وأعود اليوم خالي الوفاض،
تكتكتُ ما في جيبي فوجدته "تَمْر معدود في جراب موكي"،
حككتُ جوانب رأسي فلم أجد إلا جذوعاً قليلة لشعرٍ لفحته
رياح الصيف وابيضّ عوده، مسكت ذقني بين سبّابتي وإبهامي
فوجدتُ أخاديدَ وتجاعيدَ كأرضٍ خددتها سيولُ الشتاء، نظرتُ
في المرآة فأجفلتُ ولم أصدِّق أن ذلك الأشمط هو أنا.
ويحي، أين الشبابُ وعنفُه
والشوقُ تملكه يداي.. أينَ الربيعُ ودِفْئُهُ... أَتُرى
يعود إلى رُباي، سمعتُ قهقهةً من خلفي وصدى صوتٍ أجشٍّ
مبحوحٍ وكأنه يقول: ألا ليتَ الشبابَ يعودُ يوماً...
لنخبره بما فعلَ المشيبُ..
أمسكت بشحمة أذني وهي
طويلة تشبه شحمة أذن أحد المشاهير في بلدنا، وأصختُ السمع
وفكرت قليلاً: أترى ذلك الصدّى هو هاتفٌ من شيطان الشعر؟.
لقد أصبح يعود لماماً، إنه
كالزمن وكالناس، مثل كلاب الفرس، عندما تركض الفرس تركض
الكلابُ معها، وعندما تقع تكون أول من ينهشها..
نظرتُ إلى شاشةِ الحاسوب،
وإلى ما خلّفتْ من سوادٍ يحيط بحدقتي عينيّ، وخاطبت ملهمتي
قائلاً:
أجيبي
فإني .. غَزاني المشيبُ
وهبّـتْ بصـدري رِيـاحُ
القَلَـق
طَوَيْتُ
شَبابي.. بليلِ الحروفِ
وكانَ حَصـادي سَـواد
الحَـدَق
وجُبْتُ
عصوراً.. بعُمـرِ الزمـانِ
وعُـدتُ حزينـاً
كثيـرَ الأرق
سرحتُ بفكري قليلاً،
وحلّقتُ في ما وراء الأفق، ورفرفت بي أجنحة الخيال في
عوالم أخرى، وفجأة وإذا بيدٍ حانية تربت على كتفي، وصوت
ناعم يقول:أنت تَعِبٌ يا أبا جمال، قم واسترح على سريرك..
ألم تتعب من هذا الحاسوب..
قمت متثاقلاً من على
الكرسي، ورميت نفسي على السرير، وفجأة خطر ببالي بيت من
الشعر، فخشيت أن يضيع، فناديت زوجتي: أم جمال..أم جمال،
ناوليني الحاسوب النقّال، نظرتْ إليّ دون أن تفهم قصدي،
فقلت لها: أعطِني اللابتوب، ابتسمت أم جمال فظهر طقمُ
أسنانها الجديد، فنظرتُ إليه بطرف عيني، وكأنها عرفت
قصدي.. فقالت:"اللي فيه كار ما بيخليه"، وأضافت:
أنت ماكر يا زوجي العزيز .. ثم تركتني وانصرفت.
* * * *
---------------
نشرت في صحيفة الحدث في 21/05/2008م
.
جـميع
الحقـوق مـحفوظـة
« لا يسمح باستخدام هذه المادة
بشكل تجاريّ دون أذن خطّيّ من المؤلف »
ولا
يسمح بنقلها واستخدامها دون الإشارة إلى مصدرها.
|