قد يكون هذا الموضوع
فريداً في نوعه، أو غريباً بعض الشيء، وذلك لتناوله
موضوعاً لا يهتم به الكثيرون، ولكنه في واقع الحال موضوع
تراثيّ كبير، فيه رواسب من ثقافة الناس عبر عصور التاريخ
المختلفة، التي تمتد جذورها من الجاهلية حتى الإسلام وحتى
عصرنا الحاضر.
وموضوعنا عن دعاء السوء في
التراث الشعبيّ، نقصد به ذلك الدعاء العكسيّ الذي يدعو
بحلول الويلات والمصائب، أو الضرر والأذى، سواء كان بشكلٍ
مقصود نتيجة لظلمٍ أو جور أو ضيم، أو إذا كان نتيجة لضيق
وتبرم وتذمّر.
وقد يأتي هذا الدعاء للنهي
والزَّجر، كما تفعل الأمهات عند زجر أطفالهن لكفّهم عن
العبث أو المشاجرة أو التقاعس وقلة الاكتراث.
ويأتي كذلك كردّة فعل
نتيجة لتصرفات تثير الحفيظة، أو لأفعال طائشة وغير مسؤولة،
فيلجأ لها الناس تعبيراً عن سخطهم وعدم رضاهم عن تلك
الأعمال أو التصرفات.
ومن يتتبع هذه الأدعية يجد
أنها أكثر من أن تحصى، وذلك لأنها تستعمل معظم العبارات
التي تعبر عن إيقاع الضرر والأذى، أو التي تدعو إلى
وقوعها.
وقد نهى النبي صلى الله
عليه وسلم عن اللجوء لمثل هذه الأدعية، وعن الدعاء على
الأهل والمال والنفس، فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: «لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا
على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله
ساعة يُسأل فيها عطاء فيستجيب لكم» - رواه مسلم (3009) في
الزهد، وأبو داود (1532).
وقد رأينا خلال تقصينا
وتتبعنا لهذا الموضوع أنه يتشعب إلى فروع عديدة ومختلفة،
فقمنا بتبويب البحث بما يتلاءم مع تلك الفروع، وجمعنا
وركَّزنا كلَّ نوعٍ من هذه الأدعية تحت باب أعطيناه اسماً
يدلّ على فحوى ما يندرج تحته من الأدعية، بحيث يمكن الوصول
إلى كلّ دعاء منها بكلّ سهولةٍ ويسر، أما هذه الأبواب فهي:
الدعاء بالموت:
يجعلك بالموت:
دعاء بالموت بشكل مباشر،
وإن كان يقصد به الزجر والترهيب وليس الموت بشكل فعلي،
وكانوا يقولون:« أريد لك, أريد لك، بَس الموت ما أريد لك
»، وهذا يعني أنهم حتى وإن دعوا بالموت فهم لا يتمنونه
بشكل حقيقي.
سَكَت حِسّك:
عندما يبالغ أحدهم في كثرة
الحكي والثرثرة ولا يكفّ عن الكلام أو الحركة والعبث، أو
إذا كان كلامه لا يروق للكبار فنجد الأهل يزجرونه ويقولون
له بنبرة حادة:« اسكت، سكت حِسّك ».
والحِسّ؛ هو الصوت، وعندما
يسكت حسّ الإنسان أو صوته فهذا يدلّ على موته. وهذا يعني
أن هذا الدعاء هو دعاء بالموت على ذلك الشخص.
وأحياناً يستعملون جملة
أخرى مشابهة وهي بنفس المعنى بقولهم :« اخرس، يخرس حِسّك».
قامت قيامتك:
عندما يطلب أحد الوالدين
من أحد الأبناء الصغار أن يناوله شيئاً ما، ويتلكأ الابن
أو يتباطأ في ذلك ويظلّ جالساً مكانه، فغالباً ما تثور
حفيظة الوالد ويصرخ في وجهه قائلاً:«قم، قامت قيامتك».
وفي الحديث النبوي
الشريف:«من مات فقد قامت قيامته». وهذا يدلّ على أن هذا
الدعاء هو دعاء بالموت أيضاً.
يقصف عمرك:
وصيغة الدعاء أنهم يقولون:
"يقصف عمره" أو "الله يقصف عمره" أو "قصفة تقصف عمره".
والقَصْف: هو الكَسْر، وقصف العود: كسره إلى نصفين، ومن
هنا نرى أن هذا الدعاء هو دعاء بالموت، لأنَّ الذي يُقصف
عمره يموت بطبيعة الحال.
وفي الأمثال الشعبية:«اللي
أكله خَطْف عمره قَصْف»، أي يموت موتاً مفاجئاً.
الله ياخذك:
والذي يأخذه الله هو الذي
يموت ويلاقي وجهه الكريم، وهذا يعني أنه دعاء صريح بالموت.
تنام وما توعى:
وهو دعاء على من يتأخر في
النوم أو يتباطأ في النهوض، فإذا كان طفلاً فغالباً ما
تنهره أمّه بقولها: «تنام وما توعى»، أو «نومة أهل الكهف»،
أو «نومة بلا قومة». ومن ينام ولا يوعى يصبح في عداد
الأموات لأن الحيّ لا بد أن يستيقظ.
أما قولهم: «تنام عليك
حيطة»، فهو دعاء لا يخصّ أهل البادية، لأنهم لا يسكنون
الحيطان؛ التي تعني بيوت الحجر الثابتة، أما هم فالصحراء
ملكهم ينصبون فيها خيامهم حيث يتوفر الماء والكلأ.
ما تأكل غيرها:
وهو دعاء على من يلحّ في
طلب الطعام، ولا يكفّ عن طلب المزيد منه، فنسمعهم يقولون
له:«كُلْ، إن شاء الله ما تأكل غيرها».
وهذا دعاء بالموت، لأن
الحيّ يظلّ بحاجة إلى الطعام طيلة حياته، أما إذا مات
فينقطع عنه ذلك السبب.
طَمْرَة تطمرك:
وهو دعاء على من يُكثر
اللجاجة، أو يُنهى عن حديث ولكنه يستمر فيه ولا يأبه لمن
ينهاه عنه، وغالباً ما يثور أحدهم في وجهه ويقول له
مؤنباً: «انطمر!»، أو قد يضيف إليها « طَمْرَة تطمرك». وقد
تجيء الجملة الأخيرة جواباً للأولى من قِبَل الأخير.
والطمرة: من طَمَر يطْمُر:
أي يدفن في التراب، ومن يُطمر يكون قد مات ودُفِن.
وهكذا نرى أن هذا الدعاء
ولو أنه يبدو في الظاهر كجملةٍ عابرة قد لا يأبه لها أحد،
إلا أنه في واقع الحال يتضمن دعاء بالموت والفناء.
الدعاء بملك الموت:
وهو الدعاء بأن يقبض ملك
الموت روح من ندعو عليه، وصيغة الدعاء أنهم
يقولون:"عُزْرَايِين يقبض روحك": وعزرايين هو عزرائيل ملك
الموت، الذي يسميه العامة عُزْرَايِبن، وهذا يعني أن هذا
دعاء صريح بالموت لمن ندعو عليه.
وقد سمعت صيغة أخرى من هذا
الدعاء وهو أن أحد الأولاد كان يقوم بحركات زائدة ويعبث في
كل شيء أمامه، ويقوم بحركات بهلوانية لإغاظة أهل البيت،
فصرخ عليه أحدهم بقوله: "لا تفرشط، يفرشط عليك عزرايين".
صَحْرَة:
هذا دعاء
خاص ببعض العائلات في النقب، فيقولون:" صحرة"، أو " صحرة
تاخذك"، وقد يُنَغِّمون الصاد فتسمع سيناً وكأن الكلمة "
سَحْرَة". والصَّحْرَة: يُقصد بها المقبرة، أي فليذهبوا بك
ميتاً إلى المقبرة، هذا هو المعنى الحقيقي لهذا الدعاء وهو
دعاء بالموت كما ترى.
حتى هنا في هذا العدد،
وللبحث بقية في العدد القادم بعون الله تعالى.
qqq
---------------
نشرت في صحيفة الحدث بتاريخ الأربعاء
27/01/2010، العدد (121).
جـميع
الحقـوق مـحفوظـة
« لا يسمح باستخدام هذه المادة
بشكل تجاريّ دون أذن خطّيّ من المؤلف »
ولا
يسمح بنقلها واستخدامها دون الإشارة إلى مصدرها.
|