مولد إبراهيم عليه السلام
في وسط هذه البيئة المنحرفة وفي زمن وعهد هذا الملك الجبار الكافر النمرود كان مولد إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وفي موضع ولادته عليه السلام خلاف قيل : ولد بالسوس من أرض الأهواز، وقيل : ولد ببابل وهي أرض الكلدانيين، وقيل: بحران، وقيل : بغوطة دمشق في قرية يقال لها برزة في جبل يقال له قاسيون، والمشهور عند أهل السير والتواريخ أنه ولد ببابل.
قال أهل التوارخ والسير: إنه لما أراد الله عزوجل أن يبعث إبراهيم عليه السلام وأن يجعله حجة على قومه ونبيا رسولا إليهم، ولم يكن فيما بين نوح وإبراهيم عليهما السلام من نبي قبله إلا هودًا وصالحًا عليهما السلام، ولما تقارب زمان إبراهيم أتى المنجمون إلى هذا الملك نمرود وقالوا له: اعلم إنا نجد في علمنا أن غلاما يولد في قريتك هذه يقال له إبراهيم، يفارق دينكم ويكسر أوثانكم في شهر كذا وكذا من سنة كذا وكذا. فلما دخلت السنة التي وصف أصحاب النجوم لنمرود بعث نمرود هذا إلى كل امرأة حُبلى بقريته فحبسها عنده إلا ما كان من أم إبراهيم زوجة ءازر والد إبراهيم عليه السلام فإنه لم يعلم بحبلها، وذلك أنها كانت جارية لم يعرف الحبل في بطنها، فجعل هذا الملك الطاغية لا تلد إمرأة غلامًا في ذلك الشهر من تلك السنة إلا أمر به فذُبح، فلما وجدت أم إبراهيم عليه السلام الطلق خرجت ليلا إلى مغارة كانت قريبة منها فولدت فيها إبراهيم عليه السلام وأصلحت من شأنه ما يُصنع بالمولود، ثم سدت عليه المغارة ورجعت إلى بيتها، كانت تزوره وتطالعهُ في المغارة لتنظر ما فعل، فكان يشبُ في اليوم ما يشب غيره في الشهر وكانت تأتي فتجده حيا يمص إبهامه، فقد جُعل رزقُ إبراهيم عليه السلام في إبهامه فيما يجيئه من مصه، ولم يمكث إبراهيم عليه السلام في المغارة إلا خمسة عشر شهرا، ثم ترعرع وكبر واصطفاه الله ليمل رسالته وإبانة الحق ودعاء قومه إلى عبادة الله وحده إلى العقيدة الصافية من الدنس والشرك، إلى ترك عبادة الكواكب والأصنام وإلى الدخول في دين الإسلام الذي هو دين جميع الأنبياء.