العاطفة الأسرية وأثرها على الطفل - مجموعة المكتبيين العرب

الصفحة الرئيسية دليل المواقع Call to Islam اتصل بنا
الموضوعات التقنية الموضوعات الدينية الحياة الزوجية وتربية الأطفال المكتبات والمعلومات
التعليم في بلادنا أخبار محلية أخبار عالمية سجل الزائرين

العنوان: العاطفة الأسرية وأثرها على الطفل

التاريخ : Sep 22, 2005

المصدر:  عبد الرسول عداي (كاتب شيعي)

نص الموضوع :

تتناول هذه الدراسة - بصورة 䃝وجزة - العاطفة الأسرية وأثرها على الطفل
مسلطة الضوء على جوانب متنوعة من هذه الآثار حيث تتناول أثر تلك العاطفة
على نمو الطفل الحركي والانفعالي والاجتماعي والمعرفي واللغوي.
وقد اعتمدت هذه الدراسة المنهج التربوي الإسلامي في طرح وصياغة المعلومات
والآراء مستعينة في توضيح تلك البيانات بنتائج الدراسات العلمية الحديثة
المعاصرة، مدللة على أن المنهج التربوي الإسلامي بما يمتلك من فلسفة
تربوية شاملة ومتكاملة ما يزل المنهج التربوي الأمثل في تهذيب الإنسان
وتقويمه وتكامله.
فالمنهج الإسلامي التربوي ينفرد بخصائص جوهرية تتمايز عن بقية المناهج
التربوية القديمة منها والمعاصرة. ومن أهم تلك الخصائص شمولية التربية
حيث أن للتكوين التربوي أبعاداً متنوعة تتجاوز الإنسان كفرد قابل للتكوين
لتمتد إلى المكونات الاجتماعية من أسرة وجماعة محلية وصولاً إلى المجتمع
والإنسانية.
فالمربي الإسلامي يوظف مجالات عديدة للتغيير سواء في ذات الإنسان أو في
محيطه أو في بنيته الاجتماعية أو الفكرية ليكون التأثير فاعلاً ويكون
الإنسان أكثر استيعاباً لمرحلة البناء التربوي التي تجعل منه شخصية فاعلة
وسوية وقادرة على القيام بدورها في بناء المجتمع وتطور الإنسان.
والأسرة هي المحيط الأساسي لنمو الطفل جسدياً ونفسياً واجتماعياً وهي المؤثر
الأول في شخصية الطفل وما يستوعبه من خبرات وما يكونه من اتجاهات وهي
الرافد المعطاء في تغذيته بالقيم والسلوكيات المرغوبة. فالأسرة هي
المؤسسة الأولى لبناء الإنسان حيث أن الطفل يعتمد اعتماداً كلياً في إشباع
حاجاته على أسرته وهذا ما يجعله أكثر قابلية في التأثر بمن حوله.
إن الطفل بحكم هذه الطبيعة القاصرة لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً فهو لا يملك
من القوة الجسدية ولا القدرة العقلية ما يدفع به الضر عن نفسه أو يجلب
لها منفعة. ومع تطور نموه الجسدي والعقلي يبدأ بالتكيـّف مع المحيط
وإدراكه لكنه لا يزال يعتمد في تفكيره على تصوراته الذاتية وخصوصاً في
مرحلة ما قبل المدرسة فهو لا يستطيع أن يقيم مفاهيمه على أسس موضوعية أو
يقوم بالعمليات العقلية التي تمكنه من أن يستنتج أو يخطط بشكل منطقي.
فيتعرض الطفل إلى لحظات من التوتر، وحالات من الاضطراب ويزيد من حدة
التوتر الذي يعيشه الطفل في هذه المرحلة الأولية ما قد يقدمه الآباء من
عاطفة أسرية قد تكون سلبية أو مفرطة أو متذبذبة تزيد من صعوبة المرحلة
التي يمر بها الطفل سواء على مستوى النمو الجسدي أو النفسي أو الاجتماعي.
لقد جعل القرآن الكريم العاطفة الأسرية منبعاً تتفرع منه العلاقات الأسرية،
كما في قوله تعالى (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا
إليها وجعل بينكم مودة ورحمة) (الروم- 21) ففي هذه الآية المباركة إشارة
إلى أن العاطفة الأسرية ليست هي محض صدفة أو التقاء عابر عبر طبيعة الخلق
أو مسيرة الارتقاء بل إنها نابعة من وحدة التكوين الخلقي، وهذه الوحدة في
التكوين تساهم في تقوية الأواصر بين الجنس البشري، فالأصل التكويني الواحد
الذي أشار إليه القرآن هو المنبع الأول الذي تفيض منه مظاهر تلك العاطفة
الأسرية من خلال المودة والرحمة والمحبة الاطمئنان والاستقرار.
فكما نرى تواداً ورحمة وعاطفة متميزة بصدق الشعور ووحدة المشاعر بين
التوائم نتيجة لوحدة التكوين الخلقي وتقارباً وتشابهاً وتماثلاً فيه كذلك
نجد عاطفة في صورتها الطبيعية تكاد تقترب من تلك الصورة بين الرجل
والمرأة.
وقد ربط القرآن بين التكوين الخلقي وبين التكوين الاجتماعي في هذه الآية
حيث دلّت عبارة (خلق لكم من أنفسكم) إلى وحدة التكوين الخلقي كذلك أشار
إليه القرآن في موضع آخر في قوله تعالى(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي
خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء)
(النساء-1)، فالخلق من النفس الواحدة يشير إلى وحدة التكوين الخلقي أما
ذكر خلق الزوج منها فيشير إلى وحدة التكوين الاجتماعي والذي يحصل من خلال
الزواج وبناء الأسرة والتي هي المؤسسة الأولى لبناء المجتمع ولتنشئة
الإنسان اجتماعياً. وقد عبـّر القرآن عن عملية تكوين المجتمع من خلال إنتاج
الأسرة للإنسان بقوله تعالى (وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء).
وهذا الانتقال من وحدة التكوين الخلقي (الفسيولوجي) إلى وحدة التكوين
الاجتماعي (الزواج/ الأسرة) لا يتم إلا من خلال وحدة التكوين النفسي القادر
على تحويل المكونات الخلقية إلى مكونات اجتماعية متوحدة.
وهذا المجال النفسي مشحون في المنهج الإسلامي التربوي بشحنات عاطفة
الاحترام والحب والتعاون والطمأنينة والأمن وإلى غيرها من الشحنات النفسية
التي تفيض بها عاطفة السكن والمودة والرحمة والتي أشارت إليها الآية
المباركة.
فالعلاقات الأسرية التي تشتق من العاطفة تلعب دوراً كبير في توثيق والتحام
عناصر الأسرة الواحدة وتعمل على تفعيل وتقوية التماسك والتعاون بين
أعضائها، وتتبنى الركائز المشتركة التي تتواصل من خلالها عملية التوافق
والانسجام الأسري. فالعلاقة بين الزوج والزوجة هي علاقة حب وتعاون واحترام
وأمن واستقرار بل إن الوحدة في التكوين الخلقي هي سبب إلهي لإيجاد هذه
العلاقة بهذه الكيفية بين الزوج والزوجة.
فالاحترام المتبادل للآراء والأذواق والمشاعر، وتبادل الحب والمودة
والمعاملة الرقيقة، وامتلاك مشاعر الآخر من خلال الفعل الجيد والهيئة
الحسنة والعمل الصالح، واكتساب الثقة المتبادلة من خلال صيانة الحقوق
والواجبات وتجديد العاطفة من خلال إذكاء مشاعر المحبة للآخر، كلها عوامل
أساسية يقدمها الدرس التربوي للإمام السجاد عليه السلام لتفعيل تلك
العاطفة الأسرية ولدوام تأثيرها.
وفي موضع آخر يوصي الإمام السجاد عليه السلام(وأما حق رعيتك بملك النكاح،
فأن تعلم إن الله جعلها سكناً ومستراحاً وأنساً وواقية، وكذلك كل واحد منكما
يجب أن يحمد الله على صاحبه، ويعلم إن ذلك نعمة منه عليه، ووجب أن يحسن
صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها، وإن كان حقك عليها أغلظ وطاعتك بها
ألزم فيما أحببت وكرهت ما لم تكن معصية، فإن لها حق الرحمة والمؤانسة
وموضع السكون وإليها قضاء اللذة التي لابد من قضائها وذلك عظيم..)
(الحراني، 1380 هـ، ص188).
بل نرى إن تلك العاطفة الأسرية تتحول إلى معيار لتقييم شخصية الإنسان
المسلم في السنـّة النبوية حيث يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلّم
(خيركم خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي) (الصدوق، 1401 هـ، ص 281).
بل تتحول جوانب تلك العاطفة الأسرية إلى واجب على المسلم القيام به كما
في قول رسول الله صلى الله عليه وآله (من اتخذ زوجة فليكرمها) (النوري، 1383
هـ، ص 50).
إن هذه العاطفة الأسرية بما تشيعه في أجواء الأسرة من رضا وسعادة واستقرار
وبما تربطه من علاقات المحبة والمودة والاحترام بين أعضائها، وبما توفره
من مناخ نفسي صحي سليم يحتضن نتاج هذا الالتحام الاجتماعي من خلال الزواج
بين الرجل والمرأة فيقدم الطفل ثمرة من ثمرات التكوين الخلقي ومادة
لتنشئة اجتماعية سليمة.
والطفل بحاجة إلى هذه العاطفة الأسرية في جميع مراحل نموه من مرحلة
الرضاعة وما بعدها بل من مرحلة الحمل فالجنين يتأثر كثيراً بالحالة
النفسية التي تكون عليها أمه أثناء فترة الحمل. وبالرغم من عدم وجود
اتصال مباشر بين الجهاز العصبي للأم والجهاز العصبي للجنين، إلا أن حالة
الأم الانفعالية تؤثر في استجابات الجنين وتطور نموه.
والسبب في هذا ان الانفعالات مثل الغضب والخوف والقلق يتدخل فيها الجهاز
العصبي عند الأم وهذا يؤدي إلى إفراز بعض المواد الكيماوية المعينة مثل
أستيل كولين Acetyl Choline والإيبنيفرين Epinephrine في مجرى الدم.
أضف إلى ذلك إن الغدد الصماء وخصوصاً الغدد الأدرنالية تفرز في مثل هذه
الحالات أنواعاً وكميات مختلفة من الهرمونات. كما ان عملية الأيض في الخلايا
تتغير وباختصار نقول أن تركيب الدم يتغير وان مواد كيميائية جديد تنفذ
من خلال المشيمة وتؤدي بذلك إلى تغيرات تكوينية في الجنين تؤثر عليه سلباً.
Dunber، 1946، P.P. 161- 175) (Squier - فقلق الأم وقلة طمأنينتها
الانفعالية خلال الحمل قد تؤثر تأثيراً غير مرغــــوب في الجنين الناشئ
وتعوّق الوليد في توافقه مع البيئة الخارجية. (كونجر وآخرون، 1970، ص 97).
وبعد الولادة يحتاج الوليد إلى عاطفة المحيطين به فقد تترجم هذه العاطفة
إلى إشباع للحاجات أو رعاية أو حب. فالطفل الإنساني وخصوصاً الطفل المعاصر
خلافاً للصغار في أي نوع آخر من الكائنات الحية يحتاج إلى رعاية المحيطين
به رعاية طويلة ودقيقة قبل أن يستطيع أن يحقق استقلاله.
وقد تطول مرحلة الرعاية حتى تمتد في بعض المجتمعات إلى مرحلة متأخرة في
النمو. فالإنسان لا يستطيع أن ينمو ويعيش إلا في ظل مجتمع. وأهم تلك
العلاقات الاجتماعية هي العلاقات الأسرية التي تنشأ بين الطفل وبين أفراد
أسرته.
ويلعب المحتوى الانفعالي دوراً كبيراً في تلك العلاقات. ذلك إن هذه العلاقات
الاجتماعية ذاتها تقوم على أساس من الروابط الانفعالية التي تتميز بمشاعر
قوية وتأثير متبادل بين الأطراف المعنية. فالطفل في هذه المرحلة يحتاج
إلى دفء العاطفة، والثبات والاستقرار في المعاملة كما يحتاج إلى إثارة
النشاط الجسمي والحركي والمعرفي. فإذا استطاع الوالدين أن يتعرفوا على
حاجاته، وان يستجيبوا لها بطريقة سديدة في الوقت المناسب ساعد ذلك على
تنمية علاقة إيجابية بينه وبين المحيطين به، علاقة قوامها الثقة في نفسه
وفي من حوله، كما يظهر ذلك في زيادة قدرته على تأجيل اشباعاته، وفي
الدفء والمرح الذين يشيعان في تعامله مع أعضاء أسرته. (إسماعيل، 1986، ص
ص 139 - 140) وبعد هذه المقدمة نتساءل عن أهم الجوانب التي تؤثر من
خلالها العاطفة الأسرية على نمو الطفل.
جعل القرآن الكريم العاطفة الأسرية منبعاً تتفرع منه العلاقات الأسرية، كما
في قوله تعالى(ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها
وجعل بينكم مودة ورحمة) الروم - 21، ففي هذه الآية المباركة إشارة إلى أن
العاطفة الأسرية ليست هي محض صدفة أو التقاء عابر عبر طبيعة الخلق أو
مسيرة الارتقاء بل إنها نابعة من وحدة التكوين الخلقي، وهذه الوحدة في
التكوين تساهم في تقوية الأواصر بين الجنس البشري، فالأصل التكويني الواحد
الذي أشار إليه القرآن هو المنبع الأول الذي تفيض منه مظاهر تلك العاطفة
الأسرية من خلال المودة والرحمة والمحبة الاطمئنان والاستقرار.
والعلاقات الأسرية التي تشتق من العاطفة تلعب دوراً كبير في توثيق والتحام
عناصر الأسرة الواحدة وتعمل على تفعيل وتقوية التماسك والتعاون بين
أعضائها، وتتبنى الركائز المشتركة التي تتواصل من خلالها عملية التوافق
والانسجام الأسري. فالعلاقة بين الزوج والزوجة هي علاقة حب وتعاون واحترام
وأمن واستقرار بل إن الوحدة في التكوين الخلقي هي سبب إلهي لإيجاد هذه
العلاقة بهذه الكيفية بين الزوج والزوجة.
و تؤثر العاطفة السرية تأثيراًً كبيراً وفعال على نمو الطفل في جميع جوانب
النمو. وهنا نشير إلى أهم تلك الجوانب و أكثرها أهمية في نمو الطفل، وهي:
أولاً: النمو الحركي:
يشير Hurlock في كتابه تطور الطفل ان النمو والتطور الحركي يسهــم في
جوانب عديدة في التكيف الذاتــي والاجتماعـي الأمثل للطفـــل.
ومن تلك الجوانب:
1- يسهم بدور كبير في تقبل المجتمع للطفل.
2- توفير أجواء من المرح والسرور حتى عندما يكون الطفل وحيداً.
3- التطور الحركي يقود إلى تطوير مشاعر الأمن الجسمي والنفسي عند الطفل.
4- المساعدة في تطور صحة جيدة عند الطفل.
5- التخلص من الطاقة الزائدة والتوتر والإحباط.
6- المساعـــدة فـــي تطويــــر استقــلال الطفــل واعتمـــاده علـى
نفســه (Hurlock،1981، P.19)
والسلوك الحركي بالرغم من اعتماده الكبير على عمليات النضج إلا انه يتأثر
كذلك بنوع استجابة البيئة لتلك الحركات التي يقوم بها الطفل فالحركة من
الممكن ان تضمحل أو لا يعاد التمرين عليها إذا وبـّخ الطفل من قبل والديه
أثناء قيامه بتلك المهارة الحركية، وكذلك فإن عدم حصول الطفل على
التعزيز المتوقع نتيجة قيامه بحركة صعبة قد يؤدي إلى عزومه عن معاودة
تكرارها مرة ثانية نتيجة إهمال الوالدين أو عدم التفاعل معه بجدية وحماس.
وبالرغم من أن هناك عوامل أخرى تؤثر على النمو الحركي لدى الطفل إلا اننا
نستطيع أن نبيّن أن العاطفة التي تشيع في أسرة الطفل وعلى الأخص العاطفة
الزوجية والعاطفة الأمومية تلعب دوراً كبيراً وقد تكون السبب الغير مباشر
الذي يؤدي إلى السبب المباشر المؤدي إلى عوق النمو الحركي مثل الغذاء.
فالغذاء ركن أساسي للنمو الجسدي للطفل وهو المصدر الأول لإمداد الطفل
بالطاقة اللازمة لمختلف نشاطاته وحركاته.
ففي دراسة لريبل شملت ستمائة رضيع وجدت الباحثة أن الأمهات اللواتي
يفتقدن إلى العاطفة الأمومية وإلى الاستقرار الانفعالي الأسري يعجزن على أن
يقدمن أمومة سليمة لأطفالهن. وهذا من شأنه ان يؤدي إلى نمطين عنيفين من
الاستجابات عند الرضع. هما الخلفة Negativism ويتميز بالامتناع عن الامتصاص
وفقدان الشهية وارتفاع ضغط الدم وتصلب عضلات الجسم وحبس الأنفاس والتنفس
السطحي غير العميق والإمساك، وأما النمط الثاني فهو النكوص أو الارتداد
Regression ويتميز بالهدوء الاكتئابي وفقدان الميل إلى الطعام، والنوم
الذي هو أقرب إلى الغيبوبة، وفقدان العضلات لقوامها الطبيعي وعدم انتظام
التنفس والاضطرابات المعدية والمعوية من قبيل القيء والإسهال (كونجر،1970،
ص197).
والأم التي لا تتمتع بعاطفة أسرية صحيحة وكما أشار إليها المنهج الإسلامي
التربوي في صورتها المتكاملة بأنها منبع المودة والمحبة والاستقرار والأمن
قد تكره ما تنطوي عليه العناية بالطفل من مشقة ومعاناة وما يترتب على
ذلك من رعاية وواجبات.
ويرى كونجر وآخرون أن هذه الكراهية قد تتبدى في تناول الرضيع بخشونة
وغلظة، أو من إيقاف عملية التغذية من قبل أن يحصل الطفل على الإشباع، أو
في أن يترك الطفل للبكاء فترة طويلة من قبل أن يقدر له الغذاء. في أمثال
هذه الحالات، يخبر الطفل شيئاً من الألم وشيئاً من اللذة مرتبطين بإمارات
الأم وبمنبه الجوع، فإن كانت منبهات الألم تتكرر بدرجة كافية ولفترة طويلة
من الزمن ترتب على هذا أن تصبح الأم إمارة ذات قيمة سلبية ورمزاً للألم لا
للذة. ولما كان الكائن العضوي (الطفل) يستجيب استجابة فطرية للألم هي
الابتعاد عنه وتجنبه، فإن الطفل قد يتعلم استجابة الابتعاد عن الأم لا
التوجه إليها.
ويخلص كونجر وآخرون إلى أن موقف التغذية هو موقف اجتماعي تتكون فيه
الاتجاهات الأساسية نحو الأم. وهذه الاتجاهات أما أن تكون إيجابية أو سلبية
أو مزيجاً متصارعاً من الإيجابية والسلبية وذلك بحسب مقدار العاطفة بين الأم
وطفلها(كونجر، 1970، ص 201).
وكذلك فيما يتعلق بنظم أوقات النوم وغيرها من المؤثرات التي تؤثر بصورة
مباشرة في النمو الحركي لدى الطفل حيث نجد أن العاطفة الأسرية تلعب دوراً
مهماً جعل تلك العوامل والمؤثرات المباشرة مساعدات على نمو سليم ومعافى
لنمو الطفل.
هذا من حيث نوعية العاطفة الأسرية أي كأن تكون إيجابية فتفيض بالمودة
والحب والطمأنينة والأمن أو تكون سلبية فتشيع القلق والتوتر والكراهية
بين أعضاء الأسرة الواحدة.
أما من حيث كميتها فقد لوحظ أن الطفل الأول يكون أكثر تقدماً في الجانب
الحركي من إخوانه الذين يولدون فيما بعد. فقد وجد مثلاً أن الطفل الأول
يحصل على درجات أعلى من الأطفال الذين يولدون بعده عند قياس تطورهم
الحركي بمقياس ((بيلي)) الحركي Bayley Motor Scale وعزا الباحثين تفوق
الطفل الأول في التطور الحركي إلى الفرصة الكبيرة التي توفر له الاتصال
بالوالدين أكثر من غيره. والاستفادة من اهتمامهما وانتباههما اللذين لا
ينازعه فيهما منازع. فمن المعروف بشكل عام أن الأمهات يمضين وقتاً أطول مع
الطفل الأول مما يفعلن مع الأطفال الذين يولدون بعد ذلك. ولا شك أن هذا
العامل يعتبر عاملاً مهماً من العوامل التي تساعد في تسهيل التطور الحركي،
ولا يصح إغفال أثره على الإطلاق (حسان، 1989، ص 184).
ثانياً: النمو الانفعالي:
يعرف الانفعال بأنه حدوث استجابة فسيولوجية على شيء من الشدة كأن تكون
زيادة مفاجئة من ضربات القلب، أو تعرق شديد أو انقباضات تقلصية لعضلات
الجهاز الهضمي، أو ازدياد ضغط الدم أو توتراً في الجهاز العضلي أو إفراز
لهرمون الأدرينالين وغيرها. بحيث يحدث هذا الارتباط مع شيء داخلي من قبيل
الحاجة أو الصورة البصرية أو الفكرة أو شيء من المنبهات الخارجية. والاسم
الذي نخلعه على الانفعال مثل حينما نقول انفعال الخوف أو الغضب أو الفرح
يتحدد بحسب محتوى الصورة البصرية أو طبيعة الحاجة الداخلية أو ما يدل
عليه معنى المثير الخارجي المؤدي لذلك الانفعال.
وأهم المظاهر الانفعالية التي يعانيها الأطفال هي:
الخوف:
وأهم مظاهره توتر في عضلات المعدة وشعور بالضيق والتوتر وهو أكبر عائق
يقف في سبيل نموهم الصحي النفسي السليم. وللآباء تأثير كبير في تعلم هذا
الانفعال، فبالرغم من أن بمقدورهم أن يساعدوا أطفالهم بالتغلب على
مخاوفهم إلا أنهم في الوقت نفسه يكون لهم دور سلبي باعتبارهم مصدراً
أساسياً لتلك المخاوف.
لقد أجريت العديد من البحوث وبيّنت أن الخوف مكتسب. والأطفال يتعلمون
الخوف في محيط الأسرة وهم يبدون استعداداً قوياً لالتقاط مخاوف آباءهم.
ويبدو هذا واضحاً في مخاوف مثل الخوف من الكلاب، والحشرات والعواصف
والرعد. (Hagman، 1932، P. 110).
وهناك طريقتان تنتقل بها مخاوف الآباء إلى الأبناء الأولى وهي التوحد أو
التماهي حيث يقوم الطفل بتقليد أو ادخال خوف والديه بصورة لا شعورية.
أما الطريقة الأخرى فهي التعلم الاجتماعي حيث يقوم الطفل بتقليد سلوك
والديه في انفعال الخوف بوعي وشعور. فالأم التي تخاف زوجها ويتحول هذا
الخوف إلى سلوك ذي مظاهر واضحة ومؤثرة على الطفل فإن الطفل قد يخاف
والده أيضاً إذا قلّد سلوك أمه وبذلك يغدو الأب موضع خوف وموضوع منفر ينتج
عنه سلوكيات خاصة تمثل الموقف الجديد للطفل تجاهه.
القلق:
إن جذور القلق توجد دائماً في العلاقات التي تقوم بين الأطفال ووالديهم في
المراحل المبكرة من حياة هؤلاء الصغار. فحينما تتذبذب العاطفة الأسرية بين
الوالدين والطفل أو تضمحل فعندئذ قد يستخدم الآباء العقاب القاسي أو
يقيّمون الطفل تقييماً سلبياً أو يقرّعونهم على كل ما يصدر منهم وحينما يكون
اتجاه الوالدين في تنشئة أبنائهم بهذا الشكل فإن الاحتمال الأكبر أن يصاب
الأبناء عندئـــذ بالقلق. فإن القلـــق الذي يترتــب على مثل هــذه
المعاملـــة السيئة يمكن ان ينقلب إلى خوف مقيـــم واضطراب مزمن
(إسماعيل، 1986، ص 254).
ثالثاً: النمو الاجتماعي:
التنشئة الاجتماعية هي العملية التي عن طريقها يسعى الآباء إلى إحلال
عادات، ودوافع جديدة محل عادات ودوافع كان الطفل قد كوّنها بطريقة أولية.
فالآباء يهدفون من خلالها إلى جعل أبناءهم يكتسبون أساليب سلوكية يرضى
عنها المجتمع وتتقبلها الثقافة المحلية التي ينتمون إليها. أما أكثر
الطرق استخداماً في اكتساب ألوان جديدة من السلوك فهي طريقة الثواب
والعقاب وطريقة الملاحظة وطريقة التقليد. وهذه الطرق أو العمليات ليست
مستقلة الواحدة منها عــن الأخرى بل هي على العكس متداخلة، وتكمل كل منها
الأخرى.
إن تقبّل الأم للطفل شرط ضروري لتنشئته تنشئة اجتماعية فعالة. ولنتوقـّف
قليلاً أمام مصطلح التقبّل الذي يتكرر بصورة كبيرة جداً في أدبيات التربية
وعلم النفس. ولنلقي نظرة سريعة على حيثيات هذا المفهوم في المنهج الإسلامي
التربوي.
فالأم لا تستطيع أن تقبل طفلها إذا كانت هي نفسها لم تتقبّل ذاتها وشخصيتها
وكينونتها، وفاقد الشيء لا يعطيه، لذا حرص القرآن أن يعيد للمرأة ومنذ
عصر الجاهلية الأولى كينونتها التي سلبت سواء عن طريق التخلف الحضاري أم
التخلف الفكري حتى استوى الأمر عند بعضهم إلى عقد مؤتمر في فرنسا عقد سنة
586 م يبحث عن كينونة المرأة : أتعد إنساناً أم غير إنسان؟ (طبّارة، 1981،
ص 357).
فتكوينياً اعتبر الإسلام المرأة أحد العنصرين اللذين يكونان المجتمع، قال
تعالى (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها
زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء) (النساء - 1).
واجتماعياً حرر الإسلام المرأة من النظرة الدونية التي كان ينظر بها
المجتمع إليهــــا معتبراً ذلك انحراف اجتماعـــي وحكــــم خاطئ، بقوله
تعالى (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم يتوارى من القوم
من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب، ألا ساء ما يحكمون)
النحل (58 - 59).
وسياسياً منحها حق البيعة وهو من الحقوق السياسية المهمة في الإسلام في
قوله تعالى (يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك علىأن لا يشركن بالله
شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين
أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور
رحيم) (الممتحنة - 12).
ووضعها أمام مسؤوليتها الإنسانية في بناء المجتمع وتقويمه كما في قوله
تعالى (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن
المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله، أولئك سيرحمهم
الله) (التوبة - 71).
ودينياً هي إنسان مكلّف بكل الواجبات وله كل الحقوق، وإيمانها هو المعيار
الأساسي الذي يتم من خلاله تقييمها بقوله تعالى (ومن يعمل من الصالحات من
ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيرا) (النساء -
124).
فتقبّل المرأة لذاتها جانب مهم وله تأثير كبير في عملية تقبّلها لطفلها
لكنه ليس الجانب الأوحد فهناك أيضاً جنس الطفل، حيث الميل الشائع لدى
الآباء هو الحصول على طفل ذكر، ويتحول هذا الميل إلى ضغط نفسي كبير حينما
تلد المرأة مواليد إناث، فتنفـّس عن ذلك الضغط النفسي من خلال السخط على
هؤلاءِ الإناث الوليدات لا لسبب سوى نقمتها عليهن إنهن لسنَ ذكوراً وقد عالجت
الآيتان (8-9) من سورة النحل هذا الموضوع، وفي السنة النبوية ومآثر الأئمة
المعصومين ودروسهم التربوية ما ألّف في الكتب والبحوث في تناول هذا
المجال. وهناك جانب آخر يتعلق بتقبـّل الأسرة لطفلها هي صعوبة الحياة
ومتطلباتها الكثيرة مع ندرة فرص العمل وقلة الأجور مقارنة بغلاء المعيشة
وعدم توفر السكن الملائم. وقد كانت صورة هذه الحالة متضخمة ومتجسدة بأقصى
درجاتها في الجاهلية كما جسدتها هذه الآية المباركة (ولا تقتلوا أولادكم
خشية إملاق نحن نرزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئاً كبيرا) (الإسراء - 31).
وإذا كان الوأد يمارس على الطفل نتيجة ظروف الحياة الصعبة آنذاك فإن نبذ
الطفل وحرمانه عاطفياً وعدم تقبله أسرياً هو وأد نفسي يمارس ضد الطفل وضد
مستقبله في الحياة.
بل أن هذا الحرمان العاطفي هو أشد من وأد الأطفال في الجاهلية لأنه يؤدي
إلى أن يتحول الطفل إلى كائن عدواني مضاد للمجتمع وخطراً على أسرته
والإنسانية.
ففي دراسة لسيموندز بيّن خصائص الشخصية والتوافق الاجتماعي لمجموعتين
الأولى تتكون من (31) طفلاً منبوذاً أي لا يتقبله والديه ولا يرتبطون معه
بعاطفة أسرية سليمة. وتتكون الثانية من (31) طفلاً مقبولاً أي يرتبط به
والديه بعاطفة أسرية سليمة. والأطفال المنبوذون هم أولئك الذين أخفقت
أمهاتهم وآباءهم في توفير الرعاية المناسبة لهم والحماية والعطف. ولقد
زاوج بين المجموعتين وساوى بينهما في الجنس والعمر والصف المدرسي
والخلفية الاجتماعية والاقتصادية والمستوى العقلي.
ولقد أظهر الأطفال في المجموعة المقبولة سلوكاً مقبولاً من الناحية
الاجتماعية بدرجة أكبر، وكانوا أكثر تعاوناً، ووداً، وأمانة، واستقراراً من
الناحية الانفعالية، وحزماً وسروراً. أما الأطفال في المجموعة المنبوذة
فكانوا غير مستقرين انفعالياً، وذوي نشاط زائد، وكانوا يسلكون أنواعاً من
السلوك تستهدف جلب انتباه الآخرين. وكانوا على وجه العموم أكثر حنقاً على
السلطة بما في ذلك والديهم، وأكثر تمرداً د النظم الاجتماعية والقواعد.
ولقد أظهروا اتجاهات جانحة واضحة، وأكثروا من الكذب والهروب من البيت،
والسرقة التشاجر (Symonds، 1939).
فالأطفال في الأسر التي يسودها عدم التوافق والانسجام بين الزوجين وتكثر
فيها المشاكل الزوجية يتحملون احباطات ومضايقات كثيرة ولا تشبع حاجاتهم
في كثير من الحالات إلا من خلال سلوك متطرف كالعدوان العنيف، والخضوع
التام، والأعراض العصابية. وفي ظل هذه الظروف يثاب السلوك غير المتوافق
اجتماعياً وغير الناضج، مباشرةً ويتم تعلمه.
وبما أن هؤلاء الأطفال يتقمصون ويقلدون شخصيات والديهم فيحتمل أن يختاروا
بعض أنماط سلوكهم غير المتوافق وغير السليم اجتماعياً. ولهذا فقد تفسـّر
الأعراض العصابية للأطفال ومشكلاتهم السلوكية على أنها نتائج للبيئة
المنزلية، أو على نحو أكثر تحديداً، لنقص الدفء الانفعالي، ونقص النماذج
الجيدة التي يتمثلها أو يتقمصها. وقد تكون هذه المتغيرات مقدمات هامة
للسلوك الجانح فيما بعد (كونجر، 1970، ص 489).
وفي جانب آخـــر تلعب حرارة العاطفة الأسرية دوراً هاماً في نمو شخصيـــة
الطفـــــل وخصائص السلــوك الاجتماعي ففي بحث قامـــت بـــه (بومرنيد)
وجدت أن الأطفال الذين يتميزون أكثر من غيرهم بالاعتماد على النفس والضبط
والاستقلالية، هم أولئك الذين يقوم آباءهم بممارسة الضغط عليهم، ويطلبون
منهم أداء واجباتهم دون أن يغفلوا عن إشعارهم دائماً بحرارة العاطفة
نحوهم، وتقبلهم كما هم وتشجيعهم باستمرار في كل مرة ينجحون فيها بأداء
واجباتهم (Baumrind، 1967، PP. 43 - 88).
رابعاً: النمو العقلي:
هناك عدة جوانب تتعلق بالنمو العقلي منها ما هو فسيولوجي وتؤثر فيه
العاطفة الأسرية بصورة غير مباشرة من خلال الغذاء والنوم وإجهاد التوترات
الانفعالية. ومنها ما هو نفسي ويتعلق بالعلاقة بين الحرمان العاطفي للطفل
والتحصيل الدراسي. ومنها ما يتعلق بالذكاء وسوف نلقي عليه بعض الضوء خلال
الأسطر التالية.
والذكاء هو حدة الحواس التي يتزود بها الإنسان حسب تعبير جالتون Galton
وعرّفه وكسلر Wechsler بأنه المقدرة الكلية للفرد الإنساني على التصرف
الهادف والتفكير العاقل والتعامل الكفء مع البيئة (حسّان، 1989، ص 301).
وتلعب العاطفة الأسرية دوراً كبيراً في تنمية الذكاء لدى الطفل من خلال
توفير الالعاب التي تتناسب ومرحلته العمرية وقضاء وقت معين مع الطفل
وتشجيعه على اللعب وحل المشكلات التي تعترض طريقه، وإجابته على الأسئلة
التي يطرحها، وإغناء لغته بالحديث معه بلغة معبرة ثرية في وصف البيئة
والحوادث بصورة صحيحة، ولا بأس من توفير فرص متعددة للاكتشاف والتعلم حتى
عن طريق المحاولة والخطأ وإقران كل ذلك بالحنان والعطف والمحبة مع حزم
وتعزيز. كل هذا يساعد الطفل على التفكير الدقيق المحدد وهو من أهم
القدرات العقلية ويخلق في نفسه حب العلم واستطلاع المحيط وتكوين أهداف
جيدة تحفزه على المثابرة من أجل تحصيل دراسي جيد.
وكاتجاه عام لدى أغلب الأسر فإنها تولي الطفل الأول من الحب والرعاية
الشيء الكثير كذلك فإنه يحصل على اهتمام كامل دون مشاركة أحد معه بينما
حينما تتعدد الولادات داخل السرة يتغير الوضع كثيراً. وقد وجد أحد
الباحثين Zajonc إن هناك علاقة كبيرة بين ترتيب الطفل في العائلة وبين
الذكاء والقدرة العقلية حيث توصّل إلى أن هناك علاقة عكسية بين ترتيب
الطفل ومستوى ذكاءه وعلل هذه النتيجة بأمرين الأول المستوى العقلي للأشخاص
الذين يتفاعل معهم في الأسرة وهم الأب والأم فقط، والأمر الثاني هو قيام
الطفل الأول بتعليم إخوانه الأصغر سنـّاً مما يوفر له فرصة سانحة لتطوير
قدراته وإمكانياته العقلية (Zajonc، 1975، PP. 37 - 43).
خامساً: النمو اللغوي:
أشرنا من قبل أن الأسرة هي العامل الأساسي في تشكيل سلوك الطفل والعامل
الأكثر أهمية في رعاية نموه اللغوي. فأول حافز صوتي للطفل هو صوت النطق
البشري. ويستجيب الطفل للأصوات البشرية منذ الأشهر الأولى بما يمتلكه من
قدرات على التمييزات الإدراكية الصوتية المطلوبة والضرورية لاكتساب اللغة،
فيبدأ بمحاكاة ما ينطق به من يحيطونه ولذلك يلعب الأبوان دوراً مهماً في
زيادة عدد الأصوات التي يطلقها الطفل من خلال الاستجابة للأصوات التي يطلقها
الطفل إضافة إلى تدعيمها باستمرار من خلال إشباع حاجاته وتكرار الأصوات
التي يحدثها، وتشجيعه على إحداث الأصوات والتلفظ بالكلمات والتفاعل
بينهما من خلال الحياة اليومية.
كذلك تشجيع الطفل على أن يكون مصغياً جيداً وتشجيعه على الكلام والتعبير
الحر الطليق وعدم الإلحاح في تصحيح أخطاءه اللغوية في بداية مشواره
اللغوي. وتشجيعه على سماع اللغة كتلاوة القرآن والقصائد الشعرية والقصص
والخطب من الناس أو من مصادر أخرى كالمذياع والتلفزيون والحاسوب … الخ
وتوفير مثيرات ثقافية وفكرية تساعده على النمو اللغوي والفكري والاجتماعي
كالمجلات والكتب والقصص التي تخص الأطفال.
إن طبيعة العلاقات الأسرية تلعب دوراً حاسماً في النمو اللغوي للطفل حيث يرى
(يات) أن العلاقات الأسرية الجيدة وخاصة علاقة الأم بالطفل سواء في مرحلة
اللغة أو مرحلة ما قبل اللغة تعتبر عامل أساسي لنمو التكوين الرمزي
والاكتساب الناجح للغة، وأن تذبذب هذه العلاقة يؤثر في عملية تعلّم اللغة
وبالمقابل فإن العلاقات الأسرية التي تخلو من العاطفة وتفتقر إلى عناصر
ديمومتها في تقبـّل الطفل والحنو عليه ورعايته قد لا تؤدي إلى تخلّف لغوي
فقط بل تقود أيضاً إلى اضطرابات الكلام، مثل التلعثم والتأتأة والتلفظ غير
الواضح، ويلاحظ أن العديد من الحالات الشديدة للتأتأة تظهر عند الأطفال
الذين تتسم علاقاتهم الأسرية بالتوترات الانفعالية (Hurlock، 1978، P. 83).
فالنمو اللغوي يتأثر بمدى اختلاط الطفل بأعضاء أسرته من خلال التفاعل
الأسري الصحيح وذلك لاعتماد النمو اللغوي على تقليد لغة الكبار والتي من
خلالها يكتسب الطفل مهاراته اللغوية (السيد، 1974، ص 49).
كذلك وجد براون أن تقبل الطفل والاهتمام به وتخصيص وقت كافي للحديث معه
ومشاركته لهوه وإجابته على استفساراته وأسئلته تؤثر على نمو الطفل
اللغوي وتجعله أوفر حظاً في اكتساب مفردات ومهارات لغوية جديدة وسليمة (
Brown، 1964، P. 73).
وكما وجدنا في جوانب النمو الأخرى أن كمية العاطفة التي تبرز من خلال
عاملي عدد الأطفال في الأسر وترتيب ميلاد الطفل تلعب دوراً حاسماً في النمو
اللغوي حيث وجد أن الطفل الوحيد في الأسرة يكون نموه اللغوي أسرع وأحسن
من الطفل الذي يعيش بين أخوته من الأطفال لاحتكاكه أكثر بالراشدين وهذه
النتيجة تنسحب على الطفل الأول الذي يعيش في أسرة صغيرة. وقد فسرت أسباب
تقدم الطفل الوحيد في الأسرة في نموه اللغوي إلى أنه يأتي من خلال توفر
فرص أكبر للارتباط بالراشدين (الأم والأب) ويتمتع بخبرات أوسع وفرص أكثر
للتدريب على استخدام اللغة كما أن الطفل الذي لا يشاطره أحد في الإصغاء
إلى أمه قادراً على التكلم بسرعة يلاحظ عليه نمو أسرع في لغته (Hurlock،
1978، P. 89).
وتؤثر العاطفة الأسرية بصورة غير مباشرة على النمو اللغوي من خلال تأثيرها
الفعال على الحالة الانفعالية للطفل كما بيّنا ذلك في النمو الانفعالي حيث
وجـــد أن النضج الانفعالي وثباته يسهل على الطفل تعلم الكلام، فالأطفال
الذين يعيشون بأمان وسعادة بعيدين عن القلق يتكلمون أحسن من الأطفال
الذين يعانون حالات انفعالية سلبية وذو شخصيات واضحة التمييز عن غيرها
بسبب تخلفها فذلك يعرقل نموهم اللغوي (هرمز، 1989، ص 141).
كذلك لاحظ الباحثون أن الطفل الذي ينمو في بيئة تفتقر إلى العاطفة الأسرية
كالمياتم والملاجيء ودور اللقطاء ومعاهد الأطفال يكون تخلفهم اللغوي كبيراً
وتتصف معظم عمليات اللغة لديهم بصفة عامة بالتأخر، وقد يلازم هذا التأخر
الطفل مدى الحياة.
وقد يشعر الطفل أن العاطفة الأسرية التي تغذيه مهددة بالانقطاع مع ولادة
طفل آخر أو نتيجة لتجاوزه مرحلته العمرية فقد يلجأ إلى وسيلة إطالة مدة
طفولته ومحاولة الاحتفاظ باهتمام الأم أو الوالدين أطول مدة ممكنة من خلال
التشبث بالأسلوب الطفولي في اللغة مما يؤدي إلى تعطل نموه اللغوي.
وتشير (مكارثي) إلى أن بعض صعوبات النطق مثل تأخر الطفل في الكلام أو
اللجلجة أو عدم وضوح الحروف أو الكلمات أو عدم القدرة على القراءة، كل
ذلك يمكن أن يكون نتيجة لمشكلات انفعالية كفقدان الشعور بالأمان، وقد يكون
السبب في فقدان الشعور بالأمان نتيجة توتر العلاقة بين الطفل والأم أو
الشعور بالنبذ من قبل الوالدين أو المستوى العالي في التحصيل الذي يفرضه
الأبوان ويعجز الطفل عن الوصول إليه. إضافة إلى عدم استقرار العاطفة بين
الوالدين والطفل خلال الفترات الحرجة لتعلم اللغة أو التوتر بسبب الغيرة
بين الأخوة والأخوات (هرمز، 1989، ص 163)
وعلى العمـــوم فقـــد لوحظ أن اضطرابات الكلام تكون شائعة بصـــورة
خاصـــة:
في الأسر التي يعاني فيها أحد الأبوين من حالة عصبية.
عندما تكون العلاقة بين الأبوين والطفل ضعيفة.
في الأسر التي يكون فيها الطفل مهملاً.
في الأسر التي ينتقد فيها الطفل ويطعن بصورة مبالغ فيها.
ويـــرى العديـــد من الباحثيـــن أن السبب النفســي العام لعيوب
الكـــلام يعـــود إلى :
العصبية والتوتر الانفعالي، حدة مشاعر الطفل، رغبة الطفل في جلب انتباه
العائلة، قلق الطفل نتيجة شعوره بالخيبة والحرمان (هرمز، 1989، ص 167)،
وكما نلاحظ فإن تلك الأسباب ترتبط بصورة قوية بالعاطفة الأسرية.
______________________________________________________________________
_
المصادر العربية
القران الكريم
1- إسماعيل،محمد عماد الدين وإبراهيم، نجيب اسكندر ومنصور،رشدي فام.كيف
نربي أطفالنا :التنشئة الاجتماعية للطفل في الأسرة العربية.القاهرة، دار
النهضة العربية،1974 م.
2- إسماعيل،محمد عماد الدين.التعلم. بيروت،دار الشروق،ط2، 1984م.
3- إسماعيل،محمد عماد الدين.الأطفال مرآة المجتمع ـ النمو النفسي
والاجتماعي للطفل. الكويت،المجلس الوطني للثقافة والفنون والأدب،سلسة عالم
المعرفة ع 99/ سنة 1986م
4-الحراني.تحف العقول.النجف الأشرف، المكتبة الحيدرية،الطبعة الخامسة،1380
هـ.
5- حسان،شفيق فلاح.أساسيات علم النفس التطوري0 بيروت، دار الجيل،ط1، 1989
م.
6- الشماع،صالح.ارتقاء اللغة عند الطفل من الميلاد إلى
السادسة.القاهرة،دار المعارف 1962 م.
7- الصدوق.من لا يحضره الفقيه.بيروت،دار صعب،1401 هـ.
8- طباره، عفيف عبد الفتاح. روح الدين الإسلا مي، بيروت، دار العلم
للملايين،ط 21، 19م
9- كونجر،جون وآخرون،سيكولوجية الطفولة والشخصية.ترجمة احمد عبد العزيز
سلامة وجابر عبد الحميد جابر.القاهرة،دار النهضة العربية،1970 م.
10- النوري.مستدرك الوسائل.طهران،المكتبة الإسلامية،1383 هـ.
11- هرمز،صباح حنا.سيكولوجية لغة الأطفال.بغداد،دار الشئون الثقافية،ط
1،1989م

المصادر الاجنبية:
1-Baumrind D.ChiId Care Practices. Genetic PsychoIogg
2-Brown،R.&BeI Iugi،V. Three Process in the chiId.s acquisition of
syutax. Harvard Ed. Rev. 1964.
3-BuhIer،C.،smitter،F.،&Richardson،S.ch:Idhood brobIems amd the
teacher.New York:HoIt،1952.
4-EscaIona،S.EmotionaI Dere Iopment in the first year of Iife.In
Senn،M.J.E.(Ed).Sixth con ference on probIems of infancy amd
chiIdhood.Josiah Macy.Jr.Faundation،1953،PP.11-92
5-Hagmam،R.R.Astudy of fears of chiIdren ofpreschooI age.JournaI of
experimentaI education،1932.1:PP.110-130.
6-HurIock،E،B. chiId deveIopmemt.New york، Mc-Graw HaI I book
compauy.1978.
7-Squier ،R..&Dunbar،F.EmotionaI factors in the course of
pregnamcy.psychosom.Med.1946،8،PP.161-175.
8-Ruepush،B.k.Anxicty.I n stevenson،H.w.(Ed.)،ChiId
9- Zajouc،R.B.Birth orderamd IuteIIigence:Dumberby the
Dozen.psychoIoyy Tody،1975،8،PP.37-43 psychoIogg(2nd Yearbook of the
NationaI society for the study of Edncation).Chicago،University of
chicag press،1963،PP.460-516.