تدبير صرف الغضب وقمعه

أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِى رَبَضِ الْجَنَّةِ

لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ

المِراء: مصدر ماريتُه مِراءً ومماراةً، من المجادلة.

وقد قُرىء قوله جلّ وعزّ: " أفتُمارونَه على ما يَرى " و أفتَمرونه، فمن قرأ أفتُمارونه أي تُفاعلونه من المِراء، ومن قرأَ أَفتَمرونه فمعناه أَفتجحدونه من قولهم: مريت حقَّه أَمريه مَرْياً، أي جحدته.

والمرية التردد فى الأمر وهو أخص من الشك ، قال تعالى : وَلا يَزالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ - فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ - فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقائِهِ - أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ .

 

والامتراء والمماراة المحاجة فيما فيه مرية ، قال تعالى : قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ - بِما كانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ - أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى - فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً.

وأصله من مريت الناقة إذا مسحت ضرعها للحلب.

وقال تعالى : { يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ } [الشورى : 18]

أي: معاندة ومخاصمة غير قريبة من الصواب، بل في غاية البعد عن الحق.

وقال : { فَلا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ } [ السجدة : 23 ] يعني: فلا تكن في شك من لقاء موسى ليلة المعراج، قاله ابن عباس وغيره. لأنه قد تواردت أدلة الحق وبيناته، فلم يبق للشك والمرية، محل.

 

وفي سورة فصلت { أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ (54) } أي: في شك من البعث والقيامة، وليس عندهم دار سوى الدار الدنيا، فلذلك لم يعملوا للآخرة، ولم يلتفتوا لها. { أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ } علما وقدرة وعزة.

 

وعَنْ أَبِى أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم « أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِى رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَبِبَيْتٍ فِى وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِى أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ ». أخرجه أبو داود.

 

وروي عن قيس بن السّائب أنه قال : كان رسول اللّه عليه وسلم شريكى في الجاهلية ، فكان خير شريك ، فكان لا يدارى ولا يمارى.

قال لقمان لابنه : يا بنى لا تمارين حكيماً ، ولا تجادلن لجوجاً ، ولا تعاشرن ظلوماً ، ولا تصاحبنّ متهماً.

 

ومن أمثالهم: دع المِراء لقلَّة خيره.

 

إن آيات ربنا باقيات ... ما يمارى فيهن إلا الكفور

خلق الليل والنهار فكل ... مستبين حسابه مقدور

 

فلو كلمتك الشمسُ قالتْ لحقتَ *** بي علاءً وإشراقا فأينَ تريدُ

أقرّ لك الأعداءُ بالفضل عنوة ً *** و معترفٌ من لم يسعهُ جحود

وكيف يماري في الصباحِ معاندٌ *** و قد فلقَ الخضراءَ منه عمودُ

 

أنظر :

لسان العرب - ابن منظور

جمهرة اللغة- ابن دريد