الطيور في صحراء النقب كثيرةٌ
ومتنوعة، ونحن نراها في كلّ يومٍ تقريباً، نسمع سقسقتها مع
طلوع الفجر، ونراها في ساحة البيت، وفي المزارع والمراعي
وعلى الأشجار.
وكان أبناء البدو يُحبُّون اصطياد بعض الأنواع منها،
فالأرض كانت واسعة، والمدارس قليلة، فكان اصطياد العصافير
من الأشياء التي يتسلّى بها الأطفال، فكانوا يبنون
فِخَاخَهم على الجُرُون وأماكن القشِّ والحبوب حيث تتجمّع
أعدادٌ مختلفةٌ من الطيور منها: القُنْبَر والزِّرْعِي
والصِنِّي والجَمَام والحمام والشنَّار في بعض الأحيان.
وكان الأطفال يحاولون إغراء تلك الطيور بحِيَلٍ مختلفة حتى
تقترب من فِخَاخِهم فيصطادونها، وهذه بعض من تلك القصص
التي كانوا يرددونها:
الدُّورِي:
الدوري طائرٌ محليّ معروف، والعامة يسمونه "دويري" وليس
دوري، وكان الأطفال يحبون اصطياده، فيضعون خبزةً في
صيَّادة الفئران ويضعونها خارج البيت ليصطادوا بها ذلك
الطائر المسكين، وكان كثيراً ما يقع بين فَكَّيْها فهو غير
حَذِر كبقية الطيور الأخرى، ويروي الأطفال بأن الدوري كان
قبل أن يصطادوه يسخر منهم ويقول:
أنا الدويري الدوَّار، وِرك مني يملا الدار
ولكن بعد أن اصطادوه لجأ إلى الحيلة، وأخذ يخاطبهم برقّة
وضعف ويقول:
أنا الدويري وايش مني، طبخة عدس تغني عني
وأعتقد بأن الأطفال أطلقوا سراحه بعد أن رقّوا لحاله، وبعد
أن أيقنوا حقاً بأن ليس فيه من اللحم ما يُغري بصيده.
* * *
الكروان:
أما طائر الكروان فهو كبير الحجم نسبياً، ولونه يشبه لون
تراب الأرض، وكان عندما يرى الناس يلبد على الأرض فتصعب
رؤيته بسبب لونه الذي يشبه لون التربة، وكان الأطفال
يطاردونه ويحاولوا أن يقنعوه بأنه لو لبد على الأرض لنجا
من عصا الراعي التي يطارده بها، ويقولون:
يا قَرَوَان لبود لبود، جاك الراعي بالعمود
في حين أن عيونهم لا تغيب عنه وما أن يلبد حتى يكونوا
بمقربة منه فيضربوه بحجرٍ أو عصا ويصطادونه، ولكن خيبتهم
تكون كبيرة عندما يجدوا أن حجمه لا يزيد عن قبضة اليد
الواحدة، وإن كان يبدو من بعيد أكبر من ذلك بكثير.
* * *
الجمامة:
أما اليمامة، أو الجَمَامة كما يسميها أهل البادية،
فكثيراً ما يُسمع هديلها على أشجار التين والجميز المنتشرة
في الصحراء، وخاصة في فصل الربيع حيث تضع بيوضها فكثيراً
ما يقلّد الأطفال صوتها ويرددوا هذا الغناء:
يا قيس قوم، يا قيس قوم، صلّي وقوم، صلّي وقوم، يا جوختي
يا جوختي.
وفي الحكايات الشعبية يذكر أن اليمامة وهي تهدل على الشجرة
فهي تبكي أخاها الذي قُتل صغيراً، وكانت هي غائبة وعندما
عادت وجدت أخاها مقتولاً، فرمت نفسها عليه وتمرغت في دمه
المسفوك، فأصبحت ساقاها حمراوين، وكان أخوها يدعى " قيساً
"، فهي ما تزال تناديه وتنوح عليه وتندبه بقولها : يا قيس
قُم، يا قيس قُم، صلّي وقُمْ صَلّي وقُمْ. والله تعالى
أعلم.
* * *
البرقي:
البَرْقِي أو أبو عَوّاد هو طائر صغير يميل لونه إلى
الرمادي وله بقعة سوداء في صدره، وذيله أسود كذلك، وهو
يحركه باستمرار، وهذا الطائر شديد الحذر، وهو يعيش على
الديدان الصغيرة والنمل، وكان للأطفال مغامراتٌ عديدة مع
هذا الطائر، فهم يبنون له الفِخَاخ ويطاردونه ويركضون خلفه
حتى يقترب من الفخّ، وكانوا يلجأون لطريقة يحتالون بها
عليه ويرددون له أغنية خاصة علّها تستميله فيقترب من الفخ
دون خوف، والأغنية تقول:
يا بو عوّاد، منك لَغَاد، على الميراد، دودة وقراد
وكثيراً ما يقع الطائر المسكين بين فَكّي الفخ وعندها لا
ينفعه الحذر، وفي مرات أخرى يعود الأطفال يلهثون بعد أن
يتركهم أبو عواد ويطير بعيداً ويختفي عن الأنظار.
* * *
البومة:
البومة وكنيتها أم سليمان من الطيور التي يتشاءم منها
البدو، ويكرهون صوتها أشد الكره، ويقولون إنها لا تزعق إلا
في الخراب، وهي تعيش في البيوت المهجورة والخرائب، وقد
تكون المسكينة مظلومة ولكن من الصعب أن نمحو هذا الاعتقاد
من ذاكرة الناس بين عشيةٍ وضحاها.
حدثني أحد الشيوخ أن مدنياً أراد أن يسهر عند جارٍ له من
البدو، فذهب بعد الغروب بقليل، وكان عليه أن يقطع وادياً
يفصل بينهما، وما إن قطع الوادي حتى زعقت عليه البومة،
فكاد يموت من الخوف، فعاد يرتجف وحدّث أهله قائلاً: كنت
أسهر عند الجيران نصف ساعة، وفي يوم طلعت عليّ بومة العرب
أم سليمان، وهي تزعق وتقول: طَقْطَق مِيو، طَقْطَق مِيو،
فحسّيت قلبي انشق شَقّين.
إلا أن البدو لا يخافون منها بل يطاردونها ويبعدونها عن
بيوتهم حتى لا تكون نذير شؤم يجلب لهم المصائب والويلات.
* * *
المَرَعَة:
المَرَعة وجمعها مَرَع، هي طائر مائي أسود اللون يطير
ويهبط قريباً من المواشي والأغنام، فيراه الراعي فينقضّ
عليه فلا يطير إلا بعد أن يقترب منه الراعي ويكاد يُمسك
به، ثم يبتعد عدة أمتار ويهبط فيظلّ الراعي المسكين يتوهّم
أنه سيمسك به حتى يلهيه عدة ساعات ويبتعد به عن أغنامه، ثم
يطير ويختفي بعيداً عن الأنظار، ومن أجل ذلك أطلقوا عليه
اسم "ملَهِّي الرِّعْيَان".
* * *
القُنْبَر:
القنبر طائر محليّ معروف، لونه يشبه لون التراب، وله ريشات
صغيرة ترتفع فوق رأسه ومن أجل ذلك اكتسب اسمه "قُنْبَر"،
وهو يقتات على الحبوب والنباتات، وهو عدو للمزارع لأنه
ينبش على الحبوب المزروعة حديثاً ويأكلها، ويأكل ثمار
الخضروات قبل نضوجها مما يجعله مصدر إزعاج حقيقي للمزارع
المسكين.
ومن الحكايات التي أذكرها حول القنبر: أن أخاً لي كان يبني
فخاً للبرقي، وقد وضع فيه دودة بيضاء ليغريه بها لأنه
يقتات على الدود، وصار يطارد البرقي من مكان لمكان حتى
يقترب من الفخ ويصطاده، وحدث أثناء ذلك أن هبطت قنبرة أمام
الفخ ورأت التربة الطرية فأخذت تقترب من الفخ وتنبش بحثاً
عن حبوبٍ تأكلها، وجاء البرقي فرأى الدودة فسال لعابه
ولكنه كان حذراً، فدار لها من الخلف ونقرها فأطبق الفخ على
رقبة القنبرة وطار البرقي هارباً، فاكتفى بها أخي وأخذها
مكان البرقي الذي أرهقه ولم يستطع اصطياده في نهاية الأمر.
* * *
رهط في: 26/12/2009
{{{
---------------
نشرت في صحيفة الحدث بتاريخ الأربعاء
30/12/2009، العدد (117).
جـميع
الحقـوق مـحفوظـة
« لا يسمح باستخدام هذه المادة
بشكل تجاريّ دون أذن خطّيّ من المؤلف »
ولا
يسمح بنقلها واستخدامها دون الإشارة إلى مصدرها.
|