الصفحة الرئيسية | دليل المواقع | Call to Islam | |
الموضوعات التقنية | الموضوعات الدينية | المكتبات والمعلومات | |
التعليم في بلادنا | أخبار محلية | أخبار عالمية | سجل الزائرين |
قصة طريقين
عندما كنا صغاراً، وعند بداية سباق الدراجات كنا ننطلق معاً
متقاسمين
الصداقة الحماس، ولكن مع تقدم السباق تتراجع السعادة المبدئية أمام
التحديات الواقعية : الإرهاق والضجر والتشكك في قدراتنا الشخصية.
ونلاحظ أن قليلاً من أصدقائنا قد استسلموا داخلياً، لكنهم مازالوا يقودون
دراجاتهم فقط لأنهم لا يستطيعون التوقف في منتصف الطريق، وكثيرون يبدلون
إلى جوار السيارات الداعمة؛ مشغولين بمنولوجهم الداخلي للوفاء
بالتزاماتهم، لكنهم غافلون عن مظاهر الجمال والتنافس على الطريق.
وتدريجياً نخلفهم وراءنا، وبعد ذلك نجد أنفسنا في مواجهة الوحدة وذلك عند
المنعطفات غير المألوفة في الطريق والمشكلات الميكانيكية في دراجاتنا،
ونمر بغابات مظلمة حيث من الممكن أن يحدث أي شيء لأنها مسكونة بأشباح
مخيلتنا. وعند مرحلة محددة، وبعد مرات معدودة من السقوط دون شخص قريب
يمد يد المعاونة نبدأ التساؤل عما إذا كان يستحق فعلاً كل ذلك الجهد.
بلى، يستحق. فذلك سؤال يهدف إلى إثارة الحماس وعدم الاستسلام.
فبينما نقوم بالتبديل تجاه هدفنا، يجب أن نسأل أنفسنا: "ما المختلف
اليوم؟" ربما تكون الشمس مشرقة، لكن إذا حدث وأمطرت، تذكر دائماً أن ذلك
كله يعني أن السحب القاتمة ستتلاشى عما قريب.
تتلاشى السحب، وتظل الشمس على حالها .. لا تختفي أبداً.
وفي ظل لحظات الوحدة، من المهم تذكر ذلك، وخلال تلك اللحظات، لنتذكر وجود
تلك القرية، وعندما يصبح المسير صعباً للغاية، يجب أن نحرص على عدم نسيان
أن - بعيداً عن السباق، اللون، الوضع الاجتماعي، المعتقدات أو الثقافة-
الناس الموجودين هناك مروا بالتجربة ذاتها.
ومثلما نعود غلى الحقائق البسيطة الموجودة داخلنا، فإننا ننأى بأنفسنا
عن الهستريا الجمعية لنستطيع المشاركة بواقعية في العالم المحيط بنا.
وفي مرحلة محددة، تعترض المأساة سبيل كل إنسان: قد تكون تدمير مدينة،
موت طفل، اتهاماً بغير دليل، مرضاً ينتشر دون تحذير جالباً معه عجز دائم.
وأحياناً نرث المآسي الخاصة بأجيال سابقة ، وبعد فترة نحصل على الحب،
الموت، السلطة، الزمن، وجميعها ستعاوننا للحفاظ على سكينتنا عندما يمر
ثانية بالطريق التي تمر بقريتنا سواء كان يبكي أو يضحك.
وإذا ما واجهتنا مشكلة حقيقية، فلن تستطيع الصحف أن تقنعنا بالعكس، ولو
تعلق الأمر بمجرد حالة أخرى لشخص ما يقشر البصل، فلن يكون بوسع مخلصي أرض
الأسلاف والحضارة أن يتملصوا ويرتكبوا جرائم باسمنا.
ومن المفيد دائماً أن نتذكر كيف تعلمنا قيادة دراجة، لم يتم ذلك بواسطة
ميكانيكا القوى والكتلة الحرجة والسرعة المثالية. ليس بالجلوس أمام مدرس
يشرح لنا كيف يمكن لهذه المركبة ذات العجلتين أن تستمر في التحرك.
ولم يحدث ذلك لأن شخصاً ما أخبرنا أن دراجتنا أفضل وأكثر أمناً من دراجة
شخص آخر، وهكذا تستطيع القيادة بثقة.
لم يحدث ذلك لأننا أنصتنا لرأي هذا أو ذاك، أو لأننا رأينا تغطية
تليفزيونية ممتدة لمسابقة "تور-دي-فرانس" أو للألعاب الأولمبية.
حدث ذلك لأننا جرؤنا على القيام بأول تبديلة، حاولنا وسقطنا وحاولنا، حتى
جاء يوم، يكاد يكون إعجازياً، تمكنا فيه من حفظ اتزاننا.
ولن ننسى حتى بعد مرور عشر سنوات أو عشرين سنة دون أن نركب دراجة.
هل ذلك قابل للتفسير؟
لا.. ليس قابلاً للتفسير، لكننا نعرف كيف نقود دراجة، وهذا شيء مهم، لأننا
حينئذ نستطيع زيارة قرية أخرى.. ابتداع طريق.. التخلص من خوفنا واكتشاف
كم من الأشياء نشترك فيها (بما في ذلك الدراجات).
"يا إلهي، عندما أُنصت لأصوات الحيوانات، ولحفيف الأشجار، وخرير الماء
وغناء الطيور، وهدير الريح وهزيم الرعد، أرى فيها دليلاً على وحدانيتك،
أشعر أنك قهار، عليم، حكيم، عادل.
يا إلهي ليكن رضائي من رضائك، واجعلني أذكرك في سكينة وعزم، حتى لو كان
من العسير على أن أُصرح: أنني أحبك"
قصة طريقين/ باولو كويليو؛ ترجمة ياسر شعبان .- مجلة العربي.-ع 576)
فبراير 2006