مجموعة المكتبيين العرب-احتجت إلى رحلة العمر لأتمكن من فهم هذا

الصفحة الرئيسية دليل المواقع Call to Islam اتصل بنا
الموضوعات التقنية الموضوعات الدينية الحياة الزوجية وتربية الأطفال المكتبات والمعلومات
التعليم في بلادنا أخبار محلية أخبار عالمية سجل الزائرين

احتجت إلى رحلة العمر لأتمكن من فهم هذا

الطريق كان مزدحما بآلاف العابرين، والباعة منتشرون على الجانب يعرضون
بضاعتهم.. ومن بينهم باعة الأحذية والشباشب.. توقف أبي فجأة وراح يرمق
الشباشب بعناية ثم انتقى واحدا وطلب مني أن أختبر مقاسه ففعلت كما أمرني
وخطوت خطوة واحدة على الطريق ..فإذا البائع شرس الملامح يدفعني في صدري
حتى كاد أن يطرحني على الأرض من عنف الدفعة، وهو يقول بتوحش : لا تمش به
في الطريق ..

وتملكني الرعب والارتباك ..ونظرت لأبي الذي احتقن وجهه من فرط الغضب وصرخ
في البائع : لا تلمسه ..أفهمت ؟ ..ثم أمسك بيدي في حزم وانصرف وسط الزحام
.

رغم السنين الطويلة فما زلت أذكر إحساسي بالخذلان لأنه لم يتصد للبائع
الذي ضربني تقريبا أمامه ..كان يؤثرني بالتدليل عن سائر أخوتي فلماذا لم
يدفع عني الاعتداء ؟ وتولد لدي إحساس بالقهر أن أبي رجل مسكين، كنت صغيرا
جدا فلم أفطن أبدا وقتها لأهمية مركزه..لكني في كل حال سألته في عتاب:
لماذا تركته وقد ضربني؟

ما زلت أذكر كلمات أبي بعد كل هذه الأعوام، ملامحه الخاشعة وصوته المتعب
وهو يقول وكأنه يكلم نفسه: لو عرف البائع أنني قاض سيصيبه الرعب ويتذلل
لي ، وأنا لا طاقة لي على أن أرى ذل رجل أمامي حتى لو اعتدى على
ابني ..لذلك تركته لله .

بالنسبة لي لم يبد كلامه مقنعا، لم يكن يشفي غليلي غير انتقام مروع تسيل
فيه الدماء ويعيد لي كرامتي المبعثرة، انتقام يشعرني بالأمان ( أنا
الصغير الذي تقارب قامته الأرض ) ويجعلني فخورا بأبي الكبير القادر على
كل شيء.

كنت بحاجة إلى رحلة العمر لأتمكن من فهم هذا الموقف التلقائي، وأعرف أن
صاحبه كان ببساطة رجلا حرا- برتبة عبد لله - يؤذيه أن يرى إخوانه من بني
البشر في موقف الخضوع ولو كان له.

وكلما مررت في شارع "الخان" المزدحم - بعد كل هذه السنين-نظرت بحنين إلى
الباعة البسطاء المفترشين قارعة الطريق عارضين الأحذية والشباشب ملتمسين
الرزق من صاحب الرزق تذكرت الوجه الحزين لقاض زاهد شريف والملامح المتعبة
التي أنهكتها الأيام، مسحت دمعة على خدي وقرأت له الفاتحة.


المصدر: د.أيمن محمد الجندي - إسلام أون لاين.نت