قصة إبراهيم في تكسيره للأصنام التي يعبدها قومه
ولما رأى إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنهم ما زالوا مُتعلقين بأوهامهم مُتمسكين بعبادة أصنامهم عقد النية على أن يكيد أصنامهم ويفعل بها أمرًا يقيم الحجة به عليهم لعلهم يفيقون من غفلتهم ويصحون من كبوتهم، وكان من عادة قومه أن يُقيموا لهم عيدًا، فلما حل عليهم عيدهم وهموا بالخروج إلى خارج بلدهم دعوه ليخرج معهم فأخبرهم أنه سقيم لأنه أراد التخلف عنهم ليكس أصنامهم ويقيم الحجة عليهم، قال تعالى: .
فلما مضى قومه ليحتفلوا بعيدهم نادى في ءاخرهم: قيل: سمعه بعضهم وقيل: خفية في نفسه، ثم رجع إبراهيم إلى بيت الأصنام الذي كان فيه قومه يعبدون هذه الأصنام، فإذا هو في بهو عظيم واسع مستقبل باب البهو صنم كبير إلى جانبه أصنام صغيرة بعضها إلى جنب بعض، وإذا هم قد صنعوا لها طعامًا وضعوه أمام هذه الأصنام، فلما نظر إبراهيم عليه الصلاة والسلام إلى مابين أيدي هذه الأصنام من الطعام الذي وضعه قومه قربانا لها ورأى سخافة عقولهم، خاطب هذه الأصنام وقال لها على سبيل التهكم والازدراء: فلما لم تجُبه قال لها أيضا على سبيل الاحتقار : .
أمسك بيده اليُمنى فأسًا وأخذ يهوي على الأصنام يكسرها ويحطمُ حجارتها قال تعالى: ، وما زال كذلك حتى جعلها كلها حُطاما إلا كبير هذه الأصنام فقد أبقى عليه وعلق الفأس في عنقه ليرجعوا إليه فيظهر لهم أنها لا تنطق ولا تعقل ولا تدفع عن نفسها ضررا، وبذلك يقيم سيدنا إبراهيم الحجة على قومه الكافرين الذين يعبدونها على غير برهان ولا هدى تقليدًا لآبائهم، قال تعالى: .
ولما رجع قومه من عيدهم ووجدوا ما حل بأصنامهم بُهتوا واندهشوا وراعهم ما رأوا في أصنامهم، قال تعالى: يعنون فتى يسبها ويعيبها ويستهزىء بها وهو الذي نظن أنه صنع هذا وكسرها، وبلغ ذلك الخبر الملك نمرود الجبار ملك البلاد وحاكمها وأشراف قومه وأجمعوا على أن يحضروا إبراهيم ويجمعوا الناس ليشهدوا عليه ويسمعوا كلامه وكان اجتماع الناس في هذا المكان الواحد مقصد إبراهيم عليه الصلاة والسلام ليقيم على قومه الحجة على بطلان ما هم عليه من عبادة الأصنام التي لا تضر ولا تنفع، وتقاطرت الوفود وتكاثرت جموع الكافرين كل يريد الاقتصاص من إبراهيم نبي الله الذي أهان أصنامهم واحتقرها، ثم جاءوا بإبراهيم عليه السلام إلى هذا الجمع الزاخر من الكافرين أمام ملكهم الجبار نمرود وهنا وجد نبي الله إبراهيم الفرصة سانحة ليقيم الحجة عليهم وليظهر لهم سُخف مُعتقدهم وبُطلان دينهم وهذا إلزام للحجة عليهم بأن الأصنام جماد لا تقدر على النطق، وأن هذه الأصنام لا تستحق العبادة فهي لا تضر ولا تنفع، ولا تملك لهم نفعا ولا ضرا ولا تغني عنهم شيئا.
فعادوا إلى أنفسهم فيما بينهم بالملامة لأنهم تركوها من غير حافظ لها ولا حارس عندها، ثم عادوا فقالوا لإبراهيم عليه السلام ما أخبر الله تعالى: أي لقد علمت يا إبراهيم أن هذه الأصنام التي نعبدها لا تنطق فكيف تطلب منا أن نسألها.
فلما أقروا على أنفسهم بأن أصنامهم التي اتخذوها ءالهة من دون الله عاجزة في الإصغاء والنطق واعترفوا أنها عاجزة لا تدرك ولا تشعر ولا تقدر ولا حياة لها، عند ذلك أقام إبراهيم عليه السلام الحجة عليهم وأفحمهم قال الله تعالى: ، عند ذلك غلُبوا على أمرهم وألزمهم نبي الله إبراهيم الحجة عليهم فلم يجدوا حجة يحتجون بها عليه، يقول تعالى : .
قال تعالى : .