عبد الرحمن الراشد : القرآن للمتخلفين فقط !
يبدو أن اطلالة
شهر
رمضان المبارك آلمت عبد الرحمن الراشد رئيس تحرير صحيفة ( الشرق الأوسط ) , ولكنه
لا يملك حيلة يحتالها في دفع هذه الاطلالة أو تأجيلها . بيد أنه رأى أن بامكانه
استقبال هذا الشهر بما يليق من الهجوم والتحريض والتحقير لمعتقدات الأمة وأخلاقها .
ومن عجب أن الراشد لا يعبأ البتة بقدسية هذا الشهر ولا بمشاعر القاريء المسلم الذي
يزداد صفاء واشراقا مع الصيام والقيام والصدقة وتلاوة القرآن آناء الليل وأطراف
النهار . ربما لأن هذه الشعائر والمعاني النبيلة هي أمور يقصر الراشد عن فهمها
وادراك معانيها وتشرب أسرارها الربانية . وربما لأن الراشد بحكم انسياقه لجدول
أعمال الصهيونية الأميركية ينظر الى مجتمعنا وفكرنا وثقافتنا بمنظار المختلف
والنقيض والآخر .
ماذا خطت يد الراشد مع مطلع رمضان ؟ لنبدأ من مقاله
الذي نشره في ( الشرق الأوسط ) في الثالث من رمضان 1424 ( التاسع والعشرين من تشرين
الأول ( أكتوبر ) 2003 ) . بدا المقال هادئا وغير ذي صلة بالحملة التي يشنها الراشد
على الاسلام من آن لآخر , ولكن اختيار الموضوع والسياق والتناول صب في التوجه نفسه
الذي نذر الراشد قلمه من أجله .
كان عنوان المقال : " دبي وتشويه سمعة العرب " , ويقصد
الراشد بذلك أن امارة دبي تحرج العرب وتسيء الى سمعتهم لأنها استقطبت الاستثمارات
الأجنبية , وصنعت معجزة اقتصادية , وصارت قبلة السياح والزائرين , وهو ما تفتقده
الدول العربية الأخرى . يعبر الراشد عن افتتانه بنموذج دبي الأسطورة أو الخرافة ,
ويصف ماصنعته االامارة ( بالجنون ) ويقصد بذلك جنون التحدي وقهر المستحيل . يقول :
" .. تشوه دبي سمعة شقيقاتها من الدول العربية عندما يعود مواطنو هذه الدول ناقمين
ليس على دبي , بل على بلدانهم , يخلصون من الزيارة بنتيجة واحدة : "
ليس عند دبي ميزة , بل عندنا مشكلة
" . كيف يزعم الراشد أن هذا هو انطباع العرب الزائرين لدبي ؟ لقد زرت دبي مرارا فلم
أر ما رآه الراشد , ولم أعد الى المملكة ناقما عليها أو ضجرا منها . بل انني حمدت
الله على ابتعاد بلدي عن نموذج العهر والفساد الذي تغرق فيه الامارة . أي شيء لفت
أنظار الراشد في دبي ؟ لقد تحولت هذه الامارة ( العجيبة كما يقول الراشد ) الى
ماخور , الى وكر للبغاء , الى ملتقى للمومسات , الى نقطة تجمع لتجارة الرقيق الأبيض
. فاي معجزة صنعت في الصحراء ؟ وأي نموذج يحزننا ألا نقبس منه , أو نحذو حذوه ؟
يتحدث الراشد باعجاب عن ( جنون ) دبي , ويقول : " ..
اذا كان أهل دبي قد باعوا أراضيهم لمستثمري الفنادق من عرب وعجم , فانهم قاموا
بايجار مياههم أيضا . فمهندس ألماني جاء اليهم بفكرة بناء فندق تحت الماء ووافقوا
على تأجيره البحر .." . ويواصل الراشد حديثه عن معشوقته المجنونة قائلا : " .. واذا
كان العرب راحوا ضحية غرامهم بتمضية اجازاتهم في بريطانيا فان أهل دبي قد انتقموا
لنا , فقد أصبح الانجليز ضحية غرامهم بدبي التي يمثلون أغلبية سياحها الغربيين .. "
.
لكن ما يضيرنا أن يعجب الراشد بدبي ويهيم بحبها ؟ هذا
شأنه . فليمت شوقا اليها ان شاء , بل ليضرب اليها أكباد الابل ويسكنها ماتبقى من
عمره المديد السعيد ! لكن الراشد لم يتوقف عند حد التغزل بجنون معشوقته ونموذجها
الملهم الذي فتق قريحته في مطلع الشهر الكريم . قال في آخر مقالته : " .. عندما
قرأت عن استضافة دبي تحفيظ القرآن الكريم قلت للشيخ محمد ( ولي عهد الامارة ) محتجا
: اسمح لنا في هذه فهذا تخصصنا " .
انها ( القفلة ) كما يقول اخواننا المصريون . وهي هنا
مربط الفرس وبيت القصيد من مقال الراشد كله . " ليست عند دبي ميزة , بل عندنا مشكلة
" . والمشكلة عندنا هي تحفيظ القرآن الكريم . انها المشكلة التي تؤرق الراشد سيما
مع مطلع رمضان . لقد احتوى المقال على تمجيد دبي والاشادة بنموذجها واطراء عقلية
أهلها , ولما ( حادت ) دبي عن هذا المسار , أو أضافت اليه سلوكا نشازا لا يتناغم
معه , وهو استضافة مسابقة لتحفيظ القرآن , احتج الراشد قائلا : دع هذا لنا نحن
السعوديين . القرآن بضاعتنا نحن المتخلفين
. نحن الذين نعود من دبي والحسرة تمزقنا والغيرة تأكلنا ,
دعنا نعش مع القرآن ومسابقاته وحلقات تحفيظه . أما أنتم فواصلوا ( الجنون ) ,
واصلوا صناعة المعجزة , واصلوا قهر الصعاب , وبناء المستقبل , بعيدا عن تحفيظ
الآيات وترديد المتون وتقليب الأوراق الصفراء ! هذا ما قاله السياق, وأكدته الخاتمة
. واذا ما أعدنا قراءة المقال بطريقة غير مباشرة , فان ( جنون ) دبي كما يراه
الراشد هو جنون محمود , جنون يدفع الى الابداع والعطاء والالهام والمبادرة ,
والمجانين ( حقيقة لا مجازا ) هم الذين يتزاحمون بالركب في حلقات الذكر , سيما مع
مطلع شهر القرآن , وقديما اتهم المشركون رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) بالجنون
, وقال الله عز وجل نافيا ذلك الاتهام : " وما هو الا ذكر للعالمين " .
ولكي يكتمل السياق , وتتضح الصورة ( مع أن النهار
لايحتاج الى دليل ) نعود يوما واحدا الى الوراء ونطالع ما كتبه الراشد في عموده في
الثاني من رمضان ( الثامن والعشرين من تشرين الأول ( أكتوبر ) 2003 ) . تحدث الراشد
عن صدقات المحسنين في شهر رمضان , ونشاط الجمعيات الخيرية في تفطير الصائمين
ومساعدة المحتاجين , وشكك في مصادر انفاق هذه التبرعات , وحرض على مراقبتها حتى لا
تذهب الى جيوب المجموعات " الارهابية " . لم يتحدث الراشد عن حملات التبرع السخي
والدعم اللامحدود للكيان الصهيوني والتي تنظم باستمرار في الولايات المتحدة , ولم
يتحدث عن التبرعات التي تجمع في الكنائس الغربية وعبر الانترنت ووسائل الاعلام
لخدمة أهداف التنصير . تجاوز كل ذلك وسخر مقاله في مستهل رمضان للنيل من الجمعيات
الخيرية , وتثبيط همم المحسنين والمتصدقين . استغل الراشد بعض الممارسات الخاطئة
والشاذة لرسم هالة من الرعب حول العمل الخيري والاغاثي , وحرض على مراقبته وتحجيمه
, زاعما أن هناك " أدلة كثيرة على سوء استخدام العمل الخيري لتمويل جرائم خطيرة "
وأن هذه الأدلة ليست " أكاذيب أجنبية " ( كاد المريب أن يقول خذوني ) .
ويستمر الراشد في تسلطه , فلا حدود لتسلطه , ويفترض في
جمعياتنا الخيرية أنها مذنبة حتى تثبت براءتها . يقول : " على هذه الجمعيات أن تثبت
دائما أين تنفق أموال المحسنين , وأن تبرهن على ابتعادها عن أصحاب المشاريع
السياسية العدائية " . ثم يفصح الراشد عن ( مشكلته ) مع العمل الخيري قائلا : "
وبكل أسف حتى هذا اليوم ( لاحظ التحريض في عبارة حتى هذا اليوم ) فان جزءا من أموال
المتبرعين تصرف على مواقع الكترونية وطباعة كتب وتسجيل أشرطة بلغات مختلفة واقامة
ندوات وحفلات في رمضان . وهذه برامج معلنة وتنشر في الصحف " . لكن كيف يمكن وصم هذه
النشاطات بالارهاب ؟ كيف يكون من الارهاب طباعة كتب وأشرطة اسلامية بلغات مختلفة ,
وتمويل مواقع الكترونية , واقامة ندوات للدعوة الى الاسلام , بغية نشر رسالته
السامية , وتعليماته السمحة ؟
يناقض الراشد نفسه عندما يعترف قائلا ان " هذه برامج
معلنة وتنشر في الصحف " . حسنا . انها ليست عملا ظلاميا اذن . بل هو عمل في وضح
النهار , ويتم باشراف ومتابعة وتشجيع من الدولة التي ترعى العمل الخيري وتقوم هي
نفسها بأعمال خيرية مشهودة , بل تتبنى أبرز الجهود الخيرية الداعمة للمسلمين في
فلسطين والبوسنة وكوسوفا والشيشان والصومال وغيرها . لكن الراشد يفهم أكثر من
الدولة نفسها ويرى ما لا تراه , بل انه يفهم أكثر من المجتمع كله , فهو ( أعجوبة )
يندر أن يجود الزمان بمثلها . يمارس الراشد الوصاية على المتبرعين والمتصدقين في
مجتمعنا قائلا : " .. السؤال هل المحسن عندما يمنح شيئا من ماله يدري أنها تذهب
للانترنت والكتب الأشرطة والمحاضرات وتمويل سفر بعض المنتمين للجمعيات , وتمويل
نشاطات في نحو ثلاثين دولة في العالم ؟ " . ثلاثين دولة فقط ؟ نحن نطمح الى المزيد
, الى نشر نور محمد ( صلى الله عليه وسلم ) في كل أرجاء الأرض . ليقل الراشد ما شاء
. وليتقطع قلبه حسرات الى يوم الممات , فما يضر صحراء هذه الجزيرة أن رمى فيها غلام
بحجر !
ومن يك ذا فم مر مريض
يجد مرا به الماء
الزلالا
يقول الراشد في ختام عموده البائس ان المجتمع البريء (
ويقصد المغفل ) لايعلم أين تذهب تبرعاته وصدقاته , ولو علم لما دفع ريالا واحدا .
ويضيف : " فمعظم المتبرعين هم من متوسطي الحال وليسوا من الأغنياء , وهم بحاجة الى
أموالهم أكثر من مواقع هؤلاء التحريضية وأشرطتهم التكفيرية " . الراشد عندما يقول :
" هم بحاجة الى أموالهم " لا يفهم لغة " وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير
الرازقين " ولغة " ما نقص مال من صدقة " . يتحدث عن التحريض والتكفير , وهو يستخدم
لغة التحريض في أبشع صورها , ويلفق التهم , ويكذب , يكذب .
مرة أخرى , ليقل الراشد ماشاء , وليكن صدى لمن شاء .
أما نحن فلننصرف الى الشهر الكريم بقلوب مخبتة وعيون دامعة . لنحفظ أبناءنا القرآن
, ولنعلمهم ( جنون ) جنين , لا جنون دبي . لنتصدق بدون وصاية ولا وشاية , ولنقف صفا
واحدا في وجه لغة التحريض والتطرف والكراهية . أما درة عصره وفريد مصره , حجة
البنتاغون عبد الرحمن ( غير الراشد ) فتعس وانتكس , واذا شيك فلا انتقش !
))
د. أحمد بن راشد بن سعيّد