|
|||
|
|||
تحدثنا في الجمعات الماضية عن
الطفولة وعن الشباب ونتحدث اليوم عن المرأة،
المرأة شريكة الرجل وشقيقته، ولابد من الحديث عنها
حتى ننصفها وننصف الإسلام ممن ظلموه، الناس في قضية
المرأة على طرفي نقيض، هناك من يظلم المرأة
ويعتبرها مخلوقاً خلق لخدمة الرجل، وهناك من يدلل
المرأة ويريد أن يطلق العنان لتعيث في الأرض فساداً
وتصبح آلة من آلات اللهو المحرَّم، وبين هذين
الفريقين يأتي المنهج الوسط الذي جاء به الإسلام
وجهله للأسف كثير من المسلمين، يقولون أن المرأة
نصف المجتمع، وهذا صحيح، المرأة من ناحية العدد نصف
المجتمع، فمن حكمة الله تبارك وتعالى ودلالته على
التدبير العلوي لهذا الكون أن الذكورة والإناث
متساوون أو متقاربون، قد يكون الذكور 50% أو 49% أو 51%
أو 52% وهكذا، والنساء في المقابل، فهناك تساوٍ أو
تناسب في هذه القسمة، فالمرأة من ناحية العدد نصف
المجتمع ولكنها من حيث تأثيرها في زوجها وفي
أبنائها ربما تكون أكثر من النصف، ولهذا لابد أن
نعنى بشأن المرأة، لابد أن نعنى بأمر هذه المخلوقة
التي ظلمتها الجاهليات المختلفة، حتى أن بعضهم شكك
هل المرأة روح كروح الرجل، وبعضهم قال: هل هي مسؤولة
كما يسأل الرجل وبعضهم حرمها من أن تتدين، إن الدين
للرجال وليس للنساء، وبعضهم قال إنها لا تدخل
الجنة، وهذه كلها قد حررها الإسلام من هذا الظلم
وهذا الظلام، سنتحدث عن المرأة حول عدة محاور،
المرأة بوصفها إنسانة والمرأة بوصفها أنثى،
والمرأة بوصفها بنتاً، والمرأة بوصفها زوجة
والمرأة بوصفها أماً، والمرأة بوصفها عضواً في
المجتمع.
|
المرأة إنسانة |
نقتصر اليوم على حديثنا عن
المرأة باعتبارها إنسانية، فالمرأة إنسان كالرجل،
لا تنقص في إنسانيتها عن الرجل، ليست كما قال أولئك
الذين ظلموها وأنها لا روح لها وأنها ليست كالرجل
في الجزاء، كل هذا أبطله الإسلام العظيم بقرآنه
وسنته، الله تعالى يقول (من عمل صالحاً
من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة
ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) قص عن
ذلك المؤمن، مؤمن آل فرعون إذ قال (يا
قوم اتبعونِ أهدكم سبيل الرشاد * يا قوم إنما هذه
الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار * من
عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحاً من ذكر
أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها
بغير حساب) ويقول تعالى (ليس
بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوء يجز به
ولا يجد له من دون الله ولياً ولا نصيراً * ومن يعمل
الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون
الجنة ولا يظلمون فيها نفيراً)، (من
ذكر أو أنثى) العمل الصالح يقبل من الذكر
والأنثى، والعمل السيء يجازى به الذكر والأنثى،
عدل الله واحد، الذكور والإناث عنده سواء فهو رب
الجميع وخالق الجميع وإله الجميع، الله سبحانه
وتعالى قرر مسؤولية كل من الرجل والمرأة، وقرر وحدة
الجزاء والمصير بالنسبة لهما، وقال الله تعالى (يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من
نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً
ونساءاً واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام)،
(خلقكم من نفس واحدة) من نفس آدم (وخلق منها زوجها) بعض الناس يفهم منها
أنه خلقها من ضلع آدم وهذا لم يثبت به حديث صحيح،
إنما خلق منها زوجها كما قال تعالى (ومن
آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً) هذا خطاب
للمكلفين جميعاً من الرجال (خلق لكم من
أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة
ورحمة) فالله خلق للرجل من نفسه، أي من جنسه
زوجاً ليسكن إليها كما قال تعالى (هو
الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن
إليها) الإنسان لا يستطيع أن يعيش وحده، خلق
الله هذا الكون على سنة الازدواج على قاعدة
الزوجية، كل شيء يحتاج إلى ما يقابله ليتكون من هذا
الزوج شيء تحتاج إليه الحياة، كما قال تعالى (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون)
ولذلك رأينا الذكر والأنثى في الحيوان ورأينا
الموجب والسالب في الكهرباء وفي الذرة، قاعدة
الزوجية هذه القاعدة العامة في البناء الكوني حتى
في الذرة التي هي أساس لهذا البناء، ولهذا حينما
خلق الله آدم وأسكنه الجنة، لم يدعه وحده بل خلق له
زوجاً ليسكن إليها، وهذا معناه أنه خلقها خلقاً
مستقلاً، لم يحدثنا عنه كما حدثنا عن خلق آدم، إنما
خلق حواء لتكون أنيسا لآدم وشريكاً له فيما يريده
الله له بعد ذلك من الاستخلاف في الأرض (خلق
منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً)
حينما أسكن الله آدم الجنة خلق له حواء وقال (اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث
شئتما) فلا معنى لجنة يعيش فيها الرجل وهو ليس
معه شريكة لحياته، هذا أول ما أمر الله عز وجل به،
أول تكليف إلهي صدر من الله تعالى لهذا الجنس كان
هذا التكليف للرجل والمرأة معاً، لآدم وزوجه (اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيث
شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين)
هذا التكليف بالامتناع عن الأكل من الشجرة، كان
امتحاناً إلهياً لآدم وزوجه، امتحان لإرادة، هيأ
الله له أن يأكل رغداً من كل ثمار الجنة وكل أشجار
الجنة إلا شجرة واحدة، ولكن آدم عليه السلام وزوجه
تبع له أكلا من هذه الشجرة، نجح آدم في امتحان العلم
ولكنه لم ينجح في امتحان الإرادة وأكل من الشجرة
المنهي عنها، ولكن سرعان ما نجح في الملحق، نجح في
التوبة وغسل ذنبه بالتوبة إلى الله عز وجل.
|
ليست أصل الشقاء |
اليهود والنصارى يقولون أن
الذي أغرى آدم بالأكل من الشجرة هي زوجه حواء، هي
التي ظلت توسوس له وتزين له وتغريه حتى أكل من
الشجرة، ولهذا يعتبرون المرأة هي أصل الشقاء
البشري، المرأة هي التي أخرجت آدم وذريته بعد ذلك
من الجنة، التي كان لا يجوع فيها ولا يعرى ولا يظمأ،
ولهذا يقولون سبب شقاء البشرية وما تعانيه من ويلات
هو المرأة، ويقول بعضهم في كل ما يحدث من جريمة أو
يحدث من بلاء، يقولون فتش عن المرأة، المرأة هي
جرثومة الشر، وهذا ظلم للمرأة الإسلام ليس فيه أي
دلالة على ذلك، لا بالنص ولا بالفحوى، لا بالعبارة
ولا بالإشارة، ليست المرأة هي التي وسوست لآدم،
الذي وسوس لآدم هو إبليس، هو الذي دلاه بغرور،
وقاسمه إني لك لمن الناصحين (قال يا آدم
هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى)، بعض آيات
القرآن تقول (فأزلهما الشيطان عنها
فأخرجهما مما كانا فيه)، (فلما ذاقا
الشجرة بدت لهما سوآتهما) تضيف الأمر إليهما
معاً، وبعض الآيات الأخرى تحدثنا أن آدم هو الأصل،
هو الذي عصى وما كانت المرأة إلا تابعاً له، انظر
إلى الآيات الكريمة في سورة طه (ولقد
عهدنا إلى آدم من قبل فنسي ولم نجد له عزماً)، (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا
إلا إبليس أبى * فقلنا يا آدم إن هذا عدو لك ولزوجك
فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى) ويقول (فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك
على شجرة الخلد وملك لا يبلى) الكلام موجه لآدم
والوسوسة لآدم من الشيطان، ثم يقول القرآن (فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا
يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى * ثم
اجتباه ربه فتاب عليه وهدى) العصيان أساساً من
آدم وحواء كانت تبعاً له، هنا أنصف القرآن المرأة
ولم يحملِّها ما حمله هؤلاء من شقاء البشرية وما
تعانيه البشرية طوال تاريخها إلى اليوم ومن المؤسف
أننا نجد بعض الكُتَّاب من المسلمين يتناولون هذه
القضية بفكر غير إسلامي يأخذون ما يكتبه كُتَّاب
الغرب المسيحيين ممن قرأ هذه القصة في الكتاب
المقدس عندهم، وأن المرأة هي التي وسوست لآدم حتى
يأكل من الشجرة، يُقبل هذا من الغربيين أما
المسلمين فلا يُقبل منهم أن يقولوا هذا وكتابهم
ناطق بتبرئة حواء أم البشر من هذه الدنيا.
|
شقائق الرجال |
كرَّم الله المرأة باعتبارها
إنسانة، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك
حديثه الصحيح المعبر عن هذه الكلمة الموجزة وكان
عليه الصلاة والسلام قد أوتي جوامع الكلم فقال "إنما النساء شقائق الرجال"
المرأة شقيقة الرجل، ولذلك يجري عليها من الأحكام
ما يجري عليه إلا ما اختصت به طبيعتها، ويقول
القرآن الكريم (فاستجاب لهم ربهم أني
لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض)
أي المرأة من الرجل والرجل من المرأة، ليس كلاهما
خصما للآخر ولا عدواً له، كل واحد يكمل الآخر،
المرأة تكمل الرجل والرجل يكمل المرأة، ولا غنى
لأحدهما عن صاحبه (بعضكم من بعض)
هذه قاعدة مهمة في معرفتنا للعلاقة بين الرجل
والمرأة (بعضكم من بعض، فالذين هاجروا
وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا)
هذا تفصيل لعمل العامل من الذكور والإناث، أي أن
المرأة قد تهاجر وقد تُؤذى وقد تُخرج من أرضها
ووطنها، وقد تقاتل وقد تقتل في سبيل الله، وبعد ذلك (لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري
من تحتها الأنهار ثواباً من عند الله والله عنده
حسن الثواب).
|
أول مسلم وأول شهيد |
كانت المرأة أول من استجاب
لدعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أول صوت
استجاب لدعوة محمد صلى الله عليه وسلم كانت صوت
امرأة، كان صوت خديجة بنت خويلد، زوجته الأولى التي
جاءها بعد أن نزل عليه جبريل وقرأ عليه الآيات
الأولى من القرآن (اقرأ باسم ربك الذي
خلق) جاءها يرجف فؤاده ويقول "زملوني زملوني
غطوني غطوني" وخائف من هذا الشيء الجديد الذي لم
يكن يرجوه ولا يتوقعه (وما كنت ترجو أن
يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك) لكن هذه
المرأة أخذت بيده وثبتت فؤاده وقالت له تلك الكلمات
الناصعة الحكيمة "والله لا يخزيك
الله أبداً إنك لتصل الرحم وتحمل الكلّ وتُكسب
المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الدهر"
عرفت بفطرتها وثاقب فكرها أن مثل هذا في سنن الله لا
يمكن أن يخزى، لا يمكن أن يخزي الله رجل مثل هذا،
تريد أن تقول له إن الذي رأيته لا يمكن أن يكون
شيطاناً فلماذا تخاف "والله لا
يخزيك الله أبداً" ثم ذهبت معه إلى ابن عمها
ورقة بن نوفل الذي زاده طمأنينة على طمأنينة
ويقيناً على يقين، هذا هو صوت الإسلام الأول الذي
كان مع محمد صلى الله عليه وسلم، أول من آمن من
الناس جميعاً خديجة بنت خويلد، وأول دم أريق في
سبيل الله، أول شهيد في الإسلام لم يكن رجلاً بل كان
امرأة، كان سمية أم عمَّار بن ياسر، وزوجة ياسر،
هذه الأسرة التي امتُحنت في ذات الله، وابتُليت
بأشد العذاب من عتاة قريش من أبي جهل وأمثاله،
ووضعوا تحت نير العذاب، ومر عليهم النبي صلى الله
عليه وسلم وهم يعذبون، فلم يملك إلا أن قال لهم "صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة"
فقد ماتت أم عمار وأبو عمار تحت العذاب، طعن أبو جهل
ـ لعنه الله ـ سمية في موضع عفتها برمح أو بحربة
فقتلها، ثم لحق بها زوجها ياسر بعد ذلك، كانت سمية
أول شهيد في الإسلام، فلا عجب أن يقول الله تعالى (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل
منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض) الإسلام جاء
للرجال والنساء جميعاً، وحينما نزل قول الله تعالى (وانذر عشيرتك الأقربين) جمع أقاربه،
عشيرته الأقربين وقال لهم "يا بني
عبد مناف اعملوا فأني لا أغني عنكم من الله شيئاً،
يا عباس بن عبد المطلب ـ عم رسول الله ـ اعمل فإني لا
أغني عنك من الله شيئاً، يا صفية عمة رسول الله
اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئاً، يا فاطمة بنت
محمد سليني من مالي ما شئت، لا أغني عنك من الله
شيئاً، لا يأتيني الناس يوم القيامة بالأعمال
وتأتوني بالأنساب من بطَّـأ به عمله لم يسرع به
نسبه" وجه الدعوة إلى الرجال والنساء جميعا،
فالإسلام جاء للجنسين كليهما.
|
الشريعة عدل الله |
جاء هذا الإسلام للرجال
وللنساء معاً، ولذلك لا يتصور في هذا الدين أن يحيف
على النساء كما يتقوَّل المتقوِّلون ويتخرَّص
المتخرِّصون، ليست هذه الشريعة من وضع الرجال حتى
يجوروا على النساء، إنما صاحب هذه الشريعة هو خالق
الزوجين الذكر والأنثى، هو رب الجنسين، فلا يُعقل
أن يجور على أحدهما لحساب الآخر، وهو الحكم العدل
من أسماءه أنه العدل فلابد أن تكون شريعته ممثلة
لعدله عز وجل، الشريعة عدل الله سبحانه وتعالى في
الأرض، ومن هنا يكون خطأ الذين يظنون أن الإسلام
جار على المرأة في بعض القضايا، هناك أناس يشوِّشون
على هذا الدين وعلى هذه الشريعة، ويقولون أن
الإسلام جعل المرأة نصف الرجل في عدة قضايا، جعلها
نصف الرجل في الميراث وجعلها نصف الرجل في الشهادة،
وجعلها نصف الرجل في الدية فهذه هي قيمة المرأة في
الإسلام، ونقول لهؤلاء إن الإسلام جعل المرأة
مساوية للرجل في أصل الإنسانية وفي الكرامة
الإنسانية (ولقد كرمنا بني آدم) وفي
المسؤولية العامة "كلكم راع وكلكم
مسؤول عن رعيته، الرجل راع في أهل بيته وهو مسؤول عن
رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن
رعيتها" قرر المساواة في المسؤولية في العمل
وفي الجزاء وفي المصير، لكنه خالف بينهما في بعض
الأشياء، لأن هذا هو العدل لأنهما مختلفان في
التكوين مختلفان في الوظيفة، لا يمكن أن نقول أن
المرأة هي نفس الرجل في تكوينه، جسم المرأة غير جسم
الرجل، المرأة أعدت لوظيفة، أعدت للأمومة ولهذا
هيأ الله لها ما يجعلها تقوم بهذا الأمر خير قيام،
علماء الغرب في عصرنا هذا أنكروا على الحضارة
الغربية وعلى الفلسفة الغربية والثقافة الغربية
أنها تعامل الجنسين معاملة واحدة، في التعليم
والعمل، وهما مختلفان فطرة وتكويناً، هكذا قال
الدكتور "أليكسيس كاريل" في كتابه "الإنسان
ذلك المجهول" أنكر على الغربيين أنهم يجعلون
المرأة كالرجل في كل شيء وقال هذا الرجل "إن هذا
تدمير للعلاقات وتدمير للوظائف وظلم للمرأة أن
تُحمَّل ما يُحمَّل الرجل وعليها من الأعباء ما ليس
على الرجل، القرآن والإسلام حين فرق بين الرجل
والمرأة في بعض الأحكام لم يُرِد ظلم المرأة إنما
أراد إنصافها.
|
قضية الشهادة |
خذ مثلاً قضية كقضية الشهادة (واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا
رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضل
إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) هكذا قال الله
تعالى في أطول آية في القرآن الكريم وهي آية
المداينة التي يأمر الله تعالى عباده فيها
بالاستيثاق لحقوقهم حتى لا تضيع وحتى لا تتناكر
فأمر بكتابة الدين، وأمر بالإشهاد قال (واستشهدوا
شهيدين من رجالكم) حينما يكون لك دين على آخر في
قضية مالية حاول أن تستشهد برجلين فهذا أوثق لإثبات
حقك وعدم ضياعه، قد تستشهد بامرأة فيمنعها زوجها أن
تأتي يوم الشهادة أو يمنعها أبوها .. ضاع حقك (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) هذا أوثق
للحقوق، قد لا تساعد ظروف المرأة على الحضور
للشهادة، فالأولى بالناس حينما يريدون أن يثبتوا
الحقوق ويؤكدوها أن يستشهدوا بالرجال (فإن
لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من
الشهداء) لماذا رجل وامرأتان؟ لم يقل القرآن أن
ذلك لنقص ذكاء المرأة أو لأنها أقل من الرجل إنما
علله بعلِّة واضحة معقولة قال (أن تضل
إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) أن تنسى إحدى
المرأتين فتذكرها الأخرى، ولماذا تنسى المرأة؟ لأن
هذه المعاملات المالية ليست من اهتمام المرأة،
ليست من محاور الحياة التي تعنى بها وتنشغل بها، هي
تنشغل بالبيت إن كانت زوجة، تنشغل بالأولاد إن كانت
أماً تنشغل بالزواج إن كانت أيمة، تنشغل بالزينة
وأمور النساء، إنما هذه المعاملات فليست مما تهتم
به، ولذلك سرعان ما تنساها، بعد مدة من الزمن تنسى
هذه الحادثة، ولا يعلق منها إلا أشياء لا تفيد
الحكم ولا تنفع عند القضاء، ولهذا ليست وثق الناس
لحقوقهم قال الله تعالى رجل وامرأتان (أن
تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى) هذه هي
القضية، ليس هذا امتهاناً للمرأة ولا احتقاراً
لها، إنما هو اعتراف بحقائق الحياة كما هي، لم يرد
القرآن ـ وهو كلام الله ـ أن يجامل المرأة على حساب
الحق، إنما قرر هذا الحق ليقوم العدل في الأرض،
ولهذا نجد في بعض الأحيان شهادة المرأة تقبل وحدها
فيما تختص به، في أمور الرضاع، في أمور البكارة
والثيوبة والحيض والولادة، المرأة تشهد، أنا أرضعت
فلان، وتقبل شهادتها وحدها، فلانة ولدت أمامي كذا،
تقبل شهادتها، إذا كانت قابلة أو نحو ذلك، في بعض
الأمور شهادة المرأة وحدها تكفي، وفي بعض
المجتمعات التي لا يحضر فيها إلا النساء تقبل شهادة
النساء حتى في الجنايات، التي يقول جمهور الفقهاء
لا تقبل فيها شهادة النساء وهذا ليس بالإجماع، عطاء
يجيز شهادة النساء حتى في الحدود والقصاص،
والفقهاء الذين منعوا ذلك منعوه حتى لا تضيع الحقوق
لأن المرأة قد ترى الجريمة فتغمض عينها، المرأة لا
تطيق أن ترى رجلاً يقتل رجلاً أمامها، المرأة من
حيائها لا يمكن أن تشهد على رجل زنى بامرأة أو غير
ذلك، فلذلك جنبها الإسلام هذه المواضع ومع هذا
قالوا: لو وجدت جريمة في مجتمع نسائي كما يحدث في
الأعراس حيث يكون للنساء مكانهن وللرجال مكانهم،
فلو اعتدت امرأة على أخرى بجرح أو قتل ولا يوجد إلا
النساء هنا تقبل شهادة النساء، وكذلك قالوا في
حمامات النساء لو اعتدت امرأة على أخرى، ليس الأمر
تعصباً ضد المرأة إنما هو تعصب للحقائق ومراعاة
للعدل وبحث عنه بقدر الإمكان.
|
قضية الميراث |
الأمر الثاني أمر الميراث
يقولون أن الإسلام ظلم المرأة حينما جعلها تأخذ نصف
الرجل، أولاً ارجعوا إلى ما كانوا في الجاهلية،
الجاهلية لم تكن تورِّث النساء والصبيان، الجاهلية
العربية كانوا لا يورِّثون إلا من حمل السلاح وركب
الجواد وذاد عن الحمى، ولذلك لم يكونوا يورثون
الصبيان الصغار، ولا يورثون النساء لأن المرأة لا
تستطيع أن تقاتل وتدافع عن الحِمى إذا أغار عليهم
المغيرون، فاقتصروا الميراث على الرجال فقط، هذا
ما كان عليه العرب وعند الإنجليز إلى عهد قريب
كانوا يورثون الذكر الأول الابن الأكبر، ولا
يورثون إخوانه ولا أخواته، لماذا؟ لأنهم يريدون أن
يحصروا الثروة في واحد لتبقى الطبقة الأرستقراطية
كما هي، من حكمة الميراث أنه يفتت الثروات الكبيرة،
تتفتت الثروات بعد عدة أجيال تصبح الثروة الكبيرة
ثروة عادية، هؤلاء لا يريدون أن تفتت الثروة
فيورثوها للابن الأكبر، الإسلام رفض هذا وشرع في
الميراث أن يكون للأبناء والبنات كبار وصغاراً
للذكر مثل حظ الأنثيين (يوصيكم الله في
أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين) هكذا شرع الله
عز وجل، لماذا جعل الله عز وجل للذكر مثل حظ
الأنثيين؟، لتفاوت الأعباء والتكاليف المالية على
كل من الابن والبنت فليست أعباءهما واحدة في نظر
الشرع، الابن عليه أن يدفع المهر لمن يتزوجها، وأن
يؤثث البيت وعليه النفقة الزوجية وأولاده، أما
البنت فهي حينما تريد أن تتزوج تأخذ مهراً ولا
تدفع، وحينما تتزوج بالفعل ليس عليها نفقة إنما
ينفق عليها زوجها، ولهذا لو افترضنا أن رجلاً توفي
وترك ابناً وبنتاً وترك مائة وخمسين ألفاً مثلاً من
الريالات، الولد أخذ مائة ألف والبنت أخذت خمسين
ألفاً، يريد الابن أن يتزوج فماذا يفعل؟ نتصور أنه
سيعطي مهراً وهدايا بـ 25 ألفاً، أصبح إذن قد نقل
نصيبه من مائة ألف إلى خمسة وسبعين ألفاً، والبنت
حينما تتزوج يأتيها مهر وهدايا بمثل ما دفع أخوها 25
ألفاً، معناها أنه ارتفع نصيبها إلى 75 ألفاً هو نزل
نصيبه إلى 75 ألفاً، ثم بعد ذلك هو عليه أن ينفق
باستمرار وهي ليس عليها أن تنفق، معناها أن الإسلام
في الحقيقة ربما نقول أنه اعتبر أن المرأة لها نصيب
أكبر من الرجل في هذه الحالة إن لم يكن قد تساووا،
فربما تكون المرأة في بعض الأحوال أحسن حالاً وأكبر
نصيباً، ليس هناك ظلم ولا يتصور أن يظلم الله
عباده، قضية أن للذكر مثل حظ الأنثيين ليست دائمة،
في بعض الأحيان تكون الأنثى مثل الذكر، كما قال
الله تعالى في نفس الآية (ولأبويه لكل
واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد) إذا ترك
أولاداً وأباً وأماً، الأب والأم لكل واحد منهما
السدس مما ترك، هذه مساواة، في الآية الأخرى (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو
أخت فلكل واحد منهما السدس) أخ أو أخت لأم، إذا
كان لإنسان كلالة، لا والدة له ولا والد إذا مات
وترك أخاً لأم أو أختاً لأم فله السدس، ذكراً أو
أنثى، فإن كانوا أكثر من ذلك أو أخ أو أخت كل واحد
منها السدس، فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في
الثلث، إذا كانوا أكثر من ذلك ثلاثة أو أكثر
يشتركون في الثلث، الذكور والإناث سواء هناك قضايا
عديدة في الميراث، تأخذ فيها الأنثى مثل الذكر،
وأحياناً تأخذ أكثر من الذكر لا يتسع المجال لذكر
هذا.
|
قضية الدية |
بقيت قضية الدية والدية إذا
نظرنا إليها في ضوء آيات القرآن والأحاديث الصحيحة
نجد المساواة بين الرجل والمرأة، صحيح أن جمهور
الفقهاء وأن المذاهب الأربعة ترى أن دية المرأة نصف
دية الرجل، ولكن لا يوجد نص يعتمد عليه، هناك
حديثان استدل بهما أصحاب المذاهب وهما ضعيفان
بإجماع أهل الحديث: بعضهم استدلوا بالإجماع ولم
يثبت الإجماع فقد ثبت عن الأصم وابن علية أنهما
قالا: دية المرأة مثل دية الرجل، وهذا ما تشهد به
الآيات الكريمة (وما كان لمؤمن أن يقتل
مؤمناً إلا خطأ ومن قتل مؤمناً خطأ فتحرير رقبة
مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصَّدقوا)
وكلمة مؤمن لا تعني الرجل وإنما تعني الإنسان
المؤمن، لا يجوز لإنسان مؤمن أن يقتل إنساناً
مؤمناً إلا خطأ سواء كان رجلاً أو امرأة فهذا هو
المقصود، هنا حينما يقتل عليه دية وكفارة، الدية
للجميع، دية مسلَّمة إلى أهله، وفي الحديث الصحيح "في النفس مائة من الإبل" وإذا
كان الجزاء الأخروي سواء (ومن يقتل
مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله
عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً) هذا ينطبق
على قتل الرجل وقتل المرأة، فلماذا نفصل بينهما في
أمور الدنيا في هذا التشريع، ولذلك لا حرج علينا
إذا تغيرت فتوانا في عصرنا عن فتوى الأئمة الأربعة
وقلنا أن دية المرأة مثل دية الرجل، وقد قال بعض
فقهاء العصر في مناقشة معاً إن خسارة الأسرة بفقد
المرأة غير خسارتها بفقد الرجل، الرجل حينما يقتل
تفقد الأسرة عائلاً، ولكن خسارة الأسرة بقتل
المرأة ليست كالرجل، قلت له هذا ينتقد بقتل الطفل
إن الصبي الطفل ولو كان عمره أياماً وقتل فيه دية
كاملة، وهذا لا يعتبر أن الأسرة خسرت شيئاً، إن
القول الذي نميل إليه ونرى أن مقتضى الأدلة الشرعية
هو أن دية المرأة مثل دية الرجل وهذا ما ذهب إليه
شيخنا، شيخ الأزهر الأسبق الشيخ محمود شلتوت رحمه
الله في كتابه "الإسلام عقيدة وشريعة" أيد أن
دية المرأة مثل دية الرجل، الشاهد أيها الأخوة أن
الإسلام أنصف المرأة باعتبارها إنسانة وما كان له
إلا هذا، لأن هذا الإسلام دين الله جاء للجميع جاء
للرجال والنساء، ولم تجد المرأة العدل والإنصاف
والكرامة ورعاية الحقوق إلا في ظل هذا الدين
العظيم، لا يمكن أن تجد المرأة المسلمة خارج
الشريعة الإسلامية ما ينصفها، إنها تمضي وراء سراب
يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً،
الشريعة عدل الله لعباده رجالاً كانوا أم نساء، ومن
أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون، ومن أصدق من الله
قيلاً ومن أصدق من الله حديثاً.
|
لابد لنا أن ننوه بموقف الدول الخليجية عامة من رفضهم أن تستخدم أرضهم للاعتداء على العراق، مهما نختلف مع العراق نظاماً وحكماً فلا يمكن أن نختلف مع العراق وطناً وشعباً، الوطن العراقي والشعب العراقي جزء من هذه الأمة، ولا يجوز لنا أن نفرط فيها، قد نختلف مع الحاكمين كما نختلف مع غيرهم، ولكن لا يجوز أن يظل هذا الشعب وهذا الوطن، تحت نير هذا الحكم الذي لا معنى له، إلى متى تظل هذه الفرق التفتيشية تعمل عملها، إلى متى يظل هذا التصلب على رقاب العراقيين، لقد اجتهد العراق أن ينفذ ما أرادته الأمم المتحدة وتخلص من أسلحته وشهد شاهدون بذلك، ولكن هؤلاء لا يريدون أن يتركوا هذا الشعب، لا يريدون أن يتركوا التسلط عليه والتحكم فيه ولذلك كان من حق الشعب العراقي ومن حق النظام العراقي أن يرفض ما يرفض، هذا ونحن نقول حتى لو كان العراق مخطئاً في هذا وما هو بمخطئ أيجوز ضربه بالقنابل وبالطائرات وبالصواريخ ولماذا لا يستعمل هذا إلا مع العراق، هناك دول كثيرة تخترق الحدود وتتجاوز الحدود ولا يهددها أحد ولا يسائلها أحد، وها هي إسرائيل تعبث العبث كله بمقدرات الشعب الفلسطيني وتفعل ما تفعل في القدس الشريف وبالمسجد الأقصى ولا أحد يلومها ولا يحاسبها،ولا يسائلها أحد، لماذا يقع هذا على العراق وحده، ومن الذي نصب أمريكا حاكمة على العالمين تؤدب من تشاء وتعاقب من تشاء، ودون رأي الأمم المتحدة تريد أن تنفرد بذلك، والعجيب أنها تريد أن تأخذ موافقتنا نحن العرب والمسلمين على ضرب إخواننا، هذا شيء غريب حقاً، إنني لا أستطيع إلا أن أنوه بهذه المواقف الشجاعة من رجال الخليج الذين وقفوا جميعاً وقفة رجل واحد ورفضوا أن تكون أرضهم منطلقاً للطائرات والقوى التي تضرب العراق الشقيق، إن هذه القضايا تُحَل بالحوار، تُحَل بالمنطق الدبلوماسي، تُحَل بقوة المنطق لا بمنطق القوة، وهذا ما ندعو إليه، لا يجوز أن يتجبر المتجبرون ويقولون: نحن أهل قوة، من أشد منا قوة، كما حكى الله عن عاد قديماً (فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة) الله ذو القوة المكين. لابد أن نقف مع إخواننا ولابد أن نقاوم الظلم ونقاوم الطغيان أياً كان مصدره.
|