النظر في القرآن
النظر في الأصل : إدراك المنظور إليه بالعين .
وقد يستعار في مواضع تدل عليها القرينة ، منها الإدراك بحاسة البصر .وبمعنى الانتظار والإمهال والتأخير ، وبمعنى الرحمة ، وبمعنى المقابلة والمحاذاة ، يقال : داري تنظر دار فلان ، ودورهم تتناظر ، أي : تتقابل ، وبمعنى الفكرة في حقائق الأشياء لاستخراج .
والنظير : المثل . وهو الذي إذا نظر إليه وإلى نظيره كانا سواء.
وذكر أهل التفسير أن النظر في القرآن على خمسة أوجه :
أحدها : النظر بالعين، الرؤية والمشاهدة . ومنه قوله تعالى في البقرة : " وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ " ، وفيها : " قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ " ، وفي الأعراف : " قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ " ، وفيها : " وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ " ، وفي القيامة :" وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ " .
والثاني : الانتظار . ومنه قوله تعالى في البقرة : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا " ، وفي النساء : " وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانْظُرْنَا لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ " أي واسمع منا، وانظرنا ما نقول، وانتظرنا نفهم عنك ما تقول لنا" ، وفي النمل : " وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ " ، وفي يس : " مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ " ، وفي الحديد : " يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ " ، وفي ص: " وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ " .
والثالث : إمهال المعسر . ومنه قوله تعالى " وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ" ويجوز أن يدخل معناه في الإنتظار ، وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم « مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ أَظَلَّهُ اللَّهُ فِى ظِلِّهِ » .
الرابع : التفكر والاعتبار . ومنه قوله تعالى في الأنعام : " انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ " ، وفي يونس : "قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ " ، وفي عبس : " فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ " ، وفي الغاشية : " أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ " ، وفي الطارق : " فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ".
الخامس : الرحمة . ومنه قوله تعالى في آل عمران : " وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " .