القضاء في القرآن
القضاء في اللغة : على ضروب كلها ترجع إلى معنى انقطاع الشيء وتمامه ، فمنه الختم كقوله : " ثم قضى أجلا وأجل مسمى " ، أي : جئتم ذلك وأتمه . ومنه الأمر ، وهو قوله : " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه " ، أي : أمر أمرا قاطعا قطعا وحتما . ومنه الإعلام ، ومنه قوله تعالى : " وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب " ، أعلمناهم إعلاما قاطعا . ومنه : الفصل في الحكم ومنه قوله تعالى : " لقضي بينهم " ، ومنه قولهم : قضى القاضي بين الخصوم . أي : قطع بينهم في الحكم .
وذكر أهل التفسير أن القضاء في القرآن على اربعة عشر وجها :.
أحدها : الأمر . ومنه قوله تعالى في بني إسرائيل:" وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا " .
والثاني : الخبر . بمعنى العلم، ومنه قوله تعالى في القصص: "وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ" أي: أعلمناه، وإذا قلت: قضيت إليك، فهو بمعنى العلم، وقضيت عليك بمعنى الحكم، ومثله في الحجر: "وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ" ثم فسر ما الأمر، وقال: "أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ" ، ومثله في بني إسرائيل:: "وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ" أي: أعلمناهم ذلك، ويجوز أن يكون القضاء في هذه الآيات بمعنى الوحي، فقوله: "وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ" أي: أوحينا إلى أنبيائهم.
والثالث : الفراغ . ومنه قوله تعالى في البقرة : " فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ " ، وفي سورة النساء :" فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَاةَ " ، وفي الأحقاف: " فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ".
والرابع : الفعل . ومنه قوله تعالى في آل عمران :" إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ " ، وفي الأنفال : " لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا " ، وفي الأحزاب : "وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ " ، وفي طه:"فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ" أي: افعل ما أنت فاعل،"إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا"، ويجوز أن يكون القضاء هنا الحكم أي: احكم فينا بما أنت حاكم.
والخامس : الموت . ومنه قوله تعالى في القصص : " فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ " ، وفي الزخرف:"وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ " أي لينزل علينا الموت ، وفي الحاقة :" يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ".
والسادس : وجوب العذاب . ومنه قوله تعالى في البقرة : " هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ " ، وفي هود : " وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ " ، ومنه قوله تعالى في مريم : " وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ " أي: وجب العذاب، وفي ابراهيم: "وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ" والوجوب هنا الوقوع؛ لأن العذاب كان وجب عليهم في الدنيا، وإنما يقع في الآخرة.
والسابع : قضى بمعنى أتم. ومنه قوله تعالى في الأنعام : " ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى " ، وفي طه : "وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ" أي: من قبل أن يتم جبريل صلوات الله عليه قراءته عليك ، وفي القصص : " قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ " ، وفيها :" فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ" أي: أتم الشرط .
والثامن : الفصل . والفصل يكون في القضاء ومنه قوله تعالى في الأنعام : " لَقُضِيَ الْأَمْرُ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ " ، وفي يونس: " فَإِذَا جَاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ " ، وفيها : " إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " ، وفي الزمر: " وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ " .
والتاسع : الخلق . ومنه قوله تعالى في حم السجدة : "فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ" أي: فخلقهن، ويجوز أن يقال: أتم خلقهن فيكون على الأصل .
والعاشر : الحتم . بمعنى وجب وفرغ منه ، ومنه قوله تعالى في يوسف : " قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ "، وفي مريم : " وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا " ، وفي سبأ : " فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ " ، وفي الزمر : " فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ " ، ومنه قوله تعالى في إبراهيم:" وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الْأَمْرُ " أي: فرغ منه فأدخل أهل الجنةَ الجنة وأهلِ النار النار.
والحادي عشر : بمعنى الإرادة، ومنه قوله تعالى في غافر: "فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" أي: إذا أراد أمرا فإنما يقول له كن فيكون.
والثاني عشر : الوصية . ومنه قوله تعالى في القصص: " وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ "
والثالث عشر : العهد . ومنه قوله تعالى في الحجر : " وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ " ، قال مقاتل : عهدنا إلى لوط أمر العذاب .
والرابع عشر : الحكم . ومنه قوله تعالى في سورة النساء:" فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ".