باب في الزواج والعلاقات الأُسريّة |
صوّرت الأمثال البدوية حياة البدويّ في المناسبات المختلفة ، وأعطت صورة صادقة لأخلاقه ، ومزاجه ، وطبيعة حياته ، وأبرزت بصورة جلية عاداته الأصيلة، وتقاليده المتوارثة ، في بيئته الصحراوية ، وفي حياته الفطرية البسيطة . وكلمة بدوي مشتقة من كلمة البادية ، أو البيداء التي تعني الصحراء ، وهي لا تعني البداءة وليست مشتقة منها ، وإنما هي نسبة إلى المكان " البادية " ، مثل كلمة حضري : من أهل الحضر ، ومدني : من أهل المدن ، وقروي : من أهل القرى ، وبدوي من أهل البادية وهذا هو المعنى الصحيح لها ، أما الذين إستعملوها وكأنها تعني البداءة والجهل فهم لا يفقهون من أمرهم شيئاً ، لأن النسبة إلى البداءة هي بدائي وليست بدويّ . والرجل البدوي بطبيعته رب أسرة طيب وحنون ، وأب مثالي لأبنائه ، وزوج يحاول جاهداً أن يعدل بين نسائه ، وهو بطبيعته يحب أن يتزوج بأكثر من إمرأة واحدة ، خاصة وأن دينه الحنيف يسمح له بذلك ، وظروفه العائلية تضطره في بعض الأحيان إلى ذلك ، ومجالس سمره تزين له ذلك وتحببه إليه ، وإن انقلبت الموازين الآن ، وقلّت نسبة الذين يجمعون بين الضرائر ، ومن الأمثال التي تدور حول هذا الموضوع : ◊ الجيزة مراجل . أي أن إقدام الرجل على الزواج من أكثر من إمرأة هو نوع من أنواع الرجولة ، يقال ذلك عندما يكون الرجل متزوجاً من إمرأة ولا تنجب ، فيتزوج من إمرأة أخرى فتلد له ذرية صالحة ونسلاً طيباً وتحيي بذلك اسمه الذي كاد يندثر ، فلولا زواجه لاندثر اسمه وطوي ذكره . ◊ الخيّر أبو ثنتين وثلاثة . أي أن الرجل الكريم هوالذي يجمع في بيته بين زوجتين أو ثلاث ، ويكون له في جمعهن فضل كثير ، وذلك لأن لكل إمرأة بيت ومتاع ، فيكون للرجل أكثر من بيت واحد ، وأيضاً لكثرة الولد والخلف ، لأنه كلما كثرت الزوجات كلما كثر الأولاد ، وهم يكونون مستقبلاً عزوة ومنعة لأبيهم ، وظهراً وسنداً له ولقبيلته . ويحرص البدوي على تزويج أبنائه في سن مبكرة لأسباب مختلفة ، فهو يحب أن يزوجهم ويفرح بهم في حياته ، ويحب أن يقيم لهم عرساً عظيماً يُظهر فيه كرمه ، وبذله وسخاءه ، ويهتم البدويّ بتزويج إبنته قبل إبنه ويقول : ◊ دَوِّر لبنتك قبل ما تدوّر لولدك . دَوِّر تعني إبحث ، لأن الولد يمكن أن تزوّجه من أي مكان ، وفي أي وقت تريد ، أما بالنسبة للبنت فالوضع يختلف فلا يمكنك أن تُدلّل عليها وتقول لديّ بنت فمن يتزوجها ، والمثل يقول : ◊ اللي بيدلِّل على بضاعته بتبور . أي أن الذي يُكثر من عرض إبنته على الناس والتدليل عليها ، يجعلهم ينفرون منها ويبتعدون عنها . وهناك مثل آخر يقول : ◊ خلِّي السمن في جراره حتى تجيك أسعاره . أي دع الأمور كما هي ، ولا تقلق وتضجر على مصير إحدى بناتك إذا تأخر زواجها ولم يخطبها ابن الحلال في سنّ مبكرة ، ولا تُدلّل عليها ، فقد يأتي وقتٌ وتتزوج فيه من رجل طيب يقدّرها ويحترمها ويوفّر لها حياةً هانئةً سعيدة ، ولا داعي للعجلة والتسرع ، فإنها وهي عندك كالسمن المخزون في جراره ، الذي لا يفسد ويبقى محافظاً على قيمته ونظافته . وإن كان هناك مثل آخر يقول : ◊ العِرض ما بينحمى بالسيف . لأن الزواج ستر للمرأة وحفظ لها ، ولو فاتها قطار الزواج فلا يمكن لأبيها أن يحمي عرضها بسيفه ، فالزواج وحده هو الذي يسترها ويحمي عرضها . وقد يزوج البدوي أبناءه بطريقة البَدَل ، فيزوج الرجل إبنته إلى عائلة أخرى ويأخذ بدلها إبنة تلك العائلة زوجة لإبنه ، وكثيراً ما تحدث مشاكل من مثل هذا الزواج فنراهم يقولون : ◊ البَدَل قِلَّة عَدَل أي قلة عَدْل ، فقد يتخاصم أحدهم مع إمرأته فيطردها أو يطلقها ، فيضطر الثاني الذي يعيش في وفاق مع إمرأته أن يقابله بمثل صنيعه ، وإن لم يفعل فإن الأول الذي طرد زوجته يستدعي أخته ويحجزها عنده حتى تنتهي المشكلة إما بعودة النساء إلى بيوتهن وإما بطلاقهن ، وقد تلاشت هذه العادة حتى كادت تنتهي . وزواج ذوي القربى منتشرٌ عند البدو بشكل ملحوظ ، فنرى الشاب ينتظر إبنة عمه حتى تكبر فيتزوجها ، وهو لا يسمح لرجل غريب بزواجها ، خاصةً إذا كان هو بحاجة لها ، أما إذا لم يكن بحاجة لها فهو عادةً لا يتدخل ، ويقولون في ذلك : ◊ النُّوَّارَة ما بتطلع من الحارة النوارة : أي الزهرة الجميلة ، أي أن الفتاة الجميلة لا تتزوج غريبة لأن أبناء عمها أو أقاربها لا يتركونها لغيرهم ، بل يتزوجها أحدهم . وإذا أبدى أحدهم إمتعاضه وعدم رغبته في الزواج منها فانهم يحاولون إقناعه بقولهم له : ◊ اللي بيستحي من بنت عمه ما بيجيب منها ضعوف ضعوف تعني أولاد واحدها ضعيف ، وهي تُستعمل غالباً بصيغة الجمع . وأحياناً عندما يخطب الفتاة رجل ليس من أبناء قبيلتها ، فإن ابن عمها أو قريبها " يتبدَّى بها " أي يكون له حق الأولوية في الزواج منها . وإذا أبدى الخاطب إعتراضه على ذلك فإنهم يحسمون الموضوع بقولهم له : ◊ ولد العم بينَزِّل العروس من القْطَار القطار بتسكين القاف تعني الجمل الذي يحمل هودج العروس ، ومعنى المثل أن ابن العم يستطيع أن يوقف قطار العرس الذي يحمل إبنة عمة وينزلها عنه إذا رغب في ذلك ، ويقولون أيضاً : وهناك مثل تقوله النساء للحثّ على زواج الأقارب بعضهم من بعض يقول : ◊ خُذ من طينة بلادك وحُطّ على خدادك وهذا المثل تقوله النساء لحثّ الرجل على الزواج من أقاربه ، أو من إمرأة من بلده قريبة من مكان سكناه حيث يعرفها ويعرف أهلها ويعرف عاداتهم وتقاليدهم وتكون المرأة بذلك من طبقته ، ولا يكون تناقض بينهما وهذا المثل تقوله النساء ونادراً ما يُسمع من الرجال . والبدوي يحب نسيبه " زوج ابنته " ويقدّره ويُكنّ له كل إحترام ويرحب به ويقول : ◊ كُون نسيب ولا تكون قريب . فالنسيب " الصهر " حتى لو لم يكن من القبيلة ، فهو قريب منهم بسبب مصاهرته لهم واندماجه في العائلة ، وهو بمثابة الولد إذا كان يحترمهم ويحترم إبنتهم ، ويقولون أيضاً : ◊ النبي فرش عباته لنسيبه . والحكاية تقول : ان النبي محمد صلى الله عليه وسلم جاءه يوماً علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو ابن عمه وزوج ابنته فاطمة الزهراء ، وعندما لم يجد النبي ما يفرش له ، فرش له عباءته ليجلس عليها . ونراهم يقولون : ◊ نسيبك من نصيبك . أي أن نسيبك " زوج إبنتك " إذا كان رجلاً طيباً يقوم بواجب ابنتك ، ويحترمها فهو - من حظك - لأنه لا يجلب أية مشاكل لا لك ولا لإبنتك . وهناك أمثال متفرقة في هذا الباب نذكر منها : ◊ اللي بيتجوّز ببلاش بيطلّق ببلاش يتجوّز تعني يتزوّج ، ومعنى المثل : إن الذي لايتعب في الحصول على الشيء ، بل يحصل عليه بسهولة ، ولا يتعب في دفع ثمنه ، فهو عادةً لا يشعر بقيمته ولا يحرص عليه بل يفرط فيه بسهولة ، لأنه في نظره كـ " مال جابته الرياح وأخذته الزوابع " ، وكذلك الرجل الذي يتزوج بمهر قليل ، أو بعض الشباب الذين يتزوجون بطريقة البدل فهم لا يشعرون بقيمة الزوجة لسهولة الحصول عليها ، ونتيجة لذلك تحدث المشاكل العائلية ، ولأجل ذلك كله يحرص الأهل على كتابة مهر مؤجل عال نسبياً في وثيقة عقد الزواج حتى يرتدع بعض الأزواج الطائشين إذا فكّروا بطرد زوجاتهم أو طلاقهن . ◊ اللي ما بيطلع لأبوه بندوق بندوق تعني لقيط ، إبن حرام ، أي أن الولد الذي لا يحمل بعض صفات أبيه إن كان في الشكل والهيئة أو في التصرفات والأخلاق فقد يكون بندوق ( أي إبن حرام ) ، وذلك لأن الرجل إذا رأى بعض صفاته تتجلى في إبنه فإنه يشعر بالغبطة والرضى ، وهناك مثل يقول : ◊ من شبّى من حصان ركب عليه . يقال شبّى وشبّ على بمعنى علا على ، وكما يأتي العرب بحصان عربيّ أصيل ليشبّ على فرس فتلد مُهراً يشبه أباه الحصان العربي الأصيل من أصالة وعراقة ، فكذلك المرأة فإنها تلد أبناءً يشبهون أباهم في صفاته وتصرفاته المختلفة ولا تُلزم هذه الأمثال أن يكون الولد شبيهاً بأبيه تماماً فقد يشبه أحد أخواله في بعض الأحيان وعندها يقولون : ◊ ثلثين الولد للخال ويضرب هذا المثل عندما يكون الخال رجلاً طيباً أو قوياً بارز الشخصية وتظهر هذه الصفات في تصرفات وأخلاق ابن أخته ، أو عندما يكون العكس من ذلك ، وكأن مجتمعنا يعود باللائمة على من يتسرع في زواجه ولا ينتقي زوجة من عائلة عريقة محافظة حميدة الأخلاق لأن أولادها في المستقبل سيشبهون أخوالهم إلى حد ما ، وأحياناً يكون الإبن لا يشبه أباه ولا خاله فيقولون عندها : ◊ البطن مقثاة المقثاه هي المقثأة التي يُزرع فيها بعض صنوف الخضراوات ومعنى المثل : انه كما تُخرج المقثأة العديد من أصناف الخضراوات ( وهي قطعة أرض واحدة ) فكذلك بطن المرأة ، يمكن أن يُنجب أولاداً لا يُشبه أحدهم الآخر بحيث يكون لكل واحد منهم صفاته الخاصة به ، والتي تكون عادةً مزيجاً من صفات الأب والأم وبعض الصفات المتوارثة من العائلتين . ◊ بذاره في حِجْرِه إذا إستعجل أحدهم وأخذ يُلحّ في طلب الزواج فإنهم يقولون عنه فلان بذاره في حجره ، أي أنه كالفلاح الذي يملأ حجره بالبذار من بذور القمح أو الشعير أو بعض الحبوب الأخرى ، ويحاول أن يبذرها ويسبق بها سقوط المطر الذي يوشك على الهطول ، وإذا تمادى في الإلحاح في طلب الزواج فإنهم يقولون عنه : ◊ المِعْرِس خَي المجنون . المعرس تعني الذي يطلب الزواج ، وخي تعني أخو ، ومعنى المثل : ان الذي لا يستطيع كبت شهوته ويتعذب من جراء ذلك يشبه المجنون في أفعاله وتصرفاته ، ولذلك يجب الإسراع في تزويجه لأن في شرعية الزواج ما يطفيء نار شهوته ، ويقضي على كبته ، وينهي مشكلته . |