ساهمت
المرأة البدوية في الحياة الاقتصادية وفي توفير المال،
وتحسين ظروف العائلة المادية، وكانت بجدها واجتهادها
وعملها المخلص الدؤوب، تساهم مساهمة فعالة في توفير لقمة
العيش إلى جانب زوجها من أجل حياةٍ كريمة، تُبعد عنهم شبح
الفاقة والعوز، في ظل ظروف الصحراء المجدبة القاحلة،
وفُرَصِها القليلة وإمكانياتها المحدودة، فبرز دور المرأة
وتجلّت مواهبها وقدراتها التي ترجمتها إلى أدوات للعمل
والكسب في أمور مختلفة ونواحي متعددة نذكر منها ما يلي:
المنسوجات:
بَرَعت المرأةُ في مجال
المنسوجات على أنواعها، وتفنَّنت في كثيرٍ منها، وأضفت
عليها لمساتٍ جماليةً من ذوقها السليم تُمثِّل هدوء
الصحراء وصمتها، فكان من منسوجاتها ما هو باللونين الأبيض
والأسود، حيث جاء اللون الأبيض من لون صوف الماشية،
والأسود من لون شَعْر الماعز، وفي هذين اللونين تناغم
هاديء ترتاح له النفس، وتطمئن إليه الحواس ولا تنفر منه.
إضافة إلى المنسوجات الصوفية الملونة التي اختارت ألوانها
بعناية فائقة ورتّبت خطوطها الطولية بدقَّة وبتناسق جميل،
وحبكت أطرافها حبكاً متيناً وأضافت إليها الهَدَب
والشراشيب التي زادتها جمالاً وروعة.
فكانت تلك
الصناعة فناً من الفنون التي امتازت بها المرأة البدوية،
واتخذتها فيما بعد مصدراً من مصادر رزقها، من الكسب الطيب
الحلال، ونحن نتناول هنا هذه المنسوجات بشيء من الشرح
والتفصيل:
البُسُط:
واحدها بِسَاط، وتُجمع على
بُسُط، ويجمعها العامة على بِسَاطات؛ وهي فَرْشٌ منسوج من
الخيوط الصوفيّة المتينة المبرومة بَرْمَاً جيداً
والمنسوجة بدقة وعناية. ولصناعة هذه البُسُط تَغزل المرأةُ
صوف الأغنام بعد غسله وتنظيفه ونَفْشِه وتهيئته للغزل، ثم
تصبغ قسماً منه، وتترك قسماً آخر بلا صباغ، وتنسج منه
بُسُطاً ملونة ذات خطوط طولية جذابة، وألوان زاهية جميلة،
تضيف هَدَباً إلى طرفيها الرفيعين.
وهذه
البُسُط تستعمل فراشاً للضيوف من وجهاء القوم وكبارهم،
وغالباً ما يُفرش تحتها بُسُطاً غير ملونة حتى تظلّ نظيفة
نقية.
وتعمل المرأة عدداً من هذه
البُسُط وتبيعها في السوق، وقد يشتهر اسمها ويُعْجِب الناس
إنتاجها فتأتيها دعوات لعمل مثل هذه البُسُط فيصبح ذلك
العمل مصدراً من مصادر رزقها.
أما البُسُط غير الملونة
فغالباً ما تكون بلونين، لون أبيض يضرب إلى الصفرة وهو لون
الصوف، ولون أسود يُتَّخَذ من شعر الماعز، وتكون الخطوط
السوداء أرفع من تلك البيضاء حتى تغلب كمية الصوف على
الشعر فيكون البساط أكثر طراوة وليناً.
الخُرْج:
يُنسج الخُرْج كالبساط
ولكنه أرفع منه، ويُثْنَى طرفاه حتى يصبحا كالجيبين، وتوصل
أطراف الجيبين وصلاً متيناً، ثم يوضع على ظهر الدابة لتحمل
فيه العائلة بعض أمتعتها وأغراضها، والخُرْج الذي يُستعمل
لهذا الغرض عادة ما يكون غير ملون، ويتكون من خطوط بيضاء
وسوداء كما ذكرنا.
أما النوع
الملون منها فيستعمل لتزيين ظهور الخيل، وغالباً ما يبرز
فيه اللون الأحمر والهَدَب الملوّن، والشراشيب الطويلة،
وهذا النوع من الأخرجة هو الذي يباع في الأسواق، والعامة
تجمع الخُرْج على خْرُوج.
الغَفْرَة:
نوع من المنسوجات الثقيلة
التي كانت تُفرش للنوم مكان الفرشة وتستعمل أيضاً كغطاء في
أيام الشتاء القارسة فتقي من البرد بسبب ثقلها، إضافة إلى
أن الصوف سواء كان في اللحاف أو في أي غطاء آخر فإنه يجلب
الدفء والحرارة، وهناك فرق كبير بين الأغطية التي تُحشى
بالصوف والتي تحشى بغيره من حيث الدفء والحرارة، وطبيعي أن
أهل الصحراء يعرفون هذه الميزة أكثر من غيرهم بسبب
استعمالهم اليومي لها.
الثِّفَال:
هو عبارة
عن قطعة منسوجة من الصوف وشعر الماعز، تُبْسط تحت الرحى
ليسقط عليها الدقيق والحَبّ المجروش، وتُبْسط تحت قِطَع
العجين المُعَدّ للخَبْز عند عملية الخَبْز والطهي، ويبلغ
طول الثِّفَال حوالي متر ونصف المتر، وعرضه حوالي 60 أو 70
سم. وكان الثفال يصنع في العصور القديمة من الجلد ويبسط
تحت رحى اليد ليقي الطحين من التراب، ثم أصبح ينسج من
الخيوط المبرومة من الصوف وشعر الماعز كما ذكرنا.
الفَرْدَة:
هي وعاءٌ على شكل كيس
منسوج من الصوف يغلب على لونها البياض وفيها بعض الخطوط
السوداء المنسوجة من شَعْر الماعز، أو البنية التي تنسج من
وبر الإبل، وهي تُنسجُ على شكل بساطٍ ثم تُثْنَى وتُحبكُ
من جانبيها بخيوط متينة حيث تبقى الجهة المقابلة لمكان
الثني مفتوحة، وهي تتسع لحوالي 100 كغم من الحبوب أو
الدقيق، وهي تستعمل أصلاً لنقل الحبوب على ظهور الجمال،
وكذلك لنقل الحبوب للمطاحن الآلية التي كانت موجودة في بعض
المناطق والتي كانت تبعد عن بعضها مسافات بعيدة.
والفَرْدةُ تجمع على
"فْرَاد" وكانت بمثابة الكيس في العقود الماضية، وبها كان
الناس يحفظون دقيقهم لسهولة تحميلها ونقلها عند الحلّ
والترحال.
هذا بالنسبة للمنسوجات
الصوفية، أما المنسوجات التي تُنسج وتُصنع من شعر الماعز
فهي لا تقلّ أهمية عن سابقاتها، وكانت المرأة تعمل فترة
طويلة في غزل الشَّعْر وبَرْمِه ثم تَمدّ النَّول وتنسج
أسابيع في عمل هذه المنسوجات لتبيع بعضها في السوق ولتصنع
من بعضها الآخر أجزاء لبيتها المتواضع، ومن هذه المنسوجات:
الشُّـقَّة:
هي قطعة
منسوجة من شعر الماعز تشبه البساط ولكنها سوداء اللون بلون
الشَّعر الذي صُنعت منه، وهي طويلة بحسب طول البيت الذي
يصنع منها، والشقة تجمع على شقاق، ويقولون: "شقاق البيت"،
وكانت المرأة إضافة إلى عمل الشقاق لبيتها الخاص، فإن
بعضهن كانت تنسج بعض الشقاق لتبيعها في السوق، وكان هذا
النوع من المنسوجات على ما في صناعته ونسجه من تعب وإرهاق،
فإنّ المرأة تلجأ إليه لتجعله نوعاً من العمل اليدويّ الذي
تقوم به، لتجعل منه مكسباً ومصدراً لرزقها.
وهناك منسوجات أخرى رفيعة
تستعمل لبيت الشعر، من أجل تثبيت أطرافه وتثبيت أماكن شدّ
الحبال فيه، ومن هذه القطع قطعة رفيعة بعرض حوالي 30 سم
تسمى "مَخَلّ"، وهي تستعمل لتشد إليها الخلالات أو الخلة
وهي مسامير خشبية أو معدنية يُشبك فيها الساتر الخلفي أو
الأمامي للبيت، وقد جاء اسم المَخَلّ من الخلال وهو
المسمار الذي ذكرناه.
المَعنَد:
هو ساتر
عريض ينسج من الشعر وبه خطوط بيضاء من صوف المواشي، وبعد
أن تفرغ المرأة من نسجه تقصه وتجعل منه قطعتين تركب واحدة
فوق أخرى وتحبك ما بين القطعتين حبكاً جيداً فتصبح وكأنها
قطعة واحدة ويكون ارتفاع هذا الساتر مترين أو أكثر بقليل،
وهو يفصل بين حجرة النساء وبين حجرة الرجال، حيث لا يستطيع
الرجل الواقف في الشق أن يرى ما بداخل غرفة الحريم، ولا
يسمح سُمكه لأحد أن يرى ظلال ما يجري داخل تلك الحجرة.
ونادراً ما يستعمل المعند للتجارة بسبب ثقله وصعوبة العمل
فيه.
مصادر أخرى:
ولا يقف نشاط المرأة على
مجال النسيج وحده، بل تلجأ إلى مجالات أخرى نذكر منها:
الخياطة
والتطريز:
حيث كانت المرأة تطرز
الثياب بالأجرة، ولها أجر معين عن كل طُبّة تطرزها أو عن
كل عِرْق أو عن قُبّة الثوب بكاملها.
منتوجات الألبان:
أما في
مجال المواشي وألبانها فكانت تخضّ اللبن وتُخرج زبدته
وتصنع منه السمن البلدي بعد أن تقدحه وتضيف إليه الكركم
والشومر لتكون رائحته زكية طيبة، وهو يباع بأسعار جيدة،
وتصنع من اللبن العفيق وهو عبارة عن أقراص كرويّة من اللبن
المجفف بحجم حبّة البرتقال، وتبيعه بأسعار مرتفعة، ولذلك
تعد تلك الصناعة من التجارات المربحة.
وكانت بعض النساء تعمل في
التجارة فتشتري المواشي وتربي الخراف وتبيع وتشتري وتربح
في كلّ سوق.
تربية الدجاج:
وكانت تربي الدجاج وتبيع
بيوضها، وكان البيض البلدي أغلى سعراً من البيض التجاري،
وكانت تبيع كذلك عدداً من الديوك والفراريج التي تربيها من
أجل ذلك، وكانت كثير من النساء تعتمد على بيع الدجاج
والبيض كمصدر ترتزق منه.
الخضراوات والحبوب:
أما في مجال الخضراوات
فكانت المرأة في أيّام الصيف تجفف البندورة، وإذا كان
لديها كمية كبيرة أو فائض يزيد عن استهلاك العائلة فكانت
تبيع ذلك، وكانت تجفف البامية أيضاً وتبيع قسماً منها على
شكل قلائد مجففة.
وكانت تزرع العدس في
الشتاء ثم تحصده وتدرسه وتستخرج حبه ليكون طعاماً لأولادها
وأسرتها على مدار العام لأنه من المأكولات المفضلة
والرئيسية التي يعتمد عليها أهل الصحراء في غذائهم.
وبعد:
فإننا في هذه العجالة وفي
هذه الصفحات القليلة لا يمكننا حصر كلّ نشاطات المرأة
البدوية في صحراء اتسمت بالمحل والجدب، فأخذ كل واحد دوره
وعمل عن إيمان وقناعة بأن لكلّ فرد أهميته ودوره في هذه
الحياة الدنيا، فكانت المشاركة الفعلية وكان التعاون
والإخلاص، وكان للمرأة دورها وأهميتها التي ذكرنا والتي
نتمنى أن نكون قد أوفيناها بعض حقها وذكرنا بعضاً من جليل
أعمالها، والله من وراء القصد.
---------------
جـميع
الحقـوق مـحفوظـة
« لا يسمح باستخدام هذه المادة
بشكل تجاريّ دون أذن خطّيّ من المؤلف »
ولا
يسمح بنقلها واستخدامها دون الإشارة إلى مصدرها.
|