تعريف القهوة:
القهوة هي ذلك الشراب الأسود المرّ الذي يُتخذ من مغليّ حبّات البن، والتي
تفوح منها رائحة الهيل والبهار الزكية، ولها نكهة خاصة تنتشي لها نفس
البدويّ ولا يستطيع مقاومة إغرائها، فيحتسي منها رشفاتٍ قليلة تُنعش روحه
وتعدل مزاجه وتعيد إليه راحته وهدوءه.
والقهوة للكَيْفِ وإعدال الرأس والمزاج، وليست للشَّبع والارتواء، وهي لا
تُشرب كي تمتليء منها البطون، ولذلك تُصَبّ منها كمية قليلة في قعر
الفنجان، ونرى بعضهم يسكب شيئاً من القهوة إذا كان في الفنجان أكثر مما
يجب.
وإذا تأخَّرت القهوة على من تعوّد شربها واحتساءها فإنه يشعر بالدوخة
والدُّوار، ويعبّر شاعرهم عن ذلك بقوله:
قُم صُبّ
فِنْجَالٍ تَرَى الرَّاس مِنْدَاشْ
وللقهوة منزلة رفيعة عند أهل الصحراء أكثر من أي مشروب آخر، وفي تقديمها
للضيوف نوع من الاحترام والواجب، أما في المناسبات المختلفة فلها أهمية لا
يحظى بها أي مشروب آخر سواها، ومن هنا تنبع أهميتها وقيمتها، فنرى البدويّ
يحيطها بهالة من التبجيل والاحترام، ويرى فيها ما يدلّ على العزّة
والأصالة، ولا يكاد يخلو منها بيتٌ من بيوت العربان، ومن لا يشرب القهوة
ولا يصنعها في بيته لا يُعدّ من أهل المروءة والكرم.
والبدويّ يعشق القهوة بطبعه ويُغرم بشربِها، ويجد في ذلك متعته ولذته،
وكثيراً ما يُصَغِّرون اسمها للتحبّب فيسمونها «قهيوة».
والضيف الذي لا تُقدّم له القهوة يشعر بالإهانة وعدم التقدير والاحترام،
ويرى أن مضيفه قد قصَّر في تقديم الواجب له، فيكفّ عن زيارته وربما يقاطعه
لفترة طويلة.
وللدلالة على أهمية القهوة نسمع أحياناً أحدهم وهو يتوعّد بقوله: «صُبّ لي
على قَعْر الفنجان إذا لم أفعل كذا»، أو ربما يتكهّن بعضهم بوقوع شيء معين
نتيجة لخصومة أو غيرها فيقول: «صُبّ لي على قَعْر الفنجان إذا لم يحدث
كذا»، وفي ذلك دلالة كما ذكرنا على أهمية القهوة وما يرمز إليه شربها من
معاني الشهامة والكرامة والرجولة.
وصناعة القهوة وإعدادها من العادات الكريمة التي يتمسّك بها البدويّ ويفخر
ويعتزّ بها، ويرى أن الذي لا يُجيد عمل القهوة يكون قد رَبِيَ في بيتٍ غير
ذي كَرَم.
والبدويّ يبكِّر في صناعة القهوة، فما يكاد يبزغ الفجر، أو «يَفِجّ
العَلاَم» على حدّ تعبيرهم حتى يقوم بتحضيرها وإعدادها، فيحمِّس حباتها
الخضراء على النار حتى تصبح شقراء تفوح منها رائحةٌ زكية يعرفها شارب
القهوة من مسافة بعيدة، ثم يدقها في المهباش دقّات خاصة تشبه صوت الموسيقى
في رتابتها وانتظامها، وعندما تنضج القهوة يضع البكرج على طرف النار حتى
يصفو ماؤه وتركد قهوته، ثم يشرب منه بعض الفناجين ويستقبل نهاره وهو هاديء
النفس رائق المزاج، وقد يأتي ضيفٌ عابر أو جارٌ قريب ويشاركه في شربها ثم
ينطلق الجميع لمزاولة أعمالهم وأشغالهم المختلفة.
أما في ساعات المساء فتُعمَّر الدِّلال(1)، وتُعدّ القهوة
وتُدار على الحضور، فيشربونها وهم يتسامرون على سيرة بني هلال والزير سالم
وحمزة البهلوان وسيف بن ذي يزن.
وعادة صَبّ القهوة ومدّها على الضيوف تبدأ من اليمين إلى الشمال، دلالة على
قيمتها واحترامها لأن اليمين أوجب من الشمال، ولا يجوز تقديمها من على
الشمال، ولهم مَثَل يعبّر عن ذلك يقول:«دِير القهوة على اليمين لو كان أبو
زيد على الشمال»(2).
وأهمية القهوة تتجلّى في عدة أمور كما ذكرنا، منها الكرم وحسن الضيافة
ولذلك يقولون: «دلال أبو فلان ما تنزل من على النار» أي أن القهوة دائماً
جاهزة عنده وبالتالي فهو على استعداد دائم لاستقبال الضيوف.
وكان مع أحد الشيوخ مبلغ قليل من المال فذهب إلى السوق واشترى به عدة أرطال
من القهوة وخَزَنَها في بيته، وعندما سأله الناس لماذا لم يبقِ معه شيئاً
من المال، قال: «القهوة أبقى من الدراهم».
أصلها:
أما أصل القهوة التي استعملها الناس هنا فهو من اليمن، ولذلك يدعونها " بنت
اليَمَن ". والشاعر المحليّ يقول:
بنت اليَمن مِنْ شُرْبها
الراس يصْحِي
ومنها عدة أنواع أجودها القهوة العدنية نسبة إلى منطقة عدن وهي مدينة في
اليمن، أما البهار أو الهيل فالجيّد منه يُجلب من الهند بدليل قولهم:
«وبْهَارها من ديرة الهند ينجَاب».
كيفية إعداد
القهوة:
أما عملية صنع القهوة وإعدادها فتتم بطريقتين: الطريقة الأولى تسمّى «قهوة
على بياض»، وهي تعني عمل قهوة جديدة وطازجة في بكرج نظيف وخالٍ من بقايا
قهوة سابقة، ويتم ذلك بأن يُغلى الماء في البكرج، ثم تضاف إليه تلقيمة(3)
القهوة المطحونة، ويُطبّخ جيداً على النار حتى ينضج.
أما الطريقة الثانية فتسمى «قهوة على سَمَار»، وهي تعني عمل قهوة جديدة من
بقية ماء القهوة الأولى بعد إضافة ماء آخر إليه، ويتم ذلك بأن يقوم من يعمل
القهوة بإضافة بعض الماء فوق ما تبقّى في البكرج من القهوة، ثم يُفرغ ذلك
الماء في بكرج آخر بعد أن يصبح لونه يضرب إلى الصفرة، ثم يشطف البكرج الأول
من حثالة القهوة أو حثْلها ويعيد إليه الماء من البكرج الآخر، ويكمل عمل
القهوة بإضافة التلقيمة والبهار وغليها حتى تنضج.
وعملية نقل ما تبقى من ماء القهوة مع إضافة بعض الماء إليه من بكرج لآخر
تسمى تصويل القهوة، يقال: «صَوَّلَ» البكرج، أي أضاف إليه الماء وأفرغ ما
فيه في بكرج آخر، دون نقل الحِثل بطبيعة الحال، ويقال كذلك: زِلّ القهوة في
بكرج ثانٍ، أي أفرِغ الصافي منها في ذلك البكرج، وكلمة زَلّ من الزُّلال
وهو الصافي من الماء، وكل ذلك من أجل أن تكون القهوة أكثر سَمَاراً ومرارة
حتى تصبح قهوة ثقيلة وجيدة.
وعندما يكون البكرج على النار يُمسك من مقبضه بواسطة قماشة تقي اليد من
حرارة المقبض تسمى اللَّطْوَة، وعندما تبدأ القهوة بالغليان يُرفع البكرج
ويُبعد قليلاً عن النار حتى لا ينسكب ما بداخله من القهوة ثم يُقَرّب منها
مرةً أخرى لعدة مرّات حتى تنضج القهوة جيداً، ثم يضاف إليها الهيل، وبعد
ذلك يتم إنزالها من على النار حتى تركد وتصبح صافية، ثم يصبّ صاحب البيت
فنجاناً ويهِفّ منه هَفَّة، أي يرتشف منه رشفة ليذوقه ويتأكد من طعمه ومدى
تأثير البهار عليه، وبعد ذلك يصبّ منها لضيوفه، أما إذا كان الضيوف من
الغرباء فيكون ذلك لطمأنتهم بأن القهوة خالية من كلّ عيب أو ضرر.
وعند وضع التلقيمة في البكرج ينحبس الهواء فتخرج في بعض الأحيان نصف فقاعة
من الهواء تغطي فم البكرج وكأنها خيمة صغيرة فيقال عندها: «خَيَّم البكرج»،
أي أخرج الفقاعة المذكورة، فيتفاءل من يعدّ القهوة لذلك ويقول: «لا بدّ أن
يأتي ضيف ويشرب من هذه القهوة».
أدوات إعداد القهوة
للقهوة أدوات مختلفة، لها
أهميتها الكبيرة وكلّ أداة منها لها دورها ومفعولها إذ بدونها لا يمكن
صناعة القهوة وإعدادها بالشكل المناسب والمطلوب، ومن هذه الأدوات:
الْمِحْمَاسة:
هي أداه معدنية ثقيلة تشبه المقلى تُحَمَّس بها القهوة، وهناك نوع منها له
منصب صغير ترتكز عليه، وتُقَلّب بداخلها حبّات القهوة بواسطة قضيب طويل له
رأس يشبه الملعقة وله جرير يربطه في آخر المحماسة، ويتعذّر رفع المحماسة
وتقليبها باليد بسبب طولها وثقلها. وقد جاء اسم المحماسة من الحَمْس وهو
اشتداد الحر، وتقليب الشيء على النار، وربما جاءت كلمة تحمّس وحماسة من
الحرارة الزائدة التي تنتاب الشخص عندما يرغب شيئاً ما ويتلهّف للحصول
عليه.
القَلاَّية:
هي مقلى تُحَمَّس فيه القهوة في حالة عدم وجود محماسة ثقيلة كالتي ذُكرت
أعلاه، ونظراً لخفة القلاّية وسهولة نقلها وتحريكها فقد انتشرت أكثر من
المحماسة وأصبحت متداولة أكثر من سابقتها، ولا يوجد للقلاية منصب ولا قضيب
لتحريك القهوة، وإنما تُقلَّب بها القهوة بواسطة تحريكها بطريقة خاصة تُرفع
بواسطتها حبّات القهوة إلى الأعلى ثم يتلقاها بالقلاية من يُعدّ القهوة
ويهزها هزات خفيفة حتى تنضج، وفنّ تقليب القهوة بالطريقة التي ذكرنا لا
يجيده إلا من له خبرة في مجال عمل القهوة وتحميسها.
الْمِهْبَاش:
هو الجُرن الذي تتم فيه عملية سَحْنِ القهوة وطحنها، وله عصا غليظة تُدَقّ
بها القهوة تسمى المسحانة، والمهباش يُصنع من خشب صلبٍ ومتين كخشب البلُّوط
مثلاً، ويعيش لسنوات طويلة، وهو تحفة خشبية جميلة وجذابة، تزينه نقوش
وزخرفة جميلة، وعليه بعض الأزرار النحاسية التي رُتِّبَتْ بأشكال هندسية
مختلفة تجذب الأنظار، وعندما تُدَقّ القهوة في جوفه، يصدر صوتاً رتيباً
متناسقاً، وهناك العديد ممن يتقنون الدقّ عليه بعدة دَقَّاتٍ مختلفة، لكل
دقّةٍ منها صوت ولحن يختلف عن الأصوات الأخرى، وكان صوت الجرن يجلب الناس
لـ «يتْقَهْوَوا» عند صاحب البيت، ويتجاذبون الأحاديث المختلفة. وهناك من
يسميه «النِّجْر» والكلمة مقلوبة من كلمة الجرن كما ترى.
الجُرن:
هو أداة من النحاس أو البرونز (وهو النحاس المخلوط بالقصدير والأكثر صلابة
من النحاس) ويستعمل لدقّ القهوة وطحنها، وله يد نحاسية ثقيلة تسمى «يد
الجرن»، وله قاعدة مستديرة وشكل مخروطي يتسع من الأعلى ثم يضيق في الجزء
السفلي منه.
الهَاون:
يلفظونه «هون»، وهو هاون فخاريّ يشبه الزبدية الكبيرة، تُسحن فيه القهوة
بواسطة ضغطها بالمسحانة وهي عصا الجرن الثقيلة، وتحريك تلك اليد مع ضغطها
على حبات القهوة المحمصة حتى تطحنها طحناً ناعماً، وعادة ما تكون هناك
فرشاة صغيرة مربوطة بخيط يلتفّ حول حافة الهاون، تُجمع بها القهوة المطحونة
في مكان واحد من قعر الهاون حتى يمكن تناولها وإفراغها في البكرج.
القُلَّة:
هي خرطوشة مدفع قديمة أسطوانية الشكل، طولها حوالي 30 سم، وسُمكها حوالي
نصف سم، توضع فيها حبّات القهوة المحمصة وتدقّ بواسطة قضيب حديدي سَميك حتى
تصبح ناعمة، وطول القضيب الذي تُدقّ به القهوة حوالي 50 سم وسُمكه حوالي 3
سم.
البَكْرَج:
وجمعه بكارج، وهو الإناء النحاسي الذي توضع به القهوة وتُصَبّ منه، وهذا
الاسم يستعمل في النقب، أما في الأردن والشام وغيرها من المناطق فيسمى
الدَّلَّة، ويجمع على دِلال. وتجدر الإشارة إلى أن هناك فرق بين البكرج
والدلّة، فالبكرج هو ذلك الإناء ذو الخرطوم المعقوف والمقبض النصف دائري
تقريباً، أما الدلّة فهي ذلك الوعاء النحاسي ذو اللسان القصير والمقبض
المستقيم والذي تصبّ منه القهوة باليد اليسرى.
الدَّلَّة:
أنظر البكرج أعلاه. وفي بلادنا يقولون: عَمَّر الدلال: أي قام بإعداد
القهوة وتحضيرها، والشاعر البدويّ يقول:
بِدْلاَل شَامِيَّـاتْ
كَانْهِنْ الشَّـاشْ ..... وبْهَارْهِنْ مُقْدَار خمسة عَشَر عُود
الْمَاشَا:
هو ملقط معدني يستعمل لتحريك النار في الموقد، ولنقل الجمرات وتقريبها من
قعر البكرج حتى تظل القهوة ساخنة طازجة، وله استعمالات أخرى لإشعال السجائر
وما شابه.
المنْصَب:
وجمعه مناصب، هو أداة معدنية ذات ثلاثة أرجل توضع على النار، ويوضع عليه
البكرج أو القلاّية حتى ترتكز عليه، ولا تبقى مرفوعة في يد من يعمل القهوة
فتتعب اليد وتتعرض للهب النار وصَلْوِها، ويستعمل المنصب أيضاً لحمل طناجر
الطعام وما شابه من أمور.
المِسْحَانة:
هي العصا التي تُدقّ بها القهوة في المهباش والهاون. وهي اسم آلة من الفعل
سَحَنَ يسحن، أي دقّ القهوة وطحنها ونعَّمها جيداً، ومن أشعارهم حول كلمة
سحن قولهم:
يا قلبي بَطِّل الوسواس
والْهَمّ ..... واسْحَنْ من دَقيق الصَّبر وَألهم.
ومعنى الهم الأولى من الهموم والغم، أما الثانية فهي بمعنى التَهَمَ يلتهم.
الفنجان:
وجمعه فناجين، وهو وعاء صغير من الخزف تُصَبّ فيه القهوة، ومنه أحجام
وأنواع مختلفة، والعامة يلفظونه بقولهم «فِنْجَال».
الصينية:
هي وعاء نحاسي مستدير، بها نقوش وزخرفة هندسية جميلة، تُصَفّف عليها فناجين
القهوة النظيفة ثم تُحمل وتدار على الضيوف فيتناولوا من عليها فناجين
القهوة. ويذكرها الشاعر العاميّ في هذا البيت من الشعر:
يا لذّة الكيف معاميل
وفراش ..... وصينيةٍ يَدْهَج بها العبد مسعود
اللَّطْوَة:
هي قطعة قماش صغيرة تُلفّ على مقبض البكرج لتقي اليد من حرارته، بسبب وجوده
الدائم في النار أو على طرفها، ويكون المقبض ساخناً لا تتحمله اليد، فتأتي
اللطوة لتكون وقاء لليد من الحرارة عند حمل البكرج وصبّ القهوة منه. وهناك
من يسميها «لقوة» لأنه يلقى بها حرارة المقبض فلا تصيب يده.
المعاميل:
هي كلمة جامعة لكلّ أدوات القهوة من بكرج وبنّ وبهار ومهباش ومحماسة
وغيرها، وربما تضمّ أيضاً سلّة من القشّ تعلّق في واسط(4) البيت
وبها كيس يحتوي على كمية من حبّات البنّ، وآخر به كمية قليلة من البهار
والذي كان سعره مرتفعاً، وكذلك على كمية من بهار جوزة الطيب، وهي حبّات
تشبه حبات الجوز ولكنها أصغر منها يدقّها البعض ويضيفها مع البهار إلى
القهوة فتنبعث منها رائحة طيبة، ولكن قلّة من الناس كانت تضيف جوزة الطيب
إلى القهوة، أما الغالبية العظمى فكانت تكتفي بالبهار دون غيره.
التلقيمة:
هي كمية القهوة المحمصة والمطحونة جيداً التي تكفي لإعداد بكرج واحد من
القهوة، يقال: لَقَّم البكرج؛ أي وضع القهوة المطحونة فيه.
الوَقْدة:
هي قطعة من الخشب أو الحطب اليابس يأتي بها أحد المعازيب ليشارك في تكاليف
إعداد القهوة، وما تستهلكه من وقود وحطب. هذا بالإضافة إلى المشاركة في
شراء عدة أرطال من البنّ أو حَبّ القهوة يشارك بها المعازيب حتى لا يكون
مشروبهم على نفقة صاحب البيت أو «الشِّقّ» وحده.
القهوة وشعراء البادية:
ردد شعراء البادية اسم القهوة كثيراً في أشعارهم وذكروها في قصائد عديدة
يصعب حصرها ولكننا نكتفي هنا ببعض المقطوعات التي تفي بالغرض، ومنها:
قُم صُبّ فِنْجَالٍ تَرَى
الرَّاس منْدَاشْ ..... يا شَوق مَن قَرْنَهْ على المَتْن مَرْجُود
بِدْلاَل شَامِيَّـاتْ
كَانْهِـنْ الشَّــاشْ ..... وبْهَارْهِنْ مُقْدَار خمسة عَشَر عُود
يا لـذّة الكِيـف معاميـل
وفـراش ..... وصينيةٍ يَدْهَج بها العبد مسعود
وهذه مقطوعة أخرى:
صُبّ للي تدفق السمن يمناه
..... ويبيع نفسه دون راعي اللقوحِ
صُبّ للي تكره الخَلْق
طِرْياه ..... يذْلُق ولو كثرت عليه النبوحِ
وباقي الملا معاشير ورعاة
..... مع الحلال مكثّرين السروحِ
وهذه مقطوعة ثالثة:
إنْ ضَاقْ صَدْرِيْ قُمْتْ
أَحُوف الْمَعَامِيلْ ..... أَحُوفْهِنْ مِنْ قَبْل يِبْدِيْ بْهِنّْ عَـار
وَأَحُـطّ بَالْمِحْمَـاسْ
هَيْـلٍ بَلاَ كِيـلْ ..... وَأَحَمِّس الطَّبْخَة عَلَى حَاجر النَّـار
لُومِنْ غَدَتْ مِثْل
السّوَاحِل بَلا ذِيْـل ..... حَمْرَا وصَفْرَا وَصَاحب الكِيف بِيطَار
* * *
مشروبات أخرى
هناك مشروبات أخرى
يستعملها أهل البادية، ولكنها لا تحظى بتلك المنزلة الرفيعة التي تحظى بها
القهوة، وهي لا تستعمل بشكلٍ دائم، بل يؤخذ بعضها كدواء لآلام البطن والمغص
والصداع وغيره، ومن هذه المشروبات:
الشاي:
كان الشاي حتى منتصف القرن الفائت غير معروف في منطقتنا إلا بشكل قليل،
وكان الناس يعملونه من أجل وجع البطن والمغص، وكان أحدهم إذا أصابه مغص أو
ألم في معدته يقول لصاحب البيت: «إعمل لنا كاسة سكر»، ثم تدرج الشاي حتى
غطّى على جميع المشروبات الأخرى ومن ضمنها القهوة وأصبح يشرب في كل بيت عدة
مرات في اليوم، وأصبحت القهوة المُرّة لا تصنع إلا للضيوف، أو في بيوت
الأجر والعزاء وبعض المناسبات الخاصة.
مشروب
الزنجبيل:
يؤخذ الزنجبيل غير المسحوق والذي هو عبارة عن جذور جافة ذات رائحة نفاذة،
لونها أبيض يميل إلى الصفرة، وتُغلى في الماء ويُضاف إليها السكر، فتكون
مشروباً حرّيفاً لونه كلون الشاي الخفيف، وهو يُفيد في المحافظة على نقاء
الصوت، وتخفيف السعال وبُحّة الصوت، وأذكر أني كنتُ أذهب مع أمي لزيارة
أهلها، وكان جدي يعمل هذا الشراب ويصبّ لي منه، ويقول لي اشرب، فأشربه كما
نشرب الشاي، وإن كان طعمه حريفاً «يَشْعَط» في الزور.
مشروب
الحِلْبة:
الحلبة عبارة عن حُبيبات صغيرة صفراء ذات رائحة زكية ونفاذة، وكان الناس
يغلونها كما يغلون الشاي ويضيفون إليها شيئاً من السكر ويشربونها، وهي تنفع
للمغص وآلام المعدة وكثيراً ما تُسقى للأطفال الرضّع فتنفع في طرد الغازات
وتخفيف آلام المعدة.
وللحلبة منافع أخرى، حيث كانت النساء يغلينها ولا يُضفن إليها شيئاً عدا
الماء، ثم يغسلن رؤوسهن منها، فتمنع تساقط الشعر، وكانت بعضهن بعد أن تمتشط
تنقع شعرها بماء الحلبة وتضع الحبيبات المغلية على شعرها لبعض الوقت زيادة
في الاحتياط حتى تكون النتيجة طيبة ولا يتساقط شعرها فيما بعد.
البابونج:
البابونج نبات معروف ينبت بكثرة في موسم الربيع وله رؤوس صفراء صغيرة
ورائحة طيبة، وكانوا يغلونه ويضيفون إليه شيئاً من السكر ويشربونه،
والبابونج يستعمل للأطفال المولودين حديثاً حيث تسقي الأم طفلها الوليد من
مغلي البابونج فيخرج الفضلات العالقة بأمعائه والتي تجعله يتلوى ويصرخ
كثيراً، وكانت النساء وما زلن يجففن البابونج ويحفظنه للحاجة، فقد تلد
الواحدة منهن في فصل غير فصل الربيع فلا يكون البابونج متوفراً فتستعمل
البابونج الجافّ ليؤدي لها نفس الغرض.
مشروب الجعدة:
الجعدة نبتة صحراوية تنبت في الجبال والمرتفعات الصخرية، وطعمها شديد
المرارة وعادة ما تُغلى أوراقها وتسقى لمن يعاني من المغص الشديد أو التقيؤ
والآلام الناتجة عن مشاكل في المعدة، وقد يشربها البعض احتياطاً مع شيء من
السكّر أو بدونه، وقد يمضغ البعض أوراقها على مرارتها للسبب نفسه، ولا
تستعمل في غير تلك الحالات.
----------------------------
(1) –
الدلال: والمفرد منها دلة؛ هو إناء القهوة الذي تصب منه.
(2) – من الأمثال البدوية، ص 102 .
(3) – هي كمية القهوة المطحونة التي تكفي لعمل بكرج واحد من القهوة.
(4) – الواسط: هو العمود الأوسط في بيت الشَّعْر. |