الضلال في القرآن

الضلال في القرآن

الضلال : الحيرة والعدول عن الصواب ، ورجل ضليل ومضلل ، صاحب ضلالة .

" تقول " : أضللت بعيري ، إذا ذهب منك .

وضللت المسجد والدار . إذا لم تهتد لهما .

 

وذكر أهل التفسير أن الضلال في القرآن على عشرة أوجه :

أحدها : الاستزلال في الحكم . ومنه قوله تعالى في سورة النساء : " وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ " . أي يزلُّوك عن طريق الحق. ومثلها قوله تعالى في ص :" فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ " أي فيميل بك اتباعك هواك في قضائك على العدل والعمل بالحقّ عن طريق الله.

والثاني : الغواية ، وهو الكفر. كما  في سورة النساء: " وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ ". يعني: ولأغوينهم عن الهدى فيكفروا. ومنه قوله تعالى في يس  : "  وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا " يقول: ولقد أغوى إبليس منكم خلقا كثيرا فكفروا ، وفي الصافات : "  وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ الْأَوَّلِينَ " .

والثالث : الشقاء . ومن قوله تعالى في تبارك: " إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ " يعني: في شقاء طويل. ومنه قوله تعالى في سبأ : "  بَلِ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذَابِ وَالضَّلَالِ الْبَعِيدِ " ، وفي القمر: " فَقَالُوا أَبَشَرًا مِنَّا وَاحِدًا نَتَّبِعُهُ إِنَّا إِذًا لَفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ".

والرابع : الابطال . ومنه قوله تعالى الابطال في سورة محمد صلى الله عليه و سلم " الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ أَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ " يعني ابطل وفيها " وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ " ، وقوله تعالى في الكهف : " قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا " .

والخامس : الخسران . ومنه قوله تعالى الأنبياء " " قَالَ لَقَدْ كُنْتُمْ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ " أي في خسران واضح ظاهر لا يخفى على أحد ، وفي المؤمن " وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ " وفي يس  : "  إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ".

والسادس : الخطأ . ومنه قوله تعالى في سورة النساء  : "  يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا " ، وفي الأحزاب  : "  وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا " ، وفي نون  : " فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ " قالوا: إنا لمخطئون الطريق، أضللنا مكان جنتنا ليست هذه بجنتنا، وفي يوسف  : " إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ " أي: لفي خطأ بيِّن .

والسابع : الهلاك . ومنه قوله تعالى في سورة السجدة : "  وَقَالُوا أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ " ، أي : هلكنا وصرنا ترابا .

والثامن : النسيان . ومنه قوله تعالى في البقرة : " أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى " .

والتاسع : الجهل . ومنه قوله تعالى في الشعراء  : "  قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ " .

وقد ألحق ابن قتيبة هذه الآية بقسم النسيان .

والعاشر : الضلال الذي هو ضد الهدى . ومنه قوله تعالى في البقرة  : " فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ " ، وفي الضحى: "  وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى " . جعل قوم هذه الآية من الضلال الذي هو ضد الهدى ،وقيل معناها : ووجدك في قوم ضلال فهداك، وَقِيلَ: وَوَجَدَكَ مُتَحَيِّرًا عَنْ بَيَانِ مَا نَزَلَ عَلَيْكَ، فَهَدَاكَ إِلَيْهِ، فَيَكُونُ الضَّلَالُ بِمَعْنَى التَّحَيُّرِ، لِأَنَّ الضَّالَّ مُتَحَيِّرٌ.

 

ويكون الضلال بمعنى المحبة، ومنه قوله تعالى:" قَالُوا تَاللَّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلَالِكَ الْقَدِيمِ " أي في محبتك، قال الشاعر:

"هذا الضلال أشاب مِنّي المفرقا ... والعارِضَيْن ولم أكنْ مُتْحقّقاً"

"عَجَباً لَعزّةَ في اختيارِ قطيعتي ... بعد الضّلالِ فحبْلُها قد أخْلقاً"

ويكون الضلال بمعنى أسوأ حالا كما في الفرقان : "  إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا " ، أي : أسوأ حالا من الأنعام السارحة وأبعد عن فهم الحق وإدراكه.