أحكام الجنين المعاصرة في الفقه الإسلامي إعداد الدكتور رشاد صالح رشاد زيد الكيلاني مقتطفات الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم بنورك اهتدينا، وبفضلك استغنينا، وفي كنفك أصبحنا وأمسينا، أنت الأول فلا شيء قبلك، وأنت الآخر فلا شيء بعدك، نعوذ بك من الفشل والكسل، وبعد:- فإن هذه الوريقات هي خلاصة ما تمخضت عنه هذه الدراسة أضعها بين يدي سماحة مفتي المملكة الأردنية الهاشمية فضيلة الشيخ نوح القضاة نفع الله بعلمه، وبين يدي أصحاب الفضيلة المفتين بدائرة الإفتاء العام والأخوة الباحثين، وعموم الحضور الكرام، فإن أصبت فيها فمن الله تعالى، وإن أخطأت فمني وأستغفر الله تعالى عما بدر مني من الخطأ، وهي مرتبة بالتسلسل حسب تسلسل الرسالة الموضوعي :-
الفصل التمهيدي : حقيقة القضايا الحديثة المعاصرة. أولاً: القضايا الحديثة المعاصرة هي عنوان التطور الشامل في هذا الزمان وفي كل زمان، ومهما تعاقبت الأزمان، ولم يكن فقهاء الإسلام ليقفوا مكتوفي الأيدي، شادهي الأبصار –أمام هذا التطور الذي ناخت وتنوخ فيه القوانين الوضعية القاصرة- وهم الذين يملكون الكتاب والسنة أولاً، ثم ذلك الإرث العظيم من خزانة الفقه والفقهاء التي ما انفكت وما فتئت تشكل المعين الذي لا تنضب ذخائره وكنوزه. ثانياً: لا يمكن الحكم على صحة مستجدات الميادين العلمية الطبية من داخل دائرة العلم ذاته، إذ لا بد من نهضة علمية شرعية فقهية اجتهادية أخلاقية تدرس الإنعكاسات العملية الكثيرة جداً لتلك المستجدات وفق أصول الشريعة وضوابطها وقواعدها على الاستمرار والديمومة، دون توقف أو كلل و ملل أو تشنج وتعصب. الباب الأول الجنين تعريفه ووقايته الفصل الأول: التعريف بالجنين وأطواره وأهليته. المبحث الأول: ذكرت تعريف الجنين لغة واصطلاحاً من المذاهب الفقهية الأربعة، ثم خلصت لاتجاهات أربع في تعريف الجنين استخلصتها من فحوى تعريفات الفقهاء وهي كالآتي: اعتبار الاستتار بغض النظر عن تخلق الجنين من عدمه، أو التصور من عدمه؟ اعتبار التخلق هو الأساس؛ أي أن الجنين ما يتبين منه شيء من خلقه الآدمي. اعتبار أول الأطوار، فالجنين هو الحمل من أول أطواره، ويقصدون العلقة فما فوق. اعتبار كون الجنين شخص يرجى له كمال الحال بالحياة. المبحث الثاني: ذكرت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة في مراحل تخلق الجنين، وتبين لي عدة إشكالات وتعارضات، فرضت عليّ كباحث دراسة الأمر دراسة موضوعية حديثية أصولية فقهية علمية طبية، للوقوف على الحق قدر المستطاع، خلصت فيها إلى أن نفخ الروح في الجنين إنما يكون بعد اليوم الأربعين وحتى اليوم الخامس والأربعين من وقت تلقيح الحيوان المنوي للبييضة، وعليه فالجنين يمكن النظر إليه باعتبارين: الأول: بعد نفخ الروح / يعتبر الجنين إنساناً، إذ الروح هي أصل الحياة الإنسانية. الثاني: قبل نفخ الروح/ يعتبر الجنين مخلوقاً من وجه دون وجه، مع التسليم بأنه ليس آدمياً أو جزءاً من آدمي، فهو مخلوق من وجه ينفرد فيه بالحياة عن غيره من مخلوقات الله كآفة، يُعدُّ به ليكون نفساً لها ذمة، يثبت له من الحقوق الحماية والرعاية وإن لم تدب فيه الروح على اعتبار أنه مهيأ لاستقبالها مما يصيره آدمياً في المستقبل القريب، وهو لا يعد مخلوقاً من وجه آخر بمعنى كمال الأهلية أو الصلاحية لوجوب الحقوق المشروعة له أو عليه، وهي ما يستحق من حقوق تثبت له بمجرد ولادته حياً. المبحث الثالث: تحدثت فيه عن أهلية الجنين، وتحديداً أهلية الوجوب الناقصة وطور الاجتنان، إذ الجنين لا أهلية آداء له، ويبتنى على القول بأن للجنين أهلية وجوب ناقصة من ناحية العدم أنه لا يكون أهلاً للالتزام أي لا يقع عليه طلب، لأنه لا فعل له ولا عبادة، ولا ولاية لأحد عليه في إيجاب أو قبول حتى يلزم بالتزام وليه، ومن ناحية الوجود، فإن أهلية الوجوب الناقصة للجنين يبتنى عليها كونه أهلاً للالتزام فتثبت له بعض الحقوق باتفاق الفقهاء مثل: النسب والإرث والوصية والوقف. الفصل الثاني: التدابير الشرعية لوقاية الجنين. وجاء في ثلاثة مباحث ذكرت معنى الوقاية وهي الحيلولة دون وقوع المشاكل في المستقبل، وهذا لا يتأتى إلاّ من خلال تهيئة الناس واستعدادهم للتغلب على المشاكل المتوقعة، وذلك باتخاذ التدابير الشرعية من أجل صيانة الجنين، فحق الحياة في الإسلام مصون محفوظ، حيث تكفلت النصوص الشرعية بمنطوقها ومفهومها، وبصريحها ودلالتها، وقواعدها وضوابطها ومقاصدها، بحفظ هذا الحق، حتى للجنين في بطن أمه، ولو جاء من طريق الحرام، كما في قصة الغامدية المشهورة. فالله تعالى خلق الإنسان، وفضله على كثير ممن خلق تفضيلا، وشمله بالرعاية والعناية وهو نطفة داخل الرحم، وفي جميع أطواره إلى أن صار خلقاً آخر، فتبارك الله أحسن الخالقين. فحسب الأجنة اللطف الإلهي والعناية الربانية الحكيمة ﴿ هو الذي يصوركم في الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم ﴾ ، ومن التدابير الشرعية أيضاً دعوة الإسلام لحسن اختيار الأزواج وتمثل آداب الجماع ووجوب النفقة على الحامل وتأجيل عقوبتها ووجوب العدة على المطلقة حفظاً لحق الجنين في نسبه لأبيه. فمن ناحية العدم، حرمت الشريعة الاعتداء على الجنين وأوجبت الغرة عقوبة على من يسقط الجنين أو يجهضه، كما حرمت الزنى فمن مظاهر تكريم بني آدم أن يخرج للحياة والوجود من نكاح لا من سفاح، فهذا النبي e يقول: "ولدت من نكاح لا من سفاح"، ومحل هذه الوقاية والرعاية هو دفع مفسدة قتل الولد من ناحية نفسية، لأن الزاني يضعه في رحم زانية، فيقطع ما بينه وبينه، فيقال فيه ابن زنا وابن زانية، ويُنسب إلى الشيطان لا لأبيه، فيضيع حقه في الانتساب لأبيه. ومن ناحية الوجود أباحت الشريعة حفظاً للجنين فطر المرأة لحامل وأباحت شق بطن الحامل الميتة لاستخراج الجنين الحي. الفصل الثالث: التدابير الطبية لوقاية الجنين وجاء في مبحثين أباحت الشريعة كل التدابير الطبية التي من شأنها وقاية الجنين والمحافظة عليه سواء قبل وجوده تحوطاً كالفحص الطبي قبل الزواج، أو بعد وجوده في بطن أمه عناية كعلاجه في داخل رحم أمه، أو أثناء نزوله أو بعد نزوله من بطن أمه إمعاناً في الرعاية والوقاية. الفصل الرابع: الإجهاض المبحث الأول: تحدثت فيه عن تعريف الإجهاض لغة وفقهاً وطبياً، ، إذ الأصل في الإجهاض لا بل ركن الإجهاض يكون في محله وهو الجنين، فالإجهاض فعل مادي يقع على أم الجنين يتأدى به إسقاطه وإخراجه من رحم أمه قبل موعد ولادته الأصلي، فإن لم يكن جنين ابتداء لم يكن إجهاض انتهاء، لأن جناية الإجهاض تختص به وجوداً وعدماً، إذ الفعل المادي على أم الجنين إن تأدى به إسقاطه إن كان موجوداً سمي إجهاضاً، وإن لم يتأدى به إسقاطه سواء كان مجتناً داخل رحم أمه، أو لم يكن لا يسمى إجهاضاً. وتناولت فيه دوافع الإجهاض: إذ الدافع (الباعث) على تصرف الإجهاض لا بد من إنزاله على حكم الشريعة، وتمحيصه تمحيصاً دقيقاً، فإن وافق قواعدها وضوابطها ولم يخرم منها شيئاً، كان معتبراً شرعاً وإلاّ فلا. والدوافع (البواعث) على تصرف الإجهاض متعددة بالعموم وواقع الحال، والمعتبر هو الدافع الذي يؤثر في تحقيق الغاية المستهدفة التأثير الشرعي الصحيح، ويكسب تلك الغاية حُكم الصحة والجواز، لأنه عامل رئيس في ذلك، والغاية في النتيجة تكون مآلاً للتصرف أو الفعل المتخذ وسيلة، عندها ولما يُترجم الدافع عملاً في الغاية المستهدفة بعد تنفيذها من خلال فعل الإجهاض، يحكم بحكم الشرع الحنيف على هذا الفعل في تلك الغاية، إيجاباً أو سلباً، فإما الصحة والجواز، وإما خلاف ذلك، فالإجهاض التلقائي لا يوصف بحل ولا حُرمة، لأنه طبيعي لا إرادة للإنسان فيه، والله تعالى يقول: {لا يكلف الله نفساً إلاّ وُسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت… ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به…}، أما الإجهاض لدوافع طبية علاجية متعلقة كانت بالأم أو بالجنين، أو لدوافع اجتماعية إنسانية، أو لدوافع اقتصادية، فكلها تَخْلُص لضوابط شرعية ارتأى الباحث مراعاتها عند الإجهاض وهي: 1- أن تكون أسباب الضرورة معلومة قائمة متيقنة ملجئة محوجة لا مجهولة متوقعة ظنية، أي ضرورة المضطر المستفادة من قوله تعالى ﴿ إلا ما اضطُررتم ﴾. 2- أن تكون المآلات والنتائج المترتبة على الدوافع المقصودة نتائج يقينية لا وهمية ولا تخمينية، إذ التخمين القائم على الاحتمال والنسبية لا تعويل عليه في الشرع لقوله تعالى ﴿ وما يتبع أكثرهم إلاّ الظن، إن الظن لا يغني من الحق شيئاً ﴾. 3- أن تكون المصلحة المجتلبة من استباحة الإجهاض أعظم من المفسدة المستدفعة منه حسب ميزان المصالح والمفاسد الشرعية. المبحث الثاني: وتحدثت فيه عن الإجهاض باعتبار نفخ الروح، إذ تعد مسألة الإجهاض باعتبار نفخ الروح، المسألة الأصيلة التي بحثها الفقهاء، وعناية الفقهاء انصبت على مدارستها أكثر من غيرها من مسائل الإجهاض، فهي قديمة حديثة، تعد مناراً وصُوى لغيرها من مسائل الإجهاض. فقد تناول الفقهاء حُكم الإجهاض قبل نفخ الروح وبعده بالتفصيل، وخلص الباحث إلى أن الأصل في حكم الإجهاض التحريم مطلقاً، سواء بعد نفخ الروح أو قبل النفخ، وعدم الجواز إلا وفق الضوابط الشرعية المذكورة آنفاً، وبتقرير الفقهاء المعتبرين بأن الحالة المستفتى فيها تتنزل عليها تلك الضوابط. المبحث الثالث: ساق فيه الباحث أمثلة للإجهاض للأعذار الضرورية مثل: إجهاض الجنين بسبب خطورته على الأم حيث يجوز في حالة تعينه سبيلاً أوحد لإنقاذها من الخطر المحقق، وإجهاض الجنين بسبب التشوه والأمراض المعدية، حيث يجوز إذا كان الجنين مصاباً بمرض تعذر معه العلاج وهو في بطن أمه، وكان ذاك المرض يفضي لموته في بطن أمه أو حال نزوله من بطنها شريطة أن تصادق لجنة طبية على ذلك لا تقل عن ثلاثة أطباء ثقات عدول. المبحث الرابع: تحدثت فيه عن حكم إجهاض الجنين الناتج عن الفاحشة وهو ضربان: فأما الناتج عن الزنى فلا سبيل لإباحته، لأنه مفضية لانتشار الرذيلة أكثر وأكثر، فضلاً عن حكم الأصل وهو التحريم، فيقوم دليل سد ذريعة انتشار الفساد زيادة في التأكيد على الحرمة. أما الجنين الناتج عن الاغتصاب فإنني أميل لترجيح جوازه، وذلك سداً للذريعة أيضاً، إذ غالباً ما تقع النساء المغتصبات في أوكار الزنا والخنى والفجور، خاصة أن مجتمعاتنا جبلت على الكراهة النفسية الجِبِلِّيَّة الطَّبعية من التزوج من الثيبات فضلاً عن المغتصبات، مما يدفعهن للممارسة الرذيلة نقمة على المجتمع الرافض لهن، خاصة إذا كانت ترعى جنين الاغتصاب. |
|