الموت في القرآن
ذكر بعض المفسرين أن الموت في القرآن على سبعة أوجه :
أحدها : الموت نفسه . يعني: الموت بعينه، ذهاب الروح بالآجال. وهو الموت الذي لا يرجع صاحبه إلى الدنيا. ومنه قوله تعالى في آل عمران : "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ " ، وفي الزمر : "إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ " ، وفي الجمعة : "قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ " ونحوه فى القران كثير.
والثاني : النطفة . ومنه قوله تعالى في البقرة : " كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ " أي نطفا في أصلاب آبائكم ، وفي غافر : " قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ "، فالموتة الأولى كونهم نطفا .
والثالث : الضلال . الضلال عن التوحيد ومنه قوله تعالى في الأنعام : " أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ " يعني: ضالا فهديناه. ، وفي النمل : " إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ " ، وفي فاطر : " وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ " مثل ضربه الله للكفار والمؤمنين.
والرابع : الجدب . ومنه قوله تعالى في الأعراف: " حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ " ، وفي فاطر: " وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ " ، وفي يس : " وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا " ، وفي الزخرف : " وَالَّذِي نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَنْشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا " ، كل بلد ميت في القرآن فالمراد به الأرض المجدبة .
والخامسة : الحرب . ومنه قوله تعالى في آل عمران: " وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ " .
والسادس : الجماد . ومنه قوله تعالى في النحل : " أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ " ، يعني الأوثان .
والسابع : الكفر . ومنه قوله تعالى في آل عمران : " وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ " ، فالميت ها هنا الكافر . وبعضهم يلحقه بقسم النطفة .
وقد ألحق بعضهم وجها ثامنا فقالوا : والموت : الطاعون . ومنه قوله تعالى في البقرة: " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ " ، وليس كما قال وإنما معناه حذر الموت بالطاعون ، لأنه كان قد نزل بهم ، وهذا قول ابن عباس ، وجعله بعضهم في وجه سماه : ذهاب الروح عقوبة من غير استيفاء الأجل والرزق: لأنه موت فيه عودة للحياة الدنيا فلم يستوف الاجل والرزق به بل بقى منهما شىء، ومثله قوله تعالى لبني إسرائيل السبعين في البقرة: " وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" وفيها " فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ" .
قوله تعالى في سورة ابراهيم : "ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت" أي غم الموت: مَا مِنْ نَوْعٍ مِنْ أنْوَاعِ الْعَذَابِ إِلَّا إِذَا وَرَدَ عَلَيْهِ، اقْتَضَى أَنْ يَمُوتَ مِنْهُ لَوْ كَانَ يَمُوتُ، وَلَكِنَّهُ لَا يَمُوتُ لَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: "لاَ يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ من عذابها" ونظيرها في الأعلى "ثم لا يموت فيها ولا يحيا".
قوله تعالى في سورة الأنعام : " وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ " ، وفي الزمر " اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " أي أَنَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ الْوَفَاةَ الْكُبْرَى بِمَا يُرْسِلُ مِنَ الْحَفَظَةِ الَّذِينَ يَقْبِضُونَهَا مِنَ الْأَبْدَانِ، وَالْوَفَاةَ الصُّغْرَى عند المنام.
قوله تعالى في آل عمران: " وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ " " قيل: نفي الموت هو عن أرواحهم فإنه نبه على تنعمهم.
قوله تعالى في سورة المائدة : " حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ "، وفي الانعام " إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ " ، الميتة من الحيوان ما زال روحه بغير تذكية أو صيد.