الضرب في القرآن
الأصل في الضرب : الجلد بالسوط وما أشبهه .
ثم نقل بالاستعارة إلى مواضع فيقال : ضرب في الأرض : إذا سار .
والضريبة : ما يضرب على الإنسان من جزية وغيرها .
وأضرب فلان عن الأمر : كف ، والضرب : المثل .
والضرب: هو إيقاع شيء على شيء.
وذكر أهل التفسير أن الضرب في القرآن على ثلاثة أوجه:
أحدها: السير . ومنه قوله تعالى في سورة النساء : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ " ، وفيها : " وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ " ، وفي المزمل : " عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ "
والثاني : الضرب باليد وبالآلة المستعملة باليد . ومنه قوله تعالى في سورة النساء: " وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا " ، وعند البخاري في صحيحه بَاب مَا يُكْرَهُ مِنْ ضَرْبِ النِّسَاءِ وَقَوْلِ اللَّهِ { وَاضْرِبُوهُنَّ } أَيْ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَا يَجْلِدُ أَحَدُكُمْ امْرَأَتَهُ جَلْدَ الْعَبْدِ ثُمَّ يُجَامِعُهَا فِي آخِرِ الْيَوْمِ" .
وحديث أبي الأحْوَصِ الجُشَمِّي الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة: أنَّهُ سَمِعَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم في حَجَّةِ الوَدَاعِ يَقُولُ بَعْدَ أنْ حَمِدَ الله تَعَالَى ، وَأثْنَى عَلَيهِ وَذَكَّرَ وَوَعظَ ، ثُمَّ قَالَ :" ألا وَاسْتَوصُوا بالنِّساءِ خَيْراً ، فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئاً غَيْرَ ذلِكَ إلاَّ أنْ يَأتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ ، فَإنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ في المَضَاجِع ، وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرباً غَيْرَ مُبَرِّحٍ ... الحديث "
وفي الأنفال: " فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ "، وفي سورة محمد : " فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ" والمراد فإذا لقيتم الذين كفروا فاقتلوهم؛ ولكن أكثر القتل ضرب الرقبة، فأخرج الكلام على الأكثر، ولم يرد وأن هذا الضرب مقصور على الرقبة.
والثالث : التبيين والوصف . ومنه قوله تعالى في البقرة : " إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا " ، وفي إبراهيم : " وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ " ، وفي النحل : " فَلَا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ " ، أي : لا تصفوه بصفات غيره ولا تشبهوا به غيره . وفيها : " ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا " ، وفيها : " وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ" أي: وصف شَبَهًا وبيَّنه.
وقيل الضرب أصله الثبات، ومنه قوله تعالى في آل عمران : "ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ".
ويخبر عن الإلزام بالضرب؛ وذلك أنهم ألزموا ذلة تبقى أثرها كبقاء أثر الضرب، وقيل: المعنى أن الذلة أحاطت بهم من قولك: ضربت الخيمة على القوم، ومنه المضرب لأنه تضرب أوتاده في الأرض فتثبت. ويكون المعنى: التحفتهم الذلة التحاف الخيمة بمن ضربت عليه، وعلى هذا: "وضربت عليهم المسكنة"
وأما قوله تعالى في سورة النور : "وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ" فإنما أراد إلقاء الثوب على الصدر ليستتر به. وكذلك في سورة الكهف: " فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا " أي : ألقينا عليهم النوم حين دخلوا إلى الكهف .