1. دقّة محيسن:
سمعت أخي يتحدث عن شخصين
وصفَ تصرفاتهما بأنها متشابهة إن كان في سوء المعاملة أو
في غيرها، وقال بأن فلان وفلان دَقّة محيسن، وبما أنني سبق
أن رأيت جملة دقّة محيسن فقد تبادر إلى ذهني المعنى الأصلي
الذي أُخذت منه هذه الجملة واسْتُعير منه هذا المصطلح.
فمن هو محيسن هذا ؟ وما هي
الدقّة الخاصة التي دقَّها؟
كان الناس في منطقتنا
وربما البدو بشكل عام يحملون سلاحاً خفيفاً هو الشبرية،
وكانت الشبرية تعتبر رمزاً من رموزهم التي لا يتنازلون
عنها، وكانت الشباري تصنع في الأردن، وكانت مختومة في
الجزء العلوي من نصلها بدائرة منقوشة، وفي وسط الدائرة
نقشت جملة دقّة محيسن، فمحيسن هنا اسم صاحب المصنع الذي
يصنع الشباري في الأردن، وبما أن هناك أعداداً كبيرة
متشابهة من هذه الشباري لأنها تصنع في مصنع واحد، فلذلك
جاءت جملة دقة محيسن لتدلّ على التشابه، واستعيرت هنا لتدل
على التصرفات المتشابهه لبعض الأشخاص، إن كان في التصرفات
أو المعاملات أو غيرها.
وهناك نوع آخر من الشباري
كان يصنع في مصنع هوشان في الأردن، وكانت الشبرية الطويلة
منه تسمى هوشانية نسبة إلى مصنع هوشان المذكور، واسم هوشان
منقوش على نصلها أيضاً.
وعلى ذكر التشابه في
التصرفات هناك جملة أخرى تؤدي نفس المعنى تقول: "إنهم
قاريين على شيخ واحد"، أي أنَّ أسلوبهم واحد وخصالهم
متشابهة، وكأنهم تعلّموا عند شيخٍ واحد من شيوخ الكتاتيب
القديمة واحد فحفظوا نفس الدروس ورددوا نفس الكلام.
وأذكر جملة للناقد مارون
عبود يقول فيها: "إنهما متشابهان كحبتي عدس"، والبعض الآخر
يقول: "إنهما متشابهان كقطرتي ماء"، وهكذا جاءت هذه الجمل
لتعبر عن معنى التشابه في الأخلاق والمعاملات والتصرفات
المتشابهة.
* * * * *
2. طلع بساخن الكعب:
يقولون: "فلان طلع بساخن
الكعب"، ويقولون كذلك: "فلان ما أطلعنه إلا رجلاه"؛ أي ما
خرج من ذلك الأمر إلا بصعوبة، ولو نظرنا إلى أصل هذا
المصطلح لوجدناه مأخوذاً من الشخص الذي يُطلق رجليه للريح
هرباً وخوفاً من شيء معين حتى ينجو بنفسه، وبما أن الناس
كانوا يمشون حفاة الأقدام ولا يستعملون الأحذية إلا
قليلاً، فإنه عند الجري تسخن كعبا الرِّجْلَيْن لاحتكاكهما
بالأرض، ومن يطلع بساخن الكعب هو الذي يُفلت وينجو بصعوبة.
* * * * *
3. شَرَّعها على الغربي:
أصل المصطلح من بيت
الشَّعر، فعندما يكون رواق البيت أو ساتره الخلفي منسدلاً
تكون الرؤية فيه محدودة، ولكن عندما يُرفع ويُشَمَّر
الرِوَاق يصبح المجال مفتوحاً والرؤية غير محدودة، ويمكن
حينها مشاهدة الأشياء الخارجية بشكل أدقّ وأكثر وضوحاًً،
ومن هنا فجملة "شَرَّعها على الغربي"، تعني أن ذلك الشخص
كشفَ كلّ ما يتعلق بالموضوع ولم يترك منه شيئاً مخفياً.
* * * * *
4. أول سلّ عبّي:
التقيتُ بزميلٍ لي وكنا
حينها أعضاءً في البلدية، وتناقشنا حول مواضيع مختلفة،
فقال: "أول سَلّ عَبِّي نريد أن نعمل كذا"، وقفزت هذه
العبارة إلى ذهني لتذكرني بموضوع سبق أن سمعته من قبل، فما
علاقتها بالسلة؟ وأذكر أن أبي كان يحدثنا عن قطف الحمضيات
في أربعينيات القرن الماضي، وأن العمّال من الرجال كانوا
يقطفون الثمار بمقصات خاصة ويضعونها في سلال كبيرة، وكانت
النساء يحملن هذه السلال لمكانٍ يلفّون فيه الثمار بورقٍ
ناعم ويعبئونها في صناديق استعداداً لتصديرها للخارج،
وأعتقد أن جملة "أول سلّ عَبِّي" جاءت من هذا العمل
لتدلّ على بداية الشيء والتركيز عليه قبل غيره، وهي تعني
هنا أول شيء نقوم به في بداية الأمر، أو باديء ذي بدء كما
يقولون في الفصحى.
* * * * *
5. فَرَض لها في
العمود:
يُحكى أن رجلاً أراد أن
يتزوّج، فخطب فتاةً من أهلها ووعدوه أن يعود إليهم بعد
أربعين يوماً، ولما كان لا يعرف الحساب أخذ يفرض أو يحزّ
في عمود البيت حزّاً واحداً في كلّ يوم حتى يعرف ما مرّ من
أيام، ولكن خلال تلك الفترة كانت الفتاة قد تزوجت وظلَّ
صاحبنا يحزّ في عمود البيت حتى اكتملت المدة، وعندما ذهب
في الموعد المحدد وجد كلّ شيء قد انتهى فعاد بخفّي حنين.
ومن يومها يقولون للشخص الذي يريد شيئاً صعب المنال أو لا
يمكن الحصول عليه، يقولون له: "افرض له في العمود".
* * * * *
6. مخيوط عليه:
إذا رأينا شخصاً ضعيفاً
يخشى من شخصٍ آخر، وإذا أراد أن يعمل عملاً ما فهو ينظر
لذلك الشخص بعيون واجفة خائفة، فغالباً ما نقول عن الشخص
الضعيف إنه مَخْيُوط عليه، لأنه قد يكون تعرّض لعقابٍ من
ذلك الشخص في مراتٍ سابقة فأصبح يهابه ويخشاه ويتحاشى
الوقوف أمامه وبين يديه.
وقد جاء
هذا المصطلح من طريقة الصقر في الانقضاض على فريسته من
الدجاج أو الطيور، وكانت الدجاجة عندما تخرج مع فراخها
لتلتقط بعض الحبوب، يَخِيط عليها الصقر أي ينقضّ عليها من
الجو ليخطف أحد صغارها، وإذا خطف أحد الصيصان في اليوم
الأول فغالباً ما يعود في اليوم التالي، ومن أجل ذلك
فعندما ترى الدجاجة ظلاً لصقرٍ أو حمامة، ترفرف بجناحيها
وتهرب مذعورة نحو خُصِّها أو قُنِّها حتى تسلم بروحها ولا
تقع فريسة لذلك الطائر. ومن هنا فالمخيوط عليه هو من يخشى
من شخصٍ آخر ولا يجرؤ على عمل شيء في حضوره.
*
* * * *
7. الزومة فيها سَلَق:
يقولون في أمثالنا
الشعبية: "اللَفْتة في الديوان تسوى حصان"، أي يجب
الانتباه قبل التكلم في حقّ أحد الأشخاص فقد يكون موجوداً
بين الحاضرين دون أن نراه أو نشعر به، ومن هنا إذا أراد
أحدهم التكلم عن شخصٍ معين بحضور مجموعة من الناس فغالباً
ما ينبهه أحدهم بقوله: "الزومة فيها سَلَق"،
والزَّوْمَة: هي بقعة صغيرة من الزرع أو العشب المتكاثف
على بعضه البعض, والسَّلَق: هو الكلب السلوقي الذي
يستخدمونه في الصيد، وعندما يكون في الزومة فهو يرفع رأسه
عند سماعه لأي حركة، وكذلك يفعل من يسمع كلاماً يمسه أو
يمسّ أحداً تابعاً له، وغالباً ما يرفع رأسه قليلاً حتى لا
تفوته جملة مما يقال من حديث فيذهب ويبثه وينشره وربما
يزيد عليه.
ومن هنا نفهم أن هذا
المصطلح يعني الانتباه قبل التكلم، وعدم التفوّه بكلمات قد
تسيء إلى بعضهم دون أن نقصد ذلك، مما يسبب لنا احراجاتٍ
نحن في غنى عنها.
* * * * *
8. شايل الدنيا على قرونه.
يقولون:" لا تشيل الدنيا
على قرونك"، أي لا تحمل كلّ تلك الهموم والأعباء،
وتُحَمِّل نفسك فوق طاقتها؛ فتُثقل على قلبك وتُتعب نفسك.
والذي يحمل الدنيا على قرونه هو ثورٌ أسطوري كان الناس
يعتقدون أنه يحمل الكرة الأرضية على قرونه، وإذا ما نقلها
من قرنٍ إلى آخر تحدث الزلازل الأرضية والعواصف وما شابه.
ونسمعهم يقولون أيضاً: "فلان زي ثور الدنيا، شايل الدنيا
على قرونه". ومن هنا يجب أن لا نحمل الدنيا على قروننا وأن
نعيش حياة كلها بساطة تكون أقرب للسعادة، لأننا لو جرينا
جري الوحوش غير رزقنا ما بنحوش"، وفي هذا كفاية.
* * * * *
---------------
نشرت في صحيفة الحدث في 25/06/2008م
.
جـميع
الحقـوق مـحفوظـة
« لا يسمح باستخدام هذه المادة
بشكل تجاريّ دون أذن خطّيّ من المؤلف »
ولا
يسمح بنقلها واستخدامها دون الإشارة إلى مصدرها.
|