اليمين في القرآن
ذكر بعض المفسرين أن اليمين في القرآن على ثمانية أوجه :
أحدها : اليمين العضو المعروف الذي تماثله الشمال . ومنه قوله تعالى في سورة طه : " وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى " ، وفي الحاقة : " فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ " .
والثاني : الجانب الأيمن من الشيء. ومنه قوله تعالى في سأل سائل : " عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ " .
والثالث : القوة . ومنه قوله تعالى في الصافات : " فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ " ، أي: جعل يضربها بقوته ونشاطه ، ويجوز أنه ضربهم بيمينه .
والرابع : الحلف . ومنه قوله تعالى في البقرة والمائدة : " لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ " ، وفي النحل : " وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ " ، وفي النور : " وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ " .
والخامس : العهد . ومنه قوله تعالى في سورة براءة : " وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ " ، وفي النحل : " وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ " ، وفي نون والقلم : " أَمْ لَكُمْ أَيْمَانٌ عَلَيْنَا بَالِغَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " .
والسادس : الدين . ومنه قوله تعالى في الأعراف : " ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ " . وفي الصافات : " قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ " ، أي : من قبل الدين فتدخلون علينا فيه الشك .
والسابع : الاحتواء والملك ، ومنه قوله الله في الأحزاب : "وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ" يعني: ما حصل لك من الغنائم وقال تعالى في سورة النساء : " فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ".
الثامن: اليمين الجَنّة قوله تعالى في الواقعة " وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ " يعني أهل الجنة مثلها في سورة المدثر " كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ "
وفي ختام هذه السلسلة " مختارات من الوجوه والنظائر " ، نذكر ما ذكره جمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي في آخر كتابه نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر:
هذا آخر ما انتخبت من كتب الوجوه والنظائر التي رتبها المتقدمون ، ورفضت منها ما لا يصلح ذكره ، وزدت فيها من التفاسير المنقولة ما لا بأس به . وقد تساهلت في ذكر كلمات نقلتها عن المفسرين ، لو ناقش قائلها محقق لجمع بين كثير من الوجوه في وجه واحد . ولو فعلنا ذلك لتعطل أكثر الوجوه ولكنا تساهلنا في ذكر ما لا بأس بذكره من أقوال المتقدمين ، فليعذرنا المدقق في البحث ... ونسأل الله عز وجل النفع به عاجلا والثواب آجلا ، وأن يجعله لوجهه خالصا لئلا يعود بالهوى ناقصا ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، والحمد لله على توفيقه وإنعامه والطافه ، والصلاة على النبي المختار محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه أجمعين .