بعد أن تعرّفنا على
المطبخ ومكانه في بيت البدويّ، وعلى الأدوات المنزلية البسيطة التي فيه،
نودّ في هذا الفصل أن نتعرف على الطرق التي استعملها أهلنا في إيقاد نارهم،
وعلى المواد التي كانوا يُذكون ويُشعلون بها النار، وكلّ ما له صلة أو
علاقة بشكلٍ أو بآخر بهذا الموضوع.
الموقد:
هو المكان الذي تُشعل فيه النار، وهو عبارة عن حفرة صغيرة، مستديرة الشكل
بعمق حوالي 20 سم، تُشعل فيها النار إن كان ذلك لطهي الخبز والطعام أو لعمل
القهوة والشاي، أو للتدفئة من البرد أو غير ذلك. وقد جاء اسم الموقد من
الفعل أوقد يوقد؛ أي أشعل يشعل النار، وفي لسان العرب: أَوقَدْتُ النار
واستَوْقَدْتُها إِيقاداً، وقد وقَدَتِ النارُ وتَوقَّدَتْ، والموضع
مَوْقِد مثل مَجْلِس، والوَقُود: ما تُوقَدُ به النار، وكل ما أُوقِدَتْ
به، فهو وَقُود. والمَوْقِدُ: موضع النار(1).
وبعد أن تُشعل النار عدة مرات في الموقد يمتلئ بالرماد، وعندها يُجرف منه
الرماد ويُنظّف مكانه، ثم يُلقى خارج البيت في مكانٍ قريب من أوتاد البيت
من الجهة الجنوبية، حيث يُصبح بعد عدة أيام كومةً رماديةً يضرب لونها إلى
السواد، وتسمّى «سَكَنَةْ»، وقد جاء اسم «السَّكَنَة» من كلمة «السَّكَن»
والتي تعني الرماد(2). ويقولون لون سَكَنِيّ أي رماديّ، ونسمع
بعضهم يقول للآخر بصيغة الدعاء: «سَكِّن حالك»، أي لتكن حالتك سوداء لفرط
ما يحلّ بك من السوء. هذا في جهة المطبخ أما في جهة «الشِّقّ» فهناك موقد
آخر، وله «سَكَنَة» أخرى قرب أوتاد البيت من الجهة الشمالية حيث يُلقى
عليها إضافة إلى الرماد «حِثْْل» القهوة، أي حثالتها وما يتبقى منها في قعر
البكرج بعد الاستعمال.
وبقعة الأرض التي يُلقى عليها الرماد، أو السَّكَنة بشكل عام لا ينبت عليها
الزرع، لأن ذرات الرماد ناعمة جداً ولا تسمح بامتصاص مياه الأمطار، فإذا
رأينا بقعاً لا زرع فيها في موسم الربيع فهذا يعني أن عرباً سكنوا المنطقة
وهذه أماكن نارهم ومواقدهم.
ثم نأتي إلى الطريقة التي كان يشعل بها الناس نارهم، في الوقت الذي لم تكن
فيه علب الثقاب قد عُرفت أو استخدمت، وكانت هناك طرق بدائية تستعمل لتوليد
شرارة ومنها تشعل نار صغيرة ثم يضاف إليها القَشّ لتشتعل، والأدوات التي
استخدمت من أجل ذلك هي:
الزِّنَاد:
وهي آلة فولاذية صغيرة على شكل مثلث غير متساوي الأضلاع، ضلع قاعدته أطول
من ضلعيه الآخرين، وهو مفتوح من عند نقطة التقاء الضلعين من الأعلى، حيث
ينتهي كلّ ضلع برأس كرويّ صغير قريب من الرأس الآخر بحيث تتولد منهما شرارة
عندما يُقدح الزناد على حجر الصَّوَّان ( أي يضرب من الأعلى إلى الأسفل ).
الصَّوَّان:
حجر أملس صلب بأحجام مختلفة، والذي يستعمل منه لإشعال النار هو حجر أملس
صغير يضرب لونه إلى الحمرة أو السواد. وفي لسان العرب: «الصَّوَّانُ:حجارة
يُقْدَحُ بها، وقيل: هي حجارة سُود ليست بصلبة، واحدتها صَوَّانة.
الأَزهري: الصَّوَّان حجارة صُلْبة إذا مسته النار فَقَّع تَفْقِيعاً
وتشقق، وربما كان قَدَّاحاً تُقْتَدَحُ به النار»(3). وأضيف بأن
حجر الصوّان إذا وضع في النار وتعرض للحرارة العالية فإنه يفقع ويتشقّق
بالفعل.
القَدْح:
هو نبات ينبت في المرتفعات الصخرية والتي تكثر في الصحراء، وزهرته تشبه
المزهرية الصغيرة وبها ما يشبه القطن الناعم، حيث يؤخذ هذا القطن ويوضع في
الكف ويوضع بجانبه حجر الصوَّان ويُقدح الزناد، فتخرج شرارة تشتعل في قطن
القَدْح، ثم يُنفخ عليه حتى يشتعل ويضاف إليه القشّ الناعم، ثم يوضع القش
المشتعل في الموقد ويضاف إليه شيء من الزبل الجاف ويُنفخ عليه حتى يعلو
دخانه ويشتعل ويصبح ناراً. وربما من هذه الشرارة جاء المثل الشعبي الذي
يقول: «شرارة بتحرق حارة»(4).
وحدثني جاري أبو سليمان رحمه الله بأنّ هناك طريقة أخرى أسرع من الطريقة
التي ذكرنا، وهي أنهم يأخذون قطعة قماش صغيرة ويمسحونها عدة مرات في
«وَذََح» الغنم؛ وهو الدهن الذي يكون على أفخاذ الغنم وبطونها عند منبت
الصوف، ثم يقدحون الزناد فتشتعل قطعة القماش بشكل أسرع من القَدْح المذكور.
الوَلْعَة:
في الوقت الذي لم تكن فيه علب الكبريت معروفة في العصر السابق، كان على
المرأة إذا لم تجد ناراً أن تذهب إلى بيت جارتها وتأتي من عندها
بـ«وَلْعَة»، والولعة عبارة عن عودٍ مشتعل من طرفه، أو بعض جمرات تضعها مع
قليل من الرماد في وعاء صغير وتحملها إلى بيتها حيث تضعها في الموقد
وتغطيها بقليل من القش الناعم وتنفخ عليها حتى تَدُقّ النار أي تشتعل.
وفي الحكايات والأساطير الشعبية كنا نسمع صغاراً بأن فتاة ذهبت لتحضر ولعة
من عند عجوز تبعد مسافة عن مضارب القبيلة، فوضعت لها تلك العجوز رماداً
وبعض الجمرات ولفّتها بطرف ردائها، ولما كانت الجمرات مشتعلة فإنها ثقبت
القماش ثقباً صغيراً فأخذ الرماد يتساقط على طول الطريق لتستدلّ منه تلك
العجوز على الطريق المؤدي إلى بيت الفتاة ومنازل أهلها.
وبما أن هذه العجوز كانت «غولة» تتستر في شكل امرأة عجوز فإنها خرجت تتعقب
الأثر في ساعات الليل حتى وصلت إلى مضارب القوم فخطفت منهم من وصلت إليه
يدها وأكلته، ثم عاودت الكَرَّة حتى علمَ الناس بحقيقة أمرها فرحلوا هاربين
تحت أستار الظلام.
وكلمة أولع بـ: والتي تعني اشتعل حباً، مأخوذة من الولعة التي ذكرناها،
وكذلك «الولاعة» المعروفة والتي تُسمى أيضاً «قَدَّاحَة» لأنها تقدح شرراً
جاءت من هذه الأشياء.
اللدايا:
واحدتها لدِيّة، وهي عبارة عن ثلاثة حجارة توضع على حافة الموقد لترفع
الوعاء قليلاً عن النار حتى يكون المجال مفتوحاً لإدخال الوقود أو
«الحشُوش» من زبلٍ أو حطب أو غيره، وحتى يمكن أيضاً إدخال المفواج؛ وهو ما
يُحرّك به الجمر، وإضافة وقود جديد آخر.
واللدايا هي حجارة تؤخذ من المكان ولا يهمّ شكلها، وتكون متقاربة الحجم حتى
لا يميل من عليها وعاء الطعام، ويكون لونها بعد الاستعمال بين الرمادي
والأسود، نتيجة لعملية الاحتراق والاقتراب من لهيب النار كما ذكرنا،
واللدايا هي الأثافيّ المذكورة في معاجم اللغة وواحدتها أثفية. ونجدهم في
الأمثال العربية القديمة يقولون: ثالثة الأثافي، ومن أمثال العامة قولهم:
«القِدْر ما بيقعد إلاّ على ثلاثة»(5). والمقصود الحجارة
المذكورة، ولكنهم هنا يقصدون أنّ الرجل الذي يتزوج من إمرأتين يختلّ توازنه
بسبب المشاكل الناتجة عن الزواج من الضرائر، وعليه أن يتزوج من الثالثة
ليستقيم وضعه وينهي الخلاف القائم بين الضرتين. وقد استنبطت النساء فِعلاً
من كلمة اللدية، وكثيراً ما نسمع بعضهن تشكو من زواج زوجها عليها وتقول:
«لَدَاني بها على قلبي»، أي أن قدوم تلك الضرّة الجديدة كان كوقوع حجر على
صدر المرأة الأولى.
واللدايا عادةً لا تُحمل بل تترك على الدار مثلها مثل الموقد والنؤي وغيرها
لسهولة الحصول على غيرها في مكان السكنى الجديد، وهي من الأشياء التي تظلّ
على الأطلال والتي تغنّى بها الشعراء كثيراً في العصور القديمة.
المنْصَب:
هو أداة حديدية حديثة نسبياً ذات ثلاثة أرجل خفيفة الوزن، وهي تصنع من قضيب
حديدي قطره من 8-12 مليمتر، ويصنعها الحدّاد عادة ولكن في بعض الحالات
يصنعها ربّ العائلة ويلوي على أطرافها الأسلاك بدل اللِحَام لتتماسك ولا
تُفلت أرجلها حتى يمكن استخدامها، والقضيب منها معقوف من جانبيه نحو الأسفل
في شكل زاوية قائمة من كل جانب، حيث يوصل كل قضيب منها بطرف القضيب الآخر
حتى يأخذ المنصب شكله المعروف، وكثيراً ما نرى المناصب معلقة على الدواب مع
أهل الماشية وهم يُظعنون إلى مكان المرعى الجديد. والمنصب يُجمع على
«مَنَاصِب»، وهو بأحجام مختلفة، بعضها لحمل إبريق الشاي أو القهوة، وبعضها
الآخر لحمل القدور وطناجر الطبخ المختلفة.
الحَشُوش:
هو الوقود الذي يُحَشّ تحت النار، وهو عبارة عن قطع صغيرة من الخشب، والتي
غالباً ما يصعب الحصول عليها في الصحراء، وإنما كان الحشوش من «القَشّ
الخشن» وهو ما يسمى بـ «القَصَل»، وكذلك الأعشاب الكبيرة الجافة كـ
«البلاّن» وهو نبات شوكي معروف، و «المِتْنَان» وهو نبات غير شوكي. وكانت
المرأة البدويّة تخزن لنفسها احتياطياً من هذه الأعشاب الجافة وتضعها في
«الرُّفِّة» أو تحت «الرواق» وهو الجزء الغربي من البيت، أما «زِبْل»
الماشية فيعتبر المصدر الرئيسي للحشوش عند المرأة، ولكنه يُخرج دخاناً
كثيفاً عند إشعاله، إضافة إلى بطء اشتعاله ورداءة حرارته، وهو بذلك يسبب
للمرأة إرهاقاً وتعباً شديدين، حيث تسيل دموعها من كثرة الدخان عندما تخبز
أو تطهو الطعام.
والحَشّ؛ من الحشيش اليابس الذي يستخدم في إشعال النار وإذكائها، والعامة
يقولون: «فلان انحَشَّ من كذا»، أي امتلأ غيظاً كما يمتليء الموقد بالحشوش
فيلتهب ويعلو أواره . وتقول المرأة لابنتها أو إذا كانت عندها امرأة أخرى
تساعدها في الطهي تقول لها: حِشِّي تحت النار، أو قَرّبِي الحشوش للنار،
ومن هنا جاءت كلمة الحشوش.
أما المواد التي استعملها الناس كحشوش لإشعال نارهم فهي تتلخص في
التالي:
القشّ:
ويستعمل الخشن منه كما ذكرنا وهو ما يسمى بـ«القَصَل»، وأذكر أن أمي كانت
تبعث أخواتي ليجمعن لها القشّ ويحملنه في «شطاطين» على رؤوسهن ويضعنه بجانب
البيت في شكل كومة كبيرة، والشاطرة هي التي تجمع كمية أكبر.
والشُّطَّانة: هي مجموعة من الأكياس تُفرط وتُخيّط في بعضها حتى تصبح على
شكل كيس كبير وهي تستعمل لنقل الأشياء الخفيفة كالقشّ وتوابعه.
الدمير:
هو ما علقَ من القشّ بشقوق الأرض وبأطراف مجاري السيول أو ما تبقى في بعض
الأماكن المنخفضة من الأرض، ويكون لون الدمير عادة يضرب إلى الرمادي بسبب
تعرضه للندى والرطوبة. وهو يجمع في الخريف بعد أن يكون القشّ الأصفر النظيف
قد انتهى.
البِلاَّن:
أو النَّتْش، هو نبات شوكيّ ينبت في الجبال أو الهضاب والمرتفعات الصخرية،
فتقتلعه النساء وتجمعه تحت الرُّفَّة في الطرف الغربي من البيت حيث يسدّ
الثغرات الصغيرة التي يدخل منها الريح والبرد، ثم تستعمل منه ما تريده
عندما تُشعل نارها لطهي الخبز أو لغيره. وهناك حكاية تقول: إن أحد السحارين
اختلى في مغارة في سفح جبل مدة أربعين يوماً ليستخدم الجنّ، وعندما ظهروا
عليه كالزوابع والأفاعي وغيرها لم يستطع توزيعهم فما كان منه إلا أن قال:
«روحوا عَ النتش»، فخلعوا جميع النتش الموجود في الجبل ثم عادوا إليه،
وأصبحت مقولته مثلاً: «زي اللي بيوَزِّع عَلى النتش(6)»، أي
كالذي يوزع دون أن يفهم الغاية من ذلك.
الزَّقُّوح:
هو نبات ذو عيدان رفيعة طويلة، له أوراق صغيرة تلتصق بالساق، وله رائحة
نفاذة وله طعم خاص حريف نوعاً ما، وكنا نقضم عيدانه صغاراً، وهو ينبت في
الجبال وفي المرتفعات الصخرية، وكانت النساء تقتلع نباتات الزقوح وتجمع
أسفلها وتشدّها بخيط متين وتعمل منها مكنسة تكنس بها الأرض داخل البيت
وخارجه.
الزبل:
ويقصد به زبل المواشي من الضأن والماعز، وهو متوفر بكثرة بسبب وجود مواش
عند أكثر البيوت، وهو يُجمع من زرائب الغنم، أو من «مراح الغنم» أي من
المكان الذي تبيت وترتاح فيه.
الجَلّة:
هي روث الحمير، وهي أكبر حجماً وأكثر خشونة من زبل المواشي أو من بعر
الإبل، وتسمى الجَلَّة كذلك «صَوْل حمير»، وكنا نسمع أهلنا يقولون «صَوْن
الحمير»، ولكنني وجدتها في كتب اللغة باللام.
والفعل من الجلة يُجَلِّل، وكان الناس يقولون لأولادهم: «اذهبوا
وجَلِّلُوا»، فيخرج الأولاد إلى أماكن تلك البهائم ومكان مرتعها ووجودها
ويعودوا وقد جمعوا ما استطاعوا جمعه من ذلك الروث اليابس. وكلمة
«يُجَلِّل»؛ أي يجمع الروث المذكور.
بعر الإبل:
أو البعر دون إضافة الإبل إليه، وهو روث الإبل، وهو حبيبات كبيرة نسبياً
وملساء كزبل الغنم ولكنها أكبر حجماً منها. وهناك مثل عامي يقول: «حِزْمتهم
حِزْمة بعر»(7)، وهو يحكي عن الجماعة الذين لا يتفقون على رأي
ولا تجمعهم وحدة أو اتفاق، وكأنهم بذلك حزمة بعر تتناثر عند شَدِّها وتذهب
كل واحدة منها في ناحية.
المِفْوَاج:
ويسمى أيضاً «الْمُحْرَاك " وهو عبارة عن قضيب من الحديد طوله ما بين 50 -
60 سنتيمتراً، تُحرّك به النار تحت الصاج حتى تكون الحرارة متساوية وتصل
إلى جميع أجزاء الصاج بالتساوي، أما إذا برد الصاج أو جزء منه فإن الرغيف
«يُصَلِّج» أي يجفّ ويصبح أصفر اللون ولا ينضج بالشكل الجيد، ولا تضع
المرأة الرغيف «المصَلِّج » مع الخبز، بل تعطيه لأولادها ليأكلوه ساخناً.
ويقال عن الشاب قليل الحياء: «فلان وجهه مصلِّج»، أي أنه قليل الحياء
والخجل. وفي حالة عدم وجود ذلك القضيب الحديدي تستعمل المرأة عوضاً عنه
عوداً من الخشب لتحرّك به النار حتى تتهوى وتشتعل كما يجب.
الراكية:
هي كومة من زبل الماشية مستديرة من القاعدة ومخروطية الشكل، تأخذ في الصغر
حتى تصبح على شكل قبع، وتُشعل فيها النار خارج البيت، ويظل دخانها متصاعداً
ولا يخرج منها لهب، لأن الزبل بطيء الاشتعال كما ذكرنا، وهي تستعمل بعد أن
تنضج نارها لطهي بعض أقراص الخبز، أو يعمل فيها قرص كبير وسميك يعجن بالسمن
البلدي ويوضع بين صاجين وهو ما سنتناوله بشيء من التفصيل عند حديثنا عن
الخبز وأنواعه في فصل قادم إن شاء الله. وسمعت أحدهم يطلبُ ولعة من آخر
ليشعل سيجارته، فقال له الآخر مازحاً: «وهل عندي راكية لأشعل لك في كلّ
مرة».
النار بشكل عام:
والنار بشكل عام لها أهمية كبيرة عند أهل الصحراء وبقائها مشتعلة دليل على
كَرَم صاحب البيت وجُودِه، وعلى أنه دائم الاهتمام بقهوته والمحافظة عليها
لتبقى ساخنة طازجة حتى يقدمها للضيوف والمعازيب.
وكان جدي لأبي عندما يهدم بيت الشتاء وينتقل لبيت الصيف يأخذ معه قليلاً من
الجمر حتى لا يقال بأن ناره انطفأت، وفي ذلك من المحافة ما فيها حسب عقلية
ذلك الزمان، والمحافة من الحيف وهي المنقصة.
وللنار أهمية أخرى في التدفئة حيث أن مناخ الصحراء شديد البرودة في ساعات
المساء والليل، وكثيراً ما يفترش البدويّ «جاعِدَهُ"(8) ويستلقي
بجانب موقد النار حتى يظلّ بقرب دفئها وحرارتها. وكانت بعض الأمهات تلقّب
ابنها بـ «جُرَيْو السَّكَن» إذا كان كثير الجلوس بقرب الموقد، وجريو تصغير
جرو، والسَّكَن هو الرماد.
ومن هنا نرى أهمية النار في حياة البدويّ، وما ترمز إليه من أشياء تختصّ
بها حياة البادية، فإشعالها في الليل يدلّ على أنها في مكان مأهول يمكن أن
يقصده التائه ليبيت حتى الصباح ثم يتابع مشواره، وارتفاع الدخان يدلّ على
أن هناك طعام يُعدّ كقِرَى أو غيره يمكن أن يقصده الجائع وابن السبيل فيصيب
منه ما يكفيه، إضافة إلى اعتقادهم بأن من لا تُطفأ ناره يُعدّ من أهل الجود
والمروءة والكرم، فحافظوا عليها لتظل مشتعلة، ونقلوها من مكانٍ إلى آخر كما
ذكرنا في بداية هذا الفصل.
----------------------------
(1) –
لسان العرب: مادة «وقد».
(2) – في مادة «سكن» من لسان العرب: والسَّكَنُ، بالتحريك: النار.
(3) – لسان العرب: مادة «صون».
(4) - من الأمثال البدوية، ص 131 .
(5) – من الأمثال البدوية، ص 162 .
(6) – موسوعة الأمثال الشعبية في النقب (مخطوط).
(7) – من الأمثال البدوية، ص 86 .
(8) – الجاعد: هو جلد الخروف الذي يُصنع منه الفرو، ويجمع على جواعد.
|