من المعروف أن ألوان
الحيوانات والماشية لها أسماءٌ مختلفةٌ عند البدو،
فالألوان التي يتفاءلون منها يطلقونها على إبلهم وخيولهم،
والألوان التي يتشاءمون منها يُغيّرون اسمها لتتلاءم مع
أذواقهم، وترتاح لها أنفسهم ولا يجدوا حرجاً في نطقها
والتلفّظ بها. وقد يطلقون على اللون الواحد أكثر من اسم،
كما هو الحال في اللون الأبيض؛ فهو في الخيل شيء وفي الإبل
شيء آخر، وسنتعرف خلال هذه السياحة على تلك الألوان، وسبب
تسميتها ومعانيها، ومدى وقعها وتأثيرها، ونبدأها بالحديث
عن الخيل وألوانها:
ألوان الخيل
بما أن الخيول لها
مكانتُها وأهميتُها في حياة البدو، فعلى ظهورها يحمي
الفارسُ قبيلته، ويذودُ عن حياضِها، ويجلب العزةَ والفخرَ
لها، وحتى كلمة "فارس" جاءت من الفَرَس لأنه يقابلها
رَاجِل، فالفارس من يمتطي صهوة الفَرَس، والراجِل من يمشي
على رجليه، والفروسيّة كذلك من نفس الجذر كما نرى، ومن هنا
نرى تعلّق البدويّ بفرسه وخيوله، ونرى أيضاً محبته لها،
وعنايته ورعايته الخاصة بها.
والبدويّ يرى أن الفرس قد
تجلب حظاً وفألَ خيرٍ على صاحبها، ونجد في أمثالهم: "أعتاب
وكعَاب ونواصي"؛ فالأعتاب هي عتبات البيوت، والكعاب هي
كعاب النساء، والنواصي هي نواصي الخيل، فرأوا أن اقتناء
الفرس الجديدة يُشبه بناء بيتٍ جديدٍ أو الزواج من امرأة
جديدة.
وهم لا يفرّطون في خيولهم
ويرون أن من يُفرّط في فرسه كمن يفرّط في عِرضه، فقالوا:
"ثلاثة ما بيتفرط فيهن؛ الْمَرَة والفَرَس والبارودة".
وحدثني أحد المسنين أن الناس كانوا إذا ماتت فرسٌ عندهم
فإنهم يكفّنونها ويدفنونها ويذبحون لها عشاءً كما يفعلون
مع موتاهم، وهذا يدلّ على دور الفرس وأهميتها عند البدو في
العصور الماضية.
أما ألوان الخيل فهي
كالتالي:
الفرس الخضراء:
أطلق العربُ هذا الاسم على
الفَرَس ذات اللون الأبيض، وكلّ فرسٍ بيضاء اللون فهي
خضراء وليست بيضاء كما هو حال لونها الطبيعي، وذلك لأنهم
يحبون اللون الأخضر ويتفاءلون منه لأنه يدلّ على الخير
والخصب وعلى تجدد الحياة والنمو، ومن أجل ذلك أطلقوه على
خيولهم تيمناً وبركة، فقالوا عن البيضاء منها خيولاً
خضراء.
وتروي كتب السِّيَر
القديمة أن فرس ذياب بن غانم وهو فارس من فرسان سيرة بني
هلال كانت تدعى "الخضرا"، وهي من الخيول الأصيلة التي لا
تُلحق، وقد ذكرتها الأمثال الشعبية بقولها: "كُلّ الخَيْل
للخَضْرَا توَابِع"، وكذلك ذكرت الأمثال الشعبية شخصية
الفارس ذياب بن غانم بقولها: "الكِبَر أَعْيَى ذياب بن
غانم"، وتروي السيرة أنه عاش عمراً مديداً حتى عَجِزَ
وهَرِم وترَهَّل لحمُه حتى تهدّلت حواجبُه فوق عينيه.
وكان البعض يعتقد أن فرس
ذياب بن غانم خضراء بالفعل، وقد سمعت رجلاً من قرى القدس
يحدّث أبي ويقول: "كانت فرس ذياب بن غانم خضراء زي
العِشْرِق"، أي أنها شديدة الخضرة، فأخبره أبي أن العرب
يسمّون خيولهم البيضاء خيولاً خضراء للأسباب التي ذكرناها،
فتعجب الرجل كيف غاب عنه هذا المعنى لفترة طويلة.
الفرس الزرقاء:
أما الفرس الزرقاء فهي
الفرس ذات اللون الأسود، والعرب يكرهون السواد ويتشاءمون
منه لأنه يدلّ على الحزن والبين والأسى، وسمعتُ امرأةً
تقول: "رايتكم سودا يا قوم فلان"، ويقولون كذلك: "سَوّد
الله وجهه" وعكسها "بَيّض الله وجهه"، ويقولون كذلك: "من
سواد نيته حدث له ما حدث". إضافة إلى أن السواد هو لون
الثياب التي تلبسها النساء حداداً على الأموات، فالسواد
هنا يدلّ على سواد الفعل وسواد النية وكلّ عملٍ يأتي من
ورائه مُشكل، وهو رمزٌ لكلّ حزنٍ وأسى، فكيف يطلقونه على
خيولهم التي يحبّونها كحبّهم لأولادهم، فكرهوا أن يصفوها
بالسواد فأتوا لها باسمٍ أخفّ وقعاً على النفس، وقالوا
عنها زرقاء تخفيفاً، فالزرقاء من الخيل إذَن هي ذات اللون
الأسود كما ترى.
الفرس الحمراء:
أما الفرس الحمراء؛ فهي
ذات اللون البنيّ الذي فيه دكونة وحمرة، ولونها من الألوان
التي يحبّها العرب.
الفرس الدهماء:
أما الدهماء من الخيل،
والذكر منها أدهم، فهي ذات اللون البنيّ الغامق الذي يضرِب
لونه إلى السواد.
الفرس الشقراء:
أما الشقراء من الخيل فهي
الفرس ذات اللون البنيّ الفاتح الذي يضرب إلى الصفرة
قليلاً. ومن هنا نرى أن الألوان الثلاثة الأخيرة جميعها
تتكوّن من اللون البنيّ فما كان داكناً منها أطلقوا عليه
اسماً، وما كان فاتحاً أطلقوا عليه اسماً آخر. مع الأخذ
بعين الاعتبار أن جميع هذه الألوان كانت محبوبة ومألوفة،
لأن الخيل أنفسها محبوبة عندهم ومهما اكتست من ألوان تظلّ
قيمتها كبيرة ومنزلتها سامية في نظرهم.
ألوان الإبل
أما الإبل
فلها ألوانها الخاصة أيضاً، وهي تُشبه ألوان الخيل في
بعضها وتختلفُ عنها في بعضها الآخر، ونذكر هنا ما نعرفه
منها، ونبين معناها وما يشتقّ منها، فنقول:
الجمل الأوضح:
هو الجمل
ذو اللون الأبيض أو الذي يضرب لونه إلى بياض، والناقة
الوضحاء: هي الناقة ذات اللون المذكور، ومنه جاء اسم
"وضحا"، أي وَضْحَاء، وهو اسم عَلَمٍ مؤنث يُطلق على كثيرٍ
من النساء في النقب، ويُقصد به المرأة شديدة البياض تيمناً
ببياض الناقة المذكور. ومنه أيضاً جاء اسم "وضحان" وهو اسم
عَلَمٍ مذكّر يطلق على بعض الذكور ويقصد به الرجل الأبيض،
وقد استعاروه من لون الجمل الأوضح كما ترى. وحدثني شيخٌ
سألته عن ألوان الإبل فقال: "الجمل الأوضح هو الجمل الأبيض
الذي لا خِلْط فيه".
الجمل الأزرق:
أما الجمل الأزرق فهو
الجمل ذو اللون الأسود، وهذا النوع قليل في بلادنا، وينتشر
بشكلٍ أكبر في جزيرة العرب، ويطلقون أيضاً اسم "زريقان"
على الجمل الأسود الفتيّ، أما الشيخ الذي سألته عن ألوان
الإبل، فقال: "الجمل الأزرق": هو الجمل الأسود الغطيس الذي
يشبه سَاكَتِي هذه، وأشار إلى جبّته السوداء توضيحاً
للمعنى وتوكيداً على لون ذلك الجمل.
الجمل الأحمر:
وهو الجمل ذو اللون البني
الفاتح الذي يضرب إلى الحمرة، والناقة الحمرا: هي الناقة
التي تكون باللون المذكور. وأكّد لي الشيخ المذكور بقوله:
الجمل الأحمر: هو الأحمر الذي لا خِلط في لونه.
الجمل الأصفر:
هو الجمل الأشقر الذي
يضرب لونه إلى الصفرة، وقال محدّثي الشيخ: الجمل الأصفر هو
الأشقر الذي خِلْط فيه.
وهكذا نكون قد تطرقنا
لألوان نوعين من الحيوانات الأليفة التي عاشت مع البدويّ
في صحرائه، ورافقته في تنقّلاته ورحلاته المختلفة، فأحبّها
وأَنِسَ بها وكانت له خير رفيقٍ على الدوام.
qqq
---------------
نشرت في صحيفة الحدث بتاريخ الأربعاء، 24 آذار، 2010،
العدد (129).
جـميع
الحقـوق مـحفوظـة
« لا يسمح باستخدام هذه المادة
بشكل تجاريّ دون أذن خطّيّ من المؤلف »
ولا
يسمح بنقلها واستخدامها دون الإشارة إلى مصدرها.
|