النفس في القرآن

النفس في القرآن

اختلف الناس في ماهية النفس المختصة بالآدمي اختلافا كثيرا ، وأقربهم إلى الصواب قائلون قالوا : إنها جوهر روحاني ... واختلفوا في النفس هل هي الروح أم هي غيرها . فقال كثير من الناس : إن الروح شيء غير النفس . وقال آخرون : بل هما شيء واحد.

وقيل النفس الدم، ومنه قيل: النفساء سيلان الدم عنها، وقال السموأل:

تسيل على حد السيوف نفوسنا ... وليست على غير السيوف تسيل

ثم سميت الروح نفسا؛ لأن الإنسان يعيش بها كما يعيش بالدم، وأما النفس فالسعة ، ومنه قوله: "وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ" إذا اتسع ضوءه.

 

وذكر بعض المفسرين أن النفس في القرآن على ثمانية أوجه :

أحدها : آدم . ومنه قوله تعالى في سورة النساء : " يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ " ، وفي الأعراف " هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا " وفي الأنعام  : "  وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ " .

والثاني : الأم . ومنه قوله تعالى في النور : " لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ " ، أي : بأمهاتهم . والمراد بالآية هلا ظننتم بعائشة أم الْمُؤمنِينَ كَمَا تظنون بِأُمَّهَاتِكُمْ .

والثالث : منكم . ومن جنسكم . ومنه قوله تعالى في آل عمران : "  لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ " ، آدَمِيًّا مَعْرُوف النّسَب قرشياً عَرَبيا مثلهم ، وفي براءة  : " لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ " وفي الروم " وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا" أَيْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ جِنْسِكُمْ.

والرابع : بعضكم بعضاً . ومنه قوله تعالى في البقرة  : "  ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ " ، و قوله تعالى في البقرة  : " فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ " ، أي ليقتل بعضكم بعضاً . وقال في النساء " وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا". أي: لا يقتل بعضُكم بعضًا. ومنه قوله تعالى في النور  : "فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ على أَنفُسِكُمْ" يعني فليسلم بعضكم على بعض. وفي الحجرات : "وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ " أي لا يعب بعضكم بعضًا، ولا يطعن بعضكم على بعض.

والخامس : الرُّوح، قال تعالى في الأنعام :"وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ" أي: أرواحكم، وقال في الزمر: " اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ".

والسادس : الإنسان . ومنه قوله تعالى في المائدة : " وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ " ، أي : الإنسان بالإنسان ، وقال في المائدة: " مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ ". يعني: إنسانا بغير إنسان.

والسابع : النفس العقوبة . ومنه قوله تعالى في سورة آل عمران "وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ" أي يخوفكم الله عقوبته.

والثامن : الأنفس: القلوب. وضمائر صدوركم ومنه قوله تعالى في والنجم: " إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأنْفُسُ " يعني: القلوب، وقال في يوسف: " وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ "، يعني: قلبي، وقال في بني إسرائيل: " رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ " ، وقال في ق: " وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ".أي ما يحدث به قلبه ولا يخفى علينا سرائره ضمائره.