عبد الرحمن الراشد يدافع عن اليهود
!في
غمرة الليل الذي يخيم على الأمة من المحيط إلى المحيط
, وفي حمأة الذل الذي يضرب أطنابه فوق رؤوس أكثر من مليار مسلم على وجه الأرض , وفي
خضم مسلسل التنازلات والخيانات والانسحاق والتخاذل والانبطاح يتلفت أي مسلم على وجه
الأرض متلهفا عندما يسمع تصريحا تشتم منه رائحة العزة أو المقاومة أو رفض الهيمنة
والتسلط والاستكبار. تبتهج صدور المؤمنين والمؤمنات ويشعرون جميعا بنشوة الكبرياء
واشراقة الأمل وهم يسمعون زعيما سياسيا مرموقا يتحدى العربدة الأمير كية والصلف
الصهيوني في زمن سادت فيه ( حضارة الارهاب ) وأصبح دين محمد ( صلى الله عليه وسلم )
مثار السخرية ومحط الاتهام وان سمي بغير اسمه : ( الاصولية , التطرف , التشدد ,
الارهاب.. ) .
يسر أي عربي ومسلم بحديث العزة , ويطرب لنشيد المقاومة ,
ويصفق للغة التحدي وان لم تتجاوز حد الكلام في زمن عز فيه حتى الكلام , واصبح
احترام الأمة لذاتها واعتدادها بتاريخها وتمسكها بثوابتها ضربا من الانحطاط والهروب
الى الماضي والانكفاء على الذات. المسلمون جميعا رفعوا رؤوسهم ولو قليلا عندما أطلق
مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا تصريحاته ضد تسلط اليهود , وازدواجية الغرب سيما ما
يتعلق بموقفه المتآمر على فلسطين , وانتقد التناقض الكامن في الليبرالية الغربية ,
ثم رفض التراجع عن هذه التصريحات التي عدها الغرب والصهاينة ( معادية للسامية ) .
هناك شخص واحد استاء من هذه التصريحات . انه عبد الرحمن
الراشد رئيس تحرير صحيفة ( الشرق الأوسط ) . وحده تألم كثيرا , وغضب كثيرا , و( زعل
) كثيرا. وحده جن جنونه عندما مست يهود بسوء . وحده رفع عقيرته بالصراخ والنواح .
وتأوه عبد الرحمن الراشد .. تأوه كثيرا. وتقلب على جمر الغضا , وضاق صدره , وكاد
ألا ينطلق لسانه . وحده من بيننا آلمه حديث العزة في زمن الذل, وأرقته لغة المقاومة
في زمن الانكسار .
لننظر ما قاله الراشد في عموده في ( الشرق الأوسط ) يوم
الأحد التاسع عشر من شهر تشرين الأول ( أكتوبر ) 2003. كان عنوان المقال : " مسلمون
هادئون .. ومهاتير غاضب " . المسلمون ينبغي أن يكونوا هادئين - في نظر الراشد -
ويقصد بذلك هدوء الانبطاح والاستسلام والخور والهزيمة . انها النظرية الغربية نفسها
: المسلم الطيب هو من سلم الغربيون من لسانه ويده , هوالمسلم المطيع المنقاد الذي (
لا يهش ولا ينش ) . المسلمون ( كلهم ماكلين تبن ) فلماذا يخرق أحدهم جدار الصمت
محتجا على الهيمنة الغربية والعربدة الصهيونية ؟ ذلك ما اقض مضاجع عبدالرحمن الراشد
الذي يريدنا نعاجا تساق لا تملك حتى حق الاعتراض .
في ثنايا المقال يهاجم الراشد رئيس الوزراء الماليزي
قائلا انه " أبى أن يختتم المؤتمر أعماله من دون اثارة الجدل في العالم .. أقحم
فقرات تهاجم الغرب وتسمي اليهود .. " . هكذا .. مجرد انتقاد الغرب هو اثارة للجدل
المذموم . أما التعريض باليهود ولو بالاسم فهو لعمر الله قاصمة الظهر . وواصل
الراشد هجومه على مهاتير قائلا انه تراجع عن تصريحات أدلى بها لصحيفة نيويورك تايمز
طالب فيها العرب بالواقعية , وأعلن عن نيته زيارة اسرائيل لولا ما وصفه الراشد "
بالتطورات السيئة الأخيرة " ( عز على الراشد أن يقول " لولا الاعتداءات الاسرائيلية
" فاستخدم تعبير" التطورات السيئة " تمييعا للقضية , وتلميعا للعنف الاسرائيلي ) .
ويتساءل الراشد بلوعة ظاهرة وحرقة مريرة : " لا أدري لماذا فعلها , لكن انتقاء
العبارات الدقيقة خان مهاتير , فعمم النقد لليهود في حين ربما كان يعني
الاسرائيليين" . ياحرام ! مساكين بني اسرائيل ! ما يستاهلوش كل اللي بيحصل لهم من
تحت روسنا!
هل رأيتم في الدنيا كلها قلبا حنونا كقلب عبد الرحمن
الراشد ؟
ويواصل الراشد بكائيته عن بني صهيون , ويهاجم مهاتير لعد
م انتقاده لمن وصفهم بالمتطرفين . يقول : " غيب مهاتير من خطابه أي نقد للمتطرفين "
. أجل .. أنت على حق هذه المرة .. كان الأجدر بمهاتير أن ينتقد المتطرفين من بيننا,
وأولهم أنت.. والجوقة المتأمركة المتصهينة التي تعزف على الوتر نفسه .
الراشد لم يستوقفه أي حدث آخر في الكون سوى تصريحات
مهاتير . مثلا لم يعلق على التصريحات المهينة والحقيرة النابعة من الروح الصليبية
التي أدلى بها الجنرال الأميركي وليام بويكن . لم يتوقف عند الكراهية المنبعثة من
هذه التصريحات والتي هاجم فيها بويكن الاسلام ووصفه بالشيطان , وقال ان المسلمين
يكرهون الولايات المتحدة لأنها أمة مسيحية , وأن " عدونا لن يتم القضاء عليه مالم
نتحد ضده باسم المسيحية " . لم يتحدث الراشد عن هذه التصريحات التي سئل عنها مهاتير
فرد قائلا انهم يسمحون لأنفسهم بنقدنا والتهجم علينا ولا يسمحون لنا بالتعبير عن
آرائنا .
الراشد لا يفقه ذلك , أو لا يريد أن يفقه , فما تغني
الآيات والنذر عن قوم لايؤمنون . لقد جرت في فلسطين أحداث جسام , فلم يتحرك قلم
الراشد للكتابة . أسرف شارون وموفاز في قتل الفلسطينيين وهدم بيوتهم وسحقهم
واذلالهم وحرقهم بقاذفات الأباتشي فلم يحن قلب الراشد كما حن على يهود عندما
انتقدهم زعيم مثقف بارز بكلمة. قامت اسرائيل باغتيال المجاهد ابراهيم المقادمة
والمجاهد صلاح شحادة والمهندس اسماعيل أبو شنب, وحاولت اغتيال الشيخ أحمد ياسين
والدكتور محمود الزهار والدكتور عبدالعزيز الرنتيسي والشيخ عبد الله الشامي وغيرهم
, فلم يكتب الراشد حرفا في عموده منتقدا اسرائيل أو منددا بهمجيتها وارهابها
وكراهيتها التي تتضاءل عندها ما يصفه الراشد ( بثقافة الكراهية ) التي نتعلمها
كمسلمين وعرب في مؤسساتنا الاجتماعية والتعليمية !
مشكلة الراشد مع مهاتير أنه انتقد اليهود ولم ينتقد (
المتطرفين ) . ومشكلتنا مع الراشد أنه ليس متطرفا فحسب , بل ان كتاباته وأفكاره
الغبية والمتسلطة تغذي ما يمكن وصفه فيما بعد ( بالتطرف ) . ويبدو السؤال الملح هو
: لماذا استمات الراشد في الدفاع عن اليهود وانضم الى الحملة الصهيونية الغربية على
رئيس الوزراء الماليزي ؟ ويبدو السؤال الأكثر الحاحا : لماذا يجب أن نبقى ( هادئين
) و( عناقيد الغضب ) الصهيونية مازالت تمطرنا من عين الصاحب الى شبعا , ومن غزة الى
جنين ؟ ))
الدكتور أحمد بن سعيد