يظل النجاح في أي مدرسة أو شركة مرهون بإدارتها ويقرن لقب
المدير بكل عمل ليضفي عليه سمة النجاح أو الفشل ، وفي أدبيات الإدارة إن
صح التعبير ، نجد أن العلاقة بين المدير والموظفين اكتسبت عبر الزمن
أدباً خاصاً يحتوي على قدر كبير من الإثارة والندرة .. لدرجة أصبح فيها
شخص المدير محوراً أساسياً لأي حديث ذو شجون ..!
ولا شك أن القاعدة في النجاح هي أن كل عمل ناجح وراءه
مدير ناجح وكل مدير ناجح وراءه طاقم ناجح .. وهكذا فهى مسألة يسند فيها
النجاح النجاح .. لتكون النتيجة النهائية لتكاتف الجهود إبداع إداري ..
وفي التحقيق المثالى نستطلع ونستقصي معاً مقومات النجاح
والفشل في الإدارة عبر حديثناً عن السيد المدير :
فالمدير غالباً هو الشخص الأكثر خبرة في العمل ، صاحب
سلطة القرار في الشركة أو المؤسسة ، هو أيضاً صاحب أعلى راتب ، له أفضل
المميزات التي لا يستطيع الموظف العادي الحصول عليها ، وذلك مقابل إشرافه
على سير العمل داخل مؤسسته وتطويره ،مما يجعله موضع حسد وأحياناً سخرية
الكثير من مرءوسيه ، الذي يرى البعض منهم أنهم يعملون أكثر منه ويحصلون
على أقل منه ، والبعض الآخر يرى أنه أفضل من المدير ولو لا الحظ العاثر
لكان في ذلك الموقع المميز البرّاق .
والمدراء أشكال وأنواع مختلفة فمنهم المتسلط ، المراوغ ،
والمُحبِط ، لذلك أصبحت تصرفاتهم مادة خصبة لتعليقات الموظفين ، فمثلاً
يطلق موظفو إحدى الشركات على مديرهم ذو العلاقات النسائية الواسعة (
مونيكا جونز ) دمجاً لاسمي( مونيكا لوينسكي) و(بولا جونز ) ، ويطلق على
آخر ( زوج الشحرورة ) لأنه دميم وزوجته جميلة جداً ( وتعتبر هي المدير
الفعلي للشركة لضعفه أمامها) ، ويطلق على ثالث ( على بابا ) وهو مصطلح "
أرادي " يقصد به الحرامي أي أنهم يشكون في ذمة مديرهم .
لكن بالطبع هنالك مدراء مريحون يعملون على توفير جو عمل
مريح لمرءوسيهم لإيمانهم بأنك إذا عملت على راحة الموظف فإنه سوف ينتج
ويعطي أفضل ما عنده وسوف يكون ولاءه لعمله داخل المؤسسة ، وهم غالباص
أناس طيبون لا تسعدهم تعاسة موظفيهم فيعملون على حل مشاكل الموظفين وعلى
راحتهم ، وهنالك أيضاً مدراء عكس النوع الأول يسببون المشاكل ولا
يحلونها ، فصاروا كابوسا مزعجا لمرءوسيهم ، فأي نوع من المديرين أنت أو
أي نوع منهم مديرك .
الجمل بما حمل :
( أبو محمد ) موظف جديد باحدى الشركات يقول : مديري
الحالي رجل كبير السن طيب القلب طالما أنك تؤدي عملك على أكمل وجه فهو لا
يسألك ، أما مديري السابق ( الله يحفظنا ) فهو (عقدة ) يتعامل معنا كأننا
أدوات من أدوات المكتب كالكمبيوتر والتلفون ويتوقع منك أن تحضر له لبن
العصفور في التو واللحظة إذا طلبه منك ، وهو يعتقد أن كل الموظفين على
وجه الأرض مراوغون مخادعون لا يعملون بضمير لذلك يجد متعة منقطعة النظير
في معاقبة الموظف ، وشعاره دائماً أشغل الموظف بالعمل الدائم حتى يقع
مغشياً عليه ، لذلك تركت له الشركة ، ولم أكن الأول أو الأخير الذي يترك
العمل بسببه فكل الذين يعملون معه لفترة يتركون له الجمل بما حمل .
أما ( ناجي )فيقول أن مديره محير ، لأنك لا تعلم متى
سينفجر ! إنه يثور فجأة ويخمد فجأة ليتحول إلى حمل وديع ويتراجع عن كل
قراراته التي أصدرها ساعة ثورته ، والويل لك إن لم تنفذ قراراته حين
ثورته ، والويل لك أيضا بعد أن يهدأ إن وجدك نفذت قراراته التعسفية بحجة
أنك من المفترض أن تكون قد عرفت طبعه فيجب ألا تنفذ ما كان يقول ساعة
غضبه .
ذو حاجة مضام
ويذكر ( علي ) أن مديره شخصية عسكرية فهو يعلق على لبسك
ونظافة مكتبك ودقة مواعيدك وإن ارتكبت أبسط الأخطاء يعتقد بأنك أفسدت
نظام الكون ويجب أن تعقد لك محاكمة عسكرية وتعاقب بأشد أنواع العقاب
لتكون عبرة لمن يعتبر من الموظفين ، والغريب جداً أنه لا يفقه شيئا في
العمل وإن فهم فهو متعب وإن لم يفهم فهو متسلط ، دائم الغضب لا يحب أحداً
، يفرح الموظفون لمرضه ويوم غيابه هو يوم عيد تنفرج فيه الأسارير وتهل
البشائر على الشركة ، لذلك لا يعمل تحت إدارته إلا ذو حاجة مضام أغلقت في
وجهه كل الأبواب ، فلم يجد غيره يعمل تحت إدارته .
ولكي تنجح في عملك فعليك ، معرفة نفسية المديرين وكيفية
التعامل مع كل نوعية منهم وهم كثر :
المحبط :
هو شخص متسلط لا يثق في كفاءة مرءوسيه ولا يتخيل أن هناك
أي إمكانية لتطورهم فهم ضّيقو الأفق في نظره ، متمارضون ، كسالى ، كثيرو
الغياب لأسباب غير مقنعة دائماً في نظره ، هذا النوع من المديرين ليس
لديه أي رغبة في التعرف على موظفيه فهو لديه فكرة مسبقة عنهم ، لا يهمه
سوى إنجاز العمل دون مراعاة لظروف مرءوسيه ويعامل الموظف على أنه آلة يجب
أن تعمل طوال الوقت ، ويشغله بمهام ليست لها علاقة بالعمل ، عادة ما يكتب
تقارير ظالمة عنه ، وجوده يشيع جواً من السخط وعدم الرضا والأمان
والاستقرار في محيط العمل ويثير التذمر بين المرءوسين وهو أسوأ أنواع
المديرين فلا تسمع منه كلمة شكر أو تشجيع ، ولا تجد منه مساعدة أو مكافأة
، لا تنفع معه أي محاولة لكسب وده ، وإن كان هذا النوع هو صاحب مؤسسة
نفسها فعلى الموظفين السلام .
المرواغ :
أما الثانى فهو يمنيك بوعود وردية لا تُنجز أبداً ، فإن
طلبت علاوة أو مكافأة فإنك لن تقبض منه سوى الوعود ، وسيدخلك في متاهات
لن تخرج منها ، وأعذاره التي هي عبارة عن مسكنات جاهزة دائماً منها أن
الميزانية لا تسمح حالياً ولكن في القريب العاجل – الذي لن يأتي أبداً –
أو قد يوحي لك بأن طلبك قد يؤثر على الميزانية العامة للبلد فعليك
الانتظار حتى تجاز من مجلس الوزراء – لكي لا توصف بعدم الوطنية – فهذا
النوع لبق ، حلو الحديث ، كثير الوعود وربما بالصبر والملاحقة قد تظفر
منه بشيء ولو أقل القليل .
الوصي :
يعتبر نفسه في مقام والدك – غالباً ما يكون كبير السن –
فهو يعرف مصلحتك أكثر منك وهو ليس سيء النية إنما هو ناصحك الأمين الذي
يرى ما لا تراه ، فهو يتعامل معك كأنك قاصر غير راشد ، فإذا طلب أحد
المسئولين نقلك إلى موقع أو منصب آخر فهو يرفض نيابة عنك لأنه يعتقد أن
موقعك الحالي هو الأفضل لك ، فالتعامل مع هذا النوع يكون بأن تشبع رغبته
الأبوية وأن تطلب نصيحته وتتظاهر بأن المؤسسة دائماً في حاجة لخبرة
أمثاله ، حتى تكسب ثقته ، فإن أثبت له بأنك غير قاصر ، فثق بأنك لن تجد
منه أي عون فأنت لست قاصرا إذا فأنت لست بحاجة إليه .
الثائر :
نوع لا يصنف ليس سيّئاً ولا جيداً فهو وسط ، يثور لأبسط
الأسباب لأنه منظم ولا يقبل بالأخطاء لكنه قابل للإقناع في كثير من
الأحوال خاصة بعد زوال أسباب ثورته فإذا صادفته رائق المزاج يناقشك
ويستمع إليك ويتقبل وجهة نظرك ويرجع عن قراراته المتسرعة التي اتخذها في
لحظة انفعاله ، فإن قبلت بعيبه تصبح العلاقة بينكما نموذجية .
الموضوعي :
هو أفضل أنواع المديرين وهو نوع منقرض أو نادر ـ بأحسن
الفروض ـ في العالم العربي ، لأنه يؤمن بالديمقراطية في العمل أو الإدارة
، ويتصف بالمرونة والموضوعية ويحب الموظف المجتهد والمبتكر ، ويرغب في
التجديد الدائم في أساليب العمل لمصلحة المؤسسة ، ملم بأساليب وأهداف
العمل واحتياجات الموظف ، يعمل على حل مشاكل الموظف التي تعوق العمل ،
ويحاول إيجاد الحلول المناسبة لمشاكل مؤسسته بأقل جهد وتكلفة .
التفاعلي :
ويبين الدكتور / محمد خالد استشاري الطب النفسي بالرياض
بأن هنالك العديد من أنماط القيادة فهناك المدير ذو السلوك الموجه (
ديكتاتورية الإدارة ) وهي علاقة أحاديّة الاتجاه حيث يصدر المدير الأمر
وعلى المرءوسين التنفيد ، وهنالك المدير ذو الطابع التفاعلي ( درجات من
ديمقراطية الإدارة ) وهي علاقة ثنائية الاتجاه حيث يناقش المدير القرارات
مع المرءوسين قبل إصدارها ويستمع إلى أفكارهم وتوقعاتهم ويقوم بالمساعدة
والدعم بعد أخذ القرار ، ويعتمد نجاح إحدى الطريقتين على طبيعة المرءوسين
من حيث درجة النضوج والتعليم والقدرة على قبول الاختلاف والتحمس للعلم
واستعدادهم لتحمل المسئولية ،
المدير الناجح :
ويضيف الدكتور / خالد ، بأن من أهم عوامل نجاح المدير
عمله على تحسين ظروف العمل وتطبيق مبدأ الأجر المتكافئ ووضع المرءوسين في
الوظيفة المناسبة التي تتناسب مع قدراته وتطوير أعضاء المؤسسة باستمرار
وكذلك يعتمد نجاح المدير على قدراته على اتخاذ القرار الصحيح في وقت
الأزمات والشدة وبذلك يشعر العاملون بالأمان في ظل إدارته . ويقاس نجاح
المدير بتحقيقه أهداف أكبر من المتوقع خلال فترة زمنية قصيرة ، ولا بد من
توفر بعض الصفات في شخصية المدير ليكون ناجحاً مثل الإصرار والصبر
والقدرة على تحمل الضغوط والتعامل مع الضغوط والاتزان والقدرة على إدارة
الصراع ، وقد يكون المدير أقل كفاءة مهنية من بعض المرءوسين ولكن نجاحه
يعتمد على استيعابه لذلك ، ومحاولة الاستفادة من تلك الخبرات وأخذ آرائهم
بطريقة تدفع العمل إلى الأمام ولا تعوق التطور وتوجيه هذه الخبرات لصالح
العمل وليس للتنافس معهم على مركز القيادة ، كذلك فإن اختيار المدير عمل
هام جداً وكل إدارة عليها التدقيق في الاختيار للوصول إلى أفضل العناصر
وأن تتأكد أن هذا الاختيار سيلقى القبول أو على أدنى تقدير درجة من
القبول لدى المرءوسين ، ثم يبدأ دور المدير بعد ذلك بإقناع المرءوسين
بقدراته وكفاءته بإدارة العمل .
المدير الفاشل :
ويؤكد الدكتور / حلمي ، أن من أخطر عوامل الفشل عدم قدرة
المدير على إقناع مرءوسيه بقدراته وإحساس المرءوس بأنه أكثر خبرة و كفاءة
من مديره بحيث تتكون لدى المرءوس القناعة بأن قرارات المدير غير ناجحة
وتتكون لديه رغبة داخلية لإثبات فشل المدير وتحطيمه فينخفض الدافع للنجاح
ويقل الإنتاج خاصة إذا كان المدير يحاول رسم صورة زائفة لذاته ( الثقة
الزائدة عن الحد ) مع عدم وجوده ما يبرر هذه الثقة كعدم إلمامه بأصول
العمل وقوانين الإدارة التي يقودها وعدم تكافؤ الأجور مما يؤدي إلى تفاقم
الصراعات بين أعضاء فريق العمل ، وعلينا أيضاً أن نضع في اعتبارنا شخصية
المدير فمثلاً وجود سمات اندفاعية أو عاطفية أو اعتمادية أو تجنبية عادة
ما تعوق المدير وتقلل من درجة نجاحه فالشخص الذي يتجنب المقابلات ولا يحب
الاجتماعات فلن يتمتع بنجاح إدارى مهما كانت قدراته الفنية أو المهنية .
إذا فالمدير يشبه قائد الأوركسترا فهو لن يستطيع أن ينجح
دون مشاركة أعضاء الفرقة ( العازفين ) مشاركة إيجابية فعالة وعليه أن
يوظف كل عضو في مكانه المناسب تماماً وبالتعاون والمشاركة والتناغم تنجح
سيمفونية العمل . |