عزيزة هارون
(1923- 1986)
ولدت الشاعرة عزيزة هارون سنة 1923 بمدينة اللاذقية، في سوريا على ساحل
البحر الأبيض المتوسط. وتلقت دراستها الأولية والابتدائية والثانوية
بمدارسها. ولكن لم يتح لها أن تستكمل دراستها العليا كما كانت تتمنى،
فاستمدت ثقافتها من قراءاتها الشخصية لدواوين
الشعراء العرب القدماء والمعاصرين، وبدأت تنظم الشعر منذ صباها المبكر
مدفوعة بموهبتها الأصيلة وتوهج أحاسيسها، فغلب على شعرها الطابع
العاطفي الرومانسي الوجداني الذي اتصف بالرقة أكثر من اتصافه بالعمق،
ولذلك حمل شعرها من رقة الأنوثة أصفاها وأحلاها.
وبدأت النشر منذ أوائل الأربعينات في مجلة «الصباح» الأدبية الدمشقية،
وفي مجلة «التمدن الإسلامي» ومجلة «أصداء»، وفي (الأديب والآداب)
وغيرهما.. وساهمت في العديد من المهرجانات الشعرية. وعملت في الإذاعة
السورية.
ويرى الناقد د. عبد السلام العجيلي أن الآلام التي تمرست بها الشاعرة
عزيزة هارون، تحولت بفضل موهبتها إلى عناصر خلق وإبداع. فحرمانها من
الولد - على الرغم من زيجاتها الثلاث- كان هو الباعث على غنائها
للأطفال في أشعارها، لا غناء بكائياً تندب فيه حظها وحسرتها من
الحرمان، بل على العكس من ذلك كان أناشيد محبة وعطف وإشفاق.
وقيل إن أحد الشعراء الكبار نظم سنة 1957 في الشاعرة عزيزة هارون قصيدة
حبّ تحت عنوان «اللهب القدسي» قال فيها:
مُدَلَّـهٌ فيكِ، ما فجرٌ ونجمتـه مُوَلَّـهٌ فيكِ،
ما قيـسٌ وليـلاهُ
سكبتِ قلبَكِ في وجدانه فرأت يا «عَزّ»، ما شئتِ لا
ما شاء عيناه
وتُعدّ عزيزة هارون في طليعة الشاعرات السوريات، ويتميز شعرها
بالرومانسية والوجدان الحزين حيث تفرغ فيه أحزان فؤادها الملتاع مثل
قولها:
يـا لشعـري بظلـه أتفيـا من همومي وتنتشي
أحزانـي
سله عني أفَجَّرَ اللحن من حبـ ـي وأعطى الحياة من
حرماني
أتلقـاه بالضلـوع وأهـوا هُ بقلـبي ولهفتـي
وحنانـي
شِـدْتُ منه قصورَ وهمي وأبـ ـدعتُ ولونتُ في حماه
المعاني
ويتراوح شعر عزيزة هارون بين الذاتي والقومي، وكانت في مطالع حياتها
الشعرية تسير على منهج الخليل، ثم ما لبثت أن خرجت على هذا النهج فيما
بعد.
وقد عملت عزيزة هارون في سنواتها الأخيرة موظفة بوزارة الإعلام
السورية. ومن القصائد التي عبرت فيها عن أحزان قلبها بسبب زيجاتها
الفاشلة وحرمانها من الولد، وما عانته في حياتها من دسائس وأقاويل،
قصيدة نشرتها سنة 1966 تحت عنوان «الغابة» تعكس مدى أحزان قلبها
وتعاستها تخاطب فيها شخصاً تضع فيه آمالها لينقذها من وهدة اليأس
والشقاء تقول فيها:
لقد خفتُ من الذئـب.. تسلقت على نَخلـة
كتمت من الأسى رعبي.. وكنت نديـة طفلـة
فصوَّح زهـر أيامـي.. جنون الخوف والعزلة
تعالَ إليّ بعـد اليـأس.. بعد الجور والظلمـة
فروحي لم تزل روحي.. وأني لَمْ أزل نجمـة
أداعب شعري الحانـي.. تداعب شعري النسمة
وفي شباط سنة 1986 أسلمت الشاعرة الرقيقة عزيزة هارون روحها إلى بارئها
في أحد مستشفيات دمشق، في أعقاب نوبة مرض مفاجئة لم تُمهلها على فراش
المرض طويلاً، ولم يصدر لها ديوان في حياتها، وبعد وفاتها صدر لها
ديوان وحيد بعنوان:
«ديوان عزيزة هارون».
|