الهدى في القرآن
الهدى : قيل أصله التقدم ثم استعمل في الإرشاد ، والهدي ما أهدي من النعم إلى الحرم ، وسمي الهدْي هدْيا لأنه يقدم للنحر، والهدية تقدم أمام الحاجة.
وذكر أهل التفسير أن الهدى على ثمانية عشر وجها:
فوجه منها: الهدى يعني البيان، وذلك قوله عز وجل في سورة البقرة: " أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ". وقوله في الأعراف: " أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا ". وفي طه " أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنَ الْقُرُونِ "، يعني: أولم يبين لهم. وفي لقمان: " أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ "، يعني، بيانا من ربهم. وفي حم السجدة: " وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى "، يعني بينا لهم. وفي الإنسان: " إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا "، وفي البلد : " وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ " .
والوجه الثاني: الهدى: يعني دين الإسلام. قوله تعالى في الحج: " إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ ". يعني دينا مستقيما، وهو الإسلام. ومثله قوله في البقرة: " وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى "، يعني دين الله الإسلام هو الدين. ومثل قوله في آل عمران: " قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ ". ونحوه كثير.
الوجه الثالث: الهدى: الإيمان. فذلك قوله تعالى في سورة الكهف: " إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى ". أي إيمانا. وفي سورة مريم: " وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى ". يعني يزيدهم إيمانا. وفي سبأ: " أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ ". يعني الإيمان. وفي الزخرف: " وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ ". يعني مؤمنون. ونحوه كثير.
الوجه الرابع: هدى: يعني داعيا. قوله في الرعد: " إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ "، يعني النبي صلى الله عليه وسلم " وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ " يعني داعيا يدعوهم. ومثله في بني إسرائيل: " إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ " يعني: يدعو، ومثل قوله عز وجل في: حم عسق: " وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ". يعني تدعو. وقوله في الأحقاف: " يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ". يعني: يدعو. ونحوه كثير.
الوجه الخامس: هدى: يعني معرفة. قوله في النحل: " وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ " يعني: يعرفون الطريق. وفي طه: " وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ". يعني عرف. ونظيرها في الأنبياء " وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ". يعني: يعرفون الطريق. وكقوله في النمل: " أَتَهْتَدِي أَمْ تَكُونُ مِنَ الَّذِينَ لَا يَهْتَدُونَ ". يعني: أتعرف السرير أم تكون من الذين لا يعرفون. وفي الزخرف: " سُبُلًا لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ". يعني: لعلكم تعرفون الطرق. ونحوه كثير.
الوجه السادس: هدى: يعني رسلا وكتبا. قوله عز وجل في البقرة: " فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى ". يعني: رسلا وكتبا. ونظيرها في طه.
الوجه السابع: هدى: يعني الإرشاد. قوله عز وجل في أم الكتاب: " اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ". يعني: أرشدنا وكقوله في طه: " لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى ". يعني من يرشدني الطريق. وقوله عز وجل في القصص: " عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ ". يعني يرشدني. وفي ص: " وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ ". يعني: أرشدنا. وقوله في "والصافات": " فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ ". أَيْ أَرْشَدُوهُمْ إِلَى طَرِيقَ جَهَنَّمَ. ونحوه كثير.
الوجه الثامن: هدى: يعني أمر محمد صلى الله عليه وسلم فذلك قوله في البقرة: " إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى ". يعني: أمر محمد صلى الله عليه وسلم أنه نبي مرسل. وفي سورة محمد: " إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ". وفيها أيضا: " وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى ". يعني: أمر محمد صلى الله عليه وسلم أنه نبي مرسل.
الوجه التاسع: هدى: يعني القرآن. قوله في بني إسرائيل: " وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى ". يعني: القرآن فيه بيان كل شيء. وفي الكهف مثله. وفي النجم: " وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى ". يعني: القرآن.
الوجه العاشر: هدى: يعني التوراة. فذلك في قوله في بني إسرائيل: " وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ". يعني: التوراة وفي السجدة: " وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ". وفي حم المؤمن: " وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى وَأَوْرَثْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ ". يعني: التوراة أيضا.
الوجه الحادي عشر: هدى: يعني الاسترجاع. فذلك قوله في البقرة: " أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ". يعني: الاسترجاع. نظيرها في التغابن: " مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ "، يعني في المصيبة يعلم أنها من الله تعالى "يهد قلبه": للاسترجاع.
الوجه الثاني عشر: الهدى: يعني الحجة. فذلك قوله في البقرة: " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ " إلى قوله: " وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ". يعني: لَا يُلْهِمُهُمْ حُجَّةً. نظيرها في براءة: " وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ". يعني: لا يهديهم إلى الحجة. ونحو ذلك كثير.
الوجه الثالث عشر: الهدى: يعني التوحيد. قوله عز وجل في براءة: " هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ". يعني التوحيد والإسلام. وقوله في القصص: " وَقَالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ". يعني: التوحيد. وكقوله في الفتح: " هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ". يعني: التوحيد. وفي الصف: " هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ". يعني: التوحيد.
الوجه الرابع عشر: هدى: يعني سنة. الاستنان بسنن الماضين ، ومنه قوله عز وجل في الأنعام، للنبي صلى الله عليه وسلم: " أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ". يعني: الأنبياء بسنتهم في التوحيد اقتده. وقوله في سورة الزخرف: " بَلْ قَالُوا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ "، يعني: مستنون بسنتهم في الكفر.
الوجه الخامس عشر: لا يهدي: لا يصلح. فذلك قوله في يوسف، عليه السلام: " ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ " يعني: لا يصلح عمل الزناة.
الوجه السادس عشر: الهدى: يعني الإلهام. فذلك قوله في طه: " قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ". يعني: ثم ألهمه كيف يأتي معيشته ومرعاه. وكقوله " سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ".
الوجه السابع عشر: هدنا: يعني: تبنا. فذلك في قوله في الأعراف: " وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ ". يعني: إنا تبنا إليك.
الوجه الثامن عشر : أَهْدَى: افضل. ومنه قوله تعالى في سورة النساء : " وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا " . أي : أفضل .