صورة الإسلام في الغرب عبر العصور - مجموعة المكتبيين العرب

الصفحة الرئيسية دليل المواقع Call to Islam اتصل بنا
الموضوعات التقنية الموضوعات الدينية الحياة الزوجية وتربية الأطفال المكتبات والمعلومات
التعليم في بلادنا أخبار محلية أخبار عالمية سجل الزائرين

العنوان: صورة الاسلام في الغرب عبر العصور

التاريخ : Sep 23, 2005

المصدر: العرب وحوار الحضارات في مجتمع المعلومات / مصطفى المصمودي (رئيس الجمعية التونسية للاتصال)

نص الموضوع :

إن أهم ما اتجه إليه التفكير عندما نادى العرب في سنة 1978 بضرورة تغيير
النظام الاعلامي العالمي الذي كان سائدا نذاك هو تغيير النظرة في الخارج
وخاصة في الغرب الى المسلمين لما فيها من جهل بتراثهم المجيد وعدم
اكتراث بقيمهم الحضارية، والسعي الى معالجة مختلف أوجه التشويه الذي
ينتاب صورة المسلمين لدى الغربيين.

    لقد جاء في محاضرة لموريس بوكاي كان قد ألقاها حول
ترويج الأفكار الكاذبة عن الاسلام انطلاقا من أخطاء في ترجمات القر ن، وذلك
أثناء ندوة عن الاسلام التأمت باليونسكو بمبادرة من المؤتمر الاسلامي في شهر
ديسمبر 1980، "إنه لمن الصعب للغاية بالنسبة لغربي لا يحسن اللغة
العربية، ويعيش في بيئة لا تخفي عداوتها للاسلام، ان تكون له فكرة دقيقة عن
ماهية الاسلام اذ ما يتعلمه هذا الشخص وما يسمعه في بلاده، وما يقرأه من
مؤلفات، يسهم في تشويه صورة هذا الدين، لأن الكثير من المستشرقين الملمين
بالرسالة المحمدية لا يفهمون الاسلام الا كما يشتهون ان يكون بدلا مما هو
عليه". ويستدل المحاضر على ذلك بالقول "لما شرعت للمرة الاولى في دراسة
القر ن راغبا التعمق في حقيقة الاسلام، كان لا بد ان استعين بتراجم
المستشرقين، الا ان ذلك كان للأسف لا يفيد بشيء اذ عثرت في عدة ترجمات لنفس
الآية القر نية على فروق تدل بوضوح على ان الاختلاف في المعنى يرجع سببه
الى المترجمين وتأويلاتهم الخاطئة. وبعد ما تعلمت اللغة العربية على
المستوى الذي يسمح لي بتلاوة القر ن وفَهْمِه أيقنت أن بعض النيات كانت
تريده غامضا عن قصد إما لتشويه معناه، أو لتطويعه لوجهات نظرهم
المنحازة".

اما روبار سوان (ففخيإ همزدقؤ) الأمين العام للرابطة البرلمانية من اجل
التعاون الاوروبي العربي، فقد اكد في محاضرة له حول: "الاسلام كما يراه
الغرب" ألقاها بنفس المناسبة، ان الموقف الراهن الذي يتخذه الغرب ازاء
العالم الاسلامي يرجع أكثر مما نتصور الى اهواء الاجيال التي سبقتنا والى
احكامها المسبقة ذلك ان الدراسات الغربية الخاصة بالدين الاسلامي
وبالمسلمين كانت تهدف الى تكريس تفوق الغرب.. ويؤكد المؤلف شعوره بأن
الصحافة والتلفزة في الغرب لا تتحرى بالقدر الكافي ولا تتردد في نشر
الأنباء المثيرة وتشويه ملامح العالم الاسلامي. وهو يعتقد أن السبب الرئيسي
لكل ذلك يكمن في نفسية المستعمر، إذ من طبيعة الانسان غير المطلع أن يشعر
بتحرز غريزي ازاء من يختلف عنه.

وقد أخذ المسيحيون على لسان البابا يوحنا بولس الثاني (2 يونيو 1980
باليونسكو) موقفا واضحا من هذا الموضوع فقد قال قداسته إن اجهزة الاعلام
الجماهيرية لا يمكن بحال من الأحوال ان تفرض هيمنتها على الآخرين. بل عليها
ان تراعي قيم الأمم وتاريخها وتحترم حق الانسان في الكرامة باعتبار ان
الهوية الثقافية خلاصة تلك القيم ومازال جل ما نقرأه اليوم من دراسات
ومقالات صحافية وتصريحات سياسية من مصادر جدية يؤكد هذه الاعتبارات.

والملاحظ من جهة أخرى أن هناك تداخلا بل تطابقا في بعض الأحيان بين صورة
العرب وصورة المسلمين في ذهن الغربيين، بحيث أن كلا الوصفين يمكن ان يحل
احدهما محل الآخر. ورغم الاختلافات بين الدول العربية فإن الصحافة الامريكية
تصور العرب وكأنهم كتلة واحدة وأحيانا يدخل الايرانيون اطرافا في
المجموعة العربية. ويلتقي اعضاء اللجنة مع ما استنتجته احدى معلمات
التاريخ بولاية كاليفورنيا التي سألت مجموعة من التلاميذ عن تصورهم للعرب
فكانت أجوبتهم أنهم قوم رُحّل ذوو لحى طويلة يسكنون الخيام ويرعون الإبل
وهم متعطشون للقتل مولعون بالنساء ويتاجرون بالرقيق.

لقد لعبت في العقود الأخيرة الحركة الصهيونية واسرائيل دورا خطيرا في
زيادة تشويه الصورة العربية في الغرب. كما أشارت الدراسة الى ان اغلب
الكتب التي تؤلف عن العرب لا تتوخى الانصاف والدقة بل تجاري الصورة التي
استقرت في أذهان الناس عنهم. ورغم الاهتمام الذي برز في السنوات الأخيرة
بالديانات والشعوب الشرقية فإن مكتبات أوروبا وأمريكا لا تعرض إلا القليل
من الكتب عن العرب والإسلام.

والمؤسف هو عجز المال والذكاء العربي عن اقتحام حواجز الكراهية والتعريف
بالجوانب الإيجابية والانجازات الحضارية والثقافية للأمة العربية لدى شعوب
الغرب وان التحركات على الساحة الدولية لم تكن فعالة بالقدر الكافي في
تصحيح الأوضاع.

ومن حسن الحظ ان هذه الصورة تختلف من قارة الى اخرى فهي ليست في
استراليا أو في الصين كما هي في الغرب ويمكن القول ان الشعوب الاوروبية
هي أكثر معرفة بالعرب من الأمريكيين ذلك ان العلاقات الاستعمارية بين الدول
الاوروبية والشرق اتاحت لتلك الشعوب ان تعرف أكثر عن العرب والمسلمين.

لقد أتيحت لنا فرص متعددة للوصول الى الرأي العام في اوروبا وفي امريكا
الشمالية عبر قنوات مختلفة. ولكن هذه القنوات لم تستخدم بصورة فعالة
بسبب فقدان التنسيق، وقلة المال، وعدم توفر خطة شاملة لتحرك ثقافي اعلامي
منظم تسخّر له الكفاءات العربية الموجودة في الشرق والغرب. والساحة في
البلاد الديمقراطية كانت مفتوحة على مصراعيها للاستماع الى وجهة النظر
العربية ولإقامة علاقات أفضل بين العرب والمسلمين وبين شعوب هذه البلاد،
وهي ساحة خصبة تنتظر البذرة الطيبة والمتابعة الذكية والتحرك الجاد.

الصورة العربية في الغرب اليوم:

لقد كنا نعتقد أن هذه الانطباعات التي سجلت منذ زمن بعيد قد تطورت بتأثير
أجهزة الاعلام والقنوات الفضائية والشبكات الاليكترونية. الا ان ما حدث قبيل
ضرب البرجين التوأمين في نيويورك وبعدها يؤكد أن الصورة العربية الاسلامية
هي في حاجة ملحة الى المعالجة والتحسين. لقد نشرت جريدة الصباح التونسية
بتاريخ 8 سبتمبر 2001 خبر قيام سلطات الأمن الامريكية في التكساس بغلق كل
المواقع العربية في شبكة انترنيت (دزة زهضإ) التي تبثها الشركة الامريكية
أنفوكوم بدعوى ان هذه المواقع تتضمن مقالات لا تعجب الاقلية اليهودية في
امريكا.

والاغرب من ذلك هو ما نشرته بعض الصحف الاوروبية المعروفة بجديتها ومن ذلك
صحيفة "الفيقارو" الفرنسية في نشرتها الصادرة بتاريخ 1 أكتوبر 2001 وفي
مقال بإمضاء ابن وراق وغي هنبال جاء فيه ان الاسلام ليس دين اعتدال وان
اغلبية المسلمين الذين يبلغ عددهم مليار شخص ليسوا مواطنين مسالمين
يؤمنون بعقيدتهم ويمارسون شريعتهم بمثل بصيرة مختلف المؤمنين باللّه. وما
هذا التفكير إلا نموذج لكثير مما كتب في السنوات الاخيرة حول صراع
الحضارات وما قيل منذ انهيار المعسكر الشيوعي حول حاجة العالم الغربي
الى خصم يركز عليه حقده ويمرر به العديد من اختياراته الاستراتيجية التي
تستوجب التعتيم الاعلامي والكتمان والتضليل. وتأتي الصحيفة الايطالية
كورياري ديلاسيرا لتزيد في الطين بلة بنشر مواقف لاذعة للصحافية اوريانة
فالاشي تنكر فيها البعد الثقافي الكبير للحضارة العربية
الاسلامية وتتعرض بالثلب للفلسطينيين بدون أدنى احترام لأدبيات الصحافة
والإعلام.

في هذه الأجواء المغيمة يأتي تصريح رئيس الحكومة الإيطالية السيد سيلفيو
برلسكوني متأثرا بموقف حليف له وزعيم رابطة الشمال
في الائتلاف الحكومي الحالي ليحط من شأن الحضارة العربية الاسلامية مثيرا
بذلك الأحقاد والانفعال الشديد. فلو كان هذا الرجل السياسي اطلع على ما
كتبه موريس بوكاي وروبارسوان لما انزلق في الموقف الذي كرره عدة مرات
قبل ان يتراجع فيه.

ما هذه الاشارات الا عينة مما يكتب اليوم عن العروبة والاسلام غير ان هذا
الثلب المكشوف لا يخفف من مسؤولية من انخرط في صفوف الأصوليين والمتطرفين
الدينيين الذين أضروا بالاسلام وبمفهومه المعاصر وبسماحة الإيمان. نعم لقد
شوه البعض من العرب والمسلمين المتطرفين صورة الحضارة العربية الاسلامية
الى أبعد حد اذ قاوموا مبادرات التفتح والاجتهاد وألحقوا الأذى برجال
الفكر والقلم الذين خالفوهم الرأي.

فلا بد لنا من الاعتراف بأن كثيرا مما نال صورة حضارتنا في الخارج من
تشويه يعود الى حقائق داخلية لا سبيل الى نكرانها. وعليه فمن الأجدر توجيه
ما يلزم بذله من جهد الى تحسين الملامح السلبية والاعتماد على السياسات
الواضحة التي ترفض ازدواجية الخطاب وتمسك عن مناصرة الارهاب مهما كان
مأتاه.

كما أن الحاجة تدعو الى القيام بعمل سريع لسد الثغرة القائمة بين العرب
وشعوب أوروبا وأمريكا، مثلما فعلت اليابان بعد نهاية الحرب العالمية
الثانية لمحو الصورة السلبية عنها في اذهان الأمريكيين. فقد قامت اليابان
بحملة موسّعة استمرت عشر سنين لعرض الثقافة والرقص والموسيقى والفنون
اليابانية على الشعب الامريكي وأقامت مؤسسات وجمعيات للصداقة واحتضنت
طلابا وقدمت منحا ودعما للجمعيات الامريكية الانسانية ونجحت الى حد بعيد.

وإذا كان هناك حضور اسرائيلي في مواقع صنع القرار في البرلمانات ولدى
الحكومات وفي وسائل الاعلام الكبرى كالصحف وشبكات الاذاعة والتلفزيون التي
غالبا ما تكون في المدن الرئيسية، فإن القطاعات الأكبر من الرأي العام في
هذه الاقطار مازالت على استعداد للاستماع الى الحقيقة وحتى للتعاطف مع
القضايا العربية. وهذه الجماهير التي تعيش خارج العواصم تقف على الأغلب
موقف الحياد من النزاع العربي الاسرائيلي، فإذا نجح العرب في عرض أوجه
حضارتهم على هذه الجماهير من خلال اتصالهم المباشر معها، أو من خلال وسائل
الاتصال المختلفة فإن هذه الجماهير ذاتها هي التي ستتولى التأثير على
حكوماتها ونوابها، وتلك هي الوسيلة الناجعة لكسر الحلقة الشريرة التي
تفرض على الحكومات الغربية الميل الى الجانب المعادي للعرب والمسلمين.