَنِ الصَّلاَةِ ؟ قَالَ : (( صَلِّ صَلاَةَ الصُّبْحِ ، ثُمَّ اقْصُرْ عَنِ الصَّلاَةِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ قِيدَ رُمْحٍ ، فَإنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيطَان ، وَحينَئذٍ يَسجُدُ لَهَا الكُفَّارُ ، ثُمَّ صَلِّ فَإنَّ الصَلاَةَ مَشْهُودَةٌ مَحْضُورةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بالرُّمْحِ ، ثُمَّ اقْصُرْ عَنِ الصَّلاةِ ، فَإنَّهُ حينئذ تُسْجَرُ جَهَنَّمُ ، فإذَا أقْبَلَ الفَيْءُ فَصَلِّ ، فَإنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّي العصرَ ، ثُمَّ اقْصرْ عَنِ الصَّلاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ ، فإنَّهَا تَغْرُبُ بينَ قَرْنَيْ شَيطانٍ ، وَحِينَئذٍ يَسْجُدُ لَهَا الكُفّارُ )) قَالَ : فقلتُ : يَا نَبيَّ الله ، فالوضوءُ حدثني عَنْهُ ؟ فَقَالَ : (( مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ يُقَرِّبُ وَضُوءهُ ، فَيَتَمَضْمَضُ وَيسْتَنْشِقُ فَيَسْتَنْثِرُ ، إلاَّ خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أطْرَافِ لِحْيَتِهِ مَعَ المَاءِ ، ثُمَّ يَغْسِلُ يديهِ إِلَى المِرفقَيْن ، إلاَّ خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أنَامِلِهِ مَعَ الماءِ ، ثُمَّ يَمْسَحُ رَأسَهُ ، إلاَّ خرّتْ خطايا رأسِهِ من أطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ الماءِ ، ثُمَّ يغسل قدميه إِلَى الكعْبَيْنِ ، إلاَّ خَرَّتْ خَطَايَا رِجلَيْهِ مِنْ أنَاملِهِ مَعَ الماءِ ، فَإنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى ، فَحَمِدَ الله تَعَالَى ، وأثنى عَلَيهِ ومَجَّدَهُ بالَّذي هُوَ لَهُ أهْلٌ ، وَفَرَّغَ قلبه للهِ تَعَالَى ، إلاَّ انْصَرفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كهيئته يَومَ وَلَدتهُ أُمُّهُ )) . رواه مسلم .من كتاب رياض الصالحين -117-

باب فضل الرجاء
قالَ الله تَعَالَى إخباراً عن العبدِ الصالِحِ : { وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلى اللهِ إنَّ اللهَ بَصِيرٌ بالعِبَادِ فَوَقَاهُ الله سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا } " غافر
عن أَبي موسى رضي الله عنه عن النَّبيّ ﷺ قال : (( إنَّ الله تَعَالَى يَبْسُطُ يَدَهُ باللَّيلِ ليَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ ، وَيَبْسُطُ يَدَهُ بالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيلِ ، حَتَّى تَطلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا )) رواه مسلم .

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : أنه سمع رسول الله ﷺ قبلَ مَوْتِه بثَلاثَةِ أيّام ، يقولُ : (( لاَ يَمُوتَنّ أحَدُكُمْ إِلاَّ وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بالله عز وجل )) رواه مسلم .
وعن أنس رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ﷺ ، يقول : (( قَالَ الله تَعَالَى : يَا ابْنَ آدَمَ ، إنَّكَ ما دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ مِنْكَ وَلاَ أُبَالِي . يَا ابْنَ آدَمَ ، لَوْ بَلَغت ذُنُوبُك عَنَانَ السماءِ ، ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلاَ أُبَالِي . يَا ابْنَ آدَمَ ، إِنَّكَ لَوْ أتَيْتَنِي بِقُرَابِ الأَرْضِ خَطَايا ، ثُمَّ لَقَيْتَنِي لاَ تُشْرِكُ بِي شَيْئاً ، لأَتَيْتُكَ بقُرَابِها مَغْفِرَةً )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
من كتاب رياض الصالحين -118-


باب الجمع بين الخوف والرجاء
قَالَ الله تَعَالَى : { فَلاَ يَأمَنُ مَكْرَ الله إِلاَّ القَوْمُ الخَاسِرونَ } " الأعراف : 99 " ، وقال تَعَالَى : { إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلاَّ القَوْمُ الكافِرُونَ } " يوسف : 87 " ،وقال تَعَالَى: { يَوْمَ تَبْيَضُّ وَجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ } " آل عمران: 106 "، وقال تَعَالَى: { إنَّ رَبَكَ لَسَرِيعُ العِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ } " الأعراف : 166 "، وقال تَعَالَى : { إنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ } " الانفطار : 1314 " ، وقال تَعَالَى : { فَأمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَأمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأمُّهُ هَاوِيَةٌ } " القارعة : 69 "
والآيات في هذا المعنى كثيرةٌ . فَيَجْتَمعُ الخَوفُ والرجاءُ في آيَتَيْنِ مُقْتَرِنَتَيْنِ أَو آيات أَو آية .

وعن أَبي هريرة رضي الله عنه : أنَّ رسول الله ﷺ قال: (( لَوْ يَعْلَمُ الْمُؤمِنُ مَا عِنْدَ الله مِنَ العُقُوبَةِ ، مَا طَمِعَ بِجَنَّتِهِ أَحَدٌ ، وَلَوْ يَعْلَمُ الكَافِرُ مَا عِنْدَ الله مِنَ الرَّحْمَةِ ، مَا قَنَطَ مِنْ جَنَّتِهِ أحَدٌ )) رواه مسلم . من كتاب رياض الصالحين -119-
عن أَبي سعيد الخدرِيِّ رضي الله عنه : أنَّ رسولَ الله ﷺ قال: (( إِذَا وُضِعَتِ الجنازةُ واحْتَمَلَهَا النَّاسُ أَوِ الرِّجَالُ عَلَى أعناقِهِمْ ، فَإنْ كَانَتْ صَالِحَةً ، قالتْ: قَدِّمُونِي قَدِّمُونِي ، وَإنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ ، قالتْ : يَا وَيْلَهَا ! أَيْنَ تَذْهَبُونَ بها ؟ يَسْمَعُ صَوْتَها كُلُّ شَيْءٍ إِلاَّ الإنْسانُ ، وَلَوْ سَمِعَهُ صَعِقَ )) رواه البخاري .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( الجَنَّةُ أقْرَبُ إِلى أحَدِكُمْ مِنْ شِرَاكِ نَعْلِهِ ، وَالنَّارُ مِثْلُ ذلك )) رواه البخاري .

باب فضل البكاء من خشية الله تَعَالَى وشوقاً إِليه
قَالَ الله تَعَالَى : { وَيَخِرُّونَ لِلأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزيدُهُمْ خُشُوعاً } " الإسراء" ، وقال تَعَالَى : { أَفَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ } " النجم" .

وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( لا يَلِجُ النَّارَ رَجُلٌ بَكَى مِنْ خَشْيَةِ اللهِ حَتَّى يَعُودَ اللَّبَنُ في الضَّرْعِ ، وَلاَ يَجْتَمِعُ غُبَارٌ في سبيلِ اللهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديثٌ حَسنٌ صحيحٌ )) .
من كتاب رياض الصالحين -120-
وعنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ : إمَامٌ عَادِلٌ ، وَشَابٌ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ تَعَالَى ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بِالمَسَاجِدِ ، وَرَجُلاَنِ تَحَابّا في الله اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأَةٌ ذَاتُ مَنْصِبٍ وَجَمَالٍ، فَقال: إنِّي أَخَافُ الله، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُه مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ الله خَالِياً ففاضت عَيْنَاهُ )) متفقٌ عَلَيْهِ .

وعن عبد الله بن الشِّخِّير رضي الله عنه قال: أتيتُ رسولَ الله ﷺ وَهُوَ يُصَلِّي ولِجَوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ المِرْجَلِ مِنَ البُكَاءِ . حديث صحيح رواه أَبو داود والترمذي في الشمائل بإسناد صحيح .

عن ابن عمر رضي الله عنهماقال: لَمَّا اشْتَدَّ برسول الله ﷺ وَجَعُهُ ، قِيلَ له في الصَّلاَةِ ، فقال : (( مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ )) فقالت عائشة رضي الله عنها : إنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ ، إِذَا قَرَأَ القُرْآنَ غَلَبَهُ البُكَاءُ ، فقال : (( مُرُوهُ فَليُصَلِّ )) .
وفي رواية عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : قلت : إنَّ أَبَا بَكْرٍ إِذَا قَامَ مَقَامَكَ لَمْ يُسْمِعِ النَّاسَ مِنَ البُكَاءِ . متفقٌ عَلَيْهِ .
من كتاب رياض الصالحين -121-


عن إبراهيم بن عبد الرحمان بن عوف : أنَّ عبد الرحمان بن عوف رضي الله عنه أُتِيَ بطعام وكان صائِماً ، فقال : قُتِلَ مُصْعَبُ بن عُمَيْر رضي الله عنه وَهُوَ خَيْرٌ مِنِّي ، فَلَمْ يوجَدْ له مَا يُكَفَّنُ فيهِ إِلاَّ بُرْدَةٌ ، إنْ غُطِّيَ بِهَا رَأسُهُ بَدَتْ رِجْلاهُ ؛ وَإنْ غُطِّيَ بِهَا رِجْلاَهُ بَدَا رَأسُهُ ، ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ أَو قَالَ : أُعْطِينَا مِنَ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا قَدْ خَشِينا أنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا ، ثُمَّ جَعَلَ يَبكِي حَتَّى تَرَكَ الطعَام . رواه البخاري .

وعن أَبي أُمَامَة صُدَيِّ بن عجلان الباهلي رضي الله عنه ، عن النبي ﷺ قال: (( لَيْسَ شَيْءٌ أحَبَّ إِلى اللهِ تَعَالَى مِنْ قطْرَتَيْنِ وَأثَرَيْنِ : قَطَرَةُ دُمُوع مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ، وَقَطَرَةُ دَمٍ تُهَرَاقُ في سَبيلِ اللهِ. وَأَمَّا الأَثَرَانِ : فَأَثَرٌ في سَبيلِ اللهِ تَعَالَى، وَأَثَرٌ في فَريضةٍ مِنْ فَرائِضِ الله تَعَالَى )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديثٌ حسنٌ )) .
باب فضل الزهد في الدنيا والحث عَلَى التقلل منها وفضل الفقر:
قَالَ الله تَعَالَى : { إِنَّمَا مَثَلُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ والأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيهَا أتَاهَا أمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } " يونس " ، وقال تَعَالَى : { اعْلَمُوا أَنَّمَا الحَياةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ في الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أعْجَبَ الْكُفّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الآخِرَةِ عَذابٌ شَديدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ الله ورِضْوَانٌ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الغُرُورِ } " الحديد " .والآيات في الباب كثيرة مشهورة .
من كتاب رياض الصالحين -122-


عن عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه : أنَّ رسولَ الله ﷺ بَعَثَ أَبَا عبيدة بنَ الجَرَّاح رضي الله عنه إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأتِي بِجِزْيَتِهَا ، فَقَدِمَ بمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ ، فَسَمِعَتِ الأَنْصَارُ بقُدُومِ أَبي عُبيْدَةَ ، فَوَافَوْا صَلاَةَ الفَجْرِ مَعَ رسولِ الله ﷺ ، فَلَمَّا صَلَّى رسولُ الله ﷺ ، انْصَرفَ ، فَتَعَرَّضُوا لَهُ ، فَتَبَسَّمَ رسولُ الله ﷺ حِيْنَ رَآهُمْ ، ثُمَّ قَالَ: (( أظُنُّكُمْ سَمعتُمْ أنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَيْءٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ ؟ )) فقالوا : أجل ، يَا رسول الله، فقال : (( أبْشِرُوا وَأَمِّلْوا مَا يَسُرُّكُمْ، فَوالله مَا الفَقْرَ أخْشَى عَلَيْكُمْ ، وَلكِنِّي أخْشَى أنْ تُبْسَط الدُّنْيَا عَلَيْكُمْ كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا ، فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أهْلَكَتْهُمْ )) متفقٌ عَلَيْهِ
وعن أَبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: جلس رسولُ الله ﷺ عَلَى الْمِنْبَرِ ، وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ ، فقال : (( إنَّ ممَّا أخَافُ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِي مَا يُفْتَحُ عَلَيْكُمْ مِنْ زَهْرَةِ الدُّنْيَا وَزِينَتِهَا )) متفقٌ عَلَيْهِ .

وعنه: أن رسول الله ﷺ، قَالَ: (( إنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ وَإنَّ الله تَعَالَى مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ )) رواه مسلم. من كتاب رياض الصالحين -123-
عن أنس رضي الله عنه : أن النبي ﷺ ، قَالَ: (( اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلاَّ عَيْشَ الآخِرَةِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .

وعنه ، عن رسول الله ﷺ قال: (( يَتْبَعُ الْمَيِّتَ ثَلاَثَةٌ : أهْلُهُ وَمَالُهُ وَعَمَلُهُ : فَيَرْجِعُ اثْنَانِ ، وَيَبْقَى وَاحِدٌ : يَرْجِعُ أهْلُهُ وَمَالُهُ وَيبْقَى عَمَلُهُ )) متفقٌ عَلَيْهِ .

عن أنس رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رسول الله ﷺ : (( يُؤْتَى بِأنْعَمِ أهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أهْلِ النَّارِ يَوْمَ القِيَامَةِ ، فَيُصْبَغُ في النَّارِ صَبْغَةً ، ثُمَّ يُقَالُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأيْتَ خَيْراً قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ ؟ فَيَقُولُ : لاَ وَاللهِ يَا رَبِّ ، وَيُؤْتَى بِأشَدِّ النَّاسِ بُؤسَاً في الدُّنْيَا مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ ، فَيُصْبَغُ صَبْغَةً في الجَنَّةِ ، فَيُقَالُ لَهُ : يَا ابْنَ آدَمَ ، هَلْ رَأيْتَ بُؤساً قَطُّ ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ ؟ فيَقُولُ : لاَ وَاللهِ ، مَا مَرَّ بِي بُؤْسٌ قَطُّ ، وَلاَ رَأيْتُ شِدَّةً قَطُّ )) رواه مسلم .

وعن المُسْتَوْرِد بن شَدَّاد رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رسول الله ﷺ: (( مَا الدُّنْيَا في الآخِرَةِ إِلاَّ مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ أُصْبُعَهُ في اليَمِّ ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ يَرْجِعُ ! )) رواه مسلم.
من كتاب رياض الصالحين -124-

وعن أَبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله ﷺ قال: (( لَوْ كَانَ لِي مِثْلُ أُحُدٍ ذَهَباً ، لَسَرَّنِي أنْ لاَ تَمُرَّ عَلَيَّ ثَلاَثُ لَيالٍ وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْءٌ إِلاَّ شَيْءٌ أرْصُدُهُ لِدَيْنٍ )) متفقٌ عَلَيْهِ .

وعنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ أسْفَلَ مِنْكُمْ وَلاَ تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ ؛ فَهُوَ أجْدَرُ أنْ لاَ تَزْدَرُوا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ )) متفقٌ عَلَيْهِ ، وهذا لفظ مسلم .

وفي رواية البخاري : (( إِذَا نَظَرَ أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عَلَيْهِ في المَالِ وَالخَلْقِ ، فَلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أسْفَل مِنْهُ )) .

وعنه ، عن النبي ﷺ قال: (( تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ ، وَالدِّرْهَمِ ، وَالقَطِيفَةِ ، وَالخَمِيصَةِ ، إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ ، وَإنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ )) رواه البخاري .

من كتاب رياض الصالحين -125-



عن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: لَقَدْ رَأيْتُ سَبعِينَ مِنْ أهْلِ الصُّفَّةِ ، مَا منهُمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ رِدَاءٌ : إمَّا إزارٌ ، وَإمَّا كِسَاءٌ ، قَدْ رَبَطُوا في أعنَاقِهِمْ ، فَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ نِصْفَ السَّاقَيْن ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الكَعْبَيْنِ ، فَيَجْمَعُهُ بِيَدِهِ كَراهِيَةَ أنْ تُرَى عَوْرَتُهُ . رواه البخاري .

عن أنس رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رسول الله ﷺ : (( الدُّنْيَا سِجْنُ الْمُؤْمِنِ ، وَجَنَّةُ الكَافِرِ )) رواه مسلم .

عن ابن عمر رضي الله عنهماقال: أخذ رسول الله ﷺ بِمَنْكِبَيَّ ، فقال : (( كُنْ في الدُّنْيَا كَأنَّكَ غَرِيبٌ ، أَو عَابِرُ سَبيلٍ )) .
وَكَانَ ابن عُمَرَ رضي الله عنهما ، يقول : إِذَا أمْسَيتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ . رواه البخاري .
وعن أَبي العباس سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبي ﷺ ، فقال : يَا رسولَ الله ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ أحَبَّنِي اللهُ وَأحَبَّنِي النَّاسُ ، فقال : (( ازْهَدْ في الدُّنْيَا يُحِبّك اللهُ ، وَازْهَدْ فِيمَا عِنْدَ النَّاسِ يُحِبّك النَّاسُ )) حديث حسن رواه ابن ماجه وغيره بأسانيد حسنة .
من كتاب رياض الصالحين -126-


عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قَالَ : ذَكَرَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ رضي الله عنه ، مَا أَصَابَ النَّاسُ مِنَ الدُّنْيَا ، فَقَالَ : لَقَدْ رَأيْتُ رسول الله ﷺ يَظَلُّ الْيَوْمَ يَلْتَوِي مَا يَجِدُ مِنَ الدَّقَلِ مَا يَمْلأ بِهِ بَطْنَهُ . رواه مسلم .
(( الدَّقَلُ )) بفتح الدَّال المهملة والقاف : رديءُ التمرِ .
وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : تُوفي رسول الله ﷺ ، وَمَا في بَيْتِي مِنْ شَيْءٍ يَأكُلُهُ ذُو كَبِدٍ إِلاَّ شَطْرُ شَعِيرٍ في رَفٍّ لي ، فَأكَلْتُ مِنْهُ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ ، فَكِلْتُهُ فَفَنِيَ . متفقٌ عَلَيْهِ .
قولها : (( شَطْرُ شَعير )) أيْ : شَيْءٌ مِنْ شَعير.
وعن عمرو بن الحارث أخي جُوَيْرِيّة بنتِ الحارِث أُمِّ المُؤْمِنِينَ ، رضي الله عنهماقال: مَا تَرَكَ رسولُ الله ﷺ عِنْدَ مَوْتِهِ دِيناراً ، وَلاَ دِرْهَماً ، وَلاَ عَبْداً ، وَلاَ أَمَةً ، وَلاَ شَيْئاً إِلاَّ بَغْلَتَهُ الْبَيضَاءَ الَّتي كَانَ يَرْكَبُهَا ، وَسِلاَحَهُ ، وَأرْضاً جَعَلَهَا لاِبْنِ السَّبِيلِ صَدَقَةً . رواه البخاري . من كتاب رياض الصالحين -127-


وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسول الله ﷺ ، يقول : (( أَلاَ إنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا ، إِلاَّ ذِكْرَ اللهِ تَعَالَى ، وَمَا وَالاهُ ، وَعالِماً وَمُتَعَلِّماً )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسنٌ )) .

عن كعب بن عياض رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسول الله ﷺ ، يقول : (( إنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً ، وفِتْنَةُ أُمَّتِي : المَالُ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديثٌ حسنٌ صحيحٌ )) .

وعن عبدِ الله بن الشِّخِّيرِ رضي الله عنه أنه قَالَ : أتَيْتُ النَّبيَّ ﷺ ، وَهُوَ يَقْرَأُ : { أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ } قَالَ : (( يَقُولُ ابْنُ آدَمَ : مَالِي ، مالي ، وَهَلْ لَكَ يَا ابْنَ آدَمَ مِنْ مَالِكَ إِلاَّ مَا أكَلْتَ فَأفْنَيْتَ ، أَو لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ ؟! )) رواه مسلم .

وعن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( مَا ذِئْبَانِ جَائِعَانِ أُرْسِلا في غَنَمٍ بِأفْسَدَ لَهَا مِنْ حِرْصِ المَرْءِ عَلَى المَالِ وَالشَّرَفِ لِدِينهِ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
من كتاب رياض الصالحين -128-

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: نَامَ رسول الله ﷺ عَلَى حَصيرٍ ، فَقَامَ وَقَدْ أثَّرَ في جَنْبِهِ ، قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللهِ ، لَوْ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً . فَقَالَ : (( مَا لِي وَلِلدُّنْيَا ؟ مَا أَنَا في الدُّنْيَا إِلاَّ كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .

عن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( يدْخُلُ الفُقَرَاءُ الْجَنَّةَ قَبْلَ الأَغْنِيَاءِ بِخَمْسِمئَةِ عَامٍ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث صحيح )) .

وعن ابن عباس وعِمْرَانَ بن الحُصَيْنِ رضي الله عنهم ، عن النبي ﷺ قال: (( اطَّلَعْتُ في الجَنَّةِ فَرَأيْتُ أكْثَرَ أهْلِهَا الفُقَرَاءَ ، وَاطَّلَعْتُ في النَّارِ فَرَأيْتُ أكْثَرَ أهْلِهَا النِّسَاءَ )) متفقٌ عَلَيْهِ . من كتاب رياض الصالحين -129-

عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما ، عن النبي ﷺ قال: (( قُمْتُ عَلَى بَابِ الجَنَّةِ ، فَكَانَ عَامَّةُ مَنْ دَخَلَهَا المَسَاكِينُ ، وَأصْحَابُ الجَدِّ مَحبُوسُونَ ، غَيْرَ أنَّ أصْحَابِ النَّارِ قَدْ أُمِرَ بِهِم إِلَى النَّارِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
وَ(( الجَدُّ )) : الحَظُّ والغِنَى.
وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : مَا شَبعَ آلُ مُحَمّد ﷺ مِنْ خُبْزِ شَعِيرٍ يَوْمَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ حَتَّى قُبِضَ . متفقٌ عَلَيْهِ .


باب فضل الجوع وخشونة العيش
والاقتصار عَلَى القليل من المأكول والمشروب والملبوس
قَالَ الله تَعَالَى : { فَخَلَفَ منْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً } " مريم " ، وقال تَعَالَى : { فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ في زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُريدُونَ الحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَواب اللهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحَاً } " القصص: "، وقال تَعَالَى : { ثُمَّ لًتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ } " التكاثر" ، وقال تَعَالَى : { مَنْ كَانَ يُريدُ العَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُريدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاَهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً } " الإسراء" والآيات في الباب كثيرةٌ معلومةٌ .
من كتاب رياض الصالحين -130-


عن عروة عن عائشة رضي الله عنها ، أنّها كَانَتْ تقول : وَاللهِ يَا ابْنَ أُخْتِي ، إنْ كُنَّا نَنْظُرُ إِلَى الهِلاَلِ ، ثُمَّ الهِلالِ : ثَلاَثَةُ أهلَّةٍ في شَهْرَيْنِ ، وَمَا أُوقِدَ في أبْيَاتِ رسول الله ﷺ نَارٌ . قُلْتُ : يَا خَالَةُ ، فَمَا كَانَ يُعِيشُكُمْ ؟ قالت : الأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالمَاءُ ، إِلاَّ أنَّهُ قَدْ كَانَ لرسول الله ﷺ جِيرَانٌ مِنَ الأَنْصَارِ ، وكَانَتْ لَهُمْ مَنَائِحُ وَكَانُوا يُرْسِلُونَ إِلَى رسول الله ﷺ مِنْ ألْبَانِهَا فَيَسْقِينَا . متفقٌ عَلَيْهِ . المنحة والمنيحة : أن يعطيه ناقة أو شاة ، ينتفع بلبنها ويعيدها.
وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: خرجَ رسولُ الله ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ ، فَإذَا هُوَ بأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رضي الله عنهما ، فَقَالَ : (( مَا أخْرَجَكُمَا مِنْ بُيُوتِكُما هذِهِ السَّاعَةَ ؟ )) قَالا : الجُوعُ يَا رسول الله . قَالَ : (( وَأنَا ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لأخْرَجَنِي الَّذِي أخْرَجَكُما ، قُوما )) فقَامَا مَعَهُ ، فَأتَى رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ ، فَإذَا هُوَ لَيْسَ في بيْتِهِ ، فَلَمَّا رَأَتْهُ المَرْأَةُ ، قالت : مَرْحَبَاً وَأهلاً .فقال لَهَا رسول الله ﷺ :(( أيْنَ فُلانُ ؟ )) قالت : ذَهَبَ يَسْتَعْذِبُ لنَا المَاءَ . إِذْ جَاءَ الأَنْصَارِيُّ ، فَنَظَرَ إِلَى رسول الله ﷺ وَصَاحِبَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ : الحَمْدُ للهِ ، مَا أَحَدٌ الْيَوْمَ أكْرَمَ أضْيَافاً مِنِّي ، فَانْطَلَقَ فَجَاءهُمْ بِعِذْقٍ فِيهِ بُسْرٌ وَتَمْرٌ وَرُطَبٌ ، فَقَالَ : كُلُوا ، وَأَخَذَ الْمُدْيَةَ ، فَقَالَ لَهُ رسول الله ﷺ : (( إيْاكَ وَالْحَلُوبَ )) فَذَبَحَ لَهُمْ ، فَأكَلُوا مِنَ الشَّاةِ وَمِنْ ذَلِكَ العِذْقِ وَشَرِبُوا . فَلَمَّا أنْ شَبِعُوا وَرَوُوا قَالَ رسول الله ﷺ لأَبي بَكْر وَعُمَرَ رضي الله عنهما : (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَتُسْأَلُنَّ عَنْ هَذَا النَّعِيمِ يَوْمَ القِيَامَةِ ، أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمُ الْجُوعُ ، ثُمَّ لَمْ تَرْجِعُوا حَتَّى أصَابَكُمْ هَذَا النَّعيمُ )) رواه مسلم .من كتاب رياض الصالحين -131-

عن سعد بن أَبي وقاص رضي الله عنه قال: إنِّي لأَوَّلُ الْعَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ في سَبِيلِ الله ، وَلَقَدْ كُنَّا نَغْزُو مَعَ رسول الله ﷺ مَا لَنَا طَعَامٌ إِلاَّ وَرَقُ الْحُبْلَةِ ، وَهذَا السَّمُرُ ، حَتَّى إنْ كَانَ أحَدُنَا لَيَضَعُ كَمَا تَضَعُ الشَّاةُ مَا لَهُ خَلْطٌ . متفقٌ عَلَيْهِ .
(( الحُبْلَة )) وَهِيَ وَالسَّمُرُ ، نَوْعَانِ مَعْرُوفَانِ مِنْ شَجَرِ الْبَادِيَةِ .

وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: لَقَدْ رَأَيْتُ سَبْعِينَ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ ، مَا مِنْهُمْ رَجُلٌ عَلَيْهِ ردَاءٌ ، إمَّا إزَارٌ وَإمَّا كِسَاءٌ ، قَدْ رَبَطُوا في أعْنَاقِهِم مِنْهَا مَا يَبْلُغُ نِصْفَ السَّاقَيْن ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ الكَعْبَيْنِ فَيَجْمَعُهُ بِيَدِهِ كَرَاهِيَةَ أنْ تُرَى عَوْرَتُهُ . رواه البخاري .
وعن أَبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: أخْرَجَتْ لَنَا عَائِشَةُ رضي الله عنها كِسَاءً وَإزاراً غَلِيظاً ، قالَتْ : قُبِضَ رسول الله ﷺ في هَذَيْنِ . متفقٌ عَلَيْهِ .

وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : تُوُفِّي رسول الله ﷺ وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِي في ثَلاثِينَ صَاعاً مِنْ شَعِير . متفق عَلَيْهِ .

وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : كَانَ فِرَاشُ رسول الله ﷺ مِنْ أُدْمٍ حَشْوُهُ لِيفٌ . رواه البخاري .
الأدم : الجلد المدبوغ .
من كتاب رياض الصالحين -132-


وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قَالَ : كُنَّا جُلُوساً مَعَ رسول الله ﷺ، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ أدْبَرَ الأَنْصَاريُّ ، فَقَالَ رسول الله ﷺ : (( يَا أخَا الأنْصَارِ ، كَيْفَ أخِي سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ؟ )) فَقَالَ : صَالِحٌ ، فَقَالَ رسول الله ﷺ : (( مَنْ يَعُودُهُ مِنْكُمْ ؟ )) فَقَامَ وَقُمْنَا مَعَهُ ، وَنَحْنُ بضْعَةَ عَشَرَ ، مَا عَلَيْنَا نِعَالٌ ، وَلاَ خِفَافٌ ، وَلاَ قَلاَنِسُ ، وَلاَ قُمُصٌ ، نَمْشِي في تِلك السِّبَاخِ ، حَتَّى جِئْنَاهُ ، فَاسْتَأْخَرَ قَوْمُهُ مِنْ حَوْله حَتَّى دَنَا رسول الله ﷺ وَأصْحَابُهُ الَّذِينَ مَعَهُ . رواه مسلم .
القلانس : من ملابس الرؤوس
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كَانَ رسول الله ﷺ يَبيتُ اللَّيَالِيَ الْمُتَتَابِعَةَ طَاوِياً ، وَأهْلُهُ لاَ يَجِدُونَ عَشَاءً ، وَكَانَ أكْثَرُ خُبْزِهِمْ خُبزَ الشَّعيرِ . رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح ))
عن أَبي أُمَامَة رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رسول الله ﷺ : (( يَا ابْنَ آدَمَ ، إنَّكَ أنْ تَبْذُلَ الفَضْلَ خَيرٌ لَكَ ، وَأنْ تُمسِكَهُ شَرٌ لَكَ ، ولاَ تُلاَمُ عَلَى كَفَافٍ ، وَابْدأ بِمَنْ تَعُولُ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
من كتاب رياض الصالحين -132-


عن عُبيْدِ الله بنِ محْصن الأَنصَارِيِّ الخطميِّ رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( مَنْ أصْبَحَ مِنْكُمْ آمِناً في سربِهِ ، مُعَافَىً في جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
(( سِربه )) : أي نَفْسه ، وَقِيلَ : قَومه .

وعن عبد الله بن عَمْرو بنِ العاص رضي الله عنهما : أن رسول الله ﷺ قال: (( قَدْ أفْلَحَ مَنْ أسْلَمَ ، وَكَانَ رِزْقُهُ كَفَافاً ، وَقَنَّعَهُ اللهُ بِمَا آتَاهُ )) رواه مسلم .

وعن فُضَالَةَ بن عبيدٍ رضي الله عنه : أنَّ رسول الله ﷺ كَانَ إِذَا صَلَّى بِالنَّاسِ ، يَخِرُّ رِجَالٌ مِنْ قَامَتِهِمْ في الصَّلاةِ مِنَ الخَصَاصَةِ وَهُمْ أصْحَابُ الصُّفَّةِ حَتَّى يَقُولَ الأعْرَابُ : هؤُلاء مَجَانِينٌ . فَإذَا صلَّى رسول الله ﷺ انْصَرَفَ إلَيْهِمْ ، فَقَالَ : (( لَوْ تَعْلَمُونَ مَا لَكُمْ عِنْدَ اللهِ تَعَالَى ، لأَحْبَبْتُمْ أنْ تَزْدَادُوا فَاقَةً وَحَاجَةً )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث صحيح )) .
(( الخَصَاصَةُ )) : الفَاقَةُ وَالجُوعُ الشَّدِيدُ .
من كتاب رياض الصالحين -134-


وعن أَبي محمدٍ فضَالَة بن عبيدٍ الأنصاريِّ رضي الله عنه : أنه سمع رسول الله ﷺ، يقول : (( طُوبَى لِمَنْ هُدِيَ لِلإسْلاَمِ ، وَكَانَ عَيْشُهُ كَفَافاً وَقَنِعَ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .

وعن أَبي كريمة المقدام بن معد يكرِبَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسولَ الله ﷺ ، يقول : (( مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاء شَرّاً مِنْ بَطْنٍ ، بِحَسْبِ ابنِ آدَمَ أُكُلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ ، فإنْ كانَ لا مَحالةَ فثُلُثٌ لِطَعَامِهِ ، وَثُلُثٌ لِشَرابِهِ ، وَثُلُثٌ لِنَفَسه )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
(( أكُلاَتٌ )) أيْ : لُقَمٌ .
وعن عِمْرَان بنِ الحُصَيْنِ رضي الله عنهما ، عن النبي ﷺ ، أنّه قَالَ : (( خَيْرُكُمْ قَرْنِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ )) قَالَ عِمْرَانُ : فَمَا أدْري قَالَ النبي ﷺ مَرَّتَيْنِ أَو ثَلاَثاً (( ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ ، وَيَخُونُونَ وَلاَ يُؤْتَمَنُونَ ، وَيَنْذِرُونَ وَلاَ يُوفُونَ ، وَيَظْهَرُ فِيهمُ السَّمَنُ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
من كتاب رياض الصالحين -132-


باب القناعة والعَفاف والاقتصاد في المعيشة والإنفاق وذم السؤال من غير ضرورة
قَالَ الله تَعَالَى : { وَمَا مِنْ دَابَّةٍ في الأرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُهَا }" هود" ، وقال تَعَالَى : { لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا في سَبِيلِ اللهِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إلْحَافاً } " البقرة" ، وقال تَعَالَى : { وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً } " الفرقان" ، وقال تَعَالَى : { وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ } " الذاريات" .
وَأَمَّا الأحاديث ، فتقدم معظمها في البابينِ السابقينِ:
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما : أنَّ رسول الله ﷺ قال: (( قَدْ أفْلَحَ مَنْ أسْلَمَ ، وَرُزِقَ كَفَافاً ، وقَنَّعَهُ الله بِمَا آتَاهُ )) رواه مسلم .
وعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: سألتُ رسول الله ﷺ فَأعْطَانِي ، ثُمَّ سَألْتُهُ فَأَعْطَانِي ، ثُمَّ سَألْتُهُ فَأعْطَانِي ، ثُمَّ قَالَ : (( يَا حَكِيم ، إنَّ هَذَا المَالَ خَضِرٌ حُلْوٌ ، فَمَنْ أخَذَهُ بِسَخَاوَةِ نَفسٍ بُورِكَ لَهُ فِيهِ ، وَمَنْ أخَذَهُ بإشرافِ نَفسٍ لَمْ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ ، وَكَانَ كَالَّذِي يَأكُلُ وَلاَ يَشْبَعُ ، وَاليَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى )) قَالَ حكيم : فقلتُ : يَا رسول الله ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ لاَ أرْزَأُ أحَداً بَعْدَكَ شَيْئاً حَتَّى أُفَارِقَ الدُّنْيَا ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه يَدْعُو حَكيماً لِيُعْطِيَه العَطَاء ، فَيَأبَى أنْ يَقْبَلَ مِنْهُ شَيْئاً ، ثُمَّ إنَّ عُمَرَ رضي الله عنه دَعَاهُ لِيُعْطِيَه فَأَبَى أنْ يَقْبَلَهُ . فقالَ : يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ ، أُشْهِدُكُمْ عَلَى حَكيمٍ أنّي أعْرِضُ عَلَيْهِ حَقَّهُ الَّذِي قَسَمَهُ اللهُ لَهُ في هَذَا الفَيء فَيَأبَى أنْ يَأخُذَهُ . فَلَمْ يَرْزَأْ حَكيمٌ أحَداً مِنَ النَّاسِ بَعْدَ النبي ﷺ حَتَّى تُوُفِّي . متفقٌ عَلَيْهِ .
(( يَرْزَأُ )) أيْ : لَمْ يَأخُذْ مِنْ أحَدٍ شَيْئاً ، وَ(( إشْرَافُ النَّفْسِ )) : تَطَلُّعُهَا وَطَمَعُهَا بالشَّيْء . وَ(( سَخَاوَةُ النَّفْسِ )) : هِيَ عَدَمُ الإشرَاف إِلَى الشَيء ، وَالطَّمَع فِيهِ ، وَالمُبَالاَةِ بِهِ وَالشَّرَهِ .
من كتاب رياض الصالحين -133-


عن حكيم بن حزام رضي الله عنه : أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال: (( اليَدُ العُلْيَا خَيْرٌ مِنَ اليَدِ السُّفْلَى ، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ ، وَخَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنىً ، وَمَنْ يَسْتَعْفِفْ يُعِفُّهُ الله ، وَمَنْ يَسْتَغْنِ يُغنهِ الله )) متفقٌ عَلَيْهِ .
"اليَدُ العُلْيَا هِيَ المُنْفِقَةُ ، وَالسُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ"
وعن أَبي عبد الرحمان معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( لاَ تُلْحِفُوا في الْمَسْأَلَةِ ، فَوَاللهِ لاَ يَسْأَلُنِي أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئاً ، فَتُخْرِجَ لَهُ مَسْأَلَتُهُ مِنِّي شَيْئاً وَأنَا لَهُ كَارهٌ ، فَيُبَارَكَ لَهُ فِيمَا أعْطَيْتُهُ )) رواه مسلم .
وعن أَبي عبدِ الرحمان عوف بن مالِك الأَشْجَعِيِّ رضي الله عنه قال: كُنَّا عِنْدَ رسول الله ﷺ تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً ، فَقَالَ : (( ألاَ تُبَايِعُونَ رسولَ الله ﷺ )) وَكُنَّا حَديثِي عَهْدٍ ببَيْعَةٍ ، فَقُلْنَا : قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رسولَ اللهِ ، ثمَّ قالَ : (( ألا تُبَايِعُونَ رسولَ اللهِ )) فَبَسَطْنا أيْدينا ، وقلنا : قدْ بايعناكَ فَعَلامَ نُبَايِعُكَ ؟ قَالَ : (( عَلَى أنْ تَعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً ، وَالصَّلَوَاتِ الخَمْسِ وَتُطِيعُوا الله )) وأَسَرَّ كَلِمَةً خَفِيفَةً (( وَلاَ تَسْألُوا النَّاسَ شَيْئاً )) فَلَقَدْ رَأيْتُ بَعْضَ أُولئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوطُ أحَدِهِمْ فَمَا يَسأَلُ أحَداً يُنَاوِلُهُ إيّاهُ . رواه مسلم . من كتاب رياض الصالحين -134-


وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ النَّبيَّ ﷺ، قَالَ: (( لاَ تَزَالُ الْمَسْأَلةُ بأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلْقَى الله تَعَالَى وَلَيْسَ في وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ )) متفقٌ عَلَيْهِ . (( المُزْعَةُ )): القِطْعَةُ .

عن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( مَنْ سَألَ النَّاسَ تَكَثُّراً فإنَّمَا يَسْألُ جَمْراً ؛ فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ )) رواه مسلم .

وعن سَمُرَةَ بنِ جُنْدبٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رسول الله ﷺ : (( إنَّ المَسْأَلَةَ كَدٌّ يَكُدُّ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ ، إِلاَّ أنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ سُلْطاناً أَوْ في أمْرٍ لاَ بُدَّ مِنْهُ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
(( الكد )) : الْخَدْشُ وَنَحْوُهُ .

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( مَنْ أصَابَتْهُ فَاقَةٌ فَأنْزَلَهَا بالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ ، وَمَنْ أنْزَلَهَا باللهِ ، فَيُوشِكُ اللهُ لَهُ بِرِزْقٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ )) رواه أَبُو داود والترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
من كتاب رياض الصالحين -135-

وعن أَبي هريرة رضي الله عنه : أنَّ رسول الله ﷺ قال: (( لَيْسَ المسكينُ الَّذِي يَطُوفُ عَلَى النَّاسِ تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ ، وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ ، وَلكِنَّ المِسكينَ الَّذِي لاَ يَجِدُ غِنىً يُغْنِيهِ ، وَلاَ يُفْطَنُ لَهُ فَيُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ ، وَلاَ يَقُومُ فَيَسْألَ النَّاسَ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
عن عمر رضي الله عنهم قال: كَانَ رسول الله ﷺ يُعْطيني العَطَاءَ ، فَأقُولُ : أعطِهِ مَنْ هُوَ أفْقَرُ إِلَيْهِ مِنّي . فَقَالَ : (( خُذْهُ ، إِذَا جَاءكَ مِنْ هَذَا المَال شَيْءٌ وَأنْتَ غَيْرُ مُشْرِفٍ وَلاَ سَائِلٍ ، فَخُذْهُ فَتَمَوَّلْهُ، فَإنْ شِئْتَ كُلْهُ ، وَإنْ شِئْتَ تَصَدَّقْ بِهِ ، وَمَا لا ، فَلاَ تُتبعهُ نَفْسَكَ )) قَالَ سَالِمٌ : فَكَانَ عَبدُ الله لاَ يَسألُ أحَداً شَيْئاً ، وَلاَ يَرُدُّ شَيْئاً أُعْطِيَه . متفقٌ عَلَيْهِ .
((فَتَمَوَّلْهُ)) أي اجعله لك مالاً .
باب الحث عَلَى الأكل من عمل يده والتعفف به عن السؤال والتعرض للإعطاء
قَالَ الله تَعَالَى : { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا في الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ الله } " الجمعة" .
عن أَبي عبد الله الزبير بن العَوَّام رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رسول الله ﷺ : (( لأَنْ يَأخُذَ أحَدُكُمْ أحبُلَهُ ثُمَّ يَأتِيَ الجَبَلَ ، فَيَأْتِيَ بحُزمَةٍ مِنْ حَطَب عَلَى ظَهْرِهِ فَيَبِيعَهَا ، فَيكُفّ اللهُ بِهَا وَجْهَهُ ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أنْ يَسْألَ النَّاسَ ، أعْطَوْهُ أَوْ مَنَعُوهُ )) رواه البخاري .
من كتاب رياض الصالحين -136-


وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( لأَنْ يَحْتَطِبَ أحَدُكُمْ حُزْمَةً عَلَى ظَهْرِهِ ، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أنْ يَسْألَ أحداً ، فَيُعْطِيَهُ أَوْ يَمْنَعَهُ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
وعنه ، عن النبيِّ ﷺ قال: (( كَانَ دَاوُدُ عليه السلام لا يَأكُلُ إِلاَّ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ )) رواه البخاري .
وعنه : أنَّ رسول الله ﷺ قال: (( كَانَ زَكرِيّا عليه السلام نَجَّاراً )) رواه مسلم .
وعن المقدام بنِ مَعْدِ يكرِبَ رضي الله عنه ، عن النبي ﷺ قال: (( مَا أكَلَ أَحَدٌ طَعَاماً قَطُّ خَيْراً مِنْ أنْ يَأكُلَ مِنْ عَمَلِ يَدِه ، وَإنَّ نَبيَّ الله دَاوُدَ ﷺ كَانَ يَأكُلُ مِنْ عَمَلِ يَدِهِ )) رواه البخاري .

باب الكرم والجود والإنفاق في وجوه الخير ثقةً بالله تعالى
قَالَ الله تَعَالَى : { وَمَا أنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ } " سبأ " ، وقال تَعَالَى : { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلأنْفُسِكُمْ وَمَا تُنْفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللهِ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأنْتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ } " البقرة" ، وقال تَعَالَى : { وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فإنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ } " البقرة " .
من كتاب رياض الصالحين -137-


وعن ابن مسعود رضي الله عنه ، عن النبيِّ ﷺ قال: (( لا حَسَدَ إِلاَّ في اثْنَتَيْنِ : رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً ، فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ في الحَقّ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ حِكْمَةً ، فَهُوَ يَقْضِي بِهَا ويُعَلِّمُهَا )) متفقٌ عَلَيْهِ .
ومعناه : يَنْبَغي أنْ لاَ يُغبَطَ أحَدٌ إِلاَّ عَلَى إحْدَى هَاتَيْنِ الخَصْلَتَيْنِ .

وعنه قال: قَالَ رسولُ الله ﷺ : (( أيُّكُم مَالُ وَارِثِهِ أحبُّ إِلَيْهِ مِنْ مَالِهِ ؟ )) قالوا : يَا رسول اللهِ ، مَا مِنَّا أحَدٌ إِلاَّ مَالُهُ أحَبُّ إِلَيْهِ . قَالَ : (( فإنَّ مَالَهُ مَا قَدَّمَ وَمَالَ وَارِثِهِ مَا أخَّرَ )) رواه البخاري .
وعن عَدِيِّ بن حَاتِمٍ رضي الله عنه : أنَّ رسول الله ﷺ قال: (( اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
عن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( مَا مِنْ يَوْمٍ يُصبحُ العِبَادُ فِيهِ إِلاَّ مَلَكَانِ يَنْزلانِ ، فَيَقُولُ أحَدُهُمَا : اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقاً خَلَفاً ، وَيَقُولُ الآخَرُ : اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكاً تَلَفاً )) متفقٌ عَلَيْهِ .
وعنه : أنَّ رسول الله ﷺ قال: (( قَالَ الله تَعَالَى : أنفِق يَا ابْنَ آدَمَ يُنْفَقْ عَلَيْكَ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
من كتاب رياض الصالحين -138-


وعن عبد اللهِ بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : أنَّ رَجُلاً سَألَ رسول الله ﷺ : أيُّ الإسلامِ خَيْرٌ ؟ قَالَ : (( تُطْعِمُ الطَّعَامَ ، وَتَقْرَأُ السَّلاَمَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ )) متفقٌ عَلَيْهِ .

وعن أَبي كبشة عمرو بن سعد الأنماري رضي الله عنه : أنّه سمع رسول الله ﷺ ، يقول : (( ثَلاَثَةٌ أُقْسمُ عَلَيْهِنَّ ، وَأُحَدِّثُكُمْ حَدِيثاً فَاحْفَظُوهُ : مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ ، وَلاَ ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً صَبَرَ عَلَيْهَا إِلاَّ زَادَهُ اللهُ عِزّاً ، وَلاَ فَتَحَ عَبْدٌ بَابَ مَسألَةٍ إِلاَّ فَتَحَ اللهُ عَلَيْهِ بَابَ فَقرٍ أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا وَأُحَدِّثُكُمْ حَديثاً فَاحْفَظُوهُ، قَالَ : (( إنَّمَا الدُّنْيَا لأرْبَعَةِ نَفَرٍ : عَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالاً وَعِلماً ، فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ للهِ فِيهِ حَقَّاً ، فَهذا بأفضَلِ المَنَازِلِ . وَعَبْدٍ رَزَقهُ اللهُ عِلْماً، وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالاً ، فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ ، يَقُولُ : لَوْ أنَّ لِي مَالاً لَعَمِلتُ بِعَمَلِ فُلانٍ ، فَهُوَ بنيَّتِهِ ، فأجْرُهُمَا سَوَاءٌ . وَعَبْدٍ رَزَقَهُ الله مَالاً ، وَلَمَ يَرْزُقْهُ عِلْماً ، فَهُوَ يَخبطُ في مَالِهِ بغَيرِ عِلْمٍ ، لاَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ ، وَلاَ يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ ، وَلاَ يَعْلَمُ للهِ فِيهِ حَقّاً ، فَهذَا بأَخْبَثِ المَنَازِلِ . وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللهُ مَالاً وَلاَ عِلْماً ، فَهُوَ يَقُولُ : لَوْ أنَّ لِي مَالاً لَعَمِلْتُ فِيهِ بعَمَلِ فُلاَنٍ ، فَهُوَ بنِيَّتِهِ ، فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
من كتاب رياض الصالحين -139-


وعن أَبي هريرة رضي الله عنه : أنَّ رسول الله ﷺ قال: (( مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَال ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْداً بِعَفْوٍ إِلاَّ عِزّاً ، وَمَا تَواضَعَ أحَدٌ لله إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ عز وجل )) رواه مسلم .
عن عائشة رضي الله عنها : أنَّهُمْ ذَبَحُوا شَاةً ، فَقَالَ النبيُّ ﷺ : (( مَا بَقِيَ مِنْهَا ؟ )) قالت : مَا بَقِيَ مِنْهَا إِلاَّ كَتِفُها . قَالَ : (( بَقِيَ كُلُّهَا غَيْرُ كَتِفِهَا )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث صحيح )) .
ومعناه : تَصَدَّقُوا بِهَا إِلاَّ كَتِفَها . فَقَالَ : بَقِيَتْ لَنَا في الآخِرَةِ إِلاَّ كَتِفَهَا .

وعن أسماء بنت أَبي بكرٍ الصديق رضي الله عنهما قالت : قَالَ لي رسول الله ﷺ : (( لاَ تُوكِي فَيُوكى عَلَيْكِ )) متفقٌ عَلَيْهِ ..
أي لا تدخري وتشدي ما عندك وتمنعي ما في يدك فتنقطع مادة الرزق عنك .
وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( مَنْ تَصَدَّقَ بعَدلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ ، وَلاَ يَقْبَلُ اللهُ إِلاَّ الطَّيبَ ، فَإنَّ اللهَ يَقْبَلُهَا بِيَمِينِهِ ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كَمَا يُرَبِّي أحَدُكُمْ فَلُوَّهُ حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(( الفَلُوُّ )): المُهْرُ .
من كتاب رياض الصالحين -140-

وعن أَبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبيِّ ﷺ قال: (( بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِفَلاَةٍ مِنَ الأَرْضِ ، فَسَمِعَ صَوْتاً في سَحَابَةٍ ، اسقِ حَدِيقَةَ فُلانٍ ، فَتَنَحَّى ذَلِكَ السَّحَابُ فَأفْرَغَ مَاءهُ في حَرَّةٍ ، فإِذَا شَرْجَةٌ مِنْ تِلْكَ الشِّرَاجِ قَدِ اسْتَوْعَبَت ذَلِكَ الماءَ كُلَّهُ ، فَتَتَبَّعَ المَاءَ ، فإذَا رَجُلٌ قَائمٌ في حَدِيقَتِهِ يُحَوِّلُ الماءَ بِمسحَاتِهِ، فَقَالَ لَهُ : يَا عَبْدَ اللهِ، ما اسمُكَ ؟ قال : فُلانٌ للاسم الذي سَمِعَ في السَّحابةِ ، فقال له : يا عبدَ الله ، لِمَ تَسْألُنِي عَنِ اسْمِي ؟ فَقَالَ : إنِّي سَمِعْتُ صَوتْاً في السَّحابِ الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ ، يقولُ : اسْقِ حَدِيقَةَ فُلاَنٍ لاسمِكَ ، فَمَا تَصْنَعُ فِيهَا ، فَقَالَ : أمَا إذ قلتَ هَذَا ، فَإنِّي أنْظُرُ إِلَى مَا يَخْرُجُ مِنْهَا ، فَأتَصَدَّقُ بِثُلُثِهِ ، وَآكُلُ أنَا وَعِيَالِي ثُلُثاً ، وَأردُّ فِيهَا ثُلُثَهُ )) رواه مسلم .
(( الحَرَّةُ )) الأَرْضُ المُلَبَّسَةُ حجَارَةً سَوْدَاءَ . وَ(( الشَّرْجَةُ )): هي مَسِيلُ الماءِ .


باب النهي عن البخل والشح
قَالَ الله تَعَالَى : { وَأَمَا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى وَكَذَّبَ بِالحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى } " الليل" ، وقال تَعَالَى : { وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفسِهِ فَأولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } " التغابن" .
من كتاب رياض الصالحين -141-
وعن جابر رضي الله عنه : أنَّ رسول الله ﷺ قال: (( اتَّقُوا الظُّلْمَ ؛ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ القِيَامَةِ . وَاتَّقُوا الشُّحَّ ؛ فَإنَّ الشُّحَّ أهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، حَمَلَهُمْ عَلَى أنْ سَفَكُوا دِمَاءهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ )) رواه مسلم .

باب الإيثار والمواساة
قَالَ الله تَعَالَى : { وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ } " الحشر" ، وقال تَعَالَى : { وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً } " الدهر" .
وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبيِّ ﷺ ، فَقَالَ : إنِّي مَجْهُودٌ ، فَأرسَلَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ ، فَقالت : وَالَّذي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا عِنْدِي إِلاَّ مَاءٌ، ثُمَّ أرْسَلَ إِلَى أُخْرَى ، فَقَالَتْ مِثلَ ذَلِكَ ، حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثلَ ذَلِكَ : لا وَالَّذِي بَعَثَكَ بالحَقِّ مَا عِنْدِي إِلاَّ مَاءٌ . فَقَالَ النبي ﷺ : (( مَنْ يُضيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ ؟ )) فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ : أنَا يَا رسولَ الله ، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ ، فَقَالَ لامْرَأَتِهِ : أكرِمِي ضَيْفَ رسول الله ﷺ .وفي روايةٍ قَالَ لامْرَأَتِهِ : هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ ؟ فقَالَتْ : لاَ ، إِلاَّ قُوتَ صِبيَانِي . قَالَ: فَعَلِّليهم بِشَيْءٍ وَإذَا أرَادُوا العَشَاءَ فَنَوِّمِيهمْ ، وَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأطْفِئي السِّرَاجَ ، وَأريهِ أنَّا نَأكُلُ . فَقَعَدُوا وَأكَلَ الضَّيْفُ وَبَاتَا طَاوِيَيْنِ ، فَلَمَّا أصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبيِّ ﷺ، فَقَالَ : (( لَقَدْ عَجبَ الله مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
من كتاب رياض الصالحين -142-
وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رسول الله ﷺ : (( طَعَامُ الاثْنَيْنِ كَافِي الثَّلاَثَةِ ، وَطَعَامُ الثَّلاَثَةِ كَافِي الأربَعَةِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .

وفي رواية لمسلمٍ عن جابر رضي الله عنه ، عن النبي ﷺ قال: (( طَعَامُ الوَاحِدِ يَكْفِي الاثْنَيْنِ ، وَطَعَامُ الاثْنَيْنِ يَكْفِي الأَرْبَعَةَ ، وَطَعَامُ الأَرْبَعَة يَكْفِي الثَّمَانِية )) .

وعن أَبي موسى رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( إنَّ الأشْعَرِيِّينَ إِذَا أرْمَلُوا في الغَزْوِ ، أَوْ قَلَّ طَعَامُ عِيَالِهِمْ بالمَديِنَةِ ، جَمَعُوا مَا كَانَ عِنْدَهُمْ في ثَوْبٍ وَاحِدٍ ، ثُمَّ اقْتَسَمُوهُ بَيْنَهُمْ في إنَاءٍ وَاحدٍ بالسَّوِيَّةِ فَهُمْ مِنِّي وَأنَا مِنْهُمْ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(( الأشعريين )): نسبة إلى الأشعري قبيلة من اليمن .
(( أرْمَلُوا )) : فَرَغَ زَادُهُمْ أَوْ قَارَبَ الفَرَاغَ .
من كتاب رياض الصالحين -143-

باب التنافس في أمور الآخرة والاستكثار مما يتبرك بِهِ
قَالَ الله تَعَالَى : { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } " المطففين" .
وعن سَهْلِ بن سَعدٍ رضي الله عنه : أنَّ رسول الله ﷺ أُتِيَ بِشَرابٍ ، فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلاَمٌ ، وَعَنْ يَسَارِهِ الأشْيَاخُ ، فَقَالَ لِلغُلاَمِ : (( أتَأذَنُ لِي أنْ أُعْطِيَ هؤُلاء ؟ )) فَقَالَ الغُلامُ : لاَ وَاللهِ يَا رسولَ الله ، لا أُوْثِرُ بِنَصِيبي مِنْكَ أحَداً . فَتَلَّهُ رسولُ الله ﷺ في يَدِهِ . متفقٌ عَلَيْهِ .
(( تَلَّهُ )): أيْ وَضَعَهُ . وَهذَا الغُلامُ هُوَ ابنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما .
وعن أَبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي ﷺ قال: (( بَيْنَا أيُّوبُ عليه السلام يَغْتَسِلُ عُرْيَاناً ، فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ ذَهَبٍ ، فَجَعَلَ أيُّوبُ يَحْثِي في ثَوْبِهِ ، فَنَادَاهُ رَبُّهُ عز وجل : يَا أيُّوبُ ، ألَمْ أكُنْ أغْنَيتكَ عَمَّا تَرَى ؟! قَالَ : بَلَى وَعِزَّتِكَ وَلَكِنْ لاَ غِنى بي عن بَرَكَتِكَ )) رواه البخاري .
من كتاب رياض الصالحين -144-


باب فضل الغَنِيّ الشاكر وهو من أخذ المال من وجهه وصرفه في وجوهه المأمور بِهَا:
قَالَ الله تَعَالَى: { فَأَمَّا مَنْ أعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِليُسْرَى } " الليل " ، وقال تَعَالَى : { وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى وَمَا لأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى إِلاَّ ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى وَلَسَوْفَ يَرْضَى } " الليل" ، وقال تَعَالَى : { إنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِي وَإنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الفُقراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } " البقرة" ، وقال تَعَالَى : { لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللهَ بِهِ عَلِيمٌ } " آل عمران" والآيات في فضلِ الإنفاقِ في الطاعاتِ كثيرة معلومة .

وعن عبدِ الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( لاَ حَسَدَ إِلاَّ في اثْنَتَيْنِ : رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً ، فَسَلَّطَهُ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الحَقِّ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ حِكْمَةً فَهُوَ يَقضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا )) متفقٌ عَلَيْهِ.
من كتاب رياض الصالحين -145-

وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن النبي ﷺ قال: (( لاَ حَسَدَ إِلاَّ في اثْنَتَيْنِ : رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ القُرْآنَ ، فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ مَالاً ، فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(( الآناء )) : السَّاعاتُ .

وعن أَبي هريرة رضي الله عنه : أنَّ فُقَراءَ المُهَاجِرينَ أتَوْا رسول الله ﷺ ، فَقَالُوا : ذَهَبَ أهْلُ الدُّثُورِ بِالدَّرَجَاتِ العُلَى ، وَالنَّعِيم المُقيم ، فَقَالَ : (( وَمَا ذَاك ؟)) فَقَالوا : يُصَلُّونَ كَمَا نُصَلِّي ، وَيَصُومُونَ كَمَا نَصُومُ ، وَيَتَصَدَّقُونَ وَلاَ نَتَصَدَّقُ ، وَيَعْتِقُونَ وَلاَ نَعْتِقُ ، فَقَالَ رسول الله ﷺ : (( أفَلا أُعَلِّمُكُمْ شَيْئاً تُدْرِكُونَ بِهِ مَنْ سَبَقَكُمْ ، وَتَسْبِقُونَ بِهِ مَنْ بَعْدَكُمْ ، وَلاَ يَكُونُ أحَدٌ أفْضَلَ مِنْكُمْ إِلاَّ مَنْ صَنَعَ مِثْلَ مَا صَنَعْتُمْ ؟ )) قالوا : بَلَى يَا رسول اللهقال: (( تُسَبِّحُونَ وَتُكَبِّرُونَ وَتَحْمِدُونَ ، دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاثاً وَثَلاثِينَ مَرَّةً )) فَرَجَعَ فُقَرَاء المُهَاجِرِينَ إِلَى رسول الله ﷺ ، فقالوا : سَمِعَ إخْوَانُنَا أهلُ الأمْوالِ بِمَا فَعَلْنَا ، فَفَعَلُوا مِثلَهُ ؟ فَقَالَ رسول الله ﷺ : (( ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ )) متفقٌ عَلَيْهِ ، وَهَذا لفظ رواية مسلم .

(( الدُّثُور )) : الأمْوَالُ الكَثِيرَةُ ، وَالله أعلم .
من كتاب رياض الصالحين -146-


باب ذكر الموت وقصر الأمل
قَالَ الله تَعَالَى : { كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَياةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ }" آل عمران" ، وقال تَعَالَى : { وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدَاً وَمَا تَدْري نَفْسٌ بأيِّ أرْضٍ تَمُوتُ } " لقمان " ، وقال تَعَالَى : { فَإذَا جَاءَ أجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ } " النحل" ، وقال تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ أمْوَالُكُمْ وَلاَ أوْلاَدُكُمْ عَنْ ذِكْرِ الله وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولئِكَ هم الْخَاسِرُونَ وَأنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أنْ يَأتِيَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَريبٍ فَأصَّدَّقَ وأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللهُ خَبيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } " المنافقون" ، وَالآيات في الباب كَثيرةٌ معلومة .

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ رسول الله ﷺ بِمِنْكَبي ، فَقَالَ : (( كُنْ في الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ )) . وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما ، يقول : إِذَا أمْسَيْتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ الصَّبَاحَ ، وَإِذَا أصْبَحتَ فَلاَ تَنْتَظِرِ المَسَاءَ ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ . رواه البخاري .
من كتاب رياض الصالحين -147-


وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أنَّ رسول الله ﷺ قال: (( مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ ، لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ ، يَبيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلاَّ وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ )) متفقٌ عَلَيْهِ ، هَذَا لفظ البخاري .
وفي روايةٍ لمسلمٍ : (( يَبِيتُ ثَلاَثَ لَيَالٍ )) قَالَ ابن عمر : مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سَمِعْتُ رسولَ الله ﷺ قَالَ ذَلِكَ إِلاَّ وَعِنْدِي وَصِيَّتِي .

وعنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( أكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ )) يَعْنِي : المَوْتَ . رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .

من كتاب رياض الصالحين -148-


وعن أُبَيِّ بن كعبٍ رضي الله عنه : كَانَ رسول الله ﷺ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ قَامَ ، فَقَالَ : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، اذْكُرُوا اللهَ ، جَاءتِ الرَّاجِفَةُ ، تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ ، جَاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ ، جَاءَ المَوْتُ بِمَا فِيهِ )) قُلْتُ : يَا رسول الله ، إنِّي أُكْثِرُ الصَّلاَةَ عَلَيْكَ ، فَكَمْ أجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاَتِي ؟ فَقَالَ : (( مَا شِئْتَ )) قُلْتُ : الرُّبُع قال: (( مَا شِئْتَ ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ )) قُلْتُ : فَالنِّصْف ؟ قَالَ : (( مَا شِئْتَ ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ )) قُلْتُ : فالثُّلُثَيْنِ ؟ قَالَ : (( مَا شِئْتَ ، فَإنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ )) قُلْتُ : أجعَلُ لَكَ صَلاَتِي كُلَّهَا ؟ قَالَ : (( إذاً تُكْفى هَمَّكَ ، وَيُغْفَر لَكَ ذَنْبكَ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .

باب استحباب زيارة القبور للرجال وما يقوله الزائر
عن بُرَيْدَة رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عن زِيَارَةِ القُبُورِ فَزُوروها )) رواه مسلم .
وفي رواية : (( فَمَنْ أرَادَ أنْ يَزُورَ القُبُورَ فَلْيَزُرْ ؛ فإنَّهَا تُذَكِّرُنَا الآخِرَةَ )) .
وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : كَانَ رسول الله ﷺ كلَّما كَانَ لَيْلَتُهَا مِنْ رسول الله ﷺ يَخْرُجُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ إِلَى البَقِيعِ ، فَيقولُ : (( السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ ، وَأتَاكُمْ مَا تُوعَدُونَ ، غَداً مُؤَجَّلْونَ ، وَإنَّا إنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لاَحِقُونَ ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأهْلِ بَقِيعِ الغَرْقَدِ )) رواه مسلم .
من كتاب رياض الصالحين -149-


وعن بريدة رضي الله عنه قَالَ : كَانَ النبيُّ ﷺ يُعَلِّمُهُمْ إِذَا خَرَجُوا إِلَى المَقَابِرِ أنْ يَقُولَ قَائِلُهُمْ : (( السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ أهلَ الدِّيَارِ مِنَ المُؤْمِنينَ وَالمُسلمينَ ، وَإنَّا إنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ للاَحِقونَ ، أسْألُ اللهَ لَنَا وَلَكُمُ العَافِيَةَ )) رواه مسلم .

وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: مرَّ رسول الله ﷺ بِقُبورٍ بالمدِينَةِ فَأقْبَلَ عَلَيْهِمْ بِوَجْهِهِ ، فَقَالَ : (( السَّلامُ عَلَيْكُمْ يَا أهْلَ القُبُورِ ، يَغْفِرُ اللهُ لَنَا وَلَكُمْ ، أنْتُمْ سَلَفُنَا وَنَحنُ بالأثَرِ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
بابُ كراهة تمنّي الموت بسبب ضُرّ نزل بِهِ وَلاَ بأس بِهِ لخوف الفتنة في الدين
عن أَبي هريرة رضي الله عنه : أنَّ رسول الله ﷺ قال: (( لا يَتَمَنَّ أحَدُكُمُ المَوْتَ ، إمَّا مُحْسِناً فَلَعَلَّهُ يَزْدَادُ ، وَإمَّا مُسِيئاً فَلَعَلَّهُ يَسْتَعْتِبُ )) متفقٌ عَلَيْهِ ، وهذا لفظ البخاري .
وفي رواية لمسلم عن أَبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله ﷺ قال: (( لاَ يَتَمَنَّ أَحَدُكُمُ المَوْتَ ، وَلاَ يَدْعُ بِهِ مِنْ قَبْلِ أنْ يَأتِيَهُ ؛ إنَّهُ إِذَا مَاتَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ ، وَإنَّهُ لاَ يَزِيدُ المُؤْمِنَ عُمُرُهُ إِلاَّ خَيْراً )) .
من كتاب رياض الصالحين -150-


وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ الله ﷺ : (( لاَ يَتَمَنَّيَنَّ أحَدُكُمُ المَوْتَ لِضُرٍّ أصَابَهُ ، فَإنْ كَانَ لاَ بُدَّ فَاعِلاً ، فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ أحْيِني مَا كَانَتِ الحَيَاةُ خَيْراً لي ، وَتَوَفَّنِي إِذَا كَانَت الوَفَاةُ خَيراً لي )) متفقٌ عَلَيْهِ .

باب الورع وترك الشبهات
وعن النعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهماقال: سَمِعْتُ رسول الله ﷺ ، يقول : (( إنَّ الحَلاَلَ بَيِّنٌ ، وَإنَّ الحَرامَ بَيِّنٌ ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبَهَاتٌ لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ ، اسْتَبْرَأَ لِدِينهِ وَعِرْضِهِ ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ في الحَرَامِ ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أنْ يَرْتَعَ فِيهِ ، ألاَ وَإنَّ لكُلّ مَلِكٍ حِمَىً ، ألاَ وَإنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ ، ألاَ وَإنَّ فِي الجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَت صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، ألاَ وَهِيَ القَلْبُ )) متفقٌ عَلَيْهِ ، وروياه مِنْ طرقٍ بِألفَاظٍ متقاربةٍ .
عن النَّواسِ بن سمعان رضي الله عنه عن النبيِّ ﷺ قال: (( البِرُّ : حُسْنُ الخُلُقِ، وَالإِثْمُ : مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ ، وَكَرِهْتَ أنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ )) رواه مسلم.
(( حَاكَ )): أيْ تَرَدَّدَ فِيهِ .
من كتاب رياض الصالحين -151-


وعن الحسن بن علي رضي الله عنهماقال: حَفِظتُ من رسول الله ﷺ : (( دَعْ مَا يريبُكَ إِلَى ما لاَ يَرِيبُكَ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
معناه : اتْرُكْ مَا تَشُكُّ فِيهِ ، وَخُذْ مَا لاَ تَشُكُّ فِيهِ .
وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : كَانَ لأبي بَكر الصديق رضي الله عنه غُلاَمٌ يُخْرِجُ لَهُ الخَرَاجَ ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يَأكُلُ مِنْ خَرَاجِهِ ، فَجَاءَ يَوْماً بِشَيءٍ ، فَأكَلَ مِنْهُ أَبُو بَكْرٍ ، فَقَالَ لَهُ الغُلامُ : تَدْرِي مَا هَذَا ؟ فَقَالَ أَبُو بكر : وَمَا هُوَ ؟ قَالَ : كُنْتُ تَكَهَّنْتُ لإنْسَانٍ في الجَاهِلِيَّةِ وَمَا أُحْسِنُ الكَهَانَةَ ، إِلاَّ أنّي خَدَعْتُهُ ، فَلَقِيَنِي ، فَأعْطَانِي لِذلِكَ ، هَذَا الَّذِي أكَلْتَ مِنْهُ ، فَأدْخَلَ أَبُو بَكْرٍ يَدَهُ فَقَاءَ كُلَّ شَيْءٍ فِي بَطْنِهِ . رواه البخاري .
(( الخَرَاجُ )) : شَيْءٌ يَجْعَلُهُ السَّيِّدُ عَلَى عَبْدِهِ يُؤدِّيهِ كُلَّ يَومٍ ، وَباقِي كَسْبِهِ يَكُونُ لِلْعَبْدِ .
من كتاب رياض الصالحين -152-


باب استحباب العزلة عند فساد الناس والزمان أَو الخوف من فتنة في الدين ووقوع في حرام وشبهات ونحوها:
قَالَ الله تَعَالَى: { فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مبِينٌ } " الذاريات: 50 ".
وعن سعد بن أَبي وقاص رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسول الله ﷺ ، يقول : (( إنَّ الله يُحِبُّ الْعَبْدَ التَّقِيَّ الغَنِيّ الْخَفِيَّ )) رواه مسلم . والمُرَادُ بـ (( الغَنِيّ )) غَنِيُّ النَّفْسِ.

وعن أَبي سعيد الخدري رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَجُلٌ : أيُّ النَّاسِ أفْضَلُ يَا رسولَ الله ؟ قَالَ : (( مُؤْمِنٌ مُجَاهِدٌ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ في سَبيلِ اللهِ )) قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ قَالَ : (( ثُمَّ رَجُلٌ مُعْتَزِلٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَعْبُدُ رَبَّهُ )) .
وفي رواية : (( يَتَّقِي اللهَ ، وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .

وعنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( يُوشِكُ أنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ المُسْلِمِ غَنَمٌ يَتَّبعُ بِهَا شَعَفَ الجِبَالِ ، وَمَواقعَ الْقَطْر يَفِرُّ بِدينِهِ مِنَ الفِتَنِ )) رواه البخاري .
و(( شَعَفُ الجِبَالِ )) : أعْلاَهَا .
من كتاب رياض الصالحين -153-


وعن أَبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله ﷺ ، أنَّه قَالَ : (( مِنْ خَيْرِ مَعَاشِ النَّاسِ لهم رَجُلٌ مُمْسِكٌ عِنَانَ فَرَسِهِ في سَبيلِ الله، يَطيرُ عَلَى مَتْنِهِ كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً أَوْ فَزعَةً ، طَارَ عَلَيْهِ يَبْتَغِي القَتْلَ ، أَوْ المَوْتَ مَظَانَّه ، أَوْ رَجُلٌ فِي غُنَيمَةٍ في رَأسِ شَعَفَةٍ مِنْ هذِهِ الشَّعَفِ ، أَوْ بَطنِ وَادٍ مِنْ هذِهِ الأَوْدِيَةِ ، يُقِيمُ الصَّلاَةَ ، وَيُؤتِي الزَّكَاةَ ، وَيَعْبُدُ رَبَّهُ حَتَّى يأتِيَهُ اليَقِينُ ، لَيْسَ مِنَ النَّاسِ إِلاَّ فِي خَيْرٍ )) رواه مسلم .
(( يَطِيرُ )) : أيْ يُسْرعُ . وَ(( مَتْنُهُ )) : ظَهْرُهُ . وَ(( الهَيْعَةُ )) : الصوتُ للحربِ . وَ(( الفَزعَةُ )) : نحوه . وَ(( مَظَانُّ الشَيْءِ )) : المواضعُ الَّتي يُظَنُّ وجودُهُ فِيهَا . وَ(( الغُنَيْمَة )) بضم الغين : تصغير الغنم . وَ(( الشَّعَفَةُ )) بفتح الشين والعين : هي أعلى الجَبَل .
باب التواضع وخفض الجناح للمؤمنين:
قَالَ الله تَعَالَى : { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ } " الشعراء " ، وقال تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينهِ فَسَوْفَ يَأتِي اللهُ بِقَومٍ يُحِبُّهُم وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى المُؤْمِنينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الكَافِرِينَ } " المائدة " ، وقال تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ } " الحجرات" ، وقال تَعَالَى : { فَلاَ تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } " النجم" .
من كتاب رياض الصالحين -154-

وعن عِيَاضِ بنِ حمارٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( إنَّ الله أوْحَى إِلَيَّ أنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أحَدٌ عَلَى أحَدٍ ، وَلاَ يَبْغِي أحَدٌ عَلَى أحَدٍ )) رواه مسلم .

وعن أَبي هريرة رضي الله عنه : أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ،وَمَا زادَ اللهُ عَبْداً بعَفْوٍ إِلاَّ عِزّاً، وَمَا تَوَاضَعَ أحَدٌ للهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللهُ )) رواه مسلم.

وعن أنس رضي الله عنه : أنَّهُ مَرَّ عَلَى صبيَانٍ ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ ، وقال : كَانَ النبيُّ ﷺ يفعله . متفقٌ عَلَيْهِ .

وعنه قال: إن كَانَتِ الأَمَةُ مِنْ إمَاءِ المَدينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ النَّبيِّ ﷺ ، فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءتْ . رواه البخاري .
عن الأَسْوَدِ بن يَزيدَقال: سُئِلَتْ عائشةُ رضي الله عنها مَا كَانَ النَّبيُّ ﷺ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ ؟ قالت : كَانَ يَكُون في مِهْنَةِ أهْلِهِ يعني : خِدمَة أهلِه فإذا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ ، خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ . رواه البخاري .
من كتاب رياض الصالحين -155-


وعن أنس رضي الله عنه : أن رسول الله ﷺ كَانَ إِذَا أكَلَ طَعَاماً ، لَعِقَ أصَابِعَهُ الثَّلاَثَ . قَالَ : وقال : (( إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِط عنها الأَذى ، وليَأكُلْها وَلاَ يَدَعْها لِلشَّيْطان )) وأمرَ أن تُسلَتَ القَصْعَةُقال: (( فإنَّكُمْ لاَ تَدْرُونَ في أيِّ طَعَامِكُمُ البَرَكَة )) رواه مسلم .
تسلت القصعة : نتتبع ما بقي فيها من طعام ، ونمسحها بالأصبع ونحوها.

وعن أَبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبيِّ ﷺ قال: (( مَا بَعَثَ الله نَبِيّاً إِلاَّ رَعَى الغَنَمَ )) قَالَ أصْحَابُهُ : وَأنْتَ ؟ فَقَالَ : (( نَعَمْ ، كُنْتُ أرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ )) رواه البخاري .
وعنه ، عن النبيِّ ﷺ قال: (( لَوْ دُعِيتُ إِلَى كُراعٍ أَوْ ذِرَاعٍ لأَجَبْتُ ، ولو أُهْدِيَ إِلَيَّ ذراعٌ أَوْ كُراعٌ لَقَبِلْتُ )) رواه البخاري .
وعن أنس رضي الله عنه قال: كَانَتْ ناقةُ رسول الله ﷺ العضْبَاءُ لاَ تُسْبَقُ ، أَوْ لاَ تَكَادُ تُسْبَقُ ، فَجَاءَ أعْرَابيٌّ عَلَى قَعودٍ لَهُ ، فَسَبَقَهَا ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ حَتَّى عَرَفَهُ ، فَقَالَ : (( حَقٌّ عَلَى اللهِ أنْ لاَ يَرْتَفِعَ شَيْءٌ مِنَ الدُّنْيَا إِلاَّ وَضَعَهُ )) رواه البخاري .
من كتاب رياض الصالحين -156-

باب تحريم الكبر والإعجاب

قَالَ الله تَعَالَى : { تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُواً فِي الأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ } " القصص " ، وقال تعالى : { وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحا } " الإسراء" ، وقال تَعَالَى : { وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحاً إنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ } " لقمان" .

ومعنى (( تُصَعِّر خَدَّكَ لِلنَّاسِ )) : أيْ تُمِيلُهُ وتُعرِضُ بِهِ عَنِ النَّاسِ تَكَبُّراً عَلَيْهِمْ . وَ(( المَرَحُ )) : التَّبَخْتُرُ .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي ﷺ قال: (( لاَ يَدْخُلُ الجَنَّةَ مَنْ كَانَ في قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّة مِنْ كِبْرٍ ! )) فَقَالَ رَجُلٌ : إنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَناً ، ونَعْلُهُ حَسَنَةً ؟ قَالَ : (( إنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمَالَ ، الكِبْرُ : بَطَرُ الحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ )) رواه مسلم .
(( بَطَرُ الحَقِّ )) : دَفْعُهُ وَرَدُّهُ عَلَى قَائِلِهِ ، وَ(( غَمْطُ النَّاسِ )) : احْتِقَارُهُمْ .
من كتاب رياض الصالحين -157-


وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه : أنّ رَجُلاً أكَلَ عِنْدَ رسول الله ﷺ بشمالِهِ ، فَقَالَ : (( كُلْ بيَمِينِكَ )) قَالَ : لاَ أسْتَطِيعُ ! قَالَ : (( لا اسْتَطَعْتَ )) مَا مَنَعَهُ إِلاَّ الكِبْرُ . قَالَ : فما رفَعها إِلَى فِيهِ . رواه مسلم .

عن حارثة بن وهْبٍ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسول الله ﷺ ، يقول : (( ألا أُخْبِرُكُمْ بأهْلِ النَّار : كلُّ عُتُلٍ جَوّاظٍ مُسْتَكْبرٍ )) متفقٌ عَلَيْهِ.
(( العُتُلُّ )) : الغَلِيظُ الجَافِي . ((وَالجَوَّاظُ )) : وَهُوَ الجَمُوعُ المَنُوعُ، وَقِيلَ: الضَّخْمُ المُخْتَالُ في مِشْيَتِهِ، وَقِيلَ: القَصِيرُ البَطِينُ.

عن أَبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، عن النبي ﷺ قال: (( احْتَجّتِ الجَنَّةُ وَالنَّارُ ، فَقَالَت النَّارُ : فيَّ الْجَبَّارُونَ والمُتَكَبِّرُونَ . وقالتِ الجَنَّةُ : فيَّ ضُعفاءُ الناس ومساكينُهُم ، فقضى اللهُ بَينهُما : إنكِ الجنّةُ رَحْمَتِي أرْحَمُ بِك مَنْ أشَاءُ ، وَإنَّكِ النَّارُ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أشَاءُ ، وَلِكِلَيْكُمَا عَلَيَّ مِلْؤُهَا )) رواه مسلم .
من كتاب رياض الصالحين -158-


وعن أَبي هريرة رضي الله عنه : أنَّ رسول الله ﷺ قال: (( لاَ يَنْظُرُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ إِلَى مَنْ جَرَّ إزَارَهُ بَطَراً )) متفقٌ عَلَيْهِ .
وعنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( ثَلاَثَةٌ لاَ يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَة ، وَلاَ يُزَكِّيهِمْ ، وَلاَ يَنْظُرُ إلَيْهِمْ ، وَلَهُمْ عَذَابٌ ألِيمٌ : شَيْخٌ زَانٍ ، وَمَلِكٌ كَذَّابٌ ، وَعَائِلٌ مُسْتَكْبِرٌ )) رواه مسلم .
(( العَائِلُ )) : الفَقِيرُ .
وعنهقال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( قَالَ الله عز وجل : العِزُّ إزَاري ، والكبرياءُ رِدائي ، فَمَنْ يُنَازِعُنِي في وَاحِدٍ منهما فَقَد عَذَّبْتُهُ )) رواه مسلم .
وعنه : أنَّ رسول الله ﷺ قال: (( بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمشِي في حُلَّةٍ تُعْجِبُهُ نَفْسُهُ ، مُرَجِّلٌ رَأسَهُ ، يَخْتَالُ فِي مَشْيَتهِ ، إِذْ خَسَفَ اللهُ بِهِ ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ في الأَرضِ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(( مُرَجِّلٌ رَأسَهُ )) : أيْ مُمَشِّطُهُ، (( يَتَجَلْجَلُ )) بالجيمين : أيْ يَغُوصُ وَيَنْزِلُ.
من كتاب رياض الصالحين -159-


وعن سَلَمةَ بنِ الأكْوَعِ رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( لاَ يَزَالُ الرَّجُلُ يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ حَتَّى يُكْتَبَ في الجبَّارِين ، فَيُصيبَهُ مَا أصَابَهُمْ )) رواه الترمذي ، وقال: (( حديث حسن )) .
أخرجه : الترمذي ( 2000 ) وقال : (( حديث حسن غريب )) على أنَّ في إسناده عمر بن راشد اليمامي ضعيف .
(( يَذْهَبُ بِنَفْسِهِ )) أيْ : يَرْتَفِعُ وَيَتَكبَّرُ .
باب حسن الخلق
قَالَ الله تَعَالَى : { وَإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ } " ن" ، وقال تَعَالَى : { وَالكَاظِمِينَ الغَيْظَ وَالعَافِينَ عَنِ النَّاسِ } " آل عمران" الآية .

وعن النَّوَاس بنِ سمعان رضي الله عنه قال: سألتُ رسولَ الله ﷺ عن البِرِّ وَالإثم ، فَقَالَ : (( البِرُّ : حُسنُ الخُلقِ ، والإثمُ : مَا حاك في صدرِك ، وكَرِهْتَ أن يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ )) رواه مسلم .

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهماقال: لَمْ يكن رسولُ الله ﷺ فَاحِشاً وَلاَ مُتَفَحِّشاً ، وكان يَقُولُ : (( إنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أحْسَنَكُمْ أخْلاَقاً )) متفقٌ عَلَيْهِ .
من كتاب رياض الصالحين -160-

وعن أَبي الدرداءِ رضي الله عنه : أن النبي ﷺ قال: (( مَا مِنْ شَيْءٍ أثْقَلُ في مِيزَانِ العبدِ المُؤْمِنِ يَوْمَ القِيَامَةِ مِنْ حُسْنِ الخُلُقِ ، وَإنَّ الله يُبْغِضُ الفَاحِشَ البَذِيَّ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
(( البَذِيُّ )) : هُوَ الَّذِي يتكلَّمُ بِالفُحْشِ ورديء الكلامِ .

وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : سُئِلَ رسولُ الله ﷺ عَنْ أكثرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ الْجَنَّةَ ؟ قَالَ : (( تَقْوَى اللهِ وَحُسنُ الخُلُقِ )) ، وَسُئِلَ عَنْ أكْثَرِ مَا يُدْخِلُ النَّاسَ النَّارَ، فَقَالَ : (( الفَمُ وَالفَرْجُ )) رواه الترمذي، وقال : (( حديث حسن صحيح )).

وعن أَبي أُمَامَة الباهِليِّ رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( أنَا زَعِيمٌ ببَيتٍ في ربَض الجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ المِرَاءَ وَإنْ كَانَ مُحِقّاً ، وَبِبَيْتٍ في وَسَطِ الجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الكَذِبَ وَإنْ كَانَ مَازِحاً ، وَبِبَيْتٍ في أعلَى الجَنَّةِ لِمَنْ حَسُنَ خُلُقُهُ )) . حديث صحيح ، رواه أَبُو داود بإسناد صحيح .
المراء : الاعتراض على كلام الغير بإظهار خلل فيه إما لفظا أو معنى أو في قصد المتكلم الزَّعِيمُ : الضَّامِنُ .
من كتاب رياض الصالحين -161-


وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : سَمِعْتُ رسولَ الله ﷺ ، يقول : (( إنَّ المُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بحُسْنِ خُلُقِه دَرَجَةَ الصَّائِمِ القَائِمِ )) رواه أَبُو داود .
وروى الترمذي عن عبد الله بن المباركِ رحِمه الله في تفسير حُسْنِ الخُلُقِ قال: (( هُوَ طَلاَقَةُ الوَجه ، وَبَذْلُ المَعروف ، وَكَفُّ الأذَى )) .
وعن جابر رضي الله عنه : أنَّ رسول الله ﷺ قال: (( إنَّ مِنْ أحَبِّكُمْ إليَّ ، وَأقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِساً يَوْمَ القِيَامَةِ ، أحَاسِنَكُم أخْلاَقاً ، وَإنَّ أبْغَضَكُمْ إلَيَّ وَأبْعَدَكُمْ مِنِّي يَوْمَ القِيَامَةِ ، الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ وَالمُتَفَيْهقُونَ )) قالوا : يَا رسول الله ، قَدْ عَلِمْنَا (( الثَّرْثَارُونَ وَالمُتَشَدِّقُونَ )) ، فمَا المُتَفَيْهقُونَ ؟ قَالَ : (( المُتَكَبِّرُونَ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
(( الثَّرْثَارُ )) : هُوَ كَثِيرُ الكَلاَمِ تَكَلُّفاً . وَ(( المُتَشَدِّقُ )) : المُتَطَاوِلُ عَلَى النَّاسِ بِكَلاَمِهِ ، وَيَتَكَلَّمُ بِمَلءِ فِيهِ تَفَاصُحاً وَتَعْظِيماً لِكَلامِهِ ، وَ(( المُتَفَيْهِقُ )) : أصلُهُ مِنَ الفَهْقِ وَهُوَ الامْتِلاَءُ ، وَهُوَ الَّذِي يَمْلأُ فَمَهُ بِالكَلاَمِ وَيَتَوَسَّعُ فِيهِ ، ويُغْرِبُ بِهِ تَكَبُّراً وَارْتِفَاعاً ، وَإظْهَاراً للفَضيلَةِ عَلَى غَيْرِهِ .
من كتاب رياض الصالحين -162-

باب الحلم والأناة والرفق
قَالَ الله تَعَالَى: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأعْرِضْ عَنِ الجَاهِلينَ } " الأعراف" ، وقال تَعَالَى : { وَلاَ تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أحْسَنُ فَإذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } " فصلت " ، وقال تَعَالَى : { وَلَمنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ } " الشورى" .

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قَالَ رسولُ الله ﷺ لأَشَجِّ عَبْدِ القَيْسِ : (( إنَّ فيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللهُ : الْحِلْمُ وَالأنَاةُ )) رواه مسلم .

وعن عائشة رضي الله عنها : أنَّ النبيَّ ﷺ قال: (( إنَّ اللهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ ، وَيُعْطي عَلَى الرِّفق ، مَا لاَ يُعْطِي عَلَى العُنْفِ ، وَمَا لاَ يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ )) رواه مسلم .
وعنها : أنَّ النبيَّ ﷺ قال: (( إنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ في شَيْءٍ إِلاَّ زَانَهُ ، وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ )) رواه مسلم .
من كتاب رياض الصالحين -163-

عن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : بَال أعْرَابيٌّ في المسجدِ ، فَقَامَ النَّاسُ إِلَيْهِ لِيَقَعُوا فِيهِ ، فَقَالَ النبيُّ ﷺ : (( دَعُوهُ وَأرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلاً مِنْ مَاءٍ ، أَوْ ذَنُوباً مِنْ مَاءٍ ، فَإنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَم تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ )) رواه البخاري .
(( السَّجْلُ )): وَهِيَ الدَّلو الْمُمْتَلِئَةُ مَاءً ، وَكَذلِكَ الذَّنُوبُ .

وعن أنس رضي الله عنه ، عن النبيِّ ﷺ قال: (( يَسِّرُوا وَلاَ تُعَسِّرُوا ، وَبَشِّرُوا وَلاَ تُنَفِّرُوا )) متفقٌ عَلَيْهِ .

وعن جريرِ بنِ عبدِ اللهِ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ ، يقولُ : (( مَنْ يُحْرَمِ الرِفْقَ ، يُحْرَمِ الخَيْرَ كلَّهُ )) رواه مسلم .
وعن أَبي هريرة رضي الله عنه : أنَّ رَجُلاً قَالَ للنبيِّ ﷺ : أوْصِني . قَالَ : (( لاَ تَغْضَبْ )) ، فَرَدَّدَ مِرَاراًقال: (( لاَ تَغْضَبْ )) رواه البخاري .
من كتاب رياض الصالحين -164-


وعن أَبي يعلى شَدَّاد بن أوسٍ رضي الله عنه ، عن رسول الله ﷺ قال: (( إنَّ الله كَتَبَ الإحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ فَإذَا قَتَلْتُم فَأحْسِنُوا القِتْلَة ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأحْسِنُوا الذِّبْحَةَ ، وَليُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَه ، وَلْيُرِح ذَبِيحَتَهُ )) رواه مسلم .

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( ألا أخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّار ؟ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّار ؟ تَحْرُمُ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ ، هَيّنٍ ، لَيِّنٍ ، سَهْلٍ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .

باب العفو والإعراض عن الجاهلين
قَالَ الله تَعَالَى : { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلينَ } " الأعراف" ، وقال تَعَالَى : { فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ } " الحجر" ، وقال تَعَالَى : { وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ألاَ تُحِبُّونَ أنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ } " النور" ، وقال تَعَالَى : { وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ } " الشورى" والآيات في الباب كثيرة معلومة .
من كتاب رياض الصالحين -165-

وعن أنس رضي الله عنه قال: كُنْتُ أمشي مَعَ رسول الله ﷺ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ نَجْرَانيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ ، فأدْرَكَهُ أعْرَابِيٌّ فَجَبذَهُ بِرِدَائِهِ جَبْذَةً شَديدةً ، فَنَظَرْتُ إِلَى صَفْحَةِ عَاتِقِ النَّبيِّ ﷺ ، وَقَدْ أثَّرَتْ بِهَا حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِنْ شِدَّةِ جَبْذَتِهِ ، ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ ، مُر لِي مِنْ مَالِ اللهِ الَّذِي عِنْدَكَ . فَالتَفَتَ إِلَيْهِ ، فَضَحِكَ ثُمَّ أَمَرَ لَهُ بِعَطَاءٍ . متفقٌ عَلَيْهِ .

وعن أَبي هريرة رضي الله عنه : أنَّ رسول الله ﷺ قال: (( لَيْسَ الشَّديدُ بِالصُّرَعَةِ ، إنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
باب احتمال الأذى
عن أَبي هريرة رضي الله تَعَالَى عنه: أنَّ رَجُلاًقال: يَا رسول الله ، إنّ لي قَرَابةً أصِلُهم وَيَقْطَعُونِي ، وَأُحْسِنُ إلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إلَيَّ ، وَأحْلُمُ عَنهم وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ ! فَقَالَ : (( لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ ، فَكأنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ ، وَلاَ يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللهِ تَعَالَى ظَهيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ )) رواه مسلم . وقد سَبَقَ شَرْحُهُ في بَابِ صلة الأرحام .
من كتاب رياض الصالحين -166-

باب الغضب إِذَا انتهكت حرمات الشّرع والانتصار لدين الله تعالى
قَالَ الله تَعَالَى : { وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ الله فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ } " الحج" ، وقال تَعَالَى : { إنْ تَنْصُرُوْا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ } " محمد" .
وعن أَبي مسعود عقبة بن عمرو البدري رضي الله عنه قال: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النبيِّ ﷺ ، فَقَالَ : إنِّي لأَتَأخَّرُ عَن صَلاةِ الصُّبْحِ مِنْ أَجْلِ فلانٍ مِمَّا يُطِيلُ بِنَا ! فَمَا رَأيْتُ النَّبيَّ ﷺ غَضِبَ في مَوْعِظَةٍ قَطُّ أشَدَّ مِمَّا غَضِبَ يَوْمَئذٍ ؛ فَقَالَ : (( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ ، فَأيُّكُمْ أمَّ النَّاسَ فَلْيُوجِزْ ؛ فَإنَّ مِنْ وَرَائِهِ الكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ وَذَا الحَاجَةِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .

وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قَدِمَ رسولُ الله ﷺ مِنْ سَفرٍ ، وَقَدْ سَتَرْتُ سَهْوَةً لِي بِقِرَامٍ فِيهِ تَمَاثيلُ، فَلَمَّا رَآهُ رسول الله ﷺ هتكَهُ وَتَلَوَّنَ وَجهُهُ ، وقال : (( يَا عائِشَةُ ، أشَدُّ النَّاسِ عَذَاباً عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بخَلْقِ اللهِ ! )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(( السَّهْوَةُ )) : كَالصُّفَّةِ تَكُونُ بَيْنَ يدي البيت . وَ(( القِرام )) بكسر القاف : سِتر رقيق ، وَ(( هَتَكَه )) : أفْسَدَ الصُّورَةَ الَّتي فِيهِ .
من كتاب رياض الصالحين -167-


وعن عائشة رضي الله عنها: أن قرَيشاً أهَمَّهُمْ شَأنُ المَرأَةِ المخزومِيَّةِ الَّتي سَرَقَتْ ، فقالوا : مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رسول الله ﷺ ؟ فقالوا : مَنْ يَجْتَرِئ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بنُ زَيْدٍ حِبُّ رسول الله ﷺ ؟ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ ، فَقَالَ رسول الله ﷺ : (( أتَشْفَعُ في حَدٍّ مِنْ حُدُودِ الله تَعَالَى ؟! )) ثُمَّ قامَ فَاخْتَطَبَ ، ثُمَّ قَالَ : (( إنَّمَا أهْلَك مَنْ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضَّعِيفُ أقامُوا عَلَيْهِ الحَدَّ ، وَايْمُ الله ، لَوْ أَنَّ فَاطمَةَ بِنْتَ مُحمّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعتُ يَدَهَا )) متفقٌ عَلَيْهِ .

وعن أنس رضي الله عنه : أنَّ النبيَّ ﷺ رَأى نُخَامَةً في القبلَةِ ، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى رُؤِيَ في وَجْهِهِ ؛ فَقَامَ فَحَكَّهُ بِيَدِهِ ، فَقَالَ : (( إن أحدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلاَتِهِ فَإنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ ، وَإنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبيْنَ القِبلْةِ ، فَلاَ يَبْزُقَنَّ أحَدُكُمْ قِبَلَ الْقِبْلَةِ ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ ، أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ )) ثُمَّ أخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فِيهِ ، ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ ، فَقَالَ : (( أَوْ يَفْعَلُ هكذا )) متفقٌ عَلَيْهِ .
وَالأمرُ بالبُصَاقِ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ هُوَ فِيما إِذَا كَانَ في غَيْرِ المسجِدِ ، فَأمَّا في المسجدِ فَلاَ يَبصُقُ إِلاَّ في ثَوْبِهِ .
من كتاب رياض الصالحين -168-


باب أمر وُلاة الأمور بالرفق برعاياهم ونصيحتهم والشفقة عليهم
قَالَ الله تَعَالَى : { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } " الشعراء : 215 " ، وقال تَعَالَى : { إنَّ اللهَ يَأمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ } " النحل" .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سَمِعْتُ رسول الله ﷺ ، يقول : (( كُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتهِ : الإمَامُ رَاعٍ وَمَسؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ في أهلِهِ وَمَسؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ في بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ، وَالخَادِمُ رَاعٍ في مال سيِّدِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
وعن أَبي يعلى مَعْقِل بن يَسارٍ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسول الله ﷺ ، يقول : (( مَا مِنْ عَبْدٍ يَستَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً ، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ ، إِلاَّ حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الجَنَّة )) متفقٌ عليه .
وفي رواية لمسلم : (( مَا مِنْ أميرٍ يلي أمور المُسْلِمينَ ، ثُمَّ لا يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ لَهُمْ ، إِلاَّ لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الْجَنَّةَ )) .
من كتاب رياض الصالحين -169-


وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : سَمِعْتُ رسول الله ﷺ ، يقول في بيتي هَذَا : (( اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أمْرِ أُمَّتِي شَيْئاً فَشَقَّ عَلَيْهِمْ ، فاشْقُقْ عَلَيْهِ ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئاً فَرَفَقَ بِهِمْ ، فَارفُقْ بِهِ )) رواه مسلم .

وعن أَبي مريم الأزدِيِّ رضي الله عنه : أنّه قَالَ لِمعاوية رضي الله عنه : سَمِعْتُ رسول الله ﷺ ، يقول : (( مَنْ وَلاَّهُ اللهُ شَيْئاً مِنْ أُمُورِ المُسْلِمِينَ ، فَاحْتَجَبَ دُونَ حَاجَتِهِمْ وَخَلَّتِهِمْ وَفَقْرِهِمْ ، احْتَجَبَ اللهُ دُونَ حَاجَتِهِ وَخَلَّتِهِ وَفَقْرِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ )) فجعل معاوية رجلاً عَلَى حوائج النَّاسِ . رواه أَبُو داود والترمذي .

باب الوالي العادل:
قَالَ الله تَعَالَى : { إنَّ اللهَ يَأمُرُ بِالعَدْلِ وَالإِحْسَانِ } " النحل" الآية ، وقال تَعَالَى : { وَأَقْسِطُوا إنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } " الحجرات" .
وعن عبدِ اللهِ بن عَمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قَالَ رسولُ الله ﷺ : (( إنَّ المُقْسِطِينَ عِنْدَ اللهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ : الَّذِينَ يَعْدِلُونَ في حُكْمِهِمْ وأَهْلِيْهِم وَمَا وَلُوْا )) رواه مسلم .
من كتاب رياض الصالحين -170-
وعن أَبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبيِّ ﷺ قال: (( سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ الله في ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إِلاَّ ظِلُّهُ : إِمَامٌ عادِلٌ ، وَشَابٌ نَشَأ في عِبادة الله تَعَالَى ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ في المَسَاجِدِ ، وَرَجُلانِ تَحَابَّا في اللهِ اجتَمَعَا عَلَيْهِ ، وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأةٌ ذاتُ مَنْصِبٍ وجَمالٍ ، فَقَالَ : إنّي أخافُ اللهَ ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ فَأخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ شِمَالُهُ مَا تُنْفِقُ يَمِينُهُ ، وَرَجُلٌ ذَكَرَ الله خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ )) متفقٌ عَلَيْهِ .

وعن عوفِ بن مَالِكٍ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسولَ الله ﷺ ، يقول : (( خِيَارُ أئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ ، وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ . وشِرَارُ أئِمَّتِكُم الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ ، وَتَلعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ ! ))قال: قُلْنَا : يَا رسول اللهِ ، أفَلاَ نُنَابِذُهُم ؟ قَالَ : (( لاَ ، مَا أقَامُوا فِيْكُمُ الصَّلاَةَ . لاَ ، مَا أقَامُوا فِيكُمُ الصَّلاَةَ )) رواه مسلم .
قَوْله : (( تصلّون عَلَيْهِمْ )) : تدعون لَهُمْ .

وعن عِياضِ بن حِمارٍ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسولَ الله ﷺ ، يقول : (( أهلُ الجَنَّةِ ثَلاَثَةٌ : ذُو سُلطانٍ مُقْسِطٌ مُوَفَّقٌ ، وَرَجُلٌ رَحيمٌ رَقِيقُ القَلْبِ لكُلِّ ذي قُرْبَى ومُسْلِمٍ ، وعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذو عِيالٍ )) رواه مسلم .
من كتاب رياض الصالحين -171-

باب وجوب طاعة ولاة الأمر في غير معصية وتحريم طاعتهم في المعصية
قَالَ الله تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ } " النساء" .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن النبيِّ ﷺ قال : (( عَلَى المَرْءِ الْمُسْلِمِ السَّمْعُ والطَّاعَةُ فِيمَا أحَبَّ وكَرِهَ ، إِلاَّ أنْ يُؤْمَرَ بِمَعْصِيةٍ ، فَإذَا أُمِرَ بِمَعْصِيةٍ فَلاَ سَمْعَ وَلاَ طَاعَةَ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
وعنه قال: كُنَّا إِذَا بَايَعْنَا رسولَ الله ﷺ عَلَى السَّمعِ والطَّاعَةِ ، يَقُولُ لَنَا : (( فِيمَا اسْتَطَعْتُمْ )) متفقٌ عَلَيْهِ .

وعنهقال: سَمِعْتُ رسول الله ﷺ ، يقول : (( مَنْ خَلَعَ يَداً مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ حُجَّةَ لَهُ ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ في عُنُقِهِ بَيْعَةٌ ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً )) رواه مسلم .
وفي رواية لَهُ : (( وَمَنْ مَاتَ وَهُوَ مُفَارِقٌ لِلجَمَاعَةِ ، فَإنَّهُ يَمُوتُ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً )) .
من كتاب رياض الصالحين -172-


وعن أنسٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ الله ﷺ : (( اسْمَعُوا وأطِيعُوا ، وَإنِ استُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشيٌّ ، كأنَّ رأْسَهُ زَبيبةٌ )) رواه البخاري .

وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( عَلَيْكَ السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ في عُسْرِكَ وَيُسْرِكَ ، وَمَنْشَطِكَ وَمَكْرَهِكَ ، وَأثَرَةٍ عَلَيْكَ )) رواه مسلم .

عن أَبي هُنَيْدَةَ وَائِلِ بن حُجرٍ رضي الله عنه قال: سَألَ سَلَمَةُ بن يَزيدَ الجُعفِيُّ رسولَ الله ﷺ ، فَقَالَ : يَا نَبِيَّ الله ، أرأيتَ إنْ قامَت عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسألُونَا حَقَّهُم ، وَيمْنَعُونَا حَقَّنَا ، فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ فَأعْرَضَ عنه ، ثُمَّ سَألَهُ ، فَقَالَ رسولُ الله ﷺ : (( اسْمَعْوا وَأَطِيعُوا ، فإنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا ، وَعَلَيْكُمْ مَا حملْتُمْ )) رواه مسلم .
وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما : أن رسول الله ﷺ قال: (( مَنْ كَره مِنْ أمِيرِهِ شَيْئاً فَلْيَصْبِرْ ، فَإنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ السُّلطَانِ شِبْراً مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً )) متفقٌ عَلَيْهِ .
من كتاب رياض الصالحين -173-


وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ الله ﷺ : (( إنَّهَا سَتَكُونُ بَعْدِي أثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا ! )) قالوا : يَا رسول الله ، كَيْفَ تَأمُرُ مَنْ أدْرَكَ مِنَّا ذَلِكَ ؟ قَالَ : (( تُؤَدُّونَ الحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ ، وَتَسْأَلُونَ اللهَ الَّذِي لَكُمْ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(أثَرَةٌ) أي استئثار الأمراء بأموال بيت المال.
وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( مَنْ أطَاعَنِي فَقَدْ أطَاعَ اللهَ ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللهَ ، وَمَنْ يُطِعِ الأَمِيرَ فَقَدْ أطَاعَنِي ، وَمَنْ يَعصِ الأميرَ فَقَدْ عَصَانِي )) متفقٌ عَلَيْهِ .

وعن أَبي بكرة رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله ﷺ ، يقول : (( مَنْ أهانَ السُّلطَانَ أَهَانَهُ الله )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
من كتاب رياض الصالحين -174-

باب النهي عن سؤال الإمارة واختيار ترك الولايات إذا لَمْ يتعين عليه أَوْ تَدْعُ حاجة إِلَيْهِ

قَالَ الله تَعَالَى : { تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُريدُونَ عُلوّاً في الأَرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالعَاقِبَةُ للمُتَّقِينَ } " القصص : 83 " .

وعن أَبي سعيدٍ عبدِ الرحمانِ بن سَمُرَة رضي الله عنه قال: قَالَ لي رسول الله ﷺ : (( يَا عَبْدَ الرَّحمان بن سَمُرَةَ ، لاَ تَسْأَلِ الإمَارَةَ ؛ فَإنّكَ إن أُعْطِيتَهَا عَنْ غَيْرِ مَسْألَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا ، وَإنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْألَةٍ وُكِلْتَ إِلَيْهَا ، وَإِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ ، فَرَأيْتَ غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا ، فَأتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينكَ )) متفقٌ عَلَيْهِ .

وعن أَبي ذرٍّ رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( يَا أَبَا ذَرٍّ ، إنِّي أرَاكَ ضَعِيفاً ، وَإنِّي أُحِبُّ لَكَ مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي . لاَ تَأمَّرَنَّ عَلَى اثْنَيْنِ ، وَلاَ تَوَلَّيَنَّ مَالَ يَتِيمٍ )) رواه مسلم .
وعنه قال: قُلْتُ : يَا رسول الله ، ألا تَسْتَعْمِلُني ؟ فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى مَنْكِبي ، ثُمَّ قَالَ : (( يَا أَبَا ذَرٍّ ، إنَّكَ ضَعِيفٌ ، وإنّها أمانةٌ ، وَإنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْيٌ وَنَدَامَةٌ ، إِلاَّ مَنْ أخَذَهَا بِحَقِّهَا ، وَأدَّى الَّذِي عَلَيْهِ فِيهَا )) رواه مسلم
من كتاب رياض الصالحين -175-


وعن أَبي هريرة رضي الله عنه : أنَّ رسول الله ﷺ قال: (( إنَّكُمْ سَتَحْرِصُونَ عَلَى الإمَارَةِ ، وَسَتَكونُ نَدَامَةً يَوْمَ القِيَامَةِ )) رواه البخاري .
باب حث السلطان والقاضي وغيرهما من ولاة الأمور عَلَى اتخاذ وزير صالح وتحذيرهم من قرناء السوء والقبول منهم:
قَالَ الله تَعَالَى : { الأَخِلاَّءُ يَوْمَئذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ المُتَّقِينَ } " الزخرف " .
وعن أَبي سعيدٍ وأبي هريرة رضي الله عنهما : أنَّ رسولَ الله ﷺ قال: (( مَا بَعَثَ اللهُ مِنْ نَبِيٍّ ، وَلاَ اسْتَخْلَفَ مِنْ خَليفَةٍ إِلاَّ كَانَتْ لَهُ بِطَانَتَانِ : بِطَانَةٌ تَأمُرُهُ بالمَعْرُوفِ وتَحُضُّهُ عَلَيْهِ ، وَبِطَانَةٌ تَأمُرُهُ بالشَّرِّ وَتَحُضُّهُ عَلَيْهِ ، وَالمَعْصُومُ مَنْ عَصَمَ اللهُ ))رواه البخاري .
وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قَالَ رسولُ الله ﷺ : (( إِذَا أرَادَ اللهُ بِالأَمِيرِ خَيْراً ، جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ صدقٍ ، إنْ نَسِيَ ذَكَّرَهُ ، وَإنْ ذَكَرَ أعَانَهُ ، وَإِذَا أرَادَ بِهِ غَيْرَ ذَلِكَ جَعَلَ لَهُ وَزِيرَ سُوءٍ ، إنْ نَسِيَ لَمْ يُذَكِّرْهُ ، وَإنْ ذَكَرَ لَمْ يُعِنْهُ )) رواه أَبُو داود بإسنادٍ جيدٍ عَلَى شرط مسلم .
من كتاب رياض الصالحين -176-


باب النهي عن تولية الإمارة والقضاء وغيرهما من الولايات لمن سألها أَوْ حرص عليها فعرَّض بها
عن أَبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه قال: دَخَلْتُ عَلَى النَّبيِّ ﷺ أنَا وَرَجُلانِ مِنْ بَنِي عَمِّي ، فَقَالَ أحَدُهُمَا : يَا رسول الله ، أمِّرْنَا عَلَى بَعْض مَا ولاَّكَ اللهُ عز وجل ، وقال الآخَرُ مِثلَ ذَلِكَ ، فَقَالَ : (( إنَّا وَاللهِ لاَ نُوَلِّي هَذَا العَمَلَ أحَداً سَألَهُ ، أَوْ أحَداً حَرَصَ عَلَيْهِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
{ كتَاب الأدَب}
باب الحياء وفضله والحث على التخلق به
عن ابن عمر رضي الله عنهما : أنَّ رسول الله ﷺ مَرَّ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الأنْصَار وَهُوَ يَعِظُ أخَاهُ في الحَيَاءِ ، فَقَالَ رسولُ اللهِ ﷺ : (( دَعْهُ ، فَإنَّ الْحَيَاءَ مِنَ الإيمَانِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .

وعن عمران بن حصينٍ رضي الله عنهماقال: قَالَ رسولُ الله ﷺ : (( الْحَيَاءُ لاَ يَأْتِي إِلاَّ بِخَيْرٍ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
وفي رواية لمسلمٍ : (( الحياءُ خَيْرٌ كُلُّهُ )) أَوْ قَالَ : (( الْحَيَاءُ كُلُّهُ خَيْرٌ )) .
من كتاب رياض الصالحين -177-

وعن أَبي هريرة رضي الله عنه : أنَّ رسول الله ﷺ قال: (( الإيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَةً : فَأفْضَلُهَا قَوْلُ : لاَ إلهَ إِلاَّ الله ، وَأدْنَاهَا إمَاطَةُ الأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ ، وَالحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمَانِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .

(( البِضْعُ )): وَهُوَ مِنَ الثَّلاَثَةِ إِلَى الْعَشَرَةِ .وَ(( الشُّعْبَةُ )) : القِطْعَةُ وَالْخَصْلَةُ . وَ(( الإمَاطَةُ )) : الإزَالَةُ . وَ(( الأَذَى )) : مَا يُؤْذِي كَحَجَرٍ وشوك وَطِينٍ ورماد وَقَذَرٍ وَنَحْو ذَلِكَ .
وعن أَبي سعيدٍ الخدري رضي الله عنه قال: كَانَ رسول الله ﷺ أشَدَّ حَيَاءً مِنَ العَذْرَاءِ في خِدْرِهَا ، فَإذَا رَأَى شَيْئاً يَكْرَهُهُ عَرَفْنَاهُ في وَجْهِه . متفقٌ عَلَيْهِ .
بابُ حفظ السِّر
قَالَ الله تَعَالَى: { وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } " الإسراء".
وعن أَبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( إنَّ مِنْ أشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ القِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى الْمَرْأةِ وتُفْضِي إِلَيْهِ ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا )) رواه مسلم
من كتاب رياض الصالحين -178-


وعن ثَابِتٍ عن أنس رضي الله عنه قال: أتَى عَلَيَّ رسول الله ﷺ وَأنَا ألْعَبُ مَعَ الغِلْمَانِ ، فَسَلمَ عَلَيْنَا ، فَبَعَثَني إِلَى حاجَةٍ ، فَأبْطَأتُ عَلَى أُمِّي . فَلَمَّا جِئْتُ ، قالت : مَا حَبَسَكَ ؟ فقلتُ : بَعَثَني رسولُ الله ﷺ لِحَاجَةٍ ، قالت : مَا حَاجَتُهُ ؟ قُلْتُ : إنَّهاَ سرٌّ . قالت : لا تُخْبِرَنَّ بِسرِّ رسول الله ﷺ أحَداً ، قال أنَسٌ : وَاللهِ لَوْ حَدَّثْتُ بِهِ أحَداً لَحَدَّثْتُكَ بِهِ يَا ثَابِتُ . رواه مسلم وروى البخاري بعضه مختصراً .
باب الوفاء بالعهد وَإنجاز الوَعد
قَالَ الله تَعَالَى: { وَأوْفُوا بِالعَهْدِ إنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً } " الإسراء"، وقال تَعَالَى : { وَأوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ } " النحل" ، وقال تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أوْفُوا بِالْعُقُودِ } " المائدة" ، وقال تَعَالَى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ } " الصف" .

وعن أَبي هريرة رضي الله عنه : أنَّ رسول الله ﷺ قال: (( آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ : إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا وَعَدَ أخْلَفَ ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
زَادَ في روايةٍ لمسلم : (( وإنْ صَامَ وَصَلَّى وَزَعَمَ أنَّهُ مُسْلِمٌ )) .
من كتاب رياض الصالحين -179-


وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : أنَّ رسول الله ﷺ قال: (( أرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقاً خَالِصاً ، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا : إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
وعن جابر رضي الله عنه قَالَ : قَالَ لي النبيُّ ﷺ : (( لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أعْطَيْتُكَ هكَذَا وَهَكَذَا وَهكَذَا )) فَلَمْ يَجِئْ مَالُ الْبَحْرَينِ حَتَّى قُبِضَ النَّبيُّ ﷺ ، فَلَمَّا جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أمَرَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه فَنَادَى : مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رسول الله ﷺ عِدَةٌ أَوْ دَيْنٌ فَلْيَأتِنَا ، فَأتَيْتُهُ وَقُلْتُ لَهُ : إنَّ النَّبيَّ ﷺ قَالَ لي كَذَا وَكَذَا ، فَحَثَى لي حَثْيَةً فَعَدَدْتُهَا ، فَإذَا هِيَ خَمْسُمِئَةٍ ، فَقَالَ لِي : خُذْ مِثْلَيْهَا . متفقٌ عَلَيْهِ .
باب المحافظة عَلَى مَا اعتاده من الخير

قَالَ الله تَعَالَى : { إنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأنْفُسِهِمْ }" الرعد" ، وقال تَعَالَى : { وَلاَ تَكُونُوا كَالَّتِي نقضت غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أنْكَاثاً } " النحل" . وَ(( الأنْكَاثُ )) : جَمْعُ نِكْثٍ ، وَهُوَ الْغَزْلُ المَنْقُوضُ .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهماقال: قَالَ لي رسول الله ﷺ : (( يَا عبْدَ الله ، لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلانٍ ، كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .من كتاب رياض الصالحين -180-

باب استحباب طيب الكلام وطلاقة الوَجه عند اللقاء
قَالَ الله تَعَالَى : { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنينَ } " الحجر" ، وقال تَعَالَى : { وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ القَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ } " آل عمران" .
وعن عدي بن حاتمٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ )) متفقٌ عَلَيْهِ .

وعن أَبي هريرة رضي الله عنه : أنَّ النبيَّ ﷺ قال: (( وَالكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ )) متفقٌ عَلَيْهِ ، وَهُوَ بعض حديث تقدم بطولِه .

وعن أَبي ذَرٍّ رضي الله عنه قال: قَالَ لي رسول الله ﷺ : (( لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئاً ، وَلَوْ أنْ تَلْقَى أخَاكَ بوَجْهٍ طَلْقٍ )) رواه مسلم .
من كتاب رياض الصالحين -181-

باب الحث عَلَى صلاة الوتر وبيان أنه سنة مؤكدة وبيان وقته
عن عليٍّ رضي الله عنه قال: الوِتْرُ لَيْسَ بِحَتْمٍ كَصَلاَةِ المَكْتُوبَةِ ، وَلَكِنْ سَنَّ رسولُ الله ﷺ قال: (( إنَّ اللهَ وِتْرٌ يُحِبُّ الوِتْرَ ، فَأَوْتِرُوا يَا أهْلَ القُرْآنِ )) رواه أَبُو داود والترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .

وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : مِنْ كُلِّ اللَّيْلِ قَدْ أَوْتَرَ رسول الله ﷺ ، مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، وَمِنْ أوْسَطِهِ، وَمِنْ آخِرِهِ، وَانْتَهَى وِتْرُهُ إِلَى السَّحَرِ . متفقٌ عَلَيْهِ .

وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن النَّبيِّ ﷺ قال: (( اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْراً )) متفقٌ عَلَيْهِ .

وعن أَبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال: (( أوْتِرُوا قَبْلَ أنْ تُصْبِحُوا )) رواه مسلم .
من كتاب رياض الصالحين -182-

وعن عائشة رضي الله عنها: أنَّ النَّبيَّ ﷺ كَانَ يُصَلِّي صَلاَتَهُ باللَّيْلِ ، وَهِيَ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَإذَا بَقِيَ الوِتْرُ ، أيْقَظَهَا فَأوْتَرتْ . رواه مسلم .
وفي روايةٍ لَهُ : فَإذَا بَقِيَ الوِتْرُ قال: (( قُومِي فَأوتِري يَا عائِشَةُ )) .

وعن جابر رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ الله ﷺ : (( مَنْ خَافَ أنْ لاَ يَقُومَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ ، فَلْيُوتِرْ أوَّلَهُ ، وَمَنْ طَمِعَ أنْ يَقُومَ آخِرَهُ فَلْيُوتِرْ آخِرَ اللَّيلِ ، فَإنَّ صَلاَةَ آخِرِ اللَّيْلِ مَشْهُودَةٌ ، وذَلِكَ أفْضَلُ )) رواه مسلم .

باب فضل قيام الليل
قَالَ الله تَعَالَى : { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً } " الإسراء " ، وقال تَعَالَى : { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ } " السجدة " الآية ، وقال تَعَالَى : { كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } " الذاريات " .
من كتاب رياض الصالحين -183-

وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : كَانَ النبيُّ ﷺ يَقومُ مِنَ اللَّيْلِ حَتَّى تَتَفطَّرَ قَدَمَاهُ ، فَقُلْتُ لَهُ : لِمَ تَصْنَعُ هَذَا ، يَا رَسُولَ الله ، وَقَدْ غُفِرَ لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأخَّرَ ؟ قَالَ : (( أفَلاَ أكُونُ عَبْداً شَكُوراً! )) متفقٌ عَلَيْهِ .

وعن علي رضي الله عنه : أنَّ النبيَّ ﷺ طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ لَيْلاً ، فَقَالَ : (( أَلاَ تُصَلِّيَانِ ؟ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(( طَرَقَهُ )) : أتَاهُ لَيْلاً .
وعن سالم بن عبدِ الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم ، عن أبيِهِ : أنَّ رسول الله ﷺ قال: (( نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللهِ ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيلِ )) قَالَ سالِم : فَكَانَ عَبدُ اللهِ بَعْدَ ذَلِكَ لاَ يَنامُ مِنَ اللَّيلِ إِلاَّ قَلِيلاً . متفقٌ عَلَيْهِ .
وعن عبد الله بن عَمرو بن العاصِ رضي الله عنهماقال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( يَا عَبدَ اللهِ ، لاَ تَكُنْ مِثْلَ فُلانٍ ؛ كَانَ يَقُومُ اللَّيلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيلِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: ذُكِرَ عِنْدَ النَّبيِّ ﷺ رَجُلٌ نَامَ لَيْلَةً حَتَّى أصْبَحَقال: (( ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيطَانُ في أُذُنَيْهِ أَوْ قَالَ : في أُذُنِهِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
من كتاب رياض الصالحين -184-


عن أَبي هريرة رضي الله عنه : أنَّ رسول الله ﷺ قال: (( يَعْقِدُ الشَّيطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأسِ أحَدِكُمْ ، إِذَا هُوَ نَامَ ، ثَلاَثَ عُقَدٍ ، يَضْرِبُ عَلَى كُلِّ عُقْدَةٍ : عَلَيْكَ لَيْلٌ طَويلٌ فَارْقُدْ، فَإن اسْتَيقَظَ ، فَذَكَرَ اللهَ تَعَالَى انحَلَّتْ عُقْدَةٌ ، فَإنْ تَوَضّأ ، انْحَلّتْ عُقدَةٌ ، فَإنْ صَلَّى ، انْحَلَّتْ عُقَدُهُ كُلُّهَا ، فَأصْبَحَ نَشِيطاً طَيِّبَ النَّفْسِ ، وَإلاَّ أصْبحَ خَبيثَ النَّفْسِ كَسْلاَنَ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(( قافية الرَّأس )) : آخِرُهُ .

وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه : أنَّ النبيَّ ﷺ قال: (( أيُّهَا النَّاسُ : أفْشُوا السَّلامَ ، وَأطْعِمُوا الطَّعَامَ ، وَصَلُّوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ ، تَدْخُلُوا الجَنَّةَ بِسَلاَمٍ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .

وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ اللهِ ﷺ : (( أفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ : شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ ، وَأفْضَلُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الفَرِيضَةِ : صَلاَةُ اللَّيْلِ )) رواه مسلم .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أنَّ النبيَّ ﷺ قال: (( صَلاةُ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى ، فَإذَا خِفْتَ الصُّبْحَ فَأوْتِرْ بِوَاحِدَةٍ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
وعنه قال: كَانَ النَّبيُّ ﷺ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ مَثْنَى مَثْنَى ، وَيُوتِرُ بِرَكْعَةٍ .متفقٌ عَلَيْهِ .
من كتاب رياض الصالحين -185-


وعن عائشة رضي الله عنها : أنَّ رسول الله ﷺ كَانَ يُصَلِّي إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً تَعْنِي في اللَّيلِ يَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ مَا يَقْرَأُ أحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أنْ يَرْفَعَ رَأسَهُ ، وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الفَجْرِ ، ثُمَّ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الأيْمَنِ حَتَّى يَأتِيَهُ المُنَادِي للصَلاَةِ . رواه البخاري .

وعنها ، قالت : مَا كَانَ رسول الله ﷺ يَزيدُ في رَمَضَانَ وَلاَ في غَيْرِهِ عَلَى إحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً : يُصَلِّي أرْبَعاً فَلاَ تَسْألْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ، ثُمَّ يُصَلِّي أرْبَعاً فَلاَ تَسْألْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاثاً. فَقُلتُ: يَا رسولَ اللهِ ، أتَنَامُ قَبْلَ أنْ تُوتِرَ؟ فَقَالَ: (( يَا عَائِشَة، إنَّ عَيْنَيَّ تَنَامَانِ وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي)) متفقٌ عَلَيْهِ.

وعن عائشة رضي الله عنها : أنَّ النبيَّ ﷺ كَانَ يَنَامُ أوّلَ اللَّيلِ ، وَيَقُومُ آخِرَهُ فَيُصَلِّي . متفقٌ عَلَيْهِ .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبيِّ ﷺ لَيْلَةً ، فَلَمْ يَزَلْ قائِماً حَتَّى هَمَمْتُ بِأَمْر سوءٍ ! قيلَ : مَا هَمَمْتَ ؟ قَالَ : هَمَمْتُ أنْ أجِلْسَ وَأدَعَهُ . متفقٌ عَلَيْهِ
من كتاب رياض الصالحين -186-


وعن حذيفة رضي الله عنه ، قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبيِّ ﷺ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ البَقرَةَ ، فَقُلْتُ : يَرْكَعُ عِنْدَ المئَةِ ، ثُمَّ مَضَى ، فقلتُ : يُصَلِّي بِهَا في رَكْعَةٍ فَمَضَى ، فقلتُ : يَرْكَعُ بِهَا ، ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ، ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا ، يَقرَأُ مُتَرَسِّلاً : إِذَا مَرَّ بآيةٍ فِيهَا تَسبيحٌ سَبَّحَ ، وَإذَا مَرَّ بسُؤَالٍ سَأَلَ ، وَإذَا مَرَّ بتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ، ثُمَّ رَكَعَ ، فَجَعَلَ يَقُولُ : (( سُبْحَانَ رَبِّيَ العَظِيمِ )) فَكَانَ رُكُوعُهُ نَحواً مِنْ قِيَامِهِ ، ثُمَّ قَالَ : (( سَمِعَ اللهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ، رَبَّنَا لَكَ الحَمْدُ )) ثُمَّ قَامَ طَويلاً قَريباً مِمَّا رَكَعَ ، ثُمَّ سَجَدَ ، فَقَالَ : (( سُبْحَانَ رَبِّيَ الأَعْلَى )) فَكَانَ سجُودُهُ قَريباً مِنْ قِيَامِهِ. رواه مسلم.
وعن جابر رضي الله عنه قال: سُئِلَ رسولُ الله ﷺ أيُّ الصَّلاَةِ أفْضَلُ ؟ قَالَ : (( طُولُ القُنُوتِ )) رواه مسلم .
المراد بـ (( القنوتِ )) : القِيام .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : أنَّ رسول الله ﷺ قال: (( أحَبُّ الصَّلاةِ إِلَى اللهِ صَلاةُ دَاوُدَ ، وَأحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللهِ صِيَامُ دَاوُدَ ، كَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ وَيَنَامُ سُدُسَهُ وَيَصُومُ يَوماً وَيُفْطِرُ يَوْماً )) متفقٌ عَلَيْهِ .
من كتاب رياض الصالحين -187-

وعن جابر رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ ، يقول : (( إنَّ في اللَّيْلِ لَسَاعَةً، لاَ يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْألُ الله تَعَالَى خَيْراً مِنْ أمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إِلاَّ أعْطَاهُ إيَّاهُ ، وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ )) رواه مسلم .
وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : كَانَ رسولُ الله ﷺ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلاَتَهُ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ . رواه مسلم .

وعنها رضي الله عنها ، قالت : كَانَ رسول الله ﷺ إِذَا فَاتَتْهُ الصَّلاةُ مِن اللَّيْلِ مِنْ وَجَعٍ أَوْ غَيْرِهِ ، صَلَّى مِنَ النَّهَارِ ثِنْتَيْ عَشرَةَ ركْعَةً . رواه مسلم .

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ الله ﷺ : (( مَنْ نَامَ عَنْ حِزْبِهِ ، أَوْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ ، فَقَرَأَهُ فيما بَيْنَ صَلاَةِ الفَجْرِ وصلاة الظُّهْرِ ، كُتِبَ لَهُ كَأنَّمَا قَرَأهُ مِنَ اللَّيْلِ )) رواه مسلم .
من كتاب رياض الصالحين -188-


عن أَبي هريرة رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رسول الله ﷺ : (( رَحِمَ اللهُ رَجُلاً قَامَ مِنَ اللَّيْلِ ، فَصَلَّى وَأيْقَظَ امْرَأَتَهُ ، فَإنْ أبَتْ نَضَحَ في وَجْهِهَا المَاءَ ، رَحِمَ اللهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ ، فَصَلَّتْ وَأيْقَظَتْ زَوْجَهَا ، فَإن أبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ المَاءَ )) رواه أَبُو داود بإسناد صحيح .

وعنه وعن أَبي سعيدٍ رضي الله عنهما ، قالا : قَالَ رسولُ اللهِ ﷺ : (( إِذَا أَيْقَظَ الرَّجُلُ أهْلَهُ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّيَا أَوْ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ جَمِيعاً ، كُتِبَا في الذَّاكِرِينَ وَالذَّاكِرَاتِ )) رواه أَبُو داود بإسناد صحيح .

وعن عائشة رضي الله عنها : أنَّ النبيَّ ﷺ قال: (( إِذَا نَعَسَ أحَدُكُمْ في الصَّلاَةِ ، فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ ، فَإنَّ أحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ ، لَعَلَّهُ يَذْهَبُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُبَّ نَفْسَهُ )) متفقٌ عَلَيْهِ .

وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ الله ﷺ : (( إِذَا قَامَ أحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ ، فَاسْتَعْجَمَ القُرْآنَ عَلَى لِسَانِهِ ، فَلَمْ يَدْرِ مَا يَقُولُ ، فَلْيَضْطَجِع )) رواه مسلم .
من كتاب رياض الصالحين -189-


باب فضل قراءة القرآن
عن أَبي أُمَامَةَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ ، يقول : (( اقْرَؤُوا القُرْآنَ ؛ فَإنَّهُ يَأتِي يَوْمَ القِيَامَةِ شَفِيعاً لأَصْحَابِهِ )) رواه مسلم .
وعن النَّوَّاسِ بنِ سَمْعَانَ رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسولَ الله ﷺ ، يقولُ : (( يُؤْتَى يَوْمَ القِيَامَةِ بِالقُرْآنِ وَأهْلِهِ الذينَ كَانُوا يَعْمَلُونَ بِهِ في الدُّنْيَا تَقْدُمُه سورَةُ البَقَرَةِ وَآلِ عِمْرَانَ ، تُحَاجَّانِ عَنْ صَاحِبِهِمَا )) رواه مسلم .

وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ )) رواه البخاري .
وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : قَالَ رسول الله ﷺ : (( الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَهُوَ مَاهِرٌ بِهِ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أجْرَانِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
من كتاب رياض الصالحين -190-


وعن أَبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ مَثَلُ الأُتْرُجَّةِ : رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ : لاَ رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ ، وَمَثلُ المُنَافِقِ الَّذِي يقرأ القرآنَ كَمَثلِ الرَّيحانَةِ : ريحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ ، وَمَثَلُ المُنَافِقِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثلِ الحَنْظَلَةِ : لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه : أنَّ النبيَّ ﷺ قال: (( إنَّ اللهَ يَرْفَعُ بِهَذَا الكِتَابِ أقْوَاماً وَيَضَعُ بِهِ آخرِينَ )) رواه مسلم .
عن ابن عمر رضي اللهُ عنهما ، عن النَّبيِّ ﷺ قال: (( لاَ حَسَدَ إِلاَّ في اثْنَتَيْنِ : رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ القُرْآنَ ، فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاء اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالاً ، فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(( والآنَاءُ )) : السَّاعَاتُ .
من كتاب رياض الصالحين -191-


وعن البراءِ بن عازِبٍ رضي اللهُ عنهماقال: كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ ، وَعِنْدَهُ فَرَسٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ ، فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ فَجَعَلَتْ تَدْنُو ، وَجَعَلَ فَرَسُه يَنْفِرُ مِنْهَا ، فَلَمَّا أصْبَحَ أتَى النَّبيَّ ﷺ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ ، فَقَالَ : (( تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ لِلقُرْآنِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
(( الشَّطَنُ )) بفتحِ الشينِ المعجمة والطاءِ المهملة : الحَبْلُ .
وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ اللهِ ﷺ : (( مَنْ قَرَأ حَرْفاً مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ حَسَنَةٌ ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا ، لاَ أقول : ألم حَرفٌ ، وَلكِنْ : ألِفٌ حَرْفٌ ، وَلاَمٌ حَرْفٌ ، وَمِيمٌ حَرْفٌ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .

وعن عبد اللهِ بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، عن النبيِّ ﷺ قال: (( يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ : اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ في الدُّنْيَا ، فَإنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آية تَقْرَؤُهَا )) رواه أَبُو داود والترمذي ، وقال : (( حديث حسن صحيح )) .
من كتاب رياض الصالحين -192-

باب الأمر بتعهد القرآن والتحذير عن تعريضه للنسيان
عن أَبي موسى رضي الله عنه ، عن النبيِّ ﷺ قال: (( تعاهدوا هَذَا القُرْآنَ ، فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَهُوَ أشَدُّ تَفَلُّتاً مِنَ الإبلِ فِي عُقُلِهَا )) متفقٌ عَلَيْهِ .

وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أنَّ رسول الله ﷺ قال: (( إنَّمَا مَثَلُ صَاحبِ الْقُرْآنِ كَمَثَلِ الإِبِلِ المُعَقَّلَةِ ، إنْ عَاهَدَ عَلَيْهَا أمْسَكَهَا ، وَإنْ أطْلَقَهَا ذَهَبَتْ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
باب استحباب تحسين الصوت بالقرآن وطلب القراءة من حسن الصوت والاستماع لها
وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ ، يقول : (( مَا أَذِنَ اللهُ لِشَيءٍ مَا أَذِنَ لِنَبِيٍّ حَسَنِ الصَّوْتِ يَتَغَنَّى بِالقُرْآنِ يَجْهَرُ بِهِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
مَعْنَى (( أَذِنَ الله )) : أي اسْتَمَعَ ، وَهُوَ إشَارَةٌ إِلَى الرِّضَا والقَبولِ .
وعن أَبي موسى الأَشعري رضي الله عنه : أنَّ رسولَ الله ﷺ قاللَهُ : (( لَقدْ أُوتِيتَ مِزْمَاراً مِنْ مَزَامِيرِ آلِ دَاوُدَ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
وفي رواية لمسلمٍ : أنَّ رسول الله ﷺ قاللَهُ : (( لَوْ رَأيْتَنِي وَأنَا أسْتَمِعُ لِقِراءتِكَ الْبَارِحَةَ )) .
من كتاب رياض الصالحين -193-


وعن البَراءِ بنِ عازِبٍ رضي اللهُ عنهماقال: سَمِعْتُ النبيَّ ﷺ قَرَأَ فِي الْعِشَاءِ بالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ ، فَمَا سَمِعْتُ أحَداً أحْسَنَ صَوْتاً مِنْهُ . متفقٌ عَلَيْهِ .
وعن أَبي لُبَابَةَ بشير بن عبد المنذر رضي الله عنه : أنَّ النبيَّ ﷺ قال: (( مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالقُرْآنِ فَلَيْسَ مِنَّا )) رواه أَبُو داود بإسنادٍ جيدٍ .
معنى (( يَتَغَنَّى )) : يُحَسِّنُ صَوْتَهُ بِالقُرْآنِ .
وعن ابن مسعودٍ رضي الله عنه قال: قَالَ لِي النَّبيُّ ﷺ : (( اقْرَأْ عَلَيَّ القُرْآنَ )) ، فقلتُ : يَا رسولَ الله ، أَقْرَأُ عَلَيْكَ ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ ؟! قَالَ : (( إنِّي أُحِبُّ أنْ أسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي )) فَقَرَأْتُ عَلَيْهِ سُورَةَ النِّسَاءِ ، حَتَّى جِئْتُ إِلَى هذِهِ الآية: { فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاَءِ شَهِيداً } قَالَ :(( حَسْبُكَ الآنَ )) فَالْتَفَتُّ إِلَيْهِ ، فَإذَا عَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ . متفقٌ عَلَيْهِ .
من كتاب رياض الصالحين -194-


باب الحث عَلَى سور وآيات مخصوصة
عن أَبي سَعِيدٍ رَافِعِ بن الْمُعَلَّى رضي الله عنه قال: قَالَ لي رسولُ اللهِ ﷺ : (( أَلاَ أُعَلِّمُكَ أَعْظَمَ سُورَةٍ في القُرْآن قَبْلَ أنْ تَخْرُجَ مِنَ الْمَسْجِدِ ؟ )) فَأخَذَ بِيَدِي ، فَلَمَّا أرَدْنَا أنْ نَخْرُجَ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إنَّكَ قُلْتَ : لأُعَلِّمَنَّكَ أعْظَمَ سُورَةٍ في القُرْآنِ ؟ قَالَ : (( الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ ، هِيَ السَّبْعُ المَثَانِي وَالقُرْآنُ العَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ )) رواه البخاري .

وعن أَبي سعيد الخدري رضي الله عنه : أنَّ رسول الله ﷺ قالفي : { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ } : (( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ القُرْآنِ )) .
وفي روايةٍ : أن رسول الله ﷺ قاللأَصْحَابِهِ : (( أَيَعْجِزُ أحَدُكُمْ أنْ يَقْرَأَ بِثُلُثِ القُرْآنِ فِي لَيْلَةٍ )) فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ، وَقَالُوا : أيُّنَا يُطِيقُ ذَلِكَ يَا رسولَ الله ؟ فَقَالَ : (( { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ } : ثُلُثُ الْقُرْآنِ )) رواه البخاري .

وعن أنس رضي الله عنه : أنَّ رَجُلاً قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إني أُحِبُّ هذِهِ السُّورَةَ : { قُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ } قَالَ : (( إنَّ حُبَّهَا أدْخَلَكَ الجَنَّةَ )) رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) . ورواه البخاري في صَحِيحِهِ تعليقاً .
وعن عقبة بن عامِر رضي الله عنه : أنَّ رسول الله ﷺ قال: (( ألَمْ تَرَ آيَاتٍ أُنْزِلَتْ هذِهِ اللَّيْلَةَ لَمْ يُرَ مِثْلُهُنَّ قَطُّ ؟ { قُلْ أَعْوذُ بِرَبِّ الفَلَقِ } وَ { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ } )) رواه مسلم .
من كتاب رياض الصالحين -195-


وعن أَبي سَعِيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه قال: كَانَ رسولُ الله ﷺ يَتَعَوَّذُ مِنَ الجَانِّ ، وَعَيْنِ الإنْسَانِ ، حَتَّى نَزَلَتْ المُعَوِّذَتَانِ ، فَلَمَّا نَزَلَتَا ، أخَذَ بِهِمَا وَتَرَكَ مَا سِوَاهُمَا . رواه الترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .

وعن أَبي هريرة رضي الله عنه : أنَّ رسول الله ﷺ قال : (( مِنَ القُرْآنِ سُورَةٌ ثَلاثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ ، وَهِيَ : { تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ المُلْكُ } )) رواه أَبُو داود والترمذي ، وقال : (( حديث حسن )) .
وعن ابنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : بَيْنَمَا جِبْريلُ عليه السلام قَاعِدٌ عِنْدَ النبي ﷺ سَمِعَ نَقيضاً مِنْ فَوقِهِ ، فَرَفَعَ رَأسَهُ ، فَقَالَ : هَذَا بَابٌ مِنَ السَّمَاءِ فُتِحَ اليَوْمَ وَلَمْ يُفْتَحْ قَطٌّ إِلاَّ اليَوْمَ ، فنَزلَ منهُ مَلكٌ ، فقالَ : هذا مَلكٌ نَزلَ إلى الأرضِ لم ينْزلْ قطّ إلاّ اليومَ فَسَلَّمَ وقال : أبْشِرْ بِنُورَيْنِ أُوتِيتَهُمَا لَمْ يُؤتَهُمَا نَبيٌّ قَبْلَكَ : فَاتِحَةُ الكِتَابِ ، وَخَواتِيمُ سُورَةِ البَقَرَةِ ، لَنْ تَقْرَأَ بِحَرْفٍ مِنْهَا إِلاَّ أُعْطِيتَه . رواه مسلم .
(( النَّقِيضُ )) : الصَّوْتُ .
من كتاب رياض الصالحين -196-


عن أَبي مسعودٍ البَدْرِيِّ رضي الله عنه ، عن النبي ﷺ قال: (( مَنْ قَرَأَ بِالآيَتَيْنِ مِنْ آخر سُورَةِ البَقَرَةِ في لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
قِيلَ : كَفَتَاهُ الْمَكْرُوهَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ ، وَقِيلَ : كَفَتَاهُ مِنْ قِيامِ اللَّيْلِ .

وعن أَبي هريرة رضي الله عنه : أنَّ رسول الله ﷺ قال: (( لاَ تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ ، إنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ البَقرَةِ )) رواه مسلم .

وعن أُبَيِّ بنِ كَعبٍ رضي الله عنه قال: قَالَ رسولُ الله ﷺ : (( يَا أَبَا الْمُنْذِرِ ، أَتَدْري أيُّ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ الله مَعَكَ أعْظَمُ ؟ )) قُلْتُ : { اللهُ لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ } فَضَرَبَ فِي صَدْرِي ، وقال : (( لِيَهْنِكَ العِلْمُ أَبَا الْمُنْذِرِ )) رواه مسلم .
من كتاب رياض الصالحين -197-
وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: وَكَّلَنِي رسولُ الله ﷺ بِحِفْظِ زَكَاةِ رَمَضَانَ، فَأتَانِي آتٍ فَجَعَلَ يَحْثُو مِنَ الطَّعَام، فَأخَذْتُهُ فقُلتُ: لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رسولِ الله ﷺ قال: إنِّي مُحْتَاجٌ ، وَعَليَّ عِيَالٌ ، وَبِي حَاجَةٌ شَدِيدَةٌ ، فَخَلَّيْتُ عَنْهُ ، فَأصْبَحْتُ ، فَقَالَ رسول الله ﷺ : (( يَا أَبَا هُريرة ، مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ البَارِحَةَ ؟ )) قُلْتُ : يَا رسول الله ، شَكَا حَاجَةً وَعِيَالاً ، فَرحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبيلَهُ . فَقَالَ : (( أمَا إنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ )) فَعَرَفْتُ أنَّهُ سَيَعُودُ ، لقولِ رسول الله ﷺ فَرَصَدْتُهُ ، فَجاء يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ ، فَقُلتُ : لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رسول الله ﷺ قال: دَعْنِي فَإنِّي مُحْتَاجٌ ، وَعَلَيَّ عِيَالٌ لاَ أعُودُ ، فَرحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبيلَهُ ، فَأصْبَحْتُ فَقَالَ لي رسول الله ﷺ : (( يَا أَبَا هُريرة ، مَا فَعَلَ أَسِيرُكَ البَارِحَةَ ؟ )) قُلْتُ : يَا رسول الله ، شَكَا حَاجَةً وَعِيَالاً ، فَرحِمْتُهُ فَخَلَّيْتُ سَبيلَهُ . فَقَالَ : (( إنَّهُ قَدْ كَذَبَكَ وَسَيَعُودُ )) فَرَصَدْتُهُ الثَّالثَة ، فَجاء يَحْثُو مِنَ الطَّعَامِ فَأخَذْتُهُ ، فَقُلتُ : لأَرْفَعَنَّكَ إِلَى رسولِ الله ﷺ ، وهذا آخِرُ ثلاثِ مَرَّاتٍ أنَّكَ تَزْعُمُ أنَّكَ لاَ تَعُودُ ! فَقَالَ : دَعْنِي فَإنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللهُ بِهَا ، قُلْتُ : مَا هُنَّ ؟ قَالَ : إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَةَ الكُرْسِيِّ ، فَإنَّهُ لَنْ يَزَالَ عَلَيْكَ مِنَ الله حَافِظٌ ، وَلاَ يَقْرَبُكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ ، فَخَلَّيْتُ سَبِيلَهُ ، فَأصْبَحْتُ ، فَقَالَ لي رسولُ الله ﷺ : (( مَا فَعَلَ أسِيرُكَ البَارِحَةَ ؟ )) قُلْتُ : يَا رسول الله ، زَعَمَ أنَّهُ يُعَلِّمُنِي كَلِمَاتٍ يَنْفَعُنِي اللهُ بِهَا ، فَخَلَّيْتُ سَبيلَهُقال: (( مَا هِيَ ؟ )) قُلْتُ : قَالَ لي : إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ فَاقْرَأْ آيَة الكُرْسِيِّ مِنْ أوَّلِهَا حَتَّى تَخْتِمَ الآية : { اللهُ لاَ إلَهَ إِلاَّ هُوَ الحَيُّ القَيُّومُ } وقال لِي : لاَ يَزَالُ عَلَيْكَ مِنَ اللهِ حَافِظٌ ، وَلَنْ يَقْرَبَكَ شَيْطَانٌ حَتَّى تُصْبِحَ . فَقَالَ النبيُّ ﷺ : (( أمَا إنَّهُ قَدْ صَدَقَكَ وَهُوَ كَذُوبٌ ، تَعْلَمُ مَنْ تُخَاطِبُ مُنْذُ ثَلاَثٍ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ؟ )) قُلْتُ : لاَ . قَالَ : (( ذَاكَ شَيْطَانٌ )) رواه البخاري .
من كتاب رياض الصالحين -198-


باب استحباب الاجتماع عَلَى القراءة
وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ يَتلُونَ كِتَابَ اللهِ ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بينهم ، إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيتْهُمُ الرَّحْمَةُ ، وَحَفَّتْهُمُ المَلاَئِكَةُ ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ )) رواه مسلم .
باب تأكيد وجوب الزكاة وبيان فضلها وَمَا يتعلق بِهَا
قَالَ الله تَعَالَى : { وَأقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } " البقرة " ، وقال تَعَالَى : { وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُؤتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ } " البينة :5 " ، وقال تَعَالَى : { خُذْ مِنْ أمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } " التوبة " .

وعن ابن عمر رضي الله عنهما : أنَّ رسول الله ﷺ قال: (( بُنِيَ الإسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ : شَهَادَةِ أنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ ، وَأنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَإقَامِ الصَّلاَةِ ، وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَحَجِّ البَيْتِ ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
من كتاب رياض الصالحين -199-


وعن ابن عباس رضي الله عنه : أنَّ النبيَّ ﷺ بعث مُعاذاً رضي الله عنه إِلَى اليَمَنِ ، فَقَالَ : (( ادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ وَأنِّي رسول اللهِ ، فإنْ هُمْ أطَاعُوا لِذلِكَ ، فَأعْلِمْهُمْ أن اللهَ تَعَالَى ، افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَواتٍ في كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ، فَإنْ هُمْ أطَاعُوا لِذلِكَ ، فَأعْلِمْهُمْ أنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤخَذُ مِنْ أغْنِيَائِهِمْ ، وتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ )) متفقٌ عَلَيْهِ .

وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: لَمَّا تُوُفِّيَ رسولُ الله ﷺ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنَ العَرَبِ ، فَقال عُمَرُ رضي الله عنه : كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رسولُ الله ﷺ : (( أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولوُا لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ ، فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلاَّ بِحَقِّهِ ، وَحِسَابُهُ عَلَى الله )) فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ : وَاللهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بين الصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ ، فَإنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ المَالِ . وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عِقَالاً كَانُوا يُؤدُّونَهُ إِلَى رسولِ الله ﷺ ، لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهِ . قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه : فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلاَّ أنْ رَأيْتُ اللهَ قَدْ شَرَحَ صَدْرَ أَبي بَكْرٍ لِلقِتَالِ ، فَعَرَفْتُ أنَّهُ الحَقُّ . متفقٌ عَلَيْهِ .

من كتاب رياض الصالحين -200-

عن ابن عمر رضي الله عنهماقال: قَالَ رسولُ الله ﷺ : (( أُمِرْتُ أنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أنْ لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ، وَأنَّ مُحَمَّداً رسول الله ، وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ ، وَيُؤتُوا الزَّكَاةَ، فَإذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِني دِمَاءهُمْ وَأمْوَالَهُمْ ، إِلاَّ بِحَقِّ الإسْلاَمِ ، وَحِسَابُهُم عَلَى الله )) متفقٌ عَلَيْهِ .

وعن أَبي أيُّوب رضي الله عنه : أنّ رَجُلاً قَالَ للنبيِّ ﷺ : أخْبِرْنِي بعمل يُدْخِلُنِي الجَنَّة قال: (( تَعْبُدُ اللهَ ، وَلاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً ، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ )) متفقٌ عَلَيْهِ .

وعن أَبي هريرة رضي الله عنه : أنَّ أعْرَابياً أتَى النبيَّ ﷺ ، فَقَالَ : يَا رسولَ اللهِ، دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ ، دَخَلْتُ الجَنَّةَ . قَالَ : (( تَعْبُدُ اللهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئاً ، وتُقِيمُ الصَّلاَةَ ، وتُؤتِي الزَّكَاةَ المَفْرُوضَةَ ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ )) قَالَ : وَالذي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لا أزيدُ عَلَى هَذَا ، فَلَمَّا وَلَّىقالالنبيُّ ﷺ : (( مَنْ سَرَّهُ أنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أهْلِ الجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا )) متفقٌ عَلَيْهِ .
من كتاب رياض الصالحين -201-


وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: بايَعْتُ النبيَ ﷺ عَلَى إقَامِ الصَّلاَةِ ، وَإيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ . متفقٌ عَلَيْهِ .
وعن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ ، وَلاَ فِضَّةٍ ، لا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلاَّ إِذَا كَانَ يَومُ القِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ، فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا في نَارِ جَهَنَّمَ ، فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ، وَجَبِينُهُ ، وَظَهْرُهُ، كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ في يَومٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألْفَ سَنَةٍ ، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ العِبَادِ فَيَرَى سَبيلَهُ ، إمَّا إِلَى الجَنَّةِ ، وَإمَّا إِلَى النَّارِ )) " جزء من حديث طويل ، متفقٌ عَلَيْهِ ، وهذا لفظ مسلم .
باب تحريم رفع المأموم رأسه من الركوع أَو السجود قبل الإمام

عن أَبي هريرة رضي الله عنه : أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال: (( أمَا يَخْشَى أحَدُكُمْ إِذَا رَفَعَ رَأسَهُ قَبْلَ الإمَامِ أنْ يَجْعَلَ اللهُ رَأسَهُ رَأسَ حِمَارٍ ! أَوْ يَجْعَلَ اللهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ )) متفق عَلَيْهِ .
من كتاب رياض الصالحين -202-


باب كراهة وضع اليد عَلَى الخاصرة في الصلاة
عن أَبي هريرة رضي الله عنه : أنَّ رسولَ اللهِ ﷺ نَهَى عن الخَصْرِ في الصَّلاَةِ . متفق عَلَيْهِ .
باب كراهة الصلاة بحضرة الطعام ونفسه تتوق إِلَيْهِ أَوْ مَعَ مدافعة الأخبثين : وهما البول والغائط
عن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها ، قالت : سَمِعْتُ رسولَ الله ﷺ يقولُ : (( لا صَلاَةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ ، وَلاَ وَهُوَ يُدَافِعُهُ الأَخْبَثَانِ )) . رواه مسلم .
باب النهي عن رفع البصر إِلَى السماء في الصلاة
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رسولُ اللهِ ﷺ : (( مَا بَالُ أقْوامٍ يَرْفَعُونَ أبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ في صَلاَتِهِمْ ! )) فَاشْتَدَّ قَولُهُ في ذَلِكَ حَتَّى قَالَ :
(( لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ ، أَوْ لَتُخطفَنَّ أَبْصَارُهُمْ ! )) . رواه البخاري .
من كتاب رياض الصالحين -203-

باب كراهة الالتفات في الصلاة لغير عذر
عن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها ، قالت : سألت رسُولَ الله ﷺ عَنِ الالتفَاتِ في الصَّلاَةِ ، فَقَالَ : (( هُوَ اخْتِلاَسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلاَةِ العَبْدِ )) . رواه البخاري .


باب النهي عن الصلاة إِلَى القبور
عن أَبي مَرْثَدٍ كَنَّازِ بْنِ الحُصَيْنِ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رسُولَ اللهِ ﷺ يقولُ : (( لا تُصَلُّوا إِلَى القُبُورِ ، وَلاَ تَجْلِسُوا عَلَيْهَا )) . رواه مسلم .

باب تحريم المرور بَيْنَ يدي المصلِّي
عن أَبي الجُهَيْمِ عبد اللهِ بن الحارِثِ بن الصِّمَّةِ الأنْصَارِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رسُولُ الله ﷺ : (( لَوْ يَعْلَمُ المَارُّ بَيْنَ يَدَيِ المُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أنْ يَقِفَ أرْبَعِينَ خَيْراً لَهُ مِنْ أنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ )) قَالَ الراوي : لا أدْرِي قَالَ : أرْبَعينَ يَوماً ، أَوْ أرْبَعِينَ شَهْراً ، أَوْ أرْبَعِينَ سَنَةً .متفق عَلَيْهِ .
من كتاب رياض الصالحين -204-


باب كراهة شروع المأموم في نافلة بعد شروع المؤذن في إقامة الصلاة سواء كَانَتْ النافلة سنة تلك الصلاة أَوْ غيرها
عن أَبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبيِّ ﷺ قَالَ : (( إِذَا أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ صَلاَةَ إِلاَّ المَكْتُوبَةَ )) . رواه مسلم .

باب الحث عَلَى صلاة تحية المسجد بركعتين وكراهة الجلوس قبل أن يصلي ركعتين في أي وقت دخل وسواء صلَّى ركعتين بنية التَّحِيَّةِ أَوْ صلاة فريضة أَوْ سنة راتبة أَوْ غيرها:

عن أَبي قتادة رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( إِذَا دَخَلَ أحَدُكُمُ المَسْجِدَ ، فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ )) متفقٌ عَلَيْهِ .

باب استحباب ركعتين بعد الوضوء
عن أَبي هريرة رضي الله عنه : أنَّ رسول الله ﷺ قَالَ لِبِلاَلٍ : (( يَا بِلاَلُ ، حَدِّثْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإسْلاَمِ ، فَإنِّي سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ في الجَنَّةِ )) قَالَ : مَا عَمِلْتُ عَمَلاً أرْجَى عِنْدي مِنْ أَنِّي لَمْ أتَطَهَّرْ طُهُوراً فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ إِلاَّ صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أنْ أُصَلِّي . متفقٌ عَلَيْهِ ، وهذا لفظ البخاري .
من كتاب رياض الصالحين -205-


باب فضل السنن الراتبة مع الفرائض وبيان أقلها وأكملها وما بينهما
عن أُمِّ المُؤْمِنِينَ أُمِّ حَبِيبَةَ رملة بِنْتِ أبي سُفْيَانَ رَضِيَ اللهُ عَنهما ، قالت : سمعت رَسُولَ اللهِ ﷺ ، يقول : (( مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي للهِ تَعَالى كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَيْ عَشرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعاً غَيرَ الفَرِيضَةِ ، إلاَّ بَنَى الله لَهُ بَيْتاً في الجَنَّةِ ، أو إلاَّ بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الجَنَّةِ )) رواه مُسلِمٌ .

وعن ابن عمر رَضِيَ اللهُ عَنهُماقال: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ ، رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتْينِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الجُمُعَةِ ، وَرَكْعَتَينِ بَعدَ المَغْرِبِ ، وَرَكْعَتَينِ بَعدَ العِشَاءِ . متفقٌ عَلَيهِ.

وعن عبد الله بن مُغَفَّلٍ رضي الله عنه قال: قال رَسُول اللهِ ﷺ : (( بَيْنَ كُلِّ أذَانَيْنِ صَلاَةٌ ، بَيْنَ كُلِّ أذَانَيْنِ صَلاَةٌ ، بَيْنَ كل أذانين صلاة )) قال في الثَّالِثةِ : (( لِمَنْ شَاءَ )) متفقٌ عَلَيهِ .
المُرَادُ بِالأَذَانيْنِ : الأذَانُ وَالإقَامَةُ .

من كتاب رياض الصالحين -206-


باب تأكيد ركعتي سنّةِ الصبح
عن عائشة رَضِيَ اللهُ عَنها : أنَّ النَّبيَّ ﷺ كَانَ لا يَدَعُ أرْبَعاً قَبْلَ الظُّهْرِ ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الغَدَاةِ . رَوَاهُ البُخَارِيُّ .

وعنها ، قالت : لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى شَيْءٍ مِنَ النَّوَافِلِ أشَدَّ تَعَاهُدَاً مِنهُ عَلَى رَكْعَتَي الفَجْرِ . متفقٌ عَلَيهِ .

وعنها ، عن النبيِّ ﷺ قال: (( رَكْعَتَا الفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدنْيَا وَمَا فِيهَا )) رواه مُسلِمٌ . وفي رواية : (( لَهُمَا أحَبُّ إليَّ مِنَ الدنْيَا جَمِيعاً )) .
باب تخفيف ركعتي الفجر وبيان مَا يقرأ فيهما وبيان وقتهما
عن عائشة رَضِيَ اللهُ عَنها : أنَّ رسولَ الله ﷺ كَانَ يُصَلّي رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَيْنَ النِّدَاءِ وَالإقَامَةِ مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ . متفقٌ عَلَيهِ .
وفي روايَةٍ لَهُمَا : يُصَلِّي رَكْعَتَي الفَجْرِ ، فَيُخَفِّفُهُمَا حَتَّى أقُولَ : هَلْ قَرَأَ فِيهما بِأُمِّ القُرْآنِ .
وفي رواية لمسلم : كَانَ يُصلِّي رَكْعَتَي الفَجْرِ إذَا سَمِعَ الأذَانَ وَيُخَفِّفُهُمَا .
من كتاب رياض الصالحين -207-


وعن حفصة رَضِيَ اللهُ عَنها : أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ إذَا أذَّنَ المُؤَذِّنُ لِلْصُّبْحِ وَبَدَا الصُّبْحُ ، صَلَّى رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ . متفقٌ عَلَيهِ .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه : أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قرأ في رَكْعَتَي الفَجْرِ: { قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ } وَ { قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ } رَوَاهُ مُسلِمٌ .
باب سنة الظهر

عن ابن عمر رَضِيَ اللهُ عَنهُما قال: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا . متفقٌ عَلَيهِ .
وعن عائشة رَضِيَ اللهُ عَنها : أنَّ النَّبيَّ ﷺ كَانَ لا يَدَعُ أرْبَعاً قَبْلَ الظُّهْرِ . رَوَاهُ البُخَارِيُّ .

وعنها ، قالت : كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصَلِّي في بَيْتِي قَبْلَ الظُّهْرِ أرْبَعاً ، ثُمَّ يَخْرُجُ ، فَيُصَلِّي بِالنَّاسِ ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ . وَكَانَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ المَغْرِبَ ، ثُمَّ يَدْخُلُ فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ ، وَيُصَلِّي بِالنَّاسِ العِشَاءِ ، وَيَدْخُلُ بَيتِي فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ . رَوَاهُ مُسلِم .
من كتاب رياض الصالحين -208-

باب سنة العصر
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قَالَ : كَانَ النبيُّ ﷺ يُصَلِّي قَبْلَ العَصْرِ أرْبَعَ رَكَعَاتٍ ، يَفْصلُ بَيْنَهُنَّ بِالتَّسْلِيمِ عَلَى المَلائِكَةِ المُقَرَّبِينَ ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنَ المُسْلِمِينَ وَالمُؤْمِنِينَ . رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ ، وَقَالَ : (( حَدِيثٌ حَسَنٌ )) .

عن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنهُما ، عن النبي ﷺ قال: (( رَحِمَ اللَّهُ امْرءاً صَلَّى قَبْلَ العَصْرِ أرْبَعاً )) رواه أبُو دَاوُدَ وَالتِّرمِذِيُّ، وَقَالَ: (( حَدِيثٌ حَسَنٌ )).


باب سنة المغرب بعدها وقبلها

تقدم في هذه الأبواب حديثُ ابن عمر وحديث عائشة ، وهما صحيحان : أنَّ النبيَّ ﷺ كَانَ يُصَلِّي بَعدَ المَغْرِبِ رَكْعَتَيْنِ .
من كتاب رياض الصالحين -209-

وعن عبد الله بن مُغَفَّل رضي الله عنه ، عن النبيِّ ﷺ قال: (( صَلُّوا قَبْلَ المَغْرِبِ )) قال في الثَّالِثَةِ : (( لِمَنْ شَاءَ )) رواه البُخَارِيُّ .

وعن أنس رضي الله عنه قال: لَقَدْ رَأيْتُ كِبَارَ أصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ ، يَبْتَدِرُونَ السَّوَارِيَ عِندَ المَغْرِبِ . رَوَاهُ البُخَارِيُّ .
(( يبتدرون أي يستبقون ، والسواري جمع سارية ، كأن غرضهم بالاستباق إليها الاستتار بها ممن يمر بين أيديهم لكونهم يصلون فُرادى )) .

باب سنة العشاء بعدها وقبلها
فِيهِ حديث ابن عمر السابق : صَلَّيْتُ مَعَ النَّبيِّ ﷺ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ العِشَاءِ ، وحديث عبد الله بن مُغَفَّلٍ : (( بَيْنَ كُلِّ أذَانَيْنِ صَلاةٌ )) متفق عَلَيْهِ . كما سبق.
من كتاب رياض الصالحين -210-


باب سنة الجمعة
فِيهِ حَديث ابن عمر السابق أنَّه صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ ﷺ رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الجُمعَةِ . متفقٌ عَلَيْهِ .
عن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( إِذَا صَلَّى أَحَدُكُم الجُمُعَةَ ، فَلْيُصَلِّ بَعْدَهَا أرْبعاً )) رواه مسلم .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ النَّبيَّ ﷺ كَانَ لاَ يُصَلِّي بَعْدَ الجُمُعَةِ حَتَّى يَنْصَرِفَ ، فَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ في بَيْتِهِ . رواه مسلم .

باب فضل صلاة الضحى وبيان أقلها وأكثرها وأوسطها ، والحث عَلَى المحافظة عَلَيْهَا:
عن أَبي هريرة رضي الله عنه قال: أوْصَانِي خَلِيلي ﷺ بِصِيَامِ ثَلاَثَةِ أيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ ، وَرَكْعَتَي الضُّحَى ، وَأنْ أُوتِرَ قَبْلَ أنْ أرْقُدَ . متفقٌ عَلَيْهِ .
وعن عائشة رضي الله عنها ، قالت : كَانَ رسولُ اللهِ ﷺ يُصَلِّي الضُّحَى أرْبَعاً ، وَيَزِيدُ مَا شَاءَ الله . رواه مسلم .
من كتاب رياض الصالحين -211-


وعن أَبي ذَرٍّ رضي الله عنه ، عن النَّبيِّ ﷺ قال: (( يُصْبحُ عَلَى كُلِّ سُلاَمَى مِنْ أَحَدكُمْ صَدَقَةٌ : فَكُلُّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةٌ ، وَكُلُّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةٌ ، وَأَمْرٌ بِالمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ ، وَنَهْيٌ عَنِ المُنْكَرِ صَدَقَةٌ ، وَيُجْزِىء مِنْ ذَلِكَ رَكْعَتَانِ يَرْكَعُهُمَا مِن الضُّحَى )) رواه مسلم .
وعن أُمِّ هَانِىءٍ فاختة بنت أَبي طالب رضي الله عنها ، قالت : ذَهَبْتُ إِلَى رَسولِ اللهِ ﷺ ، عَامَ الفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ ، صَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، وَذَلِكَ ضُحىً. متفقٌ عَلَيْهِ . وهذا مختصرُ لفظِ إحدى روايات مسلم.
باب تجويز صلاة الضحى من ارتفاع الشمس إِلَى زوالها والأفضل أن تُصلَّى عِنْدَ اشتداد الحر وارتفاع الضحى:
عن زيد بن أَرْقَم رضي الله عنه : أنَّهُ رَأَى قَوْماً يُصَلُّونَ مِنَ الضُّحَى ، فَقَالَ : أمَا لَقَدْ عَلِمُوا أنَّ الصَّلاَةَ في غَيْرِ هذِهِ السَّاعَةِ أفْضَلُ ، إنَّ رسولَ الله ﷺ قال: (( صَلاَةُ الأَوَّابِينَ حِيْنَ تَرْمَضُ الفِصَالُ )) رواه مسلم .
(( تَرْمَضُ )) يعني : شدة الحر .
وَ(( الفِصَالُ )) جَمْعُ فَصِيلٍ وَهُوَ : الصَّغيرُ مِنَ الإبِلِ .
من كتاب رياض الصالحين -212-


باب استحباب جعل النوافل في البيت:
عن زيد بن ثابت رضي الله عنه : أنَّ النَّبيَّ ﷺ قال: (( صَلُّوا أَيُّهَا النَّاسُ فِي بُيُوتِكُمْ ، فَإنَّ أفْضَلَ الصَّلاَةِ صَلاَةُ المَرْءِ في بَيْتِهِ إِلاَّ المَكْتُوبَةَ )) متفقٌ عَلَيْهِ .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما ، عن النَّبيِّ ﷺ قال: (( اجْعَلُوا مِنْ صَلاَتِكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ ، وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُوراً )) متفقٌ عَلَيْهِ .
وعن جابر رضي الله عنه قال: قَالَ رسول الله ﷺ : (( إِذَا قَضَى أحَدُكُمْ صَلاَتَهُ في مَسْجِدِهِ فَلْيَجْعَلْ لِبَيْتِهِ نَصِيباً مِنْ صَلاَتِهِ ؛ فَإنَّ اللهَ جَاعِلٌ في بَيْتِهِ مِنْ صَلاَتِهِ خَيْراً )) رواه مسلم .
 

باب استحباب صوم الإثنين والخميس
عن أَبي قتادة رضي الله عنه : أنَّ رسول الله ﷺ سُئِلَ عَنْ صَومِ يَوْمِ الإثْنَيْنِ ، فَقَالَ : (( ذَلِكَ يَومٌ وُلِدْتُ فِيهِ ، وَيَومٌ بُعِثْتُ ، أَوْ أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهِ )) رواه مسلم .

 

من كتاب رياض الصالحين -213-

الرجوع للصفحة الرئيسية