" حرية الذين لا يعلمون "
لزكي نجيب محمود
لقد قيل إننا إذا أردنا الكشف عن الاهتمامات الحقيقية التي تشغل شعباً معيناً من
الشعوب ، فما علينا إلا أن نراجع ما كتبه الكاتبون من أبناء ذلك الشعب ، لنرى أي
الأفكار يتردد أكثر من سواه ، فيكون هو موضع الاهتمام الأول .
في ظني أننا إذا أردنا راجعنا صحائف حياتنا الأدبية والفكرية منذ أواخر القرن
الماضي حتى اليوم لم نجد كلمة تنافس كلمة
الحرية في ترددها على أقلام الكتاب
وألسنة الخطباء والمتحدثين ، فالحرية إذن كانت هي قضيتنا الأولى وقضيتنا الكبرى
لكن المتعقب لمسار هذه القضية في حياتنا لا يتعذر عليه أن يرى
كيف أخذت فكرة
الحرية تزداد مع الأيام في تصورنا لها اتساعاً
وعمقاً ، فبدأت بأن
يكون للمصريين حق الشورى في أمور بلدهم ثم جاء المحتل البريطاني فأصبحت الحرية
السياسية بمعنى التحرر من المستعمر الأجنبي هي الشغل الشاغل لأصحاب الرأي وحملة
القلم ، إلى أن عبئت بها النفوس فتفجرت بثورة 1919م ثم لم نلبث أن أخذنا نسمع دعوة
في أثر دعوة لضروب أخرى من الحرية غير مجرد التحرر من المستعمر , كحرية الاقتصاد
الوطني وحرية المرأة وحرية الفنان والأديب وهكذا أخذ تيار الحريات يتصاعد قوة وتنوعا إلى أن جاءت ثورة 1952م ففتحت أبواباً واسعة لحريات أخرى اجتماعية تحرر الفلاح
من
تسلط
صاحب الأرض
وتحرر العامل من تحكم صاحب العمل .
لكن نظرة فاحصة مدققة في تلك الحريات بكل فروعها , كفيلة أن تكشف عن حقيقة
لها خطرها , وهي أن أهدافنا من تلك الحريات كادت تنحصر
(تتحدد) في الجانب السلبي
(أي الضار)
وحده بمعنى
أن تكون المطالبة بالحرية مقصورة على التحرر من قيود تكبلنا
(تقيدنا)
في هذا الميدان أو
ذاك كالتحرر من الاحتلال البريطاني وتحرر المرأة من طغيان
(ظلم ، جور) الرجل
وتحرر العامل
الزراعي من استبداد مالك الأرض وتحرر العامل الصناعي من تحكم صاحب رأس المال وتحرر ذا من كَيت بعبارة أخرى أوشكت كل جهودنا المبذولة طلبا للحرية أن تنحصر في
الأغلال وتحطيم القيود وهو أمر واجب ومطلوب .
لكن الأغلال كلها إذا فكت والقيود جميعها إذا حطمت يبقى بعد ...
ذلك أهم جانب من جوانب الحرية وهو الجانب الإيجابي الذي يتصل بقدرة الإنسان على
أداء عمل معين ، إذ ترتبط تلك القدرة ارتباطاً وثيقاً بمقدار ما عند العامل من معرفة بما يريد أن يؤديه .
ولست أظن أن التحرر من الأغلال والقيود ، في مستطاعه
(قدرته) وحده أن يذهب بالمتحرر منها
شوطاً بعيداً ؛ لأنه في حقيقته لا يزيد على أن يفتح باب السجن لينطلق السجين حراً
بالمعنى السلبي للحرية ، أي أنه لم يعد مغلول الحركة مقيد الخطى ولكن ماذا بعد ذلك
، ماذا يصنع ليحيا ؟ ها هنا تبدأ الحرية بمعناها الإيجابي الذي لابد فيه من قدرة الإنسان على أداء عمل ما ،
ولا قدرة في أي ميدان إلا لمن عرف حقيقة ذلك الميدان
وما يتعلق به .
قارن طفلا أمامه ورقة وفي يده قلم , ظفر بهما بعد بكاء عنيد قارنه بفنان أمامه لوحة
وألوان وفي يده الفرشاة ، فالطفل حر في أن يخط بالقلم ما شاء أن يخطه على الورقة ،
والفنان حر في أن إقامة بنائه اللوني على اللوحة لكن ما أبعد الفرق بين حرية وحرية
! لقد أزيلت الموانع التي كانت تحول دون حصول الطفل على ورقة وقلم ، فلما بلغ مراده
وكان حراً ، انطلقت تلك الحرية المجنونة تشخبط الخطوط على
الورقة بلا هدف ، أما الفنان العارف بأسرار فنه ، فقد استطاع بحريته المقيدة
بقواعد الفن وأصوله ، أن يبدع ما قد يضاف إلى كنوز الجمال .
وتسأل الآية الكريمة (هل يستوي الذين يعلمون
والذين لا يعلمون)
والجواب الذي
تمليه البديهة أنهما لا يستويان ، على أن ما أراد أن يفصل القول في الفوارق بين
الجماعتين كلتيهما ، ينبغي له أن يذكر بين تلك الفوارق أن حق الحرية بمعناها
الإيجابي المنتج مقصور على أولئك الذين يعلمون أو هكذا تقضي الحكمة بأن يكون
.
اللغويــات :
- الكشف : البحث
- معيناً : محدداً
- الأفكار : م فِكْر أما فكرة ج فِكَر
- ظني : اعتقادي ، افتراضي ج ظنوني × يقيني
- صحائف : أوراق م صحيفة
- تنافس : تباري ، تنافس ، تضارع ، تضاهي
- المتعقب : المتتبع
- مسار : أي طريق
- يتعذر : يشق ، يصعب ، يتعسر
- الشورى : تبادل الرأي ، المشاورة × الاستبداد
- لم نلبث : لم نتأخر ، لم نبطئ
- لضروب : أنواع م ضَرب
- تسلط : تحكم ، سيطرة ، هيمنة
- فاحصة : مدققة ، متأملة × سطحية
- مدققة : فاحصة متأملة × سطحية
- كفيلة : ضامنة ، مسئولة
- تنحصر : تتحدد
- السلبي : أي الضار × الإيجابي
- تكبلنا : تقيدنا × تحررنا ، تأسرنا
- طغيان : استبداد ، تجاوز الحد في الظلم
- استبداد : ظلم ، تعسف ، جور ، تحكم ، سيطرة
- كيت : كناية عدد عن قصة أو حدث
- الأغلال : القيود م غُل
- الإيجابي : أي النافع ، الفعال × السلبي
- وثيقاً : قوياً ، محكماً ج وثاق
- مستطاعه : قدرته × عجزه
- شوطاً بعيداً : أي قدراً كبيراً
- مغلول الحركة : مقيد
- قدرة : استطاعة
- ظفر : نال × فقد ، خسر
- بكاء عنيد : أي شديد
- يخط : يكتب × يمحو ، والمقصود : يشخبط
- أزيلت : محيت ، مسحت
- الموانع : العوائق م المانع
- مراده : مطلبه ، غايته
- يستوي : يتساوى ، يتماثل × يتفاوت ، يتباين
- البديهة : حضور الذهن
- يفصل القول : يحسمه ، يقطعه
-
الفوارق
: الاختلافات التي تميز أمراً عن أمر
م
الفارق .
س & جـ
س1 : كيف
نكشف الاهتمامات الحقيقية لأي شعب ما ؟
جـ :
نكشف الاهتمامات الحقيقية لأي شعب ما عندما نراجع ما كتبه الكاتبون من أبناء هذا
الشعب ، وعندما نرى أي الأفكار يتردد أكثر من غيره فيكون هو موضع الاهتمام الأول لهذا الشعب
س2 :
ما
موضع الاهتمام الأول لصحائف حياتنا الأدبية والفكرية منذ أواخر القرن الماضي حتى
اليوم ؟
جـ :
موضع الاهتمام الأول : قضية الحرية
.
س3 : دلل
على أهمية قضية الحرية وأنه لا منافس لها .
جـ :
الدليل : أننا
لم نجد كلمة تنافس كلمة (الحرية) في ترددها المستمر على أقلام الكتاب وألسنة
الخطباء والمتحدثين
،
فالحرية إذن كانت هي قضيتنا الأولى وقضيتنا الكبرى .
س4 :
تتبّع مراحل تنامي وصعود تيار الحرية في مصر .
جـ :
أخذت
فكرة الحرية تزداد
مع الأيام - في تصورنا لها - اتساعاً وعمقاً ، فبدأت بـ
1 -
أن يكون
للمصريين حق الشورى في أمور بلدهم .
2 -
ثم جاء
المحتل البريطاني فأصبحت الحرية السياسية بمعنى التحرر من المستعمر الأجنبي هي
الشغل الشاغل لأصحاب الرأي وحملة القلم ، إلى أن عبئت بها النفوس فتفجرت بثورة
1919م .
3 -
ثم أخذنا نسمع دعوة في أثر دعوة لضروب
(أنواع)
أخرى من
الحرية غير مجرد التحرر من المستعمر , كحرية الاقتصاد الوطني وحرية المرأة
وحرية الفنان والأديب وهكذا أخذ تيار الحريات يتصاعد قوة وتنوعاً .
4 -
إلى أن
جاءت ثورة 1952م ففتحت أبواباً واسعة لحريات أخرى اجتماعية تحرر الفلاح من تسلط صاحب
الأرض وتحرر العامل من تحكم
صاحب
العمل .
س5 : ما
الحقيقة الخطيرة التي تكشف عنها النظرة الفاحصة المدققة لتلك الحريات ؟
جـ :
الحقيقة
الخطيرة
:
أن
أهدافنا من تلك الحريات تكاد تنحصر (تتحدد) في
الجانب السلبي (أي
الضار) وحده
بمعنى أن تكون المطالبة بالحرية مقصورة على التحرر من قيود تكبلنا (تقيدنا) في
هذا الميدان أو ذاك فقط .
س6 : وضح بأمثلة الجوانب السلبية عند البحث عن الحرية .
جـ :
هو أن تكون الحرية مقصورة على التحرر من القيود التي تكبلنا في ميدان أو آخر مثل :
التحرر من الاحتلال البريطاني
- تحرر
المرأة
من
طغيان (ظلم
، جور) الرجل
- تحرر العامل الزراعي من استبداد مالك الأرض - تحرر العامل الصناعي من تحكم صاحب
رأس المال - تحرر ذا من كَيت بعبارة أخرى أوشكت كل جهودنا المبذولة طلباً للحرية أن
تنحصر في الأغلال وتحطيم القيود وهو أمر واجب ومطلوب .
س7 : ما أهم جانب من جوانب الحرية ؟
جـ :
أهم جانب من جوانب الحرية
:
الجانب الإيجابي .
س8 : كيف نصل إلى الجانب الإيجابي في الحرية ؟
جـ :
وذلك عندما
يتصل ذلك الجانب بقدرة الإنسان على أداء عمل معين ، إذ ترتبط تلك القدرة ارتباطاً
وثيقاً بمقدار ما عند العامل من معرفة بما يريد أن يؤديه .
س9 :
علل
: التحرر من القيود والأغلال ليس معناه الانطلاق الشديد إيجابياً بالإنسان المتحرر
.
جـ :
لأنه في حقيقته لا يزيد على أن يفتح باب السجن لينطلق السجين حراً بالمعنى
السلبي
للحرية ، أي أنه لم يعد مغلول الحركة مقيد الخطى بعد هذه الخطوة لابد أن يعرف ماذا
سيفعل بعد ذلك؟ وماذا سيصنع ليحيا ؟ ها هنا تبدأ الحرية بمعناها
الإيجابي
الذي لابد فيه من قدرة الإنسان على أداء عمل ما ، ولا قدرة في أي ميدان إلا لمن عرف
حقيقة ذلك الميدان وما يتعلق به
.
س10 :
قارن الكاتب بين الحرية بمعنييها السلبي والإيجابي . وضح .
جـ :
الحرية بمعناها السلبي تتمثل في : الطفل الذي استطاع أن يحصل على ورقة وقلم بعد
بكاء عنيد فهو حر في أن يخط ما يشاء من خطوط دون هدف أو معرفة لازمة للخط .
-
أما الحرية بمعناها الإيجابي فتتمثل في : الفنان الذي يملك نفس الأدوات
العارف
بأسرار فنه ، فقد استطاع بحريته المقيدة بقواعد الفن وأصوله ، أن يبدع ما قد يضاف
إلى كنوز الجمال .
س11 : ما الفارق بين الذين يعلمون والذين لا يعلمون ؟
جـ : الفارق أنه ينبغي أن يقتصر حق الحرية بمعناها الإيجابي المنتج على أولئك الذين
يعلمون .
تدريبات
1
(لقد
قيل إننا إذا أردنا الكشف عن الاهتمامات الحقيقية التي تشغل شعباً معيناً من الشعوب
، فما علينا إلا أن نراجع ما كتبه الكاتبون من أبناء ذلك الشعب ، لنرى أي الأفكار
يتردد أكثر من سواه ، فيكون هو موضع الاهتمام الأول .. في ظني أننا إذا أردنا
راجعنا صحائف حياتنا الأدبية والفكرية منذ أواخر القرن الماضي حتى اليوم لم نجد
كلمة تنافس كلمة الحرية في ترددها على أقلام الكتاب وألسنة الخطباء والمتحدثين).
(أ) - ما مرادف (سواه)
وما مضاد (أواخر)؟
وما مفرد (صحائف)
؟
(ب) - ما فائدة مراجعة ما كتبه الكاتبون من أبناء هذا الشعب ؟
(جـ) - وضح كيف تصاعد تيار الحرية في مصرنا .
(د) - بمَ يوحي التعبير بـ(لم نجد كلمة تنافس كلمة الحرية في ترددها) ؟
(هـ) - ما رأيك في شعار " أنت حر ما لم تضر " من خلال فهمك للدرس ؟
2
(ثم
لم نلبث أن أخذنا نسمع دعوة في أثر دعوة لضروب أخرى من الحرية غير مجرد التحرر من
المستعمر , كحرية الاقتصاد الوطني ..).
(أ) - اختر الإجابة الصحيحة مما بين القوسين :
- مرادف (أثر):
(عقب - بقية - تمثال - مفاضلة)
- مفرد (ضروب):
(ضارب - مضرب - ضرب - ضاربة))
- جمع (أخرى)
: (أخروات - أواخر - أخريات - أخراء)
(ب) - كيف نصل إلى الجانب الإيجابي في الحرية ؟
(جـ) - بمَ يوحي التعبير (نسمع دعوة في أثر دعوة) ؟
(د) - قارن الكاتب بين الحرية بمعنييها السلبي والإيجابي . وضح .
(هـ) - ما الذي جاءت به ثورتي 1919م و 1952م ؟