القصيمي من التوحيد إلى الإلحاد - عياذا بالله -
مقدمة:
الحمد
لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فقد ثبت في صحيح
مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم
يقول: (إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفها كيف شاء، ثم
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك )، وروى
الإمام أحمد والترمذي وغيرهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله
عليه وسلم يكثر أن يقول: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)، قال: فقلنا: يا رسول
الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا، قال: نعم إن القلوب بين أصبعين من أصابع
الرحمن يقلبها).
لذلك كان الدعاء
بالثبات على الحق واجتناب الزيغ من سمات الصالحين، كما قال تعالى في دعاء عباده
الصالحين (ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا)، وقال تعالى عن خليله إبراهيم عليه
السلام (واجنبني وبني أن نعبد الأصنام)؛ قال بعض السلف: ومن يأمن البلاء بعد
إبراهيم؟!، وقال الثوري رحمه الله تعالى (من أمن الله على دينه طرفة عين سلبه الله
إياه)، أعاذنا الله من أسباب الضلال والهوى والزيغ بمنه وكرمه.
من التوحيد إلى الإلحاد:
ولد (عبد الله بن
علي القصيمي ) بأحد (خبوب) مدينة (بريدة) في منطقة القصيم شمال نجد..
وذهب إلى
(القاهرة) عام 1348 تقريبا، والتحق بالأزهر ودرس فيه نحو أربع سنوات...
وأقبل على طلب
العلم وقراءة الكتب بنهم شديد...
وفي تلك الأثناء
في منتصف القرن الهجري المنصرم تقريبا هاجم (يوسف الدجوي) [2] العقيدة السلفية
ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى، فقام (عبدالله القصيمي ) بالرد
عليه والدفاع عن العقيدة السلفية ودعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله تعالى
وأخرج كتاب (البروق النجدية في اكتساح الظلمات الدجوية)...
فامتحن بسبب ذلك،
وأخرج من الأزهر، بل طالب الأزهريون بإخراجه من (مصر) كلها ولكن لم تنجح مساعيهم..
وفي عام 1355 نشر
الروافض كتابا بعنوان (كشف الارتياب في أتباع محمد بن عبد الوهاب)، فقام الوجيه
السلفي الحجازي محمد نصيف رحمه الله تعالى بإرسال هذا الكتاب إلى (القصيمي) وكتب
على طرته: ( إن مؤلف هذا الكتاب قد أتى بأشياء لم يأت بها أحد قبله من أعداء الدعوة
الإسلامية، فأرسلته إليكم لإبداء رأيكم فيه وللرد عليه )..
قال القصيمي (
فقلبت صفحات الكتاب مرة ومرة فرأيت فيه ما جعلني أتردد في الكتابة عنه، ثم بعث هذا
الوجيه خطابا إلى أحد الأعزة في (مصر) يطلب إليّ الرد على الكتاب، فصح عزمي وكتبت
ما يأتي …)..
فألف في الرد
عليهم كتاب (الصراع بين الإسلام والوثنية) في 3 مجلدات[3]... دافع فيه عن الدعوة
السلفية وعقيدة السلف… وذكر سخافات الروافض وحماقاتهم وشركياتهم…
وألف أيضا خلال
هذه الفترة كتاب ( الفصل الحاسم بين الوهابيين ومخالفيهم) في الدفاع عن عقيدة السلف
ونقاش متأخري الخلف..
وألف كتاب (شيوخ
الأزهر) في الرد على البدع وأن الدين كامل لا يحتمل أي تزيد أو ابتداع…
ونقد كتاب (حياة
محمد) لهيكل في كتاب ذكر فيه المآخذ على هيكل أثناء كلامه في السيرة وحديثه عن
المعجزات النبوية وغيرها..
مرحلة الشك:
استمر (القصيمي)
في دفاعه عن (العقيدة السلفية) أكثر من عشر سنوات ( من عام 1348 إلى عام 1360
تقريبا)...
وبعدها بدأ في
مرحلة (الشك)..
وبدأ يعيد النظر
في أفكاره السابقة...
ومن ذلك أنه سافر
إلى (السعودية) عام 1366 وتناقش مع بعض طلبة العلم الذين رأوا عليه شيئا من
الانحراف والزيغ...
ولم تطل هذه
المرحلة لأنها كانت برزخا بين (توحيده وإلحاده) نسأل الله الثبات...
مرحلة الكفر – والعياذ بالله -:
فجأة – بعد مرحلة
من الشك – أخرج القصيمي كتابه (هذه هي الأغلال) والذي كفر فيه وألحد، فجعل الشريعة
الإسلامية هي الأغلال التي أعاقت مجتمعات المسلمين من (النهوض)، فأوربا لم تنهض حتى
خلعت ربقة الإيمان بالله واليوم الآخر...وتكلم
في الأنبياء…وكذب أشياء في القرآن…وذكر فيه من الضلال والزيغ الشيء الكثير...
فانبرى له العلماء
والغيورون بالرد عليه والتشنيع..
فكتب الشيخ عبد
الرحمن بن سعدي رحمه الله تعالى كتاب (تنزيه الدين وحملته ورجاله مما افتراه القصيمي في أغلاله) قال فيه:
(من نظر فيه
وتأمله عرف أنه ما كتب
أشد وطأة وأعظم عداوة ومحاربة للدين الإسلامي ومنفرا منه،
وأنه ما اجترأ أحد من الأجانب وغيرهم بمثل ما اجترأ عليه هذا الرجل ولا افترى مفتر
على الدين كافترائه ولا حرّف أحد نظير تحريفه، وما صرح أحد بالوقاحة والاستهزاء
والسخرية بالدين وأصوله وتعاليمه وأخلاقه وآدابه وحملته كاستهزائه وسخريته، فإنه اشتمل
على نبذ الدين ومنابذته ومنافقته ثلاثة لا تبقي من الشر شيئا إلا تضمنته
فإنه صريح في الانحلال
عن الدين بالكلية وخروج تام عن عقائده وأصوله فضلا عن فروعه وهو أكبر دعاية للإلحاد)[5].
وكان قد قال في
مقدمته:
(أما بعد:
فإني قد وقفت على
كتاب صنفه عبدالله بن علي القصيمي سماه (هذي هي الأغلال)
فإذا هو محتو على نبذ
الدين والدعاية إلى نبذه والانحلال من كل وجه، وكان هذا الرجل قبل كتابته وإظهاره
لهذا الكتاب معروفا بالعلم والانحياز لمذهب السلف الصالح، وكانت تصانيفه السابقة
مشحونة بنصر الحق والرد على المبتدعين والملحدين، فصار له بذلك عند الناس مقام
وسمعة حسنة، فلم يرع الناس في هذا العام حتى فاجأهم بما في هذا الكتاب، الذي نسخ به
وأبطل جميع ما كتبه عن الدين سابقا، وبعدما كان في كتبه السابقة من أنصار الحق،
انقلب في كتابه هذا من أعظم المنابذين له)[6].
ورد عليه أيضا
الشيخ عبد الله اليابس رحمه الله تعالى (نزيل مصر) في كتاب (الرد القويم على ملحد
القصيم)، وكان مما قاله:
(وهذا الذي يقصده
مؤلف الأغلال والذي كرر في عدة مواضع
يدعو إلى طرح الدين، ويزعم أن طرحه رقيا في
الحياة)[7] وقال عنه: (فالرجل بلشفي في دعايته، قصيمي
في زيه، يهودي في
خلقه)[8].
وألف (السويح)
قاضي تبوك أيضا في الرد عليه كتاب (بيان الهدى من الضلال في الرد على صاحب
الأغلال)…
وكونت في (مصر)
لجنة باسم (لجنة مكافحة (هذه هي الأغلال)) –كونتها (جمعية الهداية الإسلامية) و
(أنصار السنة) و (الإخوان المسلمون) و (شباب محمد) -…
ومع ذلك زاد غيه
وضلاله..وصرح بما لم يصرح به في (الأغلال) على صفحات (الجرائد) و (المجلات)…
فصرح بإنكار
الخالق وأن سبب
الحياة في الحياة، وسبب الوجود في الوجود[9]…
وقال عن العقل
العربي (
لماذا يريد دائما
أن يظل عبدا مأمورا مخلوقا يتلقى ذاته من وراء ذاته؟
ويتلقى الأوامر
التي تشعره بأنه مخلوق لا خالق؟)[10]
وذكر أمورا كثيرة
بثها في نشراته ومقالاته[11]…
واستمر على هذه
الحال حتى هرم وجاءته الوفاة عام 1416 نسأل الله تعالى أن يحسن خاتمتنا.
عبر وعظات:
ما كتبته سابقا
إنما سقته لأخذ العبر والعظات ومن أهم تلك العبر:
- أن يستيقن العبد
أن القلوب (هدايتها وضلالها) بيد رب العالمين، فيصدق اللجأ إلى الله تعالى والدعاء
والتضرع بين يدي الخالق سبحانه وتعالى بأن يثبته على الحق ويتوفاه عليه.
- أن بداية الضلال
إنما هي بالثورة على ما يسمى بـ (الموروث)...فيزعم الزاعم أنه (اجتهادات فقهية) أو
(تقاليد بدوية) أو (تشدد)..أو غيرها من العبارات التي نسمعها دائما...
- أن إدخال عبارات
التمويه (كالثناء على الدين) و (الصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم) ونحوها في
كتابات (الثوار على الموروث) من صفات المنحرفين للبس الحق بالباطل، فإن الباطل
المحض لا ينفق ما لم يشبه شيء من الحق، وهذا ما فعله القصيمي في (أغلاله) ورد عليه
أهل العلم...
نسأل الله
تعالى أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن وأن يجعلنا من عباده الصالحين وأن
يتوفانا على الإسلام والسنة.
وصلى الله وسلم
على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
المصدر
-------------------