مجموعة المكتبيين العرب-قصة رجل

الصفحة الرئيسية دليل المواقع Call to Islam اتصل بنا
الموضوعات التقنية الموضوعات الدينية الحياة الزوجية وتربية الأطفال المكتبات والمعلومات
التعليم في بلادنا أخبار محلية أخبار عالمية سجل الزائرين


قصة رجل

بينما أنا عند رجل بالصعيد، وهو شيخ كبير شديد السُمرة، إذ حضر له أولاد
بيض حِسان فسألناه عنهم، فقال: هؤلاء أمهم إفرنجية ولي معها قصة، فسألناه
عنها، فقال:
ذهبت إلى الشام وأنا شاب أثناء احتلال الصليبيين له، فاستأجرت دكاناً أبيع
فيه الكتان، فبينما أنا في دكاني إذ أتتني امرأة إفرنجية زوجة أحد قادة
الصليبيين، فرأيت من جمالها ما سحرني، فبعتها وسامحتها في السعر، ثم
انصرفت وعادت بعد أيام فبعتها وسامحتها .. فأخذت تتردد عليَّ وأنا أتبسط
معها .. فعَلِمْتُ أني أعشقها، فلما بلغ مني الأمر مبلغه قلت للعجوز التي
معها: قد تعلقت نفسي بهذه المرأة فكيف السبيل إليها؟ فقالت: هذه زوجة
فلان القائد، ولو علم بنا قتلنا نحن الثلاثة، فمازلت بها حتى طلبت مني
خمسين ديناراً وتجئ بها إلىَّ في بيتي، فاجتهدت حتى جمعت خمسين ديناراً
وأعطيتها إياها...

الليلة الأولى
وانتظرتها تلك الليلة في الدار.. فلما جاءت إلىَّ أكلنا وشربنا .. فلما
مضى بعض الليل .. قلت في نفسي: أما تستحي من الله!! وأنت غريب وبين يدي الله
وتعصي الله مع نصرانية!! فرفعت بصري إلى السماء وقلت: اللهم إني أُشهِدُك أني
عففت عن هذه النصرانية حياءً منك وخوفاً من عقابك.. ثم تنحيت عن موضعها
إلى فراش آخر .. فلما رأت ذلك قامت وهي غضبى ومضت..
وفي الصباح.. مضيت إلى دكاني .. فلما كان الضحى .. مرت عليَّ المرأة وهي
غضبى .. ووالله لكأن وجهها القمر .. فلما رأيتها .. قلت في نفسي: ومن أنت
حتى تعُف عن هذا الجمال؟ أنت أبو بكر .. أو عمر .. أم أنت الجنيد
العابد .. أو الحسن الزاهد .. وبقيت أتحسر عليها .. فلما جاوزتني ..
لحقت بالعجوز .. وقلت لها: ارجعي بها .. الليلة .. فقالت: وحق المسيح ..
ما تأتيك إلا بمائة دينار.. قلت: نعم .. فاجتهدت حتى جمعتها .. وأعطيتها
إياها..

الليلة الثانية
فلما كان الليل .. وانتظرتها في الدار.. جاءت .. فكأنها القمر أقبل
عليَّ .. فلما جَلَسَتْ .. حضرني خوف من الله .. وكيف أعصيه مع كافرة .. فتركتها
خوفاً من الله .. وفي الصباح .. مضيت إلى دكاني .. وقلبي مشغول بها .. فلما
كان الضحى .. وبقيت أتحسر عليها .. سألت العجوز .. فقالت: ما تفرح بها
إلا بخمسمائة دينار .. أو تموت كمداً.. قلت نعم .. وعزمت على بيع دكاني
وبضاعتي .. وأعطيها الخمسمائة دينار .. فينما أنا كذلك .. إذ مُنادي
النصارى يُنادي في السوق .. يقول: يا معشر المسلمين، إن الهدنة بيننا
وبينكم قد انقضت .. وقد أمهلنا مَن هنا مِن المسلمين أسبوعاً .. فجمعت ما
بقي من متاعي وخرجت من الشام وفي قلبي من الحسرة ما فيه .. ثم أخذت
أتاجر ببيع الجواري .. عسى أن يذهب ما بقلبي ما فيه من الحب.. فمضى لي
على ذلك ثلاث سنين ..
ثم جرت وقعة حطين .. واستعاد المسملون بلاد الساحل، وطُلب مني جارية للملك
الناصر .. وكان عندي جارية حسناء، فاشتروها مني بمائة دينار .. فسلموني
تسعين ديناراً .. وبقيت لي عشرة دنانير .. فقال الملك: امضوا به إلى
البيت الذي فيه المسبيات من نساء الإفرنج.. فليختر منهم واحدة بالعشرة
دنانير التي بقيت له..

الجائزة
فلما فتحوا لي الدار .. رأيت صاحبتي الإفرنجية .. فأخذتها .. فلما مضيت
إلى بيتي .. قلت لها: تعرفينني؟ قالت: لا .. قلت: أنا صاحبك التاجر الذي
أخذت منه مائة وخمسين ديناراً .. وقلت لي: لا تفرح بي إلا بخمسمائة
دينار .. ها أنا أخذتك مِلْكاً بعشرة دنانير .. فقالت: أشهد أن لا إله إلا الله
وأشهد أن محمداً رسول الله .. فأسلمت وحسُنَ إسلامُها .. فتزوجتها .. فلم تلبث
أن أرسلت أمها إليها بصندوق .. فما فتحناه .. إذا به الصرتان التي
أعطيتها .. في الأولى الخمسون ديناراً ..وفي الأخرى المائة دينار ..
ولباسُها الذي كُنت أراها فيه..
وهي أم هؤلاء الأولاد .. وهي التي طبخت لكم العشاء .. نعم .. ومن ترك شيئاً
لله .. عوضه الله خيراً منه .. والعبد قد يختفي من الناس، ولكن أنى له أن
يختفي من الله وهو معه..
والمرأة العفيفة لا تهتك سترها .. ولا تُدنس عرضها وإن كان في ذلك فُقدان
حياتها.

المصدر: إنها ملكة/ محمد بن عبد الرحمن العريفي.- كفر الشيخ: دار ابن
عمر للنشر والتوزيع، إ2004م. ص ص 87-81 .- نقلاً عن مطالع البدور / للدمشقي