الصفحة الرئيسية | دليل المواقع | Call to Islam | |
الموضوعات التقنية | الموضوعات الدينية | المكتبات والمعلومات | |
التعليم في بلادنا | أخبار محلية | أخبار عالمية | سجل الزائرين |
أسرار نجاح ماليزيا
تحتاج إلى ثلاثة مصاعد للوصول إلى الطابق السادس والثمانين من
أعلى بناية
في العالم، وهي بناية بتروناس (أو توين تاور Twin Tower) للوصول إلى
مكتب تون دكتور محاضر بن محمد.
محاضر بن محمد رئيس وزراء ماليزيا لأكثر من 22 عاماً (1981 – 2003)، أحد
أبرز قيادات العالم الإسلامي، وأحد أشهر الشخصيات المسلمة في العالم،
ورائد النهضة الاقتصادية الماليزية الحديثة... شخصيته تتميز بالصراحة
والجرأة والوضوح. قيادي من الطراز الأول... مفكر... يفرض احترامه على
مستمعيه.
تجلس إليه فيلفت نظرك أن ابن الـ81 عاماً (مواليد 1925)، يحتفظ بحيويته
وقوة ذاكرته وسرعة بديهته وترتيب أفكاره. انضمّ محاضر لحزب "أمنو UMNO"
سنة 1945، وهو الحزب الذي يحكم البلاد منذ استقلالها سنة 1957. تخرّج من
كلية الطب سنة 1955.
اتخذ موقفاً قوياً في الدفاع عن حقوق شعب الملايو. طُرد من الحزب الحاكم إثر
اضطرابات سنة 1969 بين الملايو والصينيين، ولكنه عاد بقوة سنة 1972،
وأصبح وزيراً للتعليم سنة 1974، ثم نائباً لرئيس حزب أمنو سنة 1975، ثم
نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للداخلية سنة 1976، فرئيساً لأمنو ورئيساً
للوزراء سنة 1981.
حصل على أعلى لقب في ماليزيا بُعيد استقالته من رئاسة الوزراء سنة 2003،
وهو لقب " تون" Tun.
كان موضوع المقابلة التجربة الماليزية وعناصر نجاحها، وإمكانات استفادة
العالم العربي منها:
كما تعلم فإن العالم العربي يعاني من مشاكل كبيرة، وهناك تطلُّع للخبرة
والتجربة الاقتصادية والسياسية الماليزية لمعرفة أسرار نجاحها. أين يكمن
جوهر نجاح التجربة الماليزية؟
محاضر محمد: أظنّ أن مشكلتنا تكمن في أننا لا نتَّبع تعاليم ديننا. نحن
نحارب بعضنا بعضاً، والناس يفسرون الدين بطريقة مربكة، فتصبح هناك
تفسيرات مختلفة.. البعض سني.. والبعض شيعي.. أوعلوي.... وعندما نصبح
أتباعاً لمذاهب مختلفة فإننا نفقد عنصر التسامح، رغم أن الإسلام يطالبنا
بالتسامح. نحارب ونقاتل بعضنا.. وعند ذلك تصبح بلادنا غير مستقرة..
وعندما تفقد استقرارها فلا يمكن أن تتطور.
أول شيء يجب عمله هو تثبيت الاستقرار، وألا ننقسم أو نحارب بعضنا.
في ماليزيا لدينا اختلافات دينية وعرقية وثقافية ولغوية، ولدينا تباينات
اقتصادية، ولكننا اعتبرنا أن أهم شيء هو تحقيق الاستقرار من خلال إيجاد
أجواء التسامح فيما بيننا... ثم قررنا أن نتشارك (في الثروة والسلطة)...
إنك لا تستطيع أن تستحوذ على كل شيء لنفسك.. وإذا حاولت ذلك فسيكون هناك
عدم استقرار، ولن يتحقق النمو الاقتصادي، وبالتالي فإن ما ستحصل عليه
سيقلُّ أكثر فأكثر.
أما عندما ترغب في مشاركة الآخرين، فإنهم سيشعرون أن لهم نصيبهم وأن لك
نصيبك... وسيكون هناك استقرار وينمو الاقتصاد.. وبالتالي ينمو نصيبك،
ويستفيد الجميع.
وهكذا، فعندما نوافق على المشاركة، ويكون هناك استقرار، فإن باقي الأمور
ستكون مسائل إدارية ومسألة أفكار.
ولكن من الصعب إيجاد جوّ خال من الفساد (الإداري والمالي)، ما هي أهم
الخطوات المتخذة للتخلص منه؟
محاضر: يجب أن يكون لديك إدارة جيدة، وأن تواجه الفساد، وحتى تمنع
الفساد يمكن أن تضع بعض القوانين الصارمة.. ولكن الأهم من ذلك هو تطوير
نظام إداري يكون واضحاً جداً.
في ماليزيا حددنا بدقة الإجراءات الإدارية لتنفيذ المهام والأعمال. فمثلاً
إذا أردت أن تحصل على قطعة أرض فإن الإجراءات الواجب اتخاذها للحصول على
الموافقة، والزمن الذي يستغرقه كل إجراء، وصلاحيات الموظفين كلها أمور
محددة.
وإذا عملت بسرعة وضمن سقف زمني محدد لكل إجراء، فلن يكون هناك فرصة
للفساد. ولكن إذا سمحت للموظفين بتأخير المعاملات فإنهم سيؤخرون الإجراءات
حتى يدفع لهم صاحب المعاملة المال. في البداية سيكون التأخير من قِبلهم
عرضياً، ولكنهم عندما يجدون أن التأخير سيوفر لهم الكثير من المال
فسيتعمدون التأخير.
في بعض البلدان تكون هناك إجراءات كثيرة، وأشخاص كثيرون. وهو ما يعطي
فرصاً للفساد. مثلاً: في أحد البلدان -حتى تحصل على موافقة لبناء بيت- يجب
أن يقوم كل الوزراء بتوقيع المعاملة، حتى لو لم يكن لهم بهاعلاقة.
فيؤخرون المعاملة لأنهم لا يرون ضرورة للاستعجال، فيجعلون بذلك الحياة صعبة
جداً للناس.
إن الوقت هو المال بالنسبة للعمل والاقتصاد.. فإذا أخرت المعاملات فسترتفع
التكاليف ويتضرر الناس والاقتصاد.
ولذلك يُحدّد المطلوب من الموظف بوضوح تام، فإذا لم يفعل، فسيستنتج أنه
فاسد، وبالتالي سيحاسب ويتخذ الإجراء اللازم بحقه.
من الصعب التخلص من الفساد.. بمجرّد وجود قانون، لا بد من آليات تعمل
لتسريع العمل ومنع الفساد. لدينا في ماليزيا مؤسسة ضد الفساد Anti
Corruption Agency، ولكن أهم شيء هو الإجراءات Procedures، ولذلك لدينا
في الحكومة دليل الإجراءات Manual of Procedures، كل عمل له إجراءاته
وخطواته المحددة.
إذن، يكمن جوهر النجاح الماليزي في فكرتي التسامح والمشاركة.. هل هناك
أسس أخرى؟
محاضر: نعم هاتان المسألتان هما الأهم. ولكن هناك الأفكار: كيف تحفّز بلداً
؟ كيف تحقق تنمية؟ هناك أشياء تفعلها كل دولة. في حالتنا نظرنا إلى كل
الدول القريبة منا، وقرّرنا أن اليابان وكوريا هما نموذجان جيدان.
هل هي فكرة النظر شرقا التي تتبناها؟
محاضر: نعم، ولذلك نظرنا شرقاً.
وهل كان لذلك علاقة بالشعار الذي رفعتموه في بداية
الثمانينيات: "البريطانيون آخرا"؟
محاضر: كان السبب في رفع شعار "البريطانيون آخرا" أننا نريد أن نبين لهم
أننا بلد مستقل، وأنهم لا يستطيعون أن يعاملونا بدون احترام، ولذلك جاء
هذا الشعار.
لكن بشكل عام فإن الأوروبيين طوروا بلادهم قبل 200 سنة، ونسوا المصاعب
التي اعترضتهم في هذا المدى الزمني الواسع، أما اليابانيون فهم جدد في
مسيرة التطوير، ويتذكرون مصاعبهم، ولذلك نظرنا لتجربتهم. ولكننا لم ننس
الغرب. إن اليابانيين والكوريين ديناميكيون. يريدون تنمية بلادهم. ولذلك
هناك أشياء محددة يمكن أن ننقلها عنهم.
ولكن، أليس هناك دور أساسي للقيادة في تحقيق النجاح؟
محاضر: القيادة مهمة بالتأكيد، وفي ماليزيا حتى لو كان الناس أذكياء
جداً، ومدربون جيداً، فإنه إذا لم تكن هناك قيادة فلن يكون بإمكانهم تحقيق
أهدافهم.
الجيش عادة ما يكون مثالاً جيداً على أهمية القيادة، القائد مهم جداً لتحديد
المسار.
على القائد أن يتذكر أنه لن يكون قائداً إذا مضى لوحده إلى الأمام ولم
يهتم بمن خلفه، لأنه بعد أن يسيرلفترة، قد لا يجد أحداً يمشي خلفه. وفي
الوقت نفسه، إذا سار القائد خلف الناس الذين يفترض أن يكونوا خلفه، فإنه
عند ذلك يكون تابعاً وليس قائداً...!!
في عدد من البلدان العربية نلتقي بأناس يتمنون أن يقودهم شخص كمحاضر
ملتزم تجاه شعبه وله رؤيته الواضحة. هل تعتقد أن الماليزيين كانوا
محظوظين بالنسبة إلى سلسلة القادة الذين حكموهم؟
محاضر: لدينا نحن بعض المشاكل أيضاً. في ماليزيا، عندما تضيع ترجع
للبداية، أنا أؤمن بذلك كمسلم. نحن ضعنا، فخلال 1400 سنة كان هناك تأويلات
كثيرة للإسلام، لذلك علينا أن نرجع للبداية، والبداية هي في القرآن وفي
الحديث الصحيح. لذلك أقرأ القرآن بعمق، لا أقرؤه بالعربية لأنني لا أفهمها،
ولكن بالإنجليزية وبلغة الملايو، وأجد في القرآن توجيهاً صحيحاً، فإذا ما
رجعت إلى القرآن فستقوم بعمل بداية جديدة بروح جديدة Fresh Start.
ولذلك عندما تضيع ارجع إلى البداية.. هذا ما أعتقده، وهذا منطق الناس
العاديين. أما إذا ضعت وأخذت تحاول بهذا الطريق أو ذاك.. فسيصبح الحال
أسوأ. ارجع للبداية!!
كيف عالجت الحكومة موضوع الخطاب الديني وعلاقة الدين بالدولة، خصوصاً أن
لديكم أديانا مختلفة؟
محاضر: الكنيسة في السابق في أوروبا كانت تتدخل في الدولة، وكان
لتأثيرها أحياناً آثار سيئة، ولذلك قام الأوروبيون بالفصل بين الدولة
والكنيسة. هناك ميل لدى عدد من المسلمين لفصل الدين عن الدولة، هذا لا
يمكن أن يحدث، لأن الإسلام ببساطة هو منهج حياة، وطريقة الحياة تحوي
القانون والسياسة والإدارة، والإسلام دين شامل، كل شيء مذكور في القرآن.
ولذلك لا يمكنك التفريق بين ما يتعلق بالدين وغيره.
أهم شيء هو كيف تستفيد بالشكل المناسب من الإسلام، وليس وفق تأويلات البعض،
إذا كنت شيعياً تتبع إمامك فقط، إذا كنت سنياً شافعياً فتتبع الشافعي
فقط!!... لا، ولكن عد إلى الأسس. وعند ذلك لن تضيع.
المشكلة التي نواجهها هي رغبة جانب من المسلمين في متابعة المسيحيين
والأوروبيين، حيث يدعون أن المسيحيين فصلوا الدين عن الدولة ولذلك
ازدهروا. لا.. هذا خطأ... إذا فقدوا فهمهم لدينهم.. فلا ينبغي أن يحدث
الشيء نفسه معنا.
مصطفى كمال أتاتورك كان يظن أن تركيا إذا أصبحت علمانية فستصبح متقدمة
مثل أوروبا. كان يظن أن الدين عقبة في طريق تركيا، لم يكن السبب هو
الدين، كانت المشكلة في كيفية تفسير الدين تحت حكم السلاطين.. عندما
كانوا يخطئون ويرتكبون كل الأشياء فإنهم كانوا يسيرون ضد تعاليم الدين.
مثلاً: إذا كان المطلوب حماية الأمة، فإن الدين لا يحدِّد أدوات الحماية...
ليس المطلوب تحديد الحماية بالخيول.. هذا كان على عهد الرسول صلى الله
عليه وسلم... المطلوب هو الحماية هذه الأيام.. حيث لا يمكن الاعتماد على
الخيول.. يجب أن يكون لديك دبابات وطائرات... وحتى يكون لديك ذلك يجب أن
يكون لديك العلم.
الإسلام قال لك "اقرأ"... لم يقل اقرأ الدين فقط.. ولكن اقرأ (بشكل
مطلق).. ماذا كان لدى الرسول ليقرأ في ذلك الوقت وهو لا يستطيع
القراءة؟.. المسلمون الأوائل قرؤوا من دراسات الإغريق والآسيويين... وبنوا
حضارة إسلامية عظيمة.
ولكن مع القرن 15 الميلادي، جاء علماءُ فقهٍ حددوا العلم بعلم الدين.. في
الوقت الذي درس فيه الأوروبيون وخرجوا من عصور الظلمات... وبدؤوا نهضتهم،
حصرنا نحن العلم بالدين، وانشغلنا في الصراع بعضنا مع بعض.
إدارة المسألة الدينية في مجتمع متعدد الأديان مثل ماليزيا قضية صعبة
جداً، أليس كذلك؟
محاضر: لا، الإسلام يزودنا بالتوجيه السليم. يصلي هو بطريقته وأصلي
بطريقتي... علينا أن نتسامح... هم يقولون إنك ضال... وأنت تقول إنهم
ضالون. ولكن إذا تسامحتم فلن يكون صراع.. دعهم يعبدون بطريقتهم، لا
تجبرهم على دينك، الإسلام لا يجبرهم على اتباعه، أو أن تقول لأحدهم إذا لم
تسلم فسأقطع رأسك!!
ماذا بشأن مأزق الملايو Malay Dilemma (إشكالات التخلف لدى شعب الملايو)،
كيف تعاملتم معه؟
محاضر: البريطانيون تحت حكمهم قسمونا إلى ثلاثة مجموعات مختلفة، الملايو
[أغلبية السكان وأهل البد الأصليين، وهم مسلمون] يجب أن يزرعوا الأرز،
ويسكنوا الريف، وبعضهم يمكن أن يعمل في الخدمة الحكومية. الصينيون (نحو30
% من السكان) يقومون بالأعمال الاقتصادية ويسكنون المدن، والهنود (نحو10%
من السكان) يجمعون المطاط؛ الصينيون أصبحوا هم الأغنى، رغم أنهم جاؤوا
إلى ماليزيا فقراء ولكنهم تمكنوا من جمع المال.
كان علينا أن نعالج هذه المشكلة.
إنك إذا أعطيت البعض المال دون أن يعرف كيف يوظفه فإنه سيرجع فقيراً مرة
أخرى. كما تعلم، لو أعطيت مليون دولار لأحد الرعاع أو الباعة المتجولين
فإنه سيقضي عليه، ولذلك فإن عليك أن تدرب الناس أولاً.
ولذلك قلنا للصينيين: إذا كان هناك تفاوت كبير بينكم وبين الملايو فستكون
هناك صراعات، ولذلك نرجو أن تنظروا بعين التسامح والتفهّم عندما نقوم
بمحاولة رفع مستوى الملايو، وإعطائهم بعض المزايا.
ولذلك تبنيتم سياسات خاصة تجاه السكان المحليين (الملايو أو البوميبوترا)؟
محاضر: نعم. عبر إعطائهم فرصاً أكثر، ولكن ليس بأخذ ما في أيدي الصينيين.
ولكن عندما يحدث تطور اقتصادي فإن الملايو أو السكان المحليين سيأخذون
نصيباً أكبر من حاصل النمو والزيادات التي تحدث في الاقتصاد. حتى الآن لم
يتمّ تعديل الوضع تماماً، ولكن الوضع تحسَّنَ بما يكفي لمنع الصراع بين
الطرفين.
على سبيل المثال، في إندونيسيا (حيث لم تُتبنّ هذه السياسة) فإنه عندما
حدثت الأزمة الاقتصادية (1997-1998) ألقى السكان المحليون باللوم على
الصينيين، وقاموا بإحراق محلاتهم ومساكنهم وقتلوهم؛ لأن السكان المحليين
ظلّوا فقراء جداً. ولكن هنا في ماليزيا تم تخفيض مستوى التفاوت الاقتصادي
بين الطرفين، وإن يكن بشكل كافٍ.
قرأت لك أنه في سنة 1970 كان الصينيون يتحكمون بنحو 95% من الاقتصاد.
ماذا عن الوضع الحالي، وتوزيع الحصص الآن؟
محاضر: الوضع أفضل الآن، يدرك الصينيون الحاجة للتعاون، وإلى أن يحصل
الملايو على أفضل ما يمكن من فرص. مثلاً في التعليم كان الملايو يشكلون 1%
فقط من الأطباء في هذا البلد والباقي صينيون وهنود، الآن الملايو 40% من
الأطباء. وكذلك تحسن الوضع في المحامين. ونحن نعطي فرص تعليم أفضل
للملايو، كما نعطي لهم فرصا أفضل في مجال الأعمال.
بعض الإحصائيات تشير إلى أن النسبة لم ترتفع عند الملايو بأكثر من 28% ؟
محاضر: أنت تريد أن تغير فلاحين ليكونوا رجال أعمال. إنه تغيير كلي، وليس
أمراً سهلاً.
نقول لهم عليكم أن تفعلوا هكذا... فيعودون ليعملوا الخطأ مرة أخرى،
ولكننا على الأقل أنجزنا شيئا.
في عالمنا العربي يتميز الناس بطبيعة ديناميكية عالية ونشاط كبير، ولكن
كثيرا من الجهود تضيع لأنها تجري في اتجاهات متعاكسة!! ربما يكون لدى
الملايو نقاط ضعفهم، ولكنهم على الأقل يميلون للانضباط والطاعة، ألا يمثل
هذا مساعدة جيدة للقيادة؟
محاضر: نحن هنا نميل بشكل كبير للمسالمة، وعدم العنف والاعتدال، لا نستجيب
للأشياء بعنف.
نشجع المستثمرين للقدوم من الخارج، وهمّنا الأساسي إيجاد وظائف لأبناء
البلد، ولذلك لا يوجد بطالة في ماليزيا من الناحية العملية. وفي الحقيقة
لدينا مليونا عامل أجنبي في هذا البلد.
ما دور التعليم ونظام الخدمة المدنية؟
محاضر: مهم جدا، مهم جدا، هذه الدولة تنفق نحو 25% من ميزانيتها على
التعليم.
هذه هي النسبة الأعلى في العالم؟
محاضر: نعم، هي نسبة عالية جداً، عندما لم يكن لدينا جامعات أرسلنا طلابنا
إلى كل مكان للتعلم، لأن التعليم مهم جداً.
متى اتخذ هذا التوجه؟
محاضر: منذ البداية في الحقيقة.
البعض يرى أن موظفي الخدمة المدنية كانوا خلف النجاح الماليزي؟
محاضر: نعم، إنهم متدربون، كما يتم الارتقاء بمستواهم، لدينا مؤسسات
تدريبية جيدة جداً، سواء للدبلوماسيين أو للإداريين، كما يأتي الطلبة من
الخارج للتدرب في هذه المجالات.
من المهم أنك عندما تصدر أمرا تطمئن أنه سيجري تنفيذه. ولذلك لدينا وحدة
للتأكد من سلامة التنفيذ ICU Implementation Coordination Unit
كيف نجح الماليزيون في التعامل مع الضغوط الخارجية والقوى العظمى؟
محاضر: كما ترى نحن ننتقد أمريكا، ولكن لا يزال لدينا الكثير من
المستثمرين الأميركان. إن المستثمرين الأميركان مهتمون بجمع المال وليس
بالسياسة. بالتأكيد فإن حكومة بلدهم تريدنا أن نفعل هذا أو ذاك، ولكن
لأننا لا نقترض الأموال منهم، ولا نحتاج لدعمهم، لا نكون تحت رحمة ضغوطهم،
ولذلك عندما لا تسأل الناس المال أو الدعم فيمكن أن تكون مستقلاً، وإلا
فستفقد استقلالك.
ولكن مثلاً هناك دول الخليج غنية ولا تحتاج المال... ولكنها...
محاضر: نعم، ولكنها تحتفظ بأموالها لدى أميركا، وتستخدم الدولار الأميركي
في تعاملاتها، ولذلك فهي مجبرة على أن تلتزم بسلوك ودّي تجاه الأميركان.
ولذلك فإنك إذا ما أغضبت الأميركان فإنهم قد يصادرون أموالك ولا يعيدونها
إليك.
قد تكون هناك أزمة ثقة بالنفس.. أو أزمة اتجاه؟
محاضر: في أميركا هناك نفوذ كبير جداً لليهود؛ إنهم (أي العرب) يضعون
الأموال في أميركا. والمال المُحتفظ به هناك يُستخدم لصناعة السلاح
والقنابل، ولقتل العرب أنفسهم!! ولذلك فإني أسألهم لماذا تحتفظون
بأموالكم هناك؟ لماذا تستخدمون الدولار الأميركي؟ لا تحتفظوا بالدولار
الأميركي.
ماذا بشأن مشروع "واواسان 2020" (رؤية 2020) لتحقيق النهضة الماليزية؟
محاضر: الرؤية مهمة. يجب أن تعرف إلى أين تتجه. وإلا فإنك قد تجد نفسك
متجهاً إلى الوراء بينما تظنّ أنك تسير إلى الأمام، لذا يجب أن تحدّد هدفاً،
والهدف هو أن نصبح دولة متقدمة مع حلول سنة 2020. حدّدنا ما نريده [منذ
سنة 1991] وكيف يمكن الوصول إلى الهدف. لم يكن الأمر متعلقاً فقط بكيفية
إدارة البلد أو إدارة الشؤون اليومية. كان يجب معرفة العقبات وكيفية
تجاوزها.
كيف تحدد المسار، وكيف تقيّم مسيرة الـ15 سنة الماضية؟
محاضر: إذا ما حصلت على نسبة نمو 7% سنوياً فإن الناتج القومي سيتضاعف
مرة كل عشر سنوات (أي 100%). في البداية كان النمو لدينا سريعاً جداً
بنسبة 8.5% سنوياً. بالطبع الحكومة هي التي تحدد الاتجاه.
كيف عالجتم الأزمة الاقتصادية التي حدثت سنة 1997-1998؟
محاضر: أهم شيء هو فهم المشكلة. إذا لم تفهمها اسأل المتخصصين. وجدنا أن
المشكلة هي أن الناس يتاجرون بعملتنا. وعندما يكون المعروض منها كبيراً
يهبط السعر. وحتى نمنعهم من الاستمرار في دفع عملتنا نحو الانخفاض كان
علينا أن نمنعهم من الوصول إلى عملتنا. ولذلك قررنا منع المتاجرة
بالعملة الماليزية، ومنعنا البنوك من تحويلها في عمليات البيع. وعندما لا
يستطيع المضاربون بيع العملة ينقص مخزونها، ويقل المعروض، فيقل العبث
بسعرها.
أيضاً اتخذتم إجراءات لزيادة الصادرات وخفض الواردات، وبالتالي انخفضت
الحاجة للعملة الأجنبية؟
محاضر: نعم، صحيح. ولكن إدراكنا ضرورة الاستمرار في الاستيراد، جعل من
المهم تثبيت سعر العملة حيث سيسهل ذلك إدارة الاقتصاد. لأن تغيير سعر
العملة سيؤثر بشكل كبير على تقدير الميزانية، وستنخفض القدرة الشرائية
إذا انخفضت قيمة العملة. أما إذا ثبتت قيمة العملة فإن تقديراتك
للميزانية في بداية السنة لن تتغير مع نهايتها.
أخيراً، ما هي رؤيتك للموضوع الفلسطيني، وإدارة الصراع مع إسرائيل؟
محاضر: المشكلة أننا ندير الموضوع من خلال الغضب والانفعال العاطفي.
وعندما تكون غاضباً فلن تتخذ الإجراء الصحيح. علينا أن نقف ونفكر ونطور
إستراتيجية نأخذ فيها بعين الاعتبار عناصر قوتنا وضعفنا. ونطور طريقة
لحماية أنفسنا، بل وطريقة حتى لمهاجمة العدو.
ولكنك الآن تغضب جداً. تلف نفسك بحزام ناسف ثم تفجرها. لو فعلنا ذلك خمسين
سنة سيبقى الحال على ما هو عليه!!
نحن ندعم الفلسطينيين بشكل دائم، ولكننا لسنا سعيدين لأنهم أكثر عاطفية
وانفعالاً، بينما ينشغلون بشكل أقل في التخطيط لما يمكن أن يفعلوه. ولذلك،
عندما تعمل بناء على الغضب والإحباط واليأس فإنك لن تستطيع تطوير
إستراتيجية صحيحة.
في القوات المسلحة مثلاً لا يكفي أن تكون شجاعاً حتى تقاتل العدو.. لا بد أن
تمتلك الأدوات المناسبة للقتال لمواجهته بعد تقدير ما لديه من إمكانات.
شكراً جزيلاً على إتاحة هذه الفرصة الطيبة.
محاضر: أهلاً وسهلاً.
المصدر: الجزيرة نت - أجراها معه في كوالالمبور د.محسن صالح