شعور
غريب يلازمني، وإحساس مبهم غير مفهوم يستكنّ بين جوانحي، يجعلني أشعر
بالغربة والوحدة، وأشعر بأنني أختلف عن الآخرين، أو أنني نوعٌ غريب من
البشر.
فأتعذب وأنا أشعر بهذا الشعور، وأتألم وأنا
أحسّ بالغربة والوحدة والضياع، فأنا أعرف بأنّ الوحدة نوع من أنواع
الضياع، نوع من الانغماس في اللاشيء، في المبهم والمجهول.
وألوم نفسي وأنعتها بصفات تؤلمها، وأصفها بأنها
متخلفة وغير طبيعية، فما هذه الانطوائية إلا ضرب من الشذوذ، والهروب
من الواقع وعدم المشاركة الفعلية في الحياة.
وكلما أصفع قلبي مؤنباً، يحتدّ وينتابه غضب
شديد إلا أنه يتمالك نفسه ويبلع سخطه ويمسك بيدي ويقودني إلى نافذة
صغيرة تُطل على العالم الخارجي، ويقول: ها هم الناس انظر إليهم.
أنظر من خلال الكُوّة الصغيرة فأرى الناس على حقيقتهم ينتشرون في كل
مكان، بعضهم يتسلل في الظلام وبعضهم يسير في وضح النهار، بعضهم قوي
شرس كالنمر يثور ويزمجر لأتفه الأسباب وينقض ليفترس دون رحمة، وبعضهم
كالثعبان يلدغ وينساب بين الأعشاب دون أن يراه أحد.
إنهم يشبهون تماماً الحيوانات التي تعيش في
الغابة، كل فريق منهم يسير في اتجاه، ولكن قاعدة واحدة تنطبق عليهم
جميعاً ودون استثناء وهي أن الكبير منهم يفترس من هو أصغر منه.
نظرت طويلاً وطويلاً، ورأيت ما كنت أتصوّر، وما لم يخطر على بالي
أبداً، رأيت ما كنت أحب وما كنت أكره، لكنني كنتُ هادئاً ممسكاً
أعصابي، ولم تهزني الأحداث الخارجية، فقد عاهدت نفسي منذ زمن طويل
ألا أتدخل في شؤون الناس، وأن أبقى مخلصاً لله ولنفسي ليس أكثر.
وعندما مللت من النظر وتعبت من المشاهدة تركتُ
النافذة وعدتُ إلى نفسي وإلى قلبي وعاد يلازمني شعوري الغريب.
* * *
|
|