نماذج من صد عدوان غلمان الصحافة
المبطلين
السؤال :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
فقد شاع في كثيرٍ من الكتابات الصحفية جملةٌ من المخالفات الشرعية المصادمة
لأحكام الشرع المطهَّر. وفي الفترة الأخيرة تجاوزت تلك الكتابات إلى المساس بقاعدة
الدين ومفاهيمه الكبرى. فقد نشر بجريدة الرياض عدد (14441) مقالةٌ بعنوان : (إسلام
النص، وإسلام الصراع)، قرَّر كاتبها أن من التشويه والتحريف لكلمة (لاإله إلا الله)
القول باقتضائها الكفر بالطاغوت ونفي سائر الديانات والتأويلات، أو أن معناها : (لامعبود
بحقٍ إلا الله). ونشر بالجريدة نفسها في العدد (14419) مقالةٌ بعنوان : (الآخر في
ميزان الإسلام) قرَّر كاتبها أن الإسلام لا يكفِّر من لا يدين به إلا إذا حال بين
الناس وبين ممارسة حرية العقيدة التي يدينون بها. وزعم أن دين الإسلام ـ خلافاً
لرأي المتشددين ـ لا يكفر من لم يحارب الإسلام من الكتابيين أو من أتباع العقائد
الأخرى، بل عدَّهم من الناجين.
وبرفق السؤال صورة من المقالتين المذكورتين. فما قولكم في ذلك حفظكم الله.
الجواب :
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ...
الحمدلله . فإن من المعلوم بالضرورة من دين الإسلام أن رسالة محمد صلى الله
عليه وسلم عامةٌ للبشرية كلها ، بل للثقلين الجنِّ والإنسِ. فمن لم يقرَّ بعموم
رسالته فما شهد أن محمداً رسول الله، مثل من يقول : إنه رسولٌ إلى العرب، أو إلى
غير اليهود والنصارى. ومقتضى عموم رسالته أنه يجب على جميعِ البشر الإيمان به واتباعه. سواءٌ في ذلك الكتابيون اليهود والنصارى، أو الأميون وهم سائر الأمم. قال
ـ تعالى ـ : (فإن حاجُّوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعنْ. وقل للذين أوتوا الكتاب
والأميين أأسلمتم. فإن أسلموا فقد اهتدوا. وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصيرٌ
بالعباد). وقال ـ تعالى ـ : (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً). وفي
الصحيحين من حديث جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وكان النبي
يبعث إلى قومه خاصةً ، وبعثت إلى الناس عامةً). وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة
رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (والذي نفس محمدٍ بيده، لا يسمع
بي أحدٌ من هذه الأمة ؛ يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ. ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلتُ به
إلا كان من أصحاب النار).
ومن هذا الأصل أخذ العلماء أن من نواقض الإسلام اعتقادَ أن أحداً يسعه الخروج
عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم فمن زعم أن اليهود والنصارى أو غيرهم أو طائفةً
منهم لا يجب عليهم الإيمان بمحمدٍ صلى الله عليه وسلم ، ولا يجب عليهم اتباعه، فهو
كافرٌ وإن شهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
وبهذا يتبين أن (من زعمَ أنه لا يكفرُ من الخارجين عن الإسلام الذي بعث الله
به محمداً صلى الله عليه وسلم ، إلا من حاربه) ، أو زعم (أن شهادة ألا إله إلا الله
لا تقتضي الكفر بما يعبد من دون الله، والبراءة منه ومن عابديه، ولا تقتضي نفيَ
كلِّ دينٍ غير دين الإسلام مما يتضمن عدم تكفير اليهود والنصارى وسائر المشركين)
فإنه يكون قد وقع في ناقضٍ من نواقض الإسلام. فيجب أن يحاكم ليرجع عن ذلك. فإن تابَ
ورجع، وإلا وجب قتله مرتداً عن دين الإسلام، فلا يغسَّل ولا يكفَّن ، ولا يصلى
عليه، ولا يرثه المسلمون. فنعوذُ بالله من الخذلان وعمى القلوب، فإنها لا تعمى
الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
وإن من المؤسف المخزي نشر مقالاتٍ تتضمن هذا النوع من الكفر في بعض صحف هذه
البلاد المملكة العربية السعودية؛ بلاد الحرمين. فيجب على ولاة الأمور محاسبة هذه
الصحف على نشر مثل هذا الباطل الذي يشوِّهُ سمعة هذه البلاد وصورتها الغالية.
وليعلم الجميع أنه يشترك في إثم هذه المقالات الكفرية كل من له أثرٌ في نشرها
وترويجها من خلال الصحف وغيرها ، كرؤساء التحرير فمن دونهم كلٌ بحسبه. فليتقوا الله
وليقدروا مسؤوليتهم و مقامهم بين يدي الله. نسأل الله أن يهديَ الجميع إلى صراطه
المستقيم، صراط الذين أنعم عليهم، غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
وصلى الله على محمد ، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أملاه عبدالرحمن بن ناصر البراك.
غرة ربيع الأول 1429هـ.
****
إلى الذين يغيظهم بيان الأحكام
الشرعية
صبرنا على طائفة من الكُتَّاب يتناولون رجال الحسبة ويتناولون الدعاة إلى
الله لا لشيء إلا أنهم يقومون بواجبهم نحو دينهم وولاة أمرهم ونحو وطنهم بتحصين
المجتمع مما يخل بدينه أو بأمنه واستقراره .
صبرنا وقلنا لعلهم يرجعون إلى صوابهم فالرجوع إلى الحق خير من التمادي في
الباطل .
ولكن الأمر ازداد وطفح الكيل حتى تناول بعضهم العقيدة ، وقال إن كلمة : لا
إله إلا الله لا تقتضي الكفر بالطاغوت ولا تبطل الأديان .
وقال آخر : إن الإسلام لا يكفر من لا يدين به ومن لا يحاربه .
ولما سئل الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله عن هذه المقالات وأجاب عنها وذكر
أن هذه الأقوال ردة عن دين الإسلام متبعا في ذلك ما جاء في الكتاب والسنة وإجماع
العلماء على أن من ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام مختارا عالما أنه يرتد عن دين
الإسلام ، وهذه المقالات تعتبر من نواقض الإسلام لأنها تسوي بين الكفر والإسلام .
لما أجاب الشيخ من سأله عن هذا شنعوا عليه وتناولوه بالذم وحرضوا عليه مع أنه
لم يأت بشيء من عنده فقد حكم الله بالردة على من تكلم بكلمة الكفر جادا أو هازلا ،
قال تعالى : " وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ
إِسْلاَمِهِمْ " [ التوبة : 74 ] ، ولما قال جماعة في أحد الأسفار وهم مع رسول الله
صلى الله عليه وسلم : ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أكذب ألسنا وأرغب بطونا وأجبن عند
اللقاء . يعنون رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنزل الله فيهم : " قُلْ
أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لاَ تَعْتَذِرُواْ
قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ " [ التوبة : 65 - 66 ] مع أنهم اعتذروا وقالوا
: " إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ " وقالوا : إنما نتحدث حديث الركب نقطع به
عنا الطريق ، فكيف بمن يكتب المقالات الطويلة وينشرها على الملأ فيما هو أشد من ذلك
.
وبدل أن يندموا ويتوبوا مما كتبوا يكابرون ويريدو من العلماء أن لا يبينوا
الحكم الشرعي إذا سئلوا عنه على الأقل .
أيريدون أن يكتم العلماء العلم ويؤخروا البيان عن وقت الحاجة وقد قال الله
تعالى : " إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ
وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ
يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ " [ البقرة : 159 ] .
إن الذين حصل منهم الكلام الذي ارتدوا به عن دين الإسلام في عهد النبي صلى
الله عليه وسلم إنما قالوه فيما بينهم ولم يعلم به إلا الله ولم يكتبوه وينشروه
وإنما حضره واحد من المسلمين وبلغه النبي صلى الله عليه وسلم ومع هذا فضحهم الله
وأنزل فيهم قرآنا يتلى إلى يوم القيامة تحذيرا للمؤمنين من أن يقع منهم مثل ذلك ،
فكيف بمن كتب كلامه الفظيع ونشره في الصحف أو بثه في الفضائيات ؟
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه
أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده ) ، وفي الأثر : أن المعصية إذا لم تظهر لم تضر
إلا صاحبها ، وإذا ظهرت ولم تنكر ضرت العامة .
أعود فأقول : لا بد من بيان الحق ورد الباطل وأن لا تأخذ العلماء في الله لومة لائم وليس غرضنا التشهير بأحد وإنما غرضنا امتثال قول النبي صلى الله عليه
وسلم : ( الدين النصيحة - ثلاث مرات - قلنا : لمن يا رسول الله ؟ . قال : لله
ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) .
ونرجو من القائمين على الصحافة أن لا يحجبوا مقالات الناصحين عن النشر
فيكونوا من الكاتمين للبيان .
وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه .
كتبه
صالح بن فوزان الفوزان
عضو هيئة كبار العلماء
****
دعـوا (ابن بجـاد ) يَعبث بالديـن ، كي
يسـلم لكـم الوطـن!
هـل من الممـكن أن نسـمع غـداً لعبـدالله بن بجـاد العـتيبي تصـريحـاً يقـول
فيـه : (إن إقـدام البـراك على تكفـيري دليـلٌ على احـتقاره للمـرأة )؟!
من الجـائز أن نسـمع هـذا. فقـد عـوَّدَنا ذلك الصـنف من البشـر، كـلما
وقـعوا في زاويـة حـرجـةٍ وانكشـفت أوراقـهم وسقـط قنـاعهـم، فزعـوا للتـباكي على
واحـد من اثـنين : إما (الوطـن ) ، أو (المـرأة ) .. وابن بجـاد في قضـيته الأخـيرة
بـدأ بالنـواح على الوطـن، لكـنه لم يشـرع إلى الآن في الخـيار الثـاني.
ابن بجـاد في صـراخـه الأخـير يريـد أن يقـول للنـاس : أنا الوطـن ، و الوطـن
أنا .. فمـن تعرَّض لي ، فإن الوطـن كـله في خـطرٍ.
بدأت القصـة قـبل أكثـر من شـهرٍ حـين كتب المخـذول في زاويـته بجريـدة تركي السـديري ، شـارحاً معنى كـلمة (لا إله إلا الله ) ، فأكـد أنها مجـموعـة من
الحـروف المصـفوفة وراء بعضـها ، خـاليـة من أي معـنى ، فلا هـي تثـبت معـبوداً
فـرداً ، ولا هي تنفـي ديـناً بـاطلاً. فمـن زعـم أن هـذه الكـلمة تقتضي ألا معـبود
بحـقٍ سـوى الله ، أو أن من معـناهـا نفي و إبطـال سـائر الديـانـات ، فقـد شـوَّه
معـنى (لا إله إلا الله ) ، فهـو ـ بالتـالي ـ متعصِّـب ومتشـدِّدٌ!
زنـدقـةٌ مكشـوفةٌ وردة جليـةٌ تصـادم مبـادئ الإسـلام ومقـدماته البـدهيـة.
وقـبل ذلك ببضـعة أسـابيع كان مفـتونٌ آخـر، وهـو (يوسف أبا الخـيل ) يكتـب
في الجـريدة نفسـها لونـاً آخـر من ألـوان الزنـدقة، حـين أعـلن أن اليهـود
والنصـارى إذا كانـوا موحـدين ، فلا يضـرهم تكذيبـهم بالقـرآن ، ولا بنـبوة محـمد ـ
صلى الله عليه وسلم ـ ، بل هـم من النـاجين يـوم القـيامة ، إلا إذا حـاربوا أهـل
الإسـلام!
كُتبَ هـذا الزيـغ بجريـدة تركي السـديري. ولأن الله أخـذ على أهـل العـلم
الميـثاق بالبيـان ، فقـد أفتى الشـيخ عبدالرحمن بن ناصر الـبراك مبيـناً أن هـذا
الضـلال يمثـل مروقـاً صـريحاً من حقـائق الديـن ، وهـدماً لقـاعدته الكـبرى.
غيـر أن ابن بجـاد ورفيـقه يريـدان من الشـيخ ، ومن سـائر أهـل العـلم أن
يبـدلوا دين الله إكـراماً لسـواد وجـهيـهما.
فلا خـلاف بيـن علـماء الإسـلام كـلهم ، أن من أنـكر أمـراً من ضـروريات دين
الإسـلام وقـطعيـاته، فإنـه يكـون بهـذا كافـراً مرتـداً. وليس في ضـروريات الدين
المجـمع عليـها أوضـح من نفي جـميع المعـبودات سـوى الله ، وإبـطـال سـائر الأديـان
سـوى ديـن الإسـلام، وإثـبات عـموم رسـالة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لجمـيع
البشـر بمـن فيـهم اليهـود والنصـارى.
هـذا هـو دين الإسـلام ، فمن لم يقـنع به ، فلينسـب نفسـه لدينٍ غـيره. فإن
أبى إلا الانتسـاب لدين الإسـلام مع نقضـه قـاعـدته ، فمن واجـب أهـل العـلم و الفـتيا رفض هـذا الانتسـاب المـزوَّر. كـما أن واجب من بسـط الله يـده بالولايـة
والسـلطة اســتتابته من ذلك الضـلال.
أصـدر الشـيخ البـراك فـتواه ، وكـما هـو متـوقع ، فـزع ابن بجـاد للـتباكي
على أمـن الوطـن الذي انـتهـكه الشـيخ! وفـزع إلى حـيلة مسـتهلكة منتـهية
الصـلاحيـة ، فأعـلن بكـل خسـةٍ ودنـاءةٍ أن فـتوى الشـيخ (تنسـجم انسـجاماً تامـاً
مع توجهـات القـاعدة وتحريض قـادتها على القـتل واسـتهداف المخـالفين )!
ضـحكت كثـيراً وأنا أقـرأ هـذا السَّـفه ، لأن ابن بجـاد يعـرف جـيداً أن
الشـيخ أكبـر وأجـل من (بعـبع ) القـاعـدة التي اعـتاد ابن بجـاد إلصـاق الآخـرين
بها إذا تجـرأوا على التعـرض لجـنابه الرفـيع. لكـن لا بـدَّ من الفجـور في
الخصـومة ، حتى تكـتمل خصـال النفـاق.
ابن بجـاد في حماسـته للدفـاع عن نفسـه ذكر أن فـتوى الشـيخ البـراك :
(تنـتمي للقـرون الوسـطى )!
وأنا أحـمد الله ـ سـبحانه ـ الذي أنطقـه بمثـل هـذا. فالقـرون الوسـطى ـ لو
كان هـذا الأعـجم يعـي ـ هي القـرون التي بُعـثَ فيـها محـمد بن عـبدالله ـ صلى
الله عليه وسلم ـ . وهي القـرون التي عـلَّمَ فيـها الرسـولُ أمـته كـلمة التوحـيد.
فوعـت الأمـة كلـها أنَّ (لا إله إلا الله ) تقتضـي بـطلان كلِّ معـبودٍ سـوى الله.
وأن شـهادة (محـمد رسـول الله ) تعنـي بطـلان كل شـريعـة سـوى الشـريعة التي أنزلت
على محـمد بن عـبدالله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
فـفتوى الشـيخ البـراك تنـتمي لذلك النـور المـبين المنـزل من عـند رب
العـالميـن في تلك القـرون الوسـطى ، التي اشـتملت على خـير القـرون وأزكـاها عـند
الله. لكن لأن ابن بجـاد يردِّد كـلام غـيره كالببـغاء ، فقـد اسـتعار تعبـير
النصـارى عن تلك الفـترة المظـلمة من تاريخـهم التي كانـوا يحـيون فيـها كالبـهائم.
وقـد ذكـرني حـديثه عن القـرون الوسـطى بقـول المفـتونة وفاء سـلطان : ( إن
المسـلمين سـقطوا رهـينة كتاب محـمد، وعـجزوا أن يخـرجوا خـارج حـدود عقـلية
القـرون الوسـطى )!!
هـكذا قالت الفـاجرة وهي تعـي ما تقـول. فكـلامـها أوضـح وأصـرح ، وأما قـول
ابن بجـاد فهـو أغـبى وأحـمق.
والذي أوحى إليـه بنسـبة فـتوى الشـيخ للقـرون الوسـطى ، هـو عـينه الذي أوحى
لقريش أن تقـول : ( إن هـذا إلا أسـاطير الأوليـن ).
وقد رأيـته يجهـد نفسـه ويهـلكها كي يلصـق بالشـيخ المغـالاة في التكفـير.
وهـو يعـلم ـ علم اليقـين ـ أن الشـيخ أبعـد النـاس عن مثـل هـذا الوصـف. فالشـيخ
كانَ ولا يـزال يعـلِّم النـاس العـدل في القـول والعـمل. وهـو من الكـبار الذين
كانـوا ينـهون الأغـمار عن المغـالاة في التكفـير في الوقـت الذي كان ابن بجـاد
يسـتروح لمطـالعـة رسـائل جهـيمان، ويـدور في النـوادي مبشـراً داعـياً إلى تكفـير
خـيار النـاس وصـلحائهم من أمثـال درتي هـذه البـلاد : الشـيخ ابن باز ، والشـيخ
ابن عثـيمين ـ رحمهمـا الله ـ .
ومـع معـرفة الجـميع بسـيرة ابن بجـاد السـوداء المظـلمة، فإنـه يأتي اليـوم
بكـل صـفاقة وقـلة حـياء ليـرمي بلاءه على غـيره.
التكفـيرُ شيء ، والغـلو فـيه شيءٌ آخـر.
وتـكفير من يعبث بالديـن حـكمٌ شـرعيٌّ سـواءٌ أحبَّ ذلك ابن بجـاد أو
كـرهـه.
و هـذه الحـكم جـزءٌ من ديـن الإسـلام . لن يـبطله غـلو الغـالين فيـه ، ولا
إنكـار المسـتهترين له.
وأولى النـاس بالكـلام في مثـل هـذا البـاب من كـان في مثـل مقـام الشـيخ البـراك ـ رعاه الله ـ .
أما ابن بجـاد ، فإنه يحسـن لنفسـه لو كفَّ تخـليطه عن النـاس. فمـن عـرف
سـيرة الرجـل يراه مفـتوناً بالاسـتخدام السيئ لمـادة ( ك ف ر ). فهـو يتنقَّـل
دهـره ما بين الغـلو في (التكفـير ) إلى الولـوغ في (الكفـر ). أما الوسـطية
والاعـتدال فلا وجـود لهـما في تاريخـه. ولعـله لو طـال به الزمـان لخـط بيـن
عـينيه (ك ف ر ) كي يقـرأها كل مـؤمنٍ ومـؤمـنةٍ.
ولقـد ذكرني كـلامـه عن الشـيخ البـراك بمقـالةٍ أخـرى سـبق نشـرها بجريـدة
تركي السـديري، زعـم كاتبـها أن أبا بكـر الصـديق ـ رضي الله عنه ـ أول من اخـترع
أيديولوجيـا التكفـير!
الجريـدة نشـرت هـذا الكـلام القبيـح، ثم اعـتذرت عـنه بعـد ضـغطٍ رسـميٍّ.
لكـن ما كـتبه ابن بجـاد الآن في الجريـدة نفسـها لا يخـتلف عن عـن مضـمون
تلك المقـالة الشـوهاء. فالصـديق ـ رضي الله عنه ـ كفَّـر بني حنـيفة مـع أنهـم
يتلفـظون بالشـهادتيـن. فيجب أن يكـون متشـدِّداً متعصـباً حـسب الوحي الذي أُنزل
على ابن بجـاد من الأرض السـابعـة!
فإذا كان من رأيـه ورأي صـنوه (أبا الخـيل ) أن كلـمة (لا إله إلا الله ) لا
تنفي سـائر الأديـان والتـأويلات، فما العـيب إذن في دين مسـيلمة ، وقـد كان يشـهد
بكـلمة التوحـيد ويؤمن بالنـبوة. ولم يكـنْ يسـجد لصـنمٍ أو يعـبد وثـناً؟! فلمـاذا
لم يحـترم الصـديق رأيـه ورأي قـومه ومعـتقدهـم الذي اخـتاروه لأنفسـهم؟ وبأي حـقٍّ
اسـتباح الصـديق تكفـيرهـم، وهـم يتلفـظون بالشـهادتين؟!
ليشـرحْ لـنا ابن بجـاد هـذا. فنحـن ـ معاشـر المتعصـبين ـ نصـحِّحُ فعـل
الصـديق ونعـد تكفـيره لأولـئك القـوم من مآثـره ومناقبـه. بل هـو قـدوةٌ لـنا في
فعـله هـذا الذي صـدر مـنه في القـرون الوسـطى التي يكـره ابن بجـاد كل ما ينـتمي
إليـها.
نحـن نقـتدي بالصـديق فنعـتقد كفـر من ادعى النـبوة ومن يصـدق دعـواه حتى لو
أتى بالشـهادتين.
كـما ندين ـ أيضاً ـ بكفـر من يجـعل كلمـة التوحـيد حـروفاً مصـفوفةً خـاليةً
من معـاني الوحـدانـية.
فلعـل ابن بجـاد يكتشـف الآن أن فكـر الصـديق ينسـجم مـع أفـكار القـاعـدة.
كما اكتشـف هـذا في فكـر الشـيخ البـراك.
بل لعـله أيضاً يسـحب ذلك على جـميع عـلماء الإسـلام من المذاهـب الأربعـة
وغـيرها الذين جعـلوا في الفـقه باباً كامـلاً اسـمه (حـكم المرتـد ) يطبـقونه على
أناسٍ ينطقـون بالشـهادتين.
فالصـديق والصـحابة معـه ، والتـابعـون من بعـدهـم ، وكـذا الأئمـة الأربعـة
وأتبـاعهـم ، وسـائر علـماء الإسـلام. جمـيع هـؤلاء يجـب أن يكـونوا متعصـبين
متشـدِّدين ـ حسـب تخـليط ابن بجـاد ـ، ويجـب أن يكـون تفـكيرهـم منسـجماً مع
تفـكير القـاعدة. لأن كل واحـدٍ منهـم يحـكم بالكـفر والردة على من يأتي
بالشـهادتين ، إذا أنـكر أمـراً من قطعـيات الشـريعـة وضـرورياتهـا.
فإما أن يلصـق ابن بجـاد هـؤلاء بفكـر القـاعدة ، أو أن يعـيد النـظر في
الوحي المنـزل إليـه من الأسـفل.
وقـد رأيـته بعـد صـدور الفـتوى يعـلن أنه لن يتوقـف عن الكـتابة ، ويقـول :
إنه لن يمسـك عن طـرح أفكـاره وقنـاعـاته. وحـين قرأت هـذا خُـيِّلَ إليَّ أن
الرجـل يخشـى على البشـرية أن تخسـر فكـره العـميق وفقـهه الدقـيق إن هـو أمسـك عن
الكـتابة. ولعـله يظـن أنه لو لم يكـتب فسـوف تتفـطر السـماء ، وتنشـق الأرض ،
وتنهـد الجـبال ، ويخسـف الشمس والقـمر ، ويخـتل نظـام الكـون برمـته. مـع أني
أقـطع أنـه لو توقف ، فلـن يفـتقده سـوى كلمـة (الدوغـمائيـة ) التي لن تجـد أحـداً
يرسـمها بيـده و يلوكهـا بلسـانه من بعـده.
على أن الشـيخ عبـدالرحمـن البـراك لم يطـلب منـه الكف عن الكـتابة. وإنمـا
دعـاه للإقـلاع عن كـتابة ما يفسـد إيـمانه ويهـدم ديـنه . لكـنه لا يريـد ذلك ،
وقـد يلـتمس له بعض محـبيه العـذر. فهـو إن توقف عن كتـابة عبثـياته التي يسـميها
فـكراً، فلن يـدفـع له تركي السـديري قرشـاً واحـداً. وعـندها قد يجـد نفسـه
مضـطراً للعـودة إلى بيـع التمـر عـند إشـارات المـرور تحـت الشـمس ولهـيبها.
وهـو بالتـأكيد لا يريـد العـودة لذلك ، فبيـع الدِّيـن لمن يـزيـد ، أخـفُّ
على نفسـه من بيـع التمـر السـكري على الأرصـفة، و ما يتـبع ذلك من مطـاردات مفتشي
البـلدية ودوريـات الشـرطة.
ابن بجـاد مخـلوقٌ مفـتونٌ . إن تحـمِلْ عليـه يلهث أو تتـركه يلهث. فهـو لم
ينتـفع بنصـح أهـل العـلم له في طـور ولوغـه في التكفـير ، و الآن لا يريـد أن
ينتـفع بنصـحهم له عن الولـوغ في الكـفر. وهـو بهـذا وذاك لن يضـرَّ إلا نفسـه ،
والهـداية بيـد مقـلب القـلوب. وقـد أصـرَّ قبـله إبليس على الفجـور والجحـود مع
علمـه ويقـينه. فمـن الواضـح أنـه اخـتار التـطوع في جيش إبليس ، ولو على رتبـة (عريف
).
قال العــزيز الحـكــيم : ((ومن يهـن الله فما له من مكــرمٍ )).
كتبه محمد بن سيف
****
حرية الفكر .. وإشاعة الكفر ( قضية ابن
بجاد ) !
عبدالله بن بجاد العتيبي .. يكتب لينور العقول ، ويحارب الإرهاب ، وهو بهذا
يقدم للأمة خدمة جليلة في حرب الفكر المتطرف الغالي ... ويقف صفا واحدا مع العقلاء
ضد موجات " الغلو " و" التكفير " ، هكذا يظن نفسه .. وهكذا يسول له من حوله .. ولذا
فقد امتشق قلمه الذي يقول بأنه لا يملك غيره .. ولربما لا يدري أن الإنسان بجرة "
قلم " قد يجر نفسه إلى النار .. وبجرة " قلم " يرتقي في منازل الأنبياء .. ولربما
كلمة يكتبها الإنسان لا يلقي لها بالا تهوي به في النار سبعين خريفا ..!
ألا لا يظن ظان بأن أي صاحب فكرة يكتبها يقر بأنها فكرة " هدّامة " ،فلو رآها
كذلك لربما أحجم عنها ، فعتاة الماركسيين والملاحدة والباطنية وغيرهم أفنوا حياتهم
في كتابة الأفكار وتركوا لذيذ المطاعم والمشارب في سبيل البحث والكد ، ومع ذلك كانت
أفكارهم تخالف العقل والنقل ، وثبوت الإنسان على فكرته حتى لو أودت بحياته لا يدل
على صحتها أو صدق حاملها ، فالله تعالى يقول : " أولئك الذين ضل سعيهم في الحياة
الدنيا ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا " ، فهو يرى أنه يحسن صنعا حين يهرطق ببعض
الأفكار ، ثم يكتشف في نهاية إقدام العقول أنها أسهمت في محادة الله والصد عن سبيله
والخوض في دينه بلا علم ولا بينه !
إنني هنا لن أقف حكما بين الشيخ الجليل والعالم الفاضل عبدالرحمن البراك حفظه
الله وبين خصومه ، فهو عالم مجتهد ، يخطئ ويصيب ، ولكني سأقف مع أصحاب الدعوات
العريضة التي ضاقت نفوسهم ذرعا حين يدلي الشيخ البراك برأيه حول ما كتبه ابن بجاد
وأبا الخيل ، فهو حكم بناء على مقاييس العلم والشريعة وأداه اجتهاده إلى أن ما
كتباه يعد من الكفر المخرج عن الملة ، وقد يخالف الشيخ في مندوحة التأول الذي يدرأ
الكفر ، أو المقصد الخفي الذي خانته العبارة والكلام ، ولكن العجيب ليس هذا ، بل
العجيب حين يغضب الكثير من المفكرين من إبداء الشيخ البراك رأيه في هذه المسألة ،
مع أن الشيخ حفظه الله قد طلب إحالة هؤلاء إلى المحكمة ، ولا أظن ليبراليا حرا إلا
ويوقن بأن المجتمع المدني هو مجتمع " قضاء " يخضع له الجميع ، فلا ضير من أن يقف
الإنسان أمام القضاء بأي قضية بلا استثناء ، وبعد ذلك يبدي الإنسان رأيه بأي مسألة
حتى ولو كانت من المسلمات ، و يخضع للحكم القضائي أيا كان , وإلا كانت الدعوة إلى
استقلال القضاء وحضارية التقاضي ضربا من العبث حين لا يستسلم الإنسان لها ويسير وفق
طريقها ...
إن التترس بفكرة " الحرية " و " حق إبداء الرأي " لا تنفع في مثل مسلمات
العقيدة ، فأي حد عند هؤلاء لإبداء الرأي ؟ وهل الجزع من تكفير الشيخ البراك لهؤلاء
لأنهم لا يرون ما يقولونه كفرا ؟ أم لأن من حق الإنسان أن يروج لأي فكرة حتى لو
كانت فكرة كفرية أو إلحادية من دون أن يسعى الناس إلى محاكمته ومنعه بالنيل من
مقدساتهم ؟
ترى لو صرح إنسان سعودي في صحيفة بسب الله تعالى ، أو سب رسوله صلى الله عليه
وسلم ، او إعلان الكفر بلغة صريحة لا تقبل التأويل فهل يمانع هؤلاء من إعلان تفكيره
، أو المطالبة بمحاكمته بحجة مس " المقدس " ، إذ أن مس المقدس يعتبر خروجا عن إطار
الحرية الفردية ، ونكاية بمعتقدات الجماعة ، وخاصة في بلد يقوم أساسا على اعتبار
الإسلام مرجعيته النهائية التي لا يجوز لأحد أن يتعدى عليها او يسمها بسوء ؟!
إن الحرب على " الإرهاب " و " التكفير " لا يعني انتفاء " الردة " من الإسلام
، ولا يعني ان تتخذ هذه القضية وسيلة وحيلة لكل من تسول له نفسه أن يقول في الإسلام
ما يشاء ، فكما أن المجتمع كله يقف ضد من يتخذ من " التكفير " وسيلة لإزهاق الأرواح
وترويع الآمنين ، والتعدي على الحرمات ، فإن إتخاذ " حرية الرأي والتعبير " وسيلة
لإشاعة الكفر لا يقل خطورة عن الأول ، فنحتاج لحملات لمكافحة النوعين حتى نسلم من شرهما جميعا ..
إنني استخسر في مثل هذا المقال أن أناقش عبدالله بن بجاد بفكرته ، فهي فكرة
لا تستحق أن تسطر فيها السطور لانها مسألة مسلمة عند كل مسلم ، ولا ترقى حتى إلى
درجة الخوف من أن تكون شبهة لوضوح النزعة النفسية فيها من جهة ، ولضعف تناولها من
جهة أخرى ، ولكني أعجب من طريقة تناوله لفتوى الشيخ البراك حيث حاول أن يلصق الشيخ البراك حفظه الله بالقاعدة وجماعة التفجير ، وكأنه يظن أن الشيخ سوف يفزع لأن ابن
بجاد كشفه وهو في حالة تلبس أو أنه علم عنه مالم يعلمه غيره ، مع أن الناس حكاما
ومحكومين في البلد يعرفون قدر الشيخ البراك حفظه الله ، ويميزون بين من يجتهد في
خدمة الدين والعقيدة ومن يحرص على خرق الصف من داخله ، وكنت أظن ان ابن بجاد بدلا
من فرد العضلات ، وامتشاق القلم ، وإظهار نفسه بمظهر النبي الذي ضيعه قومه ،
والمخلص للناس من فكر التطرف والإرهاب أن يحاول تبرئة نفسه مما نسب إليه ، وأنه لا
يقصد تصحيح كل دين مع الإسلام ، وأن الشيخ ربما فهم فهما لم يقصده في كلامه ،بدلا
من إجهاد فكره في تذكر فتاوى صدرت في الماضي ، فإذا به يصف الفتوى بأنها تنتمي إلى
القرون الوسطى .. ولا أدري ما علاقة قدم الفكرة وجدتها بصحتها وخطئها !
الشيخ البراك حفظه الله لم يزد أن طالب بإحالة هؤلاء إلى القضاء ، فهو لم يدع
أي أحد لأن يقيم الحد على ابن بجاد ولا صاحبه ، ولكن ابن بجاد في مقابل ذلك استمات
في ربط الشيخ بالإرهاب والقاعدة ، فهو وقع في ما ينتقده على الشيخ ، ولكن الشيخ
أكثر حضارية من ابن بجاد فهو طالب بإحالته إلى المحكمة ، وابن بجاد اكتفى بربطه
بالقاعدة ولربما هو في هذا يتعدى حدود الوطن ليدعوا أن يحاكم الشيخ في قوانتانامو
التي أعدت للقاعدة وأتباعها ..!
نعم .. كلنا ضد القاعدة والغلو في التكفير واخلال الأمن ، ولكننا ضد إشاعة
الكفر وتسويقه وترويجه بأي وسيلة بأشد من حربنا للقاعدة ، فإن كانت نفوس الناس
غالية فدينهم اعز وأغلى ، فليتنبه أولئك الذين يتترسون بالمرحلة إلى خطورة ما
يفعلون .. وليتقوا الله ربهم .. فالتوبة تجب ما قبلها ، والاسلام يجب ما قبله ،
وخاصة من درس الشريعة وعلم اصولها وفروعها .. وفق الله الجميع .
الحقوق محفوظة لشبكة الاعتدال !
****
رد الشيخ ابن باز على مقال نشر في
جريدة عكاظ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله. وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد اطلعت على ما نشرته مجلة الدعوة في عددها الصادر في يوم الاثنين الموافق
27/ 1/ 1397 هـ تحت عنوان (صحيفة محلية تسخر من القرآن وأهله) ثم ذكرت تحت هذا
العنوان ما نصه:
وطلعت علينا الصحيفة المشار إليها في عددها الصادر بتاريخ 7/ 4/ 1396هـ لتسخر
من القرآن وأهله ولتقول ما نصه: (والرجال يعتقدون أن المرأة كائن آخر، والمرأة في
تعبيرهم ناقصة عقل ودين، وهم يعتقدون أن الرجال قوامون على النساء) انتهى ما نقلته
مجلة الدعوة.
ولقد دهشت لهذا المقال الشنيع واستغربت جداً صدور ذلك في مهبط الوحي وتحت سمع
وبصر دولة إسلامية تحكم الشريعة وتدعوا إليها، وعجبت كثيراً من جرأة القائمين على
هذه الجريدة حتى نشروا هذا المقال الذي هو غاية في الكفر والضلال، والاستهزاء بكتاب
الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والطعن فيهما، وليس هذا ببدع من القائمين على
هذه الصحيفة، فقد عرفت بنشر المقالات الداعية إلى الفساد والإلحاد والضرر العظيم
على المجتمع، كما عرفت بالحقد على علماء الإسلام والاستطالة في أعراضهم والكذب
عليهم؛ لأنه ليس لدى القائمين عليها وازع إيماني، ولم تردع بوازع سلطاني. فلهذا
أقدمت على ما أقدمت عليه من الكفر والضلال في هذا المقال الذي لا يقوله ولا ينشره
من يؤمن بالله واليوم الآخر، ولا يقوله وينشره من يحترم كتاب الله وسنة نبيه صلى
الله عليه وسلم.
ولمزيد التثبت والرغبة في الوقوف على أصل المقال ومعرفة من قاله، طلبت
الصحيفة المذكورة المنشور فيها هذا المقال، فأحضرت لي. فألفيتها قد نشرت ما نقلته
عنها مجلة الدعوة حرفياً ونسبت ذلك إلى من سمت نفسها (أمل بنت فلان) ولم تعلق
الصحيفة شيئاً في إنكار هذا المقال فعلم بذلك رضاها به وموافقتها عليه.
ومعلوم أن الذي جعل الرجال قوامين على النساء هو الله عز وجل في قوله تعالى
في سورة النساء: الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ
بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ[1] الآية. فالطعن
في قوامة الرجال على النساء اعتراض على الله سبحانه، وطعن في كتابه الكريم وفي
شريعته الحكيمة، وذلك كفر أكبر بإجماع علماء الإسلام؛ كما نص على ذلك غير واحد من
أهل العلم منهم القاضي عياض في كتابه (الشفاء)، كما أن الذي وصف النساء بنقصان
العقل والدين هو النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر عليه الصلاة والسلام أن من نقصان
عقلها أن شهادة المرأتين تعدل شهادة الرجل الواحد، وذكر أن من نقص دينها أنها تمكث
الليالي والأيام لا تصلي وتفطر في رمضان بسبب الحيض، وإن كان هذا النقصان ليس عليها
فيه إثم. ولكنه نقصان ثابت معقول لا شك فيه ولا اعتراض على الرسول صلى الله عليه
وسلم في ذلك؛ لأنه أصدق الناس فيما يقول، وأعلمهم بشرع الله وأحوال عباده.
فالطاعن عليه في ذلك طاعن في نبوته ورسالته ومعترض على الله سبحانه في
تشريعه، وذلك كفر وضلال لا ينازع فيه أحد من أهل العلم والإيمان، والأدلة النقلية
والعقلية والشواهد من الواقع ومن معرفة ما جبل الله عليه المرأة وميزها به عن
الرجل، كل ذلك يؤيد ما أخبر الله به سبحانه من قوامة الرجال على النساء وفضلهم
عليهن، وما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من نقصان عقل المرأة ودينها بالنسبة
إلى الرجل، ولكن لا يلزم من ذلك أن يكون كل فرد من أفراد الرجال أفضل ولا أعقل من
كل فرد من أفراد النساء، وكم لله من امرأة أفضل وأعلم وأعقل من بعض الرجال، وإنما
المراد تفضيل الجنس على الجنس، وبيان أن هذا أكمل من هذا، والأدلة القطعية شاهدة
بذلك كما سبق.
وقد اتضح من كلام صاحبة المقال - أمل المذكورة - أنها أرادت من طعنها على
قوامة الرجال على النساء، ومن اعتراضها على نقصهن في العقل والدين أن ذلك يسبب
انقسام المجتمع وعدم ترابطه وتعاونه، وذلك يؤيد ما ذكرنا آنفاً من كون المقصود
بالمقال المذكور هو الطعن في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم واتهامهما
بأنهما سبب التخلف وانقسام المجتمع وعدم تعاونه. ولا شك أن هذا من أوضح الكذب وأبطل
الباطل، وليس في اعتقاد ما دل عليه كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم
في قوامة الرجال على النساء ونقص عقول النساء ودينهن ما يوجب الضرر على المجتمع
الإسلامي وانقسامه وعدم ترابطه وتعاونه، بل ذلك من تزيين الشيطان وإيحائه إلى
أوليائه من الجهال والمشركين ومن سار في ركابهم، كما أنه لا يلزم من ذلك إهدار المرأة من حساب المجتمع ولا إعفاؤها من المشاركة فيما يصلح المجتمع: من النصيحة لله
ولعباده، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الحق وغير ذلك من الأمور
الواجبة على الجميع، بل هي مأمورة بذلك ومفروض عليها القيام بما تستطيع في هذا
السبيل، كما قال الله عز وجل: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ
أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ[2]
الآية. وقال سبحانه: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ
وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ
وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ
وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ
وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا
وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا[3]، والآيات
في هذا المعنى كثيرة، وقد قبل النبي صلى الله عليه وسلم مشورة أم سلمة يوم الحديبية
وحصل بذلك نفع كبير. وقصة خديجة رضي الله عنها في بدء الوحي وما حصل بها من الخير
الكثير والتفريج عن النبي صلى الله عليه وسلم معروفة لدى أهل العلم، والوقائع من
هذا النوع في التاريخ الإسلامي كثيرة.
وإنه لعجب عظيم أن يجترئ أصحاب هذه الصحيفة على نشر هذا المقال مع انتسابهم
للإسلام وقبضهم المعونات السخية من دولة الإسلام لتشجيع صحيفتهم واستمرار صدورها.
ولكن لا عجب في الحقيقة فقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن مما
أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت))، وفي الأمثال السائرة
المتداولة: "من أمن العقاب أساء الأدب". وقد روي عن عمر وعثمان رضي الله عنهما
أنهما قالا: (إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن).
وإن هذه الصحيفة قد تجاوزت الحدود واجترأت على محاربة الدين والطعن فيه بهذا
المقال الشنيع جرأة لا يجوز السكوت عنها، ولا يحل لوزارة الإعلام ولا للحكومة
الإغضاء عنها، بل يجب قطعاً معاقبتها معاقبةً ظاهرة بإيقافها عن الصدور ومحاكمة
صاحبة المقال والمسئول عن تحرير الصحيفة وتأديبهما تأديباً رادعاً واستتابتهما عما
حصل منهما؛ لأن هذا المقال يعتبر من نواقض الإسلام ويوجب كفر وردة من قاله أو
اعتقده أو رضي به؛ لقول الله سبحانه: قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ
كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ
إِيمَانِكُمْ[4] الآية.
فإن تابا وإلا وجب قتلهما لكفرهما وردتهما، ولا يخفى على ذوي العلم والإيمان
أن هذا الإجراء من أهم الواجبات، لما فيه من الحماية لكتاب الله وسنة رسوله صلى
الله عليه وسلم وشريعة الله الكاملة، ولما في ذلك أيضاً من ردع كل من تسول له نفسه
أن يفعل ما فعلته هذه الصحيفة ويجترئ على ما اجترأت عليه. وصلى الله وسلم على نبينا
محمد وآله وصحبه.
http://www.binbaz.org.sa/mat/8571
****
عندما رأيتُ هجومَ الأُستاذ تركي السديري هداه اللهُ وأصلحَ حالهُ، ومجموعةً
من غلمانهِ الأُجراءِ، على أهلِ الحقِّ والتديّنِ، هممتُ بكتابةِ موضوعٍ في ذلكَ،
غيرَ أنّي تراجعتُ عن عزمي متمثّلاً حينها بالطرفةِ الشهيرةِ عن تلك المرأةِ التي
تاهتْ في أحدِ المفازاتِ المُهلكةِ، فوجدها ذئبٌ أغبرُ، فأخذتْ تتوسّلُ إليهِ أن لا
يأكلها، فما كانَ من الذئبِ الضاري إلا أن ترفّعَ عن أكلها قائلاً : أنا لا آكل النواشف.
كتبَ الأستاذُ تركي مؤخراً مقالةً عنونَ لها بـ " الأسهمُ تقولُ إنّهم
أقليّةٌ محدودةٌ "، وهو يقصدُ بالأقليّةِ كلَّ من لم يُصرّحْ أو يدِنْ أو يعتنقِ
الفكرَ الليبراليَّ، بحسبِ ما سوفَ يردُ في كلامهِ.
يقولُ الأُستاذُ متحدثاً عمّا جرى في ندوةِ معرضِ الكتابِ" بل لقد أعطيتهم
الفرصة كاملة ولهم وحدهم.. طلبت أن تكون المداخلات تحريرية وحين رفضوا قبلت
اعتراضهم.. وضح لي أنهم في حالة من الاحتقان الشديد فخطر لي أن أعطيهم الفرصة كاملة
بل ووحدهم حتى يتم تأصيل شعور مشترك بأننا إخوة يجمعنا الإسلام ونتحاور بود ".
هذا الكلامُ العجيبُ أشكُّ في أن يصدرَ من رئيسِ تحريرِ صحيفةٍ سيّارةٍ، من
كبرياتِ الصحفِ في بلادِنا، وهذه الصحيفةُ لا يكادُ يجدُ فيها أهلُ الخيرِ والحقِّ
منبراً للتعريفِ بقضاياهم، فضلاً عن الدفاعِ عن أنفسِهم ضدَّ ما تنشرهُ الصحيفةُ
عنهم، إنَّ الغريبَ في الأمرِ كلّهِ هو أن يُصادرَ حقُّ النّاسِ في التعبيرِ عن
الرأي، في ندوةٍ تفاعليّةٍ، ويُقصرَ الأمرُ على مشاركاتٍ تحريريّةٍ، ثمَّ عندما
يطلبونَ حقّهم في الحديثِ المُباشرِ، يفزعُ أمثالُ الدكتورِ للحديثِ عن مثاليّةِ
الإسلامِ في الحوارِ ورعايتهِ لحقِّ التعبيرِ، وكأنَّ الحاضرينَ همجٌ قادمونَ من
أدغالِ التخلفِ.
فأينَ هذه المثاليّةُ عندما منعَ أهلَ العلمِ والفضلِ من النشرِ في صحيفتهِ،
أولئكَ الذين يكتبونَ بأقلامٍ عفّةٍ وضميرٍ عدْلٍ، يكتبونَ ما ينفعُ الأمّةَ
والبلادَ، وينهلونَ من معينِ الكتابِ والسنّةِ، فهم لا يجدونَ لهم منبراً يُعبّرونَ
فيهِ عن آراءهم، بينما يجدُ الساقطونَ والساقطاتُ من أمثالِ شباب ستار أكاديمي
صحفاً كاملةً تفتحُ لهم الأبوابَ على مصراعيها، لنشرِ عفنهم ووقاحتِهم، وهو ما
فعلتهُ جريدةُ الرياضِ، ولديَّ عشراتُ الشكاوى من أهلِ العلمِ والمعرفةِ، من الذين بذلوا وأرسلوا مُشاركاتِهم إلى جريدةِ الرياضِ تحديداً، فقوبلَ طلبُهم بالرفضِ
وعدمِ النشرِ.
فأينَ الحديثُ عن الحوارِ المتبادلِ بالودِّ والمحبّةِ؟!.
إنَّ شكايةَ أهلَ الخيرِ من الصحافةِ والإعلامِ في تحيّزها وإقصائها ليستْ
جديدةً، بل هي قديمةٌ، فهذا شيخُ الإسلامِ مُصطفى صبري – رحمهُ اللهُ – يقولُ
شاكياً حالياً شبيهاً بحالِنا: " لقد رأيتُ كثيراً من كبرياتِ الصحفِ والمجلاتِ
الواسعةِ الانتشارِ، واقعةً تحتَ سيطرةِ كُتّابٍ متآزرينَ في السعي لإضعافِ نفوذِ
الدينِ في المُجتمعِ، متلاعبينَ بأحكامهِ وقواعدهِ، فلهذا لا تتسعُ صدورُ تلكَ
الصحفِ والمجلاتِ، لمقالاتِ عن الدينِ برغبةٍ صحيحةٍ " انتهى كلامهُ وهو في كتابهِ
موقف العقل 1/ 51 – 52 ، وكأنّه إذ قالَ هذا الكلامُ كانَ ينظرُ بعينِ القدرِ إلى
حالِ الصحافةِ في زماننا.
ثمَّ قالَ : " ثم كان التطاول الوقح على معالي الوزير محمد عبده يماني، ثم
التعامل بصفاقة مع ضيف أكاديمي مرموق هو الدكتور محمد الرميحي، وتوج ابتذال
المداخلات بإهانة معالي الأستاذ إياد مدني باستغراب أن يكون وزيراً للإعلام وكأن من
فعل ذلك يستغرب أنه لم يُستشر في الأمر "
كم تمنّيتُ على الدكتورِ أن لا يفتحَ على نفسهِ أبوابَ الجحيمِ بالحديثِ عن
مطالبةِ البعضِ بإقالةِ وزيرِ الإعلامِ، لسببِ بسيطٍ جداً، وهو أنّ الأُستاذَ قد
سبقَ لهُ أن تطاولَ على الوزيرِ محمد عبده يماني، عندما كانَ وزيراً للإعلامِ، ممّا
تسبّبَ في تدخّلِ الملكِ خالدٍ – رحمهُ اللهُ – وإقالةِ الأستاذِ من منصبهِ كرئيسٍ
للتحريرِ.
وحتّى لا يظنَّ بنّا الدكتورُ أنّا قد نسينا لهُ ذلك الأمرَ، فهذه الوثيقةُ
تُثبتُ صحّةَ كلامنا:
وللاستزادةِ يراجعُ هذا الموضوع هنا وهو للكاتبِ الكبيرِ برق الشمال.
إنَّ التأريخَ لا ينسى ولا يُغفلُ شيئاً، والأستاذُ يظنُّ أنَّ الناسَ من
السذاجةِ والبساطةِ بحيثُ يمكنُ أن تنطليَ عليهم مثلُ هذه الترّهاتِ التي يبثّها،
فما هو الفرقُ يا أُستاذنا بين الهجومِ العنيفِ منكَ على وزيرِ الإعلامِ السابقِ،
وبينَ طلباتٍ خرجتْ من هنا وهناكَ تدعو لإقالةِ الوزيرِ أو مُحاسبتهِ أو
مُسائلتهِ؟!، وهل كانَ هجومُكَ العنيفُ على الوزيرِ حينها هجوماً على الدولةِ
وإهانةً لها؟! كما تُحاولُ أن تجعلَ من مخالفيكَ كذلك!!.
ثمَّ يقولُ " والأستاذ إياد مدني مازال في بداية مهمة الانفتاح الإعلامي
بمساندة الدولة والمجتمع.. ولن يطلب منه أكثر مما توفر في التلفزيون السعودي في عهد
الملك فيصل عندما كان الأستاذ جميل الحجيلان وزيراً للإعلام.. فهل كان في عهد الملك
فيصل مرحلة غير إسلامية؟.. الملك فيصل الذي واجه شراسة أنظمة حاربت الإسلام
كالشيوعيين والبعثيين والقوميين وأطلقوا على الإسلام اسم الرجعية.. ".
إذا كانَ الأُستاذُ يرغبُ في العودةِ إلى عهدِ الملكِ فيصلٍ – رحمهُ اللهُ
تعالى -، ويقبلُ في التحاكمِ إلى مُجرياتِ الأمورِ في حياتهِ، فأنا موافقٌ على
ذلكَ، فالملكُ فيصلٌ كانَ من خيرةِ زعماءِ المسلمينَ، وأكثرهم بأساً على التيّاراتِ
اليساريّةِ بكلِّ توجّهاتِها : القوميِّ، الماركسيِّ، العروبيِّ، العلمانيِّ،
والليبراليِّ، هذا فضلاً عن التيّاراتِ التي تجعلُ نفسها في خدمةِ الغربِ وتتطوّعُ
دونهُ في تغريبِ المنطقةِ.
وقد كانَ للعلماءِ في ذلك الزمانِ حضورٌ قويٌّ، ولم يكنْ يجرؤُ أحدٌ على
مخالفةِ الشريعةِ مخالفةً ظاهرةً، وكانَ أكثرُ المخالفينَ خانسينَ مخذولينَ، ومن
أرادَ التأكّدَ من ذلك فلْيرجعْ إلى فتاوى شيخِ مشايخنا العلاّمةِ: محمّدِ بن
إبراهيمَ آل الشيخِ – رحمهُ اللهُ - ، فسوفَ يجدُ فيها تعاملَ أهلِ العلمِ مع
المُخالفينَ، وكيفَ كانوا على قدرٍ عظيمٍ من الجرأةِ الحميدةِ في الحقِّ، ينصحونَ
لولاةِ الأمرِ، ويقولونَ ما يرونهُ كلمةَ الحقِّ، وقد كانوا مُجابينَ في ذلكَ
مُهابينَ فيهِ، يُسمعُ لهم ويُقبلُ قولُهم، وقد ذكرَ الدكتور معروفُ الدواليبيُّ –
رحمهُ اللهُ – قصّةً عجيبةً في مذكراتهِ، فيها أنَّ الملك فيصل لم يكنْ يتخذُ
قراراً إلا بعد الرجوعِ إلى أهلِ العلمِ، وكان حريصاً على موافقتهم وردِّ الأمرِ
المُشكلِ إليهم، وانظرْ باقي الكلامِ في صفحة من كتابِ .
ثُمَّ قالَ الأُستاذُ: " ثم ماذا يعني تمييز الانتماءات بين ليبراليين
وإسلاميين.. في حين نعلم أن التعريف المعاكس لصفة ليبرالي ليست إلا محافظاً أو
متشدداً وتمت إضافة «تكفيري» للتعريف في المملكة ".
لستُ أدري لمَ يتحسّسُ الأُستاذُ من كلمةِ " تكفيرٍ "، فهو لا يتركُ مناسبةً
إلا ويشوّهُ هذه الكلمةِ، ويفتري الأكاذيبَ عليها، حتّى وصلَ بهِ الحالُ إلى فتحَ
صحيفتهُ للطعنِ في الصحابيِّ الجليلِ أبي بكرٍ الصدّيقِ – رضيَ اللهُ عنها – لأنّهُ
كفّرَ المرتدينَ بعد وفاةِ النبيِّ الكريمِ – صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ -، وفي
هذه المقالةِ زادَ الطينَ بلّةً حينَ جعلَ قسيمَ الليبراليّةِ = الشخصَ التفكيريَّ!!،
فكلُّ من خالفَ الليبراليّةَ ووقفَ في وجهها ووجهِ معتنقيها فهو متشدّدٌ وتكفيريٌّ.
ثمّةَ فرقاً كبيراً بينَ التكفيرِ المشروعِ، وبينَ الغلوِّ في التكفيرِ
المؤدي إلى استباحةِ الدمِ الحرامِ، إنَّ التكفيرَ المُنضبطَ بضوابطِ الشرعِ ونصوصِ
الكتابِ والسنّةِ هو من أصولِ الإسلامِ وشعائرهِ العظيمةِ، ولم يقمْ هذا الدينُ إلا
بتفكيرِ المُستحقِّ للكفرِ، وهذا أمرٌ مجمعٌ عليهِ بينَ كافّةِ المسلمينَ، ولا
توجدُ طائفةٌ من طوائفِ المسلمينَ المختلفةِ أو مذهبٌ من مذاهبهِ إلا ويوجدُ فيهِ
التكفيرُ، وأعدلُ المذاهبِ في ذلك وأوسطها هم أهلُ السنّةِ والجماعةِ، وأكثرُ
المذاهبِ تطرّفاً في مجالِ التكفيرِ بعد الخوارجِ هم المعتزلةُ، والمعتزلةُ هي
أكبرُ طائفةٍ يحتفي بها الليبراليّونَ وأذنابُهم من العصرانيينَ والعقلانيينَ،
ويبكونَ على عصرها الفكريَّ المستنيرِ البائدِ، مع أنَّ المعتزلةِ كانوا يكفّرونَ
بالجملةِ، بل وصلَ ببعضِهم – وهو الجاحظُ – أن كفّرَ عصوراً بأكملِها. وهذه وثيقةٌ
للمؤسّسِ الملكِ عبدِ العزيزِ، تتضمّنُ تكفيراً للدولةِ العثمانيّةِ، لقيامها بما
يُناقضُ الدينَ وحكمِها بغيرِ الشريعةِ، أتيتُ بها لأؤكّدَ على أنًّ ثمّةَ تطبيقاً
عمليّاً لم يختلفْ فيهِ أحدٌ، لقضايا تنزيلِ أحكامِ الكفرِ على المعينينَ ممّن
تحقّقَ فيهِ مناطُ الكفرِ:
وفي نهايةِ هذه الوثيقةِ يُشدّدُ الملكُ عبدُ العزيزِ – رحمهُ اللهُ – على
أنّهُ سوفَ يؤدّبُ ويُعزّرُ أيَّ شخصٍ يُخالفُ طريقتهُ وطريقةَ الشيخِ محمّدِ بنِ
عبدِ الوهابِ، ولو كانَ الملكُ حيّاً، لبادرَ أوّلَ ما يُبادرُ إلى تعزيرِ
الأُستاذِ تركي السديريِّ.
كما أنَّ الدولَ العربيّةَ والإسلاميّةَ ، قرّرتِ الحكمَ بالكفرِ على
الزنديقِ السودانيِّ محمد محمود طه، الأمرُ الذي أدّى لاحقاً إلى قتلهِ بتهمةِ
الردةِ في بلادِ السودانِ.
ثمَّ قالَ " نحن جميعاً مسلمون.. بل إن معظم الليبراليين هم أكثر فهماً
للإسلام وسعياً لحل مشاكله وتقديمه بصورته الحضارية للعالم الأجنبي.. نحن لسنا في
لبنان أو أي دولة توجد فيها أديان مختلفة حتى ينسب بعضنا إلى الإسلام وبعض آخر إلى
انتماء مبهم".
لا أدري واللهِ هل يعي الأُستاذُ ما يخرجُ من رأسهِ؟!، هل غدتِ الليبراليّةُ
أعمقَ فهماً للإسلامِ وأكثرَ سعياً لحلِّ مشاكلهِ؟!.
عن أيِّ ليبراليّةٍ يتحدّثُ الأُستاذُ؟!، عن الليبراليّةِ بوصفِها فكرةً
قائمةً على أُسسٍ عقديّةٍ ملفّقةٍ من عددٍ من المذاهبِ الماديّةِ والإلحاديّةِ؟!،
أم الليبراليّة كمدخلٍ للاستعمارِ الاقتصاديِّ وهيمنةِ رؤوسِ الأموالِ على الواقعِ
والحياةِ وطغيانِ مذهبِ النفعيّةِ؟!، أم عن الليبراليّةِ بوصفِها بوّابةً لغزو
العالمِ الإسلاميِّ، ومدخلاً لاحتلالهِ واستعمارِ مفاهيمهِ وقيَمهِ وخيراتهِ؟!.
في تقريرٍ مهمٍّ بعنوانِ " هل تتمكّنُ الديمقراطيّةُ من إيقافِ الإرهابِ "
نُشرَ في عدد شهري 9 و 10 لسنةِ 2005 لمجلّةِ الشئونِ الخارجيّةِ الأمريكيّةِ، وهي
أهمُّ مجلّةٍ أمريكيّةٍ تتحدّثُ معالمِ المشروعِ الأمريكيِّ، يذكرُ الكاتبُ وهو " جورجي جوز " ما نصّهُ " إنَّ على الحكومةِ الأمريكيّةِ بدلاً من نشرِها
للديمقراطيّةِ في العالمِ العربيِّ، أن تسعى لدفعِ كاملِ طاقتها لدعمِ العلمانيينَ
والقوميينَ والمنظماتِ السياسيّةِ الليبراليّةِ ، الذين يمكنهم أن يواجهوا على قدمِ
المُساواةِ الأحزابَ الإسلاميّةَ، فقط بهذه الطريقةِ يستطيعونَ أن يُنافسوا في
الانتخاباتِ، وسوفَ تكونُ النتائجُ في مصلحةِ الولاياتِ المُتحدّةِ الأمريكيّةِ"
والتقريرُ مهمٌّ غيرَ أنّهُ على حدِّ علمي لم يُترجمْ بعدُ.
فعن أي ليبراليّةٍ يتحدّثُ الأُستاذُ؟!، أهي ليبراليّةُ الجنسِ والفُحشِ في
رواياتِ الكثيرِ من معتنقي الليبراليّةِ؟!، أم هي ليبراليّةُ القائلِ " إنَّ جزيرةَ
العربِ لم تعرفِ النّورَ منذ 3000 عامٍّ "، أم هي ليبراليّةُ من يتجاهرُ بالإفطارِ
في مكتبهِ نهارَ رمضانَ، ويُشعلُ سيجارتهُ دونَ حياءٍ وخجلٍ، وهو رئيسُ تحريرِ
صحيفةٍ سيّارةٍ كُبرى.
ماذا قدّمتِ الليبراليّةُ للإسلامِ!، مع الأسفِ الشديدِ، في الوقتِ الذي
يحرصُ ويتباهى جورج بوش الابن على حضورهِ للكنيسةِ كلَّ أسبوعٍ، ويُصرّحُ علانيّةً
أنَّ الربَّ أرسلهُ للحربِ على أفغانستانَ والعراقِ، ويُصرّحُ بأنَّ جيشهُ
الأمريكيَّ هو جيشُ الربِّ، وأنّهُ يرفضُ أن تنخرطَ بناتهُ في أي علاقةٍ جنسيّةٍ
إلا الزواجَ، بينما لا نجدُ ليبراليّاً واحداً يتحدّثُ عن الإسلامِ بافتخارٍ
واعتزازٍ، بل يأنفونَ من ذلكَ، ويعدّونَ الحديثَ باسمِ الدينِ ظلاميّةً ورجعيّةً
ومُخالفاً للحضارةِ والتقدّمِ.
لقد كانَ من أعظمِ ما استدلَّ بهِ هرقلُ على نبوّةِ النبيِّ الكريمِ – صلّى
اللهُ عليهِ وآلهِ وسلّمَ – هو أنّهُ يأمرُ بالعفافِ والصلةِ والبرِّ، فإذا كانَ
هذا الكافرُ يعي ويفهمُ الدينَ، ويرى أنّهُ مجموعةٌ مُتكاملةٌ من القيمَ الروحيةِ
والتنظيماتِ الاجتماعيّةِ وصورِ العبادةِ الظاهرةِ التي تنتظمُ شئونَ الحياةِ فضلاً
عن الانقيادِ الباطنِ للهِ تعالى، فماذا يقولُ الأُستاذُ وهو يرى زملاءهُ وإخوانهُ
يُجاهرونَ بالفسقِ والفجورِ والزنا، ثمَّ يقدّمهم لنا على أنّهم سُفراءُ الإسلامِ
وأحسنُ من يمثّلهُ في الخارجِ!!.
وأرغبُ في تذكيرِ الأُستاذِ بلقاءٍ عاصفٍ، جمعهم مع الأميرِ نايف بن عبدِ
العزيزِ، وذلك في الوقتِ الذي عصفتْ فيه رياحُ الشرِّ بإخواننا في الهيئاتِ، وطالهم
الأذى من الصحافةِ، فأبلغَ الأميرُ نايف جميعَ الصحفيينَ أنّهُ لا مكانَ
لليبراليينَ بيننا، ولا يوجدُ في هذه البلادِ إلا الإسلامُ فقط، ومن لم يُعجبهُ
فلْيُغادرْ خارجاً، وأغلظَ عليهم الأميرُ نايف القولَ، ولمّا انتهى قامَ الأُستاذُ
مؤكّداً على كلامِ الأميرِ، فماذا الذي تغيّرَ الآنَ!، وما الذي جعلهُ ينقلبُ
هاذياً إلى داعيةٍ من دعاةِ ليبراليّةٍ لا يعرفُ عنها شيئاً!.
ثمَّ قالَ:" لماذا لا يعاقب مَنْ يفعلون ذلك؟.. أليسوا يثيرون به فتناً
مهلكة؟.. ومَنْ تخصصوا في إفساد ندوات الحوار حين يتكرر منهم ذلك.. لماذا لا
يُمنعون من حضورها..؟.. ثم مَنْ قال إنهم أكثرية؟ ونحن نجدهم أقلية محدودة.. لكن
بتواصل منظم.. لو كانوا أكثرية فلماذا لم يلتزم الناس بتحريمهم لملكية أسهم البنوك
أو التعامل معها؟.. أليس أكثرية المواطنين يملكون هذه الأسهم ويتعاملون بها؟.. ألا
يعني ذلك أنهم أقلية بل ومحدودة؟".
أضحكَ اللهُ سنَّ الأُستاذِ، ووسّعَ صدرهُ بالعافيةِ، فمثلُ هذا الكلامِ
الساذجِ الباردِ السقيمِ، يُذكّرنا بأجوبةِ الحمقى والمغفّلينَ، ويا ليتَ أنَّ
مخالفينا بمثلِ سذاجةِ الأُستاذِ وسطحيّتهِ في التفكيرِ، إذن لكنّا في خيرٍ عظيمٍ،
ولا أدري هل يعني الليبراليّونَ أنّهم بمثلِ هذه المقالاتِ العقيمةِ والحُججِ
المُضحكةِ السقيمةِ، إنّما يزدادونَ سقوطاً من أعينِ الناسِ، ويفقدّونَ ما تبقّى
لهم من المكانةِ والحضورِ.
إذا كانَ مقياسُ الأكثريّةِ والأقلّيّةِ هو بالاختيارِ والترشيحِ، فقد قامَ
الشعبُ بأكملهِ باختيارِ أهلِ الخيرِ والمحافظةِ في الانتخاباتِ البلديّةِ، ولم
نجدْ ليبراليّاً واحداً فازَ عن أي دائرةٍ، فإذا كانوا أكثريّةً فلمَ لمْ يفُزْ
منهم أحدٌ؟، ولمَ تمحّضَ الفوزُ في التيّارِ المحافظِ؟!، وحتّى تلكَ الدوائرُ التي
فيها شيعةٌ، كانَ التقدّمُ والفوزُ للتيّارِ الشيعيِّ المُحافظِ، ولم نجدْ شيعيّاً
ليبراليّاً واحداً حصلَ على أي مقعدٍ.
وإذا كانَ مقياسُ الأكثريّةِ هو ظهورُ الأثرِ، فإنَّ أثرَ أهلِ الديانةِ
والخيريّةِ واضحٌ وظاهرٌ لاسيّما على أمورِ الاقتصادِ، ولا أدلَّ على ذلكَ من
تحوّلِ البنكِ الأهلي التجاريِّ – أكبر بنكٍ في المملكةِ - إلى بنكٍ يحملُ طابعَ
المعاملاتِ الإسلاميّةِ، كذلك تحوّلَ بنكُ الجزيرةِ إلى مصرفٍ يُراعي في جميعِ
معاملاتهِ الماليّةِ أحكامَ الشريعةِ، هذا فضلاً عن تنافسِ جميعِ البنوكِ على
الطبقةِ الأكثريّةِ المحافظةِ، واستهدافها بعشراتِ الإعلاناتِ اليوميّةِ، والتي
تتحدّثُ عن وجودِ أنظمةٍ مصرفيّةٍ تُراعي أحكامَ الشريعةِ الإسلاميّةِ، كما أنَّ
هناكَ الكثيرَ من الشركاتِ المدرجةِ في سوقِ المالِ قرّرتْ أن تتحوّلَ إلى النظامِ
الإسلاميِّ الكاملِ في قوائمها.
فإذا كانَ الشعبُ أكثريّةً ليبراليّةً، فلماذا هذا التوجّهُ نحوَ ما يُسمّى " أسلمةَ المصارفِ والشركاتِ " ؟!، إنَّ النّاسَ وإن وضعوا أموالهم في بعضِ البنوكِ الربويّةِ، إلا أنّهم يعلمونَ حرمتها، فهم يتعاملونَ معها من بابِ الحاجةِ إلى ذلك،
وعدمِ وجودِ البديلِ الكافي، وحتّى في تعاملهم مع الشركاتِ ذاتِ الأسهمِ المحرّمةِ
– مختلطها وكاملها – فإنّهم يفعلونَ ذلك مع شعورهم في داخلهم بالتفريطِ والتقصيرِ،
وهذا بابٌ آخرُ، فالليبراليّةُ اليومَ تتحدّثُ عن اقتصادٍ حُرٍّ، لا سيادةَ فيهِ
لأحكامِ الشريعةِ، يتعاملُ فيهِ المسلمُ بالحرامِ كما لو كانَ يتعاملُ بالحلالِ،
فهم يُريدونَ تحليلَ الحرامِ، وفتحَ بابِ الشرِّ على النّاسِ.
إنَّ ظهورَ بعضِ صورِ التقصيرِ والتفريطِ لدى الأفرادِ، لا يعني بحالٍ أنَّ
المجتمعِ مُتحرّرٌ أو فاسدٌ، فقد شهدتْ خيرُ المجتمعاتِ وجودَ تجاوزاتٍ وانحرافاتٍ،
ومع ذلك حُكمَ بكونِها مجتمعاً فاضلاً، ذلك أنَّ المُجتمعَ حينها قائمٌ على مراعاةِ
أمورِ الشريعةِ والفضيلةِ في ظاهرِ التكوينِ والنسيجِ المتكاملِ، وأمّا وجودُ
الخللِ لدى الأفرادِ فهذا يتعذّرُ سدُّ بابهِ، وهو لا يمثّلُ انتصاراً للشرِّ
إطلاقاً، فما دام الإنسانُ معترفاً بذنبهِ، مقرأ بخطئهِ، غيرَ مجاهرٍ بهِ أو
مُستحلٍّ لهُ، مُحباً للهِ ورسولهِ، فهو على خيرٍ عظيمٍ وإن اجترحَ السيئاتِ سرّاً
فإن مآلهُ إلى خيرٍ، وهذا عكسُ ما يرنو لهُ الليبراليّونَ، فهم يريدونَ مجتمعاً
خالياً من مظاهرِ التديّنِ الظاهرةِ.
وللحديثِ بقيّةٌ.
****
"الصحويون" خسروا معركة اكتتاب
المملكـة .. زعموا !
لدي قناعة وطمأنينة بأن تيارات التغريب والإفساد التي توجد في مجتمعنا سواءٌ
تدثرت بشعارات "الليبرالية" كما هو الحال اليوم، أو تمسحت بشعارات "العروبة" و
"التقدمية" كما هو الحال بالأمس. هذه التيارات جميعها لا يمكن أن تحقق أيَّ نجاح
شعبي مستمر على أرض الواقع.
نعم . قد تنجح في إفساد تصورات بعض الناس والتلبيس عليهم في قضايا شرعية. وقد
تفلح في فتنتهم ببعض الشهوات الدنيوية. لكن أن تكسبهم معها بحيث يكون لها بعدٌ
شعبيٌّ جماهيريٌّ فهذا حلمٌ لن يكون له وجودٌ في عالم اليقظة ما دام كتاب الله ينطق
بين المسلمين بالوحي المبين.
لهذا السبب فإني أضحك كثيراً حين أرى بعضَ أفراح وأهازيج أدعياء "الليبرالية"
عن إنجازٍ حقَّقوه هنا، أو خطوة تقدموها هناك. أضحك لأني أعلم أن هذه الإنجازات غير
مبنيةٍ على شيءٍ. هي في الغالب إنجازات على أعمدة الصحف، أو في منتديات النت. وإن
تضخمت قليلاً فلن تعدو نجاحاً في استصدار قرار رسمي يخدم توجهاتهم. أما على المستوى
الشعبي، فهم أول من يعلم أنهم يعيشون على هامش المجتمع حتى وإن كابروا. وأعيانهم
يقرِّون أنهم يعانون عزلة اجتماعية شديدة حتى من أهليهم وقراباتهم، فضلاً عن الأبعدين. ومن نفاقهم أو أوهامهم التي يعللون بها أنفسهم دعواهم أن هذه العزلة
سببها تيار (الصحوة )، وليس طبيعة المجتمع المتدينة.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
قبل حوالي أسبوعين كتبتُ مقالةً عن طرح أسهم (شركة المملكة ) للاكتتاب العام.
وكان مقصودي من المقالة القيام ببعض فرض الكفاية تجاه أناس قد تحملهم شهوة المال
على التلطخ بأنشطة تلك الشركة الملوثة بألوان الكبائر و المحرمات.
محمد بن سيف "يومان فقـط ، ويتحـول الآلاف في السعـودية لتجـارة الدعـارة
والعهـر." 14/07/07 10:08
كتبتتُ وكتبَ غيري. وتصدى من وفقه الله من شيوخنا الأفاضل لبيان الحكم
الشرعي. وقد اعتدنا ـ بحمد الله ـ أن الفتوى متى ما صدرت ممن يوثق بعلمه ودينه، فإن
لها أثراً ظاهراً في سلوكيات الناس وتصرفاتهم. لكن هذا لا يعني ـ إطلاقاً ـ أن
الفتوى سوف تؤثر على الجميع. وبخاصةٍ حين تقوى الدواعي والمغريات. وقد وردت المواعظ والزواجر في القرآن الكريم، ومع ذلك فإن المعرضين عنها يملأون الأرض. لكن مع ذلك
فإن هذا الإعراض لا يمكن أن يستدل به على القناعة.
قد يشرب الخمرة من هو مقتنع بحرمتها.
وقد يأكل الربا من يقرُّ بذنبه وجنايته .
وقد يقترف الفواحش من يوقن بقبحها وحرمتها.
ولا يمكن أن يستدل دائماً بسلوكيات هؤلاء على قناعاتهم وأفكارهم.
ومن الغباء الأصيل أن يظن ظانٌّ أن كل شارب للخمرة فهو لا يؤمن بحرمتها، أو
أن كل زانٍ لا يقرُّ بحرمة الزنا.
لكني بالأمس رأيتُ هذا الغباء عياناً أثناء تصفحي لـ (الشبكة الليبرالية ) من
أجل مطالعة موقف تلك القطعان التائهة من نتائج اكتتاب شركة المملكة. (مع احترامي
البالغ لبعض الأفاضل الذين يكتبون هناك ).
أثناء تصفحي للموقع رأيت مقالةً عنوانها : (نجح الوليد، ونجحت المملكة، وهزمت
الصحوة! )
كاتب المقالة هو العبد المخذول ، أضحوكة الزمان ، ومسخرة الأوان : (ناب ).
و قبل التعرض لمضمون المقالة، تأملوا في علامة التعجب الموضوعة أمام عنوان
المقالة، فهي من صنع الكاتب وليست من صنعي. فكأنه عبَّر من حيث لا يشعر بأن هزيمة
الصحوة في مجتمعنا مما يستغرب وقوعه. (هذا على فرض أنها هُزمت بالفعل ).
حديث (ناب ) في مقالته تلك عن هزيمة الصحوة إنما هو مناورة جبانة سبق أن
أشرتُ إليها في أكثر من مقالةٍ. فهذا التعبير يلجأ إليه هو وأمثاله فراراً من
الإقرار بالحقيقة المرة حين يريدون مصادمة التيار العام في البلد، فتجد هذا الصنف
من الناس يتعرضون للحديث عن مسائل تتفق المرجعية العلمية على تحريمها، بل ربما اتفق
علماء الإسلام على ذلك، فيأتي هؤلاء ليغمضوا أعينهم عن هذه الحقيقة، وليوهموا
أنفسهم وغيرهم أنهم يصارعون فقط شيئاً اسمه ( الصحوة ).
وحكم الاكتتاب في شركة المملكة لا يخرج عن ذلك، فقد اتفقت كلمة أهل العلم في
البلد على تحريمه. ومع ذلك جاء هؤلاء ليتحدثوا عن تحريم خاصٍ بالصحوة.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
يقول المخذول (ناب ) ـ محتفلاً بنتيجة اكتتاب المملكة ـ : "كل يومٍ تطلع شمسه
يزيد ما يسمى بظاهرة الصحوة فشلاً بعد فشل... نجاح الاكتتاب في شركة المملكة، وعدم
اكتراث المواطنين بتحذيرات الصحويين، إثبات جديد أن الصحوة مجرد (ظاهرة ) مرضية
عرضية، وليست كما يحاول أن يظهرها مؤيدوها وأربابها ظاهرة أصيلة ... نجاح الوليد
والمملكة هو نجاحٌ للانفتاح وهزيمة للانغلاق".
هذا الكلام يكتبه (ناب ) في منتدى على الشبكة باسمٍ مستعار. و لو أنه حاول
النزول للأرض ، وتحدث به في مجمع عامٍ (مسجد مثلاً ). لو فعل ذلك لربما أخذته
الأرجل والأكف. ولربما لو فعل ذلك لما طلعت عليه شمسٌ جديدة كي يتخيل تحتها المزيد
من أوهام فشل الصحوة.
يمضي (ناب ) في احتفاليته متحدثاً عن أفضل السبل لمواجهة الصحوة ، فيقول :
"أهم أساليب هذه المواجهة أن تجرها - أعني (الصحوة ) – إلى أن تتصادم مع
مصالح الناس وأرزاقهم؛ وهذا ما جرى في المعركة التي دارت بين الوليد والصحويين؛
وانتصر فيها الوليد والاقتصاد والتقدم بكل جدارة على الصحويين والتخلف، رغم الحملات
التي شنوها ضد شركة المملكة وباءت بالفشل".
دقِّقوا في هذا الكلام ،ولن تتعبوا حتى تكتشفوا أن الكاتب ومن معه يقرُّون
بيأسهم وعجزهم عن إقناع الناس بأفكارهم، وأن السبيل الأنجع عندهم هو ممارسة الإغراء
بالمال. أما الإقناع فلا سبيل إليه. فأين هو إذاً فشلُ الصحوة إذا كان (ناب ) وصحبه
عاجزين عن إقناع الناس بخطأ أفكارها؟!
لهذا السبب قلت : إن هؤلاء قد ينجحون في فتنة الناس ببعض المصالح والشهوات،
لكنهم يعجزون دائماً عن إيجاد تيار شعبي مقتنع بأفكارهم.
هم فقط يهدمون. لكنهم عاجزون عن البناء.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
نرجع الآن للفشل المزعوم الذي تحدث عنه (ناب ) ورفاقه، لنرى حقيقته على أرض
الواقع . ولتكن الأرقام هي الحكم والميزان.
أما تغطية الاكتتاب (مالياً ) فقد كان أمراً مفروغاً منه قبل بدايته. فمثل
الوليد بن طلال لن يعجز تدبير ذلك، إما بنفسه أو بعلاقاته.
لذا فإن من الخداع والتدليس أن يجعل مقياس إقبال الناس على الاكتتاب أو
إعراضهم عنه معلقاً بالمبالغ المدفوعة لتغطية المساهمة. فالمقياس الحقيقي الصادق
إنما يكون بمقارنة عدد الأفراد المكتتبين في الشركة مقارنة بعدد المكتتبين في غيرها
من الشركات التي صدرت الفتاوى بإباحتها.
تقدم للاكتتاب في شركة المملكة (1.251.000 ) مليون و مئتان و واحد وخمسون ألف
مكتتب.
فلنقارن الآن بين هذا العدد، وبين عدد المكتتبين في آخر شركة اتفقت كلمة
المفتين على جوازها، وهي شركة (جبل عمر ).
فقد بلغ عدد المكتتبين في هذه الأخيرة (5.070.000 ) خمسة ملايين وسبعين ألف
مكتتبٍ.
فمن يفسر لنا سبب هذا التفاوت الكبير بين الرقمين الذي يزيد على الأربعة
أضعاف؟!
مع ملاحظة المعاملة الخاصة التي حظيت بها شركة المملكة من لدن هيئة سوق المال
في جميع مراحل طرحها للاكتتاب، إضافةً للحملة الإعلامية التي تحدثت عن المستقبل
الواعد للسهم نظراً لمؤهلات ونفوذ مالكها (الوليد بن طلال ).
فأين النجاح الذي يتحدث عنه (ناب ) و رفاقه ؟!
وأنا حين أذكر شركة (جبل عمر ) للمقارنة، فلأن العهد بها قريب، لئلا يقول
قائل إن وضع سوق المال وثقة الناس فيه اختلفت. وإلا لو رجعنا إلى الوراء لإجراء
المزيد من المقارنات، فسوف نجد البون الشاسع في الأرقام ، مما يؤكد الاستجابة
الواسعة للفتاوى الصادرة من أهل العلم.
ففي اكتتاب (بنك البلاد ) ـ مثلاً ـ ، بلغ عدد المكتتبين فيه أكثر من
(8.700.000 ) ثمانية ملايين وسبعمائة ألف مكتتب!
فأين هذا الرقم من مليون ومائتين وخمسين ألف تقدموا للمملكة؟!!
و في شركة (اتحاد الاتصالات ) بلغ عدد المكتتبين (4.276.000 ) أربعة ملايين
ومائتين وستة وسبعين ألف مكتتبٍ.
بل إن شركة صغيرة مثل شركة (آل عبداللطيف ) لصناعة السجاد، تقدم لها أكثر من
(700.000 ) سبعمئة ألف مكتتب. وهي شركة صغيرة إذا ما قورنت بمثل شركة المملكة .
فرأس مال شركة المملكة يعادل تقريباً ضعف رأس مال شركة (آل عبداللطيف ) مائة مرة.
ومع ذلك فإن عدد المكتتبين فيها يعادل أكثر من نصف عدد المكتتبين في شركة المملكة.
أما (كيان السعودية ) فمع ضخامة الشركة، فقد حصل ترددٌ في حكم الدخول فيها،
وتباينت فيها الفتوى ، فذهب (بعض ) أهل العلم إلى الجواز، وآخرون ذهبوا إلى المنع،
فوجدنا الرقم ينخفض إلى حوالي (3.600.000) ثلاثة ملايين وستمئة ألف مكتتب. ومع ذلك
فإن هذا الرقم يشكل ثلاثة أضعاف عدد المكتتبين في شركة المملكة ... فأينَ هو النجاح
الذي يحدثوننا عنه؟!
هذه الأرقام تؤكد بحمد الله أن الخير موجود ، وأن من يتحرى الحلال كثُر ، وأن
أهل العلم لا زالوا ـ ولن يزالوا ـ محل ثقة واعتماد الناس، شاء من شاء وأبى من أبى.
ويكفي للدلالة على ذلك حرص جملة من الشركات المساهمة على استصدار الفتاوى الشرعية.
لكن الذين طُمست بصائرهم، ولم يعودوا يبالون بالفرق بين الحلال والحرام، أصيبوا
بقسوة القلوب، فظنوا ـ وبئس ما ظنوا ـ أن جميع الناس يشابهونهم في ذلك.
و لولا تضارب الفتاوى في كثيرٍ من الأحيان، وتوسُّع بعض المفتين في إباحة
جملة من الشركات الملوثة بالربا، إضافةً لتقصير جهات الإفتاء الكبرى الرسمية في
التصدي لمثل تلك الأنشطة التجارية التي ابتلي بها الناس. لولا ذلك كله لرأينا من
استجابة الناس ما يخرس لسان كل مفتون. نحن ـ بحمد الله ـ نرى الآن استجابةً واسعةً لاجتهادات فردية من أفرادٍ احتسبوا الأجر في قراءة قوائم تلك الشركات والتدقيق فيها
للخروج بالحكم الشرعي المناسب الذي ينتهي إليه اجتهادهم . فكيف لو كانت هناك فتاوى
رسمية من جهة أعلى وأشهر؟!
وكيف لو كانت هذه الفتاوى تحظى بتغطية إعلامية مناسبة؟!
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
قال لي قائل : مع ذلك كله ، فإن عدد المكتتبين في المملكة كبير جداً، فهل
يعقل أن أكثر من مليون ومئتي ألف لم يبالوا بفتوى التحريم؟!
والذي أقوله جواباً عن هذا السؤال : إن هذه الأرقام يجب ألا تؤخذ على ظاهرها.
فمليون اسم لا تعني مليون مكتتب؛ إذ من المعلوم أن الاكتتاب يكون بدفتر العائلة.
وعليه فإن عشرة أسماء محسوبة في عدد المكتتبين قد تكون في الوقع اسم لشخص واحدٍ
يحمل دفتر عائلته عشرة أسماء. وإذا أضفنا لذلك ظاهرة شراء أو استعارة دفاتر
الآخرين، فإن الرقم سوف ينخفض كثيراً ، وقد لا يصفو في النهاية من المليون إلا أقل
من مئة ألف.
أقول هذا دفعاً لنظرة التشاؤم التي رأيت بعض أهل الغيرة ينظر بها لنتائج هذه
الاكتتابات. لكن هذا لا يعني التهوين من الأمر، فالرقم يبقى كبيراً، وجهود الدعاة
والمصلحين يجب أن تتواصل وتتابع لمحاصرة الحرام حيثما وُجد.
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
أرجع ـ من جديد ـ للإعلام ، وما أدراك ما الاعلام.
ففي ظني أنه ما من جهة في البلد داخلها الخلل والانحراف عن الوظيفة المنشودة
منها، كما وقع ذلك للإعلام، والصحافة على وجه الخصوص.
فبقطع النظر عن الموقف الشرعي، فإن المفترض في الصحافة أنها تلامس حاجات
الناس، وتوصل لهم المعلومة التي يفتقرون إليها.
والمشاهد أنه عند طرح أي شركة للاكتتاب العام، فإن الحكم الشرعي هو أول ما
يشغل الناس، وهو في الوقت نفسه آخر ما تفكر الصحافة في التعرض له.
لا نطمع من صحافتنا أن تتبنى موقفاً، لكن لا أقل من تغطية ونشر رأي المختصين
بحيادٍ في هذا الجانب الضروري الذي يهتم له الناس أكثر من اهتمامهم بالجانب المادي.
ولولا وجود شبكة الإنترنت وبرنامج (الجواب الكافي ) في قناة المجد ، لما وجد الناس
سبيلاً لمعرفة رأي المختصين في حكم تلك الشركات.
أما في اكتتاب شركة المملكة على وجه الخصوص، فقد كان هناك لبعض الصحف دورٌ
معاكس تماماً لما هو مطلوب منها.
في آخر أيام الاكتتاب نشرتْ جريدة عكاظ مقالاً دعائياً يفتقر لأبسط درجات
المهنية الإعلامية والحياد المفترض ، فضلاً عن الأمانة والمسؤولية تجاه القراء. ولم
تغبْ قناة العربية عن المشهد، فقامت بنشر هذه المقالة على موقعها على الشبكة :
(العربية نت ).
هو في الحقيقة ليس مقالاً عادياً، بل هو أقرب للدعاية التجارية مدفوعة الثمن
منه إلى المقالة الصحفية المسؤولة.
اقرأوا معي بعض عبارات المقالة لتعرفوا أيَّ جنايةٍ ارتكبها الكاتب والصحيفة
في حق القراء الباحثين عن الكسب :
(بدت الحسرة على محيا كثيرٍ ممن لم يكتتبوا وسط تحليلات بتحقيق السهم لأسعار
تتجاوز الثلاثين ريالاً في أول يوم من إدراج الشركة في السوق ).
(وتهللت وجوه الكثيرين ممن اكتتبوا في الشركة لثقتهم الكبرى في رئيس مجلس
إدارتها صاحب السمو الملكي الأمير الوليد بن طلال ).
(وقال المكتتب سعود بن هديب : إنه اكتتب لنفسه ولكافة أفراد أسرته ، وإنه لن
يفرط في أسهم المملكة على الإطلاق متذكراً قصص النجاحات التي تحققت لمن استثمر في
الشركات التي يستثمر فيها الأمير الوليد ).
(من جهة أخرى علمت عكاظ بعمليات شراء أو محاولات من قبل من لم يتمكنوا من
الاكتتاب من بعض الأفراد المكتتبين وصلت في بعض حالاتها إلى سعر 50ريالا للسهم.
وقال رشيدان السبيعي : خسارة إنني لم اكتتب واستمعت لأصوات آخرين. إنني على استعداد
لشراء السهم بخمسين ريالا لكن الكثيرين رافضون لعملية بيع أسهمهم ).
(من جهة أخرى سرت شائعات في أوساط المتداولين لسوق الأسهم عن مفاجأة من
العيار الثقيل لم نتأكد بعد من صحتها حيث تقول تارة بمنحة مجانية من الأسهم
للمكتتبين الأمر الذي أشعل الندم في نفوس من أحجم عن الاكتتاب ).
هذا الكلام نشرته جريدة عكاظ لكاتبها (حزام العتيبي ). فمن المسؤول عن مثل
هذا الإجرام الإعلامي؟!
بالطبع . موقف الممتنعين عن الاكتتاب تنزهاً عن الحرام غائب تماماً عن
المقالة، فضلاً عن الفتاوى الصادرة بذلك.
لكن لندع ذلك كله جانباً، ولنتحدث بمنطق الربح والخسارة المادية. فما حال
القارئ المسكين الذي يرى مثل هذا الكلام، ويقرأ أن السهم ذا العشرة ريالات سيصل في
يومه الأول إلى (30 ) ريال، وأنه يباع قبل التداول سراً بسعر (50 ) ريال؟
هذه المقالة دفعت أناساً إلى المصيدة ، فاشتروا السهم قبل تداوله بثلاثين
وبأربعين وبخمسين ريالاً. و السهم يتداول الآن بحدود (12 ) ريال، فيا حسرة من اغتر
بنفاق عكاظ والعربية، وانساق لخداعهم وغشهم للمساكين!
فهل من حسيبٍ أو رقيبٍ على مثل هذه الجريمة الإعلامية ؟
وقبل ذلك وأهم :
هل من نهاية للمجاهرة بالربا علناً في بلد الشريعة قبل أن تحل العقوبة ؟
قبل الشركات المساهمة كان الربا محصوراً بين مؤسسة النقد و البنوك الربوية،
وبين أفراد أو شركات يملكها بعض اللاهثين وراء الدنيا ولو من طريق السحت.
لكن بعد وجود السوق المالية ، صار البلاء أعمَّ ، ودخل في الربا علانيةً
الألوفٌ من أهل البلد ، وصارت الحديث والإعلان عن التسهيلات و القروض الربوية التي
تأخذها الشركات المساهمة أمراً مألوفاً، ينشر جهاراً في الصحف والإذاعات والقنوات
دون خوفٍ أو وجلٍ.
حين أرى ذلك يرجف فؤادي وأتذكر قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما سأله
الصحابة : (أنهلك وفينا الصالحون؟ ).
قال : (نعم . إذا كثُرَ الخبث ).
فأيُّ خبثٍ أعظم من المجاهرة الربا ؟
قد أهلك الله قوم شعيب لتطفيفهم الكيل والوزن. و أخشى ما أخشاه أن يأتي اليوم
الذي نقول فيه :
كانت لنا بلدٌ آمنةٌ مطمئنةٌ يقال لها : "السعودية".
كان يجبى لأسواقها ثمراتُ كلِّ شيء ، بعدما فتح الله عليها بركات الأرض ،
فتعلقت بها أبصار الحاسدين من كلِّ صوبٍ.
فكفرتْ بأنعم الله. فأذاقها الله لباس الجوع والخوف.
أسأل الله ألا يكون ذلك ... اللهم عفوك ومغفرتك.
****
الصحافة والكذب على من مات العلماء
حدثنا ( تركي الدخيل ) عن ( محمد عبده ) قال فيما معناه:
إن الشيخ محمد بن صالح العثيمين قال لمحمد عبده في معرض التبرير والتسويغ: إن
الفنان محمد عبده يأخذ في الفنّ والغناء مذهب من يفتي بذلك من أهل السنة والجماعة.
( صحيفة الوطن، يوم الثلاثاء26/2/1429هـ ) .
شخصيّاً .. أنا شاكر للكاتب ( تركي ) هذه المقالة الطريفة التي خلقت في جلسة
زملائنا صباح هذا اليوم جواً من المتعة والطرفة والضحك المبكي الذي لطّف أجواء
العمل الكئيبة.
ولعلّي أختصر لأخينا ( تركي ) فأذكر لحضرته بعض الحكم والتعليقات التي ساقها
الزملاء في سياق التندر والضحك على مثل هذه التحفة النادرة.
سأتجاوز أولاً – ومن باب المجاملة والتملّق – هذا السند الذهبي الجميل الذي
جاءت به هذه الرواية لأقع على هذه الظاهرة العجيبة التي بدأت تنتشر في هذه الأشهر
القليلة، وهي ظاهرة الافتراء على الراحلين بنسبة الأقوال التي ما عرفوها ولا عرفها
طلابهم ولا المقرّبون منهم وما ضُمّنت في أي كتاب أو مقالة أو تسجيل لهم، بل وكلّ
المقروء والمسموع من تراثهم يصرخ بعمق ذلك الكذب والافتراء، وخاصّة ما يتعلّق
بالإمامين العامِلَين الناصِحَين ( عبد العزيز بن باز، ومحمد بن عثيمين ) فما كدنا
نخلص من ( خاشقجي ) وروايته عن ابن باز، حتى وقعنا على ( الدخيل ) وروايته عن ابن عثيمين.
أما أنا – فوالله – لو سمعت هذه الكلمة من فمّ الشيخ عشرات المرات لرأيت أن
من احترامي لنفسي وحفاظي على سمعتي أن أكتمها في صدري وألقيها في مهملات ذاكرتي،
ولو كان ( تركي ) في قواه الاعتدالية المتزنة لعلم أن نشر مثل هذه الروايات يسيء
إليه ولو كان في قمّة الصدق والأمانة، فهذه الأخبار يُكذّب بها الصدوق ويُخوّن بها
الأمين، فكيف إذا جاءت من ( سياق المجاملة يقتضي عدم الاستمرار )، وقد غابت هذه
القصة فلم تظهر إلا بعد أكثر من ثمان سنوات من رحيل صاحبها، وبعد ستة عشر عاما من
وقوعها، وما علمنا بها إلا من طريق ( تركي الدخيل ) وليس في الدنيا من عايشها إلا (
محمد عبده ) وأحد معارف تركي الدخيل!
فإما كذبتم على الشيخ ، أو كذب الشيخ على الناس أجمعين طيلة سنوات عمره !
ألا حصيفٌ يخبر ( تركينا ) هذا ، أن ابن عثيمين الذي ينقل عنه ليس رجلاً
حالاً في بادية لا يعرفه إلا عشرة أصدقاء، بل هو عالم له الآلاف من الطلاب والدروس
والمحاضرات والأشرطة والكتب والندوات والفتاوى، فالعاقل حين ينسب لمثل هذا قولاً ما
فعليه أن يفعّل عقله ليتصوّر الحالة التي هو فيها، وليتصوّر أيضاً أنه لا ينقل عنه
( السوالف ) التي تروى اليوم وتطوى غداً، بل هي أقوال فقهية شرعية يقوم سوق البحث
والتمحيص لأجل عشرها فكيف بباقعة مثلها!
ما ذا يريد ( تركي ) من نشر هذه الأكذوبة ؟
يريد أن يفهمنا أن المشكلة الفكرية والنفسية الحاصلة بين الإسلاميين وبين
المنحرفين فكرياً أو سلوكياً هي مشكلة جديدة لم تكن موجودة عند المشايخ الكبار كابن
باز وابن عثيمين، وهذه الفكرة ليست نابعة من رأس تركي الدخيل، بل هي من الأفكار
الملقاة على قارعة الطريق لا تخطئها عينك في مقالات الليبراليين وبقية المنحرفين،
فهي تقول لك إن التطرف والغلو والإرهاب هو في فكر الصحويين والإسلاميين والدعاة
والشباب الصغار، وهم الذين نخاصمهم ونخالفهم، وأما المشايخ الكبار فنحن وإياهم على
وفاق واتفاق.
طبعاً، من يقول هذا الكلام يريد أن يتخلّص من واقع مخاصمة التيار الديني الذي
يعيشون فيه، ولا أظنّ أحداً ممن يقول هذا الكلام يرى منطقية وواقعية مثل هذا
الهراء، لأن كافة المسائل التي نشب بها الخلاف بينهم وبين الإسلاميين أو الصحويين
هي من المسائل التي يقول بها المشايخ الكبار، وبل ولدى المشايخ الكبار ما هو أشدّ وأنكى.
ابن عثيمين يرى ( حرمة ) كشف المرأة لوجهها، و ( يحرّم ) عليها الخلوة
والاختلاط ، و ( يمنعها ) من السفر بلا محرم، و ( يوجب ) منع النساء من الولايات
العامة، ولا ( يجوّز ) كل ما في الإعلام من سفور وتبرّج للنساء، بل يرى أن وضع
الرجل للدش في بيته قد يكون سبباً لحرمانه من الجنة لأنه غشّ لرعيته
و( يحرّم ) الموسيقى، بل وحتى الأناشيد التي تشابه الغناء في اللحن يراها (
محرّمة )، وأما في باب الولاء والبراء والموقف من أهل البدع والالتزام بالضوابط
الشرعية فحدّث ولا حرج .. فمن يقول بهذه المسائل معتدل ولا مشكلة بينكم وبينه، ومن
ينقلها من مريدي الشيخ ومحبيه فهم صحويون متطرفون!
كنت أربأ بتركي الدخيل أن ينساق خلف هذه الوهم فيشيعه في زاويته وهو يعلم أن
المشكلة مع الإسلاميين هي ذاتها مشكلة مع الشيخ، وأنا مستعدّ لأنخلع من أهلي ومالي
لو أتاني الدخيل بمسألة واحدة جرى الخصام فيها بين الإسلاميين ومخالفيهم والشيخ ليس
من أول القائلين والداعين إليها.
أطال الله لنا عمر شيخنا الربّاني ( عبد الله بن جبرين ) ومتّعنا به ، قبل أن
نعيش فنرى من زار الشيخ في جلسة خاصّة فأوصاه الشيخ بجواز عمل المرأة في الأماكن
المختلطة أو أن براء الكفار لدينهم وليس لذواتهم!
المارقال
26/2/1429هـ.
|