إلى
شاعر الأرز
" قيلت في مهـرجان تكريم الشاعر اللبناني الكبير أمين نخلة، والذي
أقيم في قصر اليونسكو ببيروت في شهر نيسان 1973".
دُعَاءُ داعي النَّدَى فالليلُ والعَرَبُ
كلاهُما في مَدَى عينيـهِ يَحتجبُ
أوْفَى على الشطِّ من وادٍ جداولُـه
دمعٌ يسيلُ ويطويـهِ الثَّرَى الخَضِبُ
أنسامُـه زفراتُ الهـمِّ صَعَّـدَها
على الهزيـمةِ مغلـولٌ ومكتئـبُ
أحلامُه حَمْحَمَاتُ الخَيْلِ صَافِنَـةً
إذا الفوارسُ عن خَوضِ الوغى رَغِبُوا
آلامُـهُ كدموعِ الرُّسْلِ ساهِمَـةً
إن هاجروا في سبيـلِ اللهِ أو
صُلِبُوا
أنغامُـهُ زَغْرداتُ الحيِّ إذ هَتَفَت
أمُّ الشهيـدِ لـهُ والنعْشُ
يقتربُ
أيامُـهُ لو دَرَى التاريخُ حاضِرَهَا
تراجَعَـتْ فيـه عن آمالِهَا الحِقَبُ
ودَّعتُهُ وحَمَلتُ الشوقَ في كَبِدِي
إلى ذُرَى جَبَـلِ تَزْهَى بـهِ
الشُّهُبُ
* * *
لبنانُ يا مولدي هلْ فيكَ مُنْـتَجَعٌ
لوافِـدٍ عَضَّ منْ تِجوالِـهِ
التَّعَبُ
أردانُـهُ من غُبَارِ العُمْـرِ مُثْقَلَـةٌ
وزَنـدُهُ بالطرادِ الوَعْـرِ مُختضِبُ
هانَتْ عليه الأماني بعدما رَخُصَتْ
فما أستخـفَّ بـهِ معْنَىً ولا لَقَبُ
وحادَ عن دوحِـهِ لَمَّا بلابِلُـهُ
ثَـنَّى عليها غرابٌ بعدها نَعِـبُ
تداولَتْ شذراتِ الأيكِ زِعْنِفَـة
تَمْتَصُّ من زَهْرِهِ النامي
وتَسْتَلِـبُ
أَكُلَّما أسرَجَ الأحـرارُ خَيْـلَهُمُ
تناوحَ الرُّعْبُ في الأنذالِ والرَّهَـبُ
* * *
لبنانُ يا مسرحَ الأحلامِ مَرْحَمَـةٌ
إنْ هاجَنِي أَلَمٌ أو هَزَّنِـي
طَـرَبُ
لكَ الجلالُ، وهذا السهلُ مُتَّـكِيءٌ
على عُلاكَ وهذا البحـرُ مُنْسَحِبُ
لكَ الجمالُ، وكم زَهْرٍ وكم حَدَقٍ
تشابَهَـتْ بينها الأوراقُ والهُـدُبُ
لكَ الدلالُ، وصمتُ الليلِ منسدلٌ
على ذُراكَ وبَوْحُ الصبحِ
مُنْسَكِـبُ
لكَ النضالُ، وهذي الأرضُ طاهرةٌ
مـاءٌ نَمِيـرُ يُجاريـهِ الدمُ
السَّرِبُ
* * *
أما رَكِبْتَ الرَّدَى جُنَّتْ عُجَاجَتُـهُ
وليس غيـر سَنَاكَ الجحفـلُ اللجبُ
عقيدةٌ كالجبالِ الشُّـمِّ راسخـةٌ
وقد تَهَاوتْ على إيْمَانِكَ
الرِّيَـبُ
وفِتْيَـةٌ آمنـوا باللهِ وانطلقـوا
عَبْـرَ الشهادةِ لليومِ الذي كتبـوا
يغشاهُمُ الزعزعُ العاتِي فإنْ قصفتْ
يـدُ الْمَنِيَّـةِ غصناً فالثَّـرَى
خَصِبُ
مُسْتَشْهِدُونَ كأنَّ الموتَ ما خفقتْ
أعلامُـهُ في الذُّرَى إلاَّ بِمَا
نَصَبُـوا
* * *
ماذا أُحَـدِّثُ يا لبنانُ هلْ نَبَـأٌ
لَمْ تروِهِ سِيَـرٌ أو تَحْوِهِِ
كُتُـبُ
حتى المآذنُ تُمسي وهي نادبـةٌ
حتى النواقيسُ تُضْحِي وهي تَنْـتَحِبُ
من كلِّ مريمَ أو من كلِّ فاطمـةٍ
عذراءَ في الساحةِ النكراءِ
تُغْتَصبُ
يافا تُحَـدِّثُ حيفا عن جِرَاحَتِهَا
والقدسُ تسألُ أينَ الدينُ والعَـرَبُ
ونَحْنُ في غفلـةِ الأوهامِ يَحجبُنَا
عن وارياتِ العُلا البهتانُ
والكَذِبُ
هلْ نَفْرَةٌ كهزيـمِ الرَّعْدِ هَادِرَةٌ
يَشـدُّهَا الجامِحَانِ: الثأرُ
والغَضَبُ
تنهارَ تَحْتَ صَدَاها كُلُّ قَنْطَـرَةٍ
جوفاءَ ينخـرُ فيها الضَّعْفُ
والعَطَبَ
* * *
يا موطنَ الوحي ما لي مِنْبَـرٌ أَنِفٌ
إلاَّكَ حُـرٌّ، وما لي مِقْـوَلٌ
ذَرِبُ
على ثراكَ الدَّمُ المسفوحُ وحَّـدَنا
وفي حِمَاكَ دعانا الشِّعْـرُ
والأدبُ
وقِيلَ أينَ ؟ فقلنا نَحْوَ شاهِقَـةٍ
من البيانِ نَمَتْهَا السبعـةُ
الشُّهُبُ
إلى الذي سَاجَلَ الفُصْحَى روائعَها
وقـال منكِ إليكِ الفتنـةُ العَجَبُ
إلى الذي رَقَّ فأنسابَتْ قصائـدُهُ
مع النسيمِ ومال الزَّهْـرُ
والعُشُبُ
ومَسَّ كأْسَ الطِّلَى فالخمرُ والِهَـةٌ
نشوى ويرقصُ في أطرافِهَا الحَبَـبُ
صَبٌّ أخو غَزَلٍ هيمانُ مسرحـهُ
سهلُ الهوى وروابي السِّحْرِ
والشُّعَبُ
تأنَّـقَ الفنُّ في ناديـهِ يَحملـهُ
إلى الجَمَـالِ خَيَالٌ جَامِحٌ
يَثِـبُ
واسْتَكْبَرَ الرِّيفُ واخْضَلَّتْ جوانِبُهُ
واهْتَـزَّ من زَهْوِهِ العُنقودُ
والعِنَـبُ
على المروجِ وفي درْبِ الصِّبَا وعلى
عِرائشِ "السَّقْيِ"، منه وارِفٌ
رَطِبُ
وقيلَ أينَ؟ فقلنا نَحْوَ مَنْ هَتَفَـتْ
لَـهُ المنابِـرُ والأعْـلامُ
والقِبَـبُ
إلى فَتَىً عربِيٍّ غَيـرِ ذي عِـوَجٍ
وقد تَطاولَ فيهِ الفَرْعُ
والنَّسَـبُ
من " نَخْلَةٍ "، من بني مخزومَ بَاسِقَةٍ
طابَتْ وطابَ الجَنَى والخُوصُ
والرُّطَبُ
إذا "الرشيدُ" نأَى عن أُفْقِ منزلـةٍ
دَنَا "الأمينُ" فمنحَـازٌ
ومُقْتَـرِبُ
أبا "السَّعيدِ" وكَمْ يَحْلو النداءُ بـهِ
حالي كحالِكَ .. نَجْـلٌ واحِدٌ وأَبُ
أمْهَرْتُـهُ الشِّعْرَ واستلْهمتُـهُ فإذا
أرْخَصْتُـهُ العُمْرَ فهو الرُّوحُ
والسَّبَبُ
أعيشُ فيهِ كَأَنِّـي خَالِـدٌ أَبَـدَاً
تَفْنَى الجُذُوعُ ليحيا بعدَهَا
العَقَـبُ
* * *
ناشدْتُكَ الحُبَّ هلْ أدْرَكْتَ غايتَهُ
أمْ كُلَّما جُزْتَ شَأْواً أَمْعَنَ
الطَّلَبُ
أيَّانَ ترسُو ؟ ودُنياكَ التي عَمُرَتْ
بالحُسْنِ والحُـبِّ ما تَـنْفَكُّ
تَجْتَذِبُ
سَبْعُونَ حَوْلاً منَ الأشْواقِ تَدْفَعُهَا
في لُجَّـةٍ منْ أمانٍ موجُها صَخِـبُ
عَادَتْ إليكَ وفي أطرافِهَا سَقَمٌ
وقد تَحِنُّ إلى أغمادِهَا القُضُـبُ
وَقَفْتَ فوقَ ذُرَاهَا سَيِّـداًَ عَلَمَاً
وخلفَكَ الليـلُ والأنْوَاءُ
والسُّحُـبُ
يهْنِيكَ، يهْنِيكَ، هذا العِقْد تَحْمِلُهُ
مُرَصَّعَـاً وحُـلاهُ الماسُ
والذَّهَـبُ
جِئْنَا إليكَ وطَرْفُ الليلِ يَلْمَحُنَا
عُشَّاقُ شِعْرِكَ لكنْ بيننا
حُجُـبُ
خُضْنا الحياةَ من البابِ الذي ازدحمتْ
هُوجُ الرِّيَاحِ بِـهِ والعَصْفُ
واللَّهَبُ
مَرَاتِبُ الْمَجْدِ ما تَنْفَـكّ تلفَحُناَ
وكمْ تَضِيقُ بأَرْبَابِ العُلا
الرُّتَـبُ
حَسْبُ النُّجُومِ إذا في لَيْلِها ائْتَلَقَتْ
أنْ
يرصُدَ النُّورَ فيها الصِّيدُ والنُّجبُ
المصدر:
مجلة الهلال المصرية، عدد مايو 1973، ص 86. |
|