النور في القرآن
النور : هو الضياء المتشعشع الذي تنفذه أنوار الأبصار فتصل به إلى نظر المبصرات وهو يتزايد بتزايد أسبابه . ويقال : نار الشيء وأنار واستنار ، إذا أضاء . والنور مأخوذ من النار ، يقال تنورت النار : إذا قصدت نحوها . ثم يستعار في مواضع تدل عليها القرينة فيقال : أنار فلان كلامه إذا أوضحه . ومنار الأرض : أعلامها وحدودها . والمنارة : مفعلة من الاستنارة .
يقول السعدي في تفسيره عند قوله تعالى في سورة النور : " اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ " الحسي والمعنوي، وذلك أنه تعالى بذاته نور، وحجابه نور، وبه استنار العرش، والكرسي، والشمس، والقمر، والنور، وبه استنارت الجنة. وكذلك النور المعنوي يرجع إلى الله، فكتابه نور، وشرعه نور، والإيمان والمعرفة في قلوب رسله وعباده المؤمنين نور. فلولا نوره تعالى، لتراكمت الظلمات، ولهذا: كل محل، يفقد نوره فثم الظلمة والحصر، " مَثَلُ نُورِهِ " الذي يهدي إليه، وهو نور الإيمان والقرآن في قلوب المؤمنين.
وذكر أهل التفسير أن النور في القرآن على عشرة أوجه :
أحدها : الإسلام . ومنه قوله تعالى في براءة :" يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ " وفي الصف : "يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ " ، وفي سورة النور : " يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ " .
والثاني : الإيمان . ومنه قوله تعالى في البقرة : " اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ " ، وفي الأنعام : " أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ " ، وفي النور : " وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ " وفي الحديد :" وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ " .
والثالث : الهدى . ومنه قوله تعالى في النور : " اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ " ، " أي : هادي من في السماوات والأرض .
والرابع : النبي صلى الله عليه وسلم. ومنه قوله تعالى في المائدة : " قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ " .
والخامس : ضوء النهار . ومنه قوله تعالى في الأنعام : " وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ " .
والسادس : ضوء القمر . ومنه قوله تعالى في الفرقان : " تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا " ، وفي سورة نوح : " وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا "
والسابع : ضوء المؤمنين. وهو نور يجعله الله للمؤمنين يمشون فيه إلى الموقف وعلى الصراط ، ومنه قوله تعالى في الحديد : "يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ " ، وفي التحريم :" نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا " .
والثامن : بيان الحلال والحرام . ومنه قوله تعالى في المائدة : "إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ " ، وفي الأنعام : "قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ " .
والتاسع : القرآن . ومنه قوله تعالى في الأعراف : "وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ " ، وفي التغابن : " فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا " .
والعاشر : ضوء نور الرب . وهو يوم يتجلى الرب عز وجل وينزل للفصل ، ومنه قوله تعالى في الزمر : "وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا " ، وفي الحديث عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَلْ رَأَيْتَ رَبَّكَ قَالَ « نُورٌ أَنَّى أَرَاهُ ».