عُدْ بِي يا زورقي الكَلِيـلا
فَلَنْ نَرَى الشاطيءَ الجَمِيـلا
عُدْ بِي إلى مَعْبـَدِي
فـإنّي سَئِمْتُ يَا زَوْرَقِـي الرَّحِيـلا
وضِقْتُ بالموجِ أيَّ
ضِيـقٍ وما شَفَى البحـرُ لي غَلِيـلا
إلامَ يا زورقي
المُـعَنَّـى نَرْجُو إلى الشَّاطِيءِ الوُصُولا؟
والمَوْجُ مِنْ حَولنـا
جِبَـالٌ سَدَّتْ عَلى خَطْوِنَا السَّبِيـلا
والأُفـقُ مِنْ حَولنا
غُيُـومٌ لا نَجْمَ فِيه لَنَـا دَلِيـلا
كَمْ زَورقٍ قبلَنـا
تَوَلَّـى وَلَمْ يَزَلْ سَـادِراً جَهـُولا
فَعُـدْ إلى معبدي
بقلـبي وَحَسْـبُ أيامنـا ذُهـولا
*
* *
حسبُكَ يا زورقـي مَسيراً
لن يُخْدَعَ القلبُ بالسَّـرابِ
وارجِعْ، كما جِئْتَ ، غيرَ
دَارٍ قد حَلُكَ الجـوُّ بالسَّحَـابِ
وَمـَلَّ مجدافُـكَ
الـمُعَنَّى تَقَلُّـبَ المـوجِ والعُبَـابِ
ولم يَزَلْ معبـدي بعيـداً
خَلْفَ الدياجيـرِ والضَّبَـابِ
يَشُوقُني الصَّمْتُ في
حِمَـاهُ وَفِتْنَـةُ الأَيْـكِ والرَّوَابـي
عُدْ بيَ يـا زورقـي
إليـهِ قَدْ حَانَ ، يا زورقي ، إِيَابِـي
مَا كَفْكَفَ البَحْرُ من
دُمُوعِي ولا جَـلا عَنّـيَ اكْتِئَابـي
فَفِيمَ في مَوْجِهِ
اضطرابـي؟ وأينَ ، يا زورقي ، رِغَابِـي؟
*
* *
تَائِهـَةٌ ، والحيـاةُ
بحـرٌ شَاطِـئُهُ مُبْعِـدٌ سَحِيـقُ
تَائِهـَةٌ والظـلامُ
دَاجٍ والصَّمْتُ تحتَ الدُّجَى عَمِيقُ
يَا زورقي آهِ لَـوْ
رَجَعْنَـا مِنْ قَبْل أَنْ يَخْـبُوَ البَرِيـقُ
انْظُرْ حَوَالَيْكَ ، أَيُّ
نَـوْءٍ تَجْمَدُ مِنْ هَوْلِـهِ العُـرُوقُ
البحرُ ، يا زَورقِي
جُنُـونٌ ومـوجُـهُ ثَائِـرٌ دَفُـوقُ
وَكُـلّ يَوْمٍ لـَهُ
صَرِيـعٌ في هَجْعَـةِ الموتِ لا يُفِيـقُ
وَأَنْتَ في الموجِ والدياجِي
يا زورقـي في غَـدٍ غَرِيـقُ
فَعُدْ إلى الأمْسِ ، عُدْ
إليهِ قـد شَاقَني أَمْسِيَ الوَرِيـقُ
*
* *
مَاذَا وَرَاءَ الحياةِ ؟
مَـاذَا ؟ أَيُّ غُمـُوضٍ ؟ وَأَيُّ سِـرِّ
وَفِيمَ جِئْنَا ؟ وَكَيْفَ
نَمْضِي؟ يـا زورقي ، بَلْ لأَيِّ بَحْـرِ
يَدْفَعُكَ الموجُ كُـلَّ
يَـوْمٍ أَيْـنَ تُـرَى آخِـرُ المَقَـرِّ
يا زورقي طَالَ بي
ذُهُـولي وَأَغْرَقَ الوَهْـمُ جَوَّ عُمْرِي
أَسْرِي كَمَا تَرْسُمُ المقادِيرُ
لي إلى حَيْـثُ لَسْـتُ أدْرِي
شَرِيدَةٌ في دُجَـى
حَيَاتِـي سَـادِرَةٌ في غُمُوضِ دَهْـرِي
فَخَافِـقٌ شَاعِـرٌ ،
وَرُوحٌ قَـالَ لـها الدَّهْرُ لا تَقَـرِّي
وَنَاطَهَـا بِالذُّرَى
تُغَـنِّـي وَتَنْظِمُ الكَوْنَ بَيْـتَ شِعْـرِ
12-6-1945م
المصدر :
ديوان نازك الملائكة ، المجلد الأول ، ص 550 ، دار العودة
- بيروت ، 1986 . |
|