الإنسان العربي
في مرآة الإعلام الغربي والإسرائيلي
بات
من الواضح للمثقفين والعامة، أنّ الإعلام يلعب دوراً أساسياً
ويؤثّر على مسار الحياة اليومية للأفراد والأمم والدول . وفي
العصر الحالي، وخاصة بعد ثورة الحاسوب والانترنت، أصبح العالم
قرية صغيرة، وبات من الممكن أن تعرف كلّ شيء وأنت جالس أمام
شاشة الحاسوب أو التلفاز . وبات من الممكن أن تؤثّر وأنت في
البيت !!
وإذا كان العالم العربي قد سلّم بعجزه العسكري لحسم
المعركة، فإنه يجب عليه أن لا يسلّم أمره مرة أخرى في المعركة
الإعلامية .
في هذه المواجهة لا حاجة للطائرات والصواريخ العابرة
للقارات، ولن يسقط القتلى والجرحى والأسرى، وإنما ستسقط
الأقنعة والهواجس والمخاوف .
والعالم العربي قادر على توظيف عائدات البترول والغاز
الطبيعي، وآلاف الآلاف من العقول العربية والأقلام الناضجة.
يكفيه فقط، أن يطلق العنان لهذه الأقلام لتسطّر أروع صورة عن
حقيقة الإنسان العربي الذي يعاني من هجمة غربية- إسرائيلية
لمحاولة تشويه إنسانيته ومنطقه وعاداته وتقاليده، وتاريخه .
الغرب يحاول استكتاب الكتّاب والصحف ووسائل الإعلام وفق
عقليته بهدف إبراز "تخلّف " الشرق مقابل تفوّق الغرب سيّد
الحضارة وصانعها من خلال تفسيرات مغايرة للواقع ، وترويج
أقاصيص غريبة، والتشكيك بقدرات
الإنسان الشرقي وخاصة العربي. وهذا الأمر يظهر جلياً في
كبرى شبكات التلفزة الأمريكية والتي تبسط نفوذها في جميع أرجاء
العالم وتدخل البيوت دون استئذان، وفي كبرى الصحف العالمية
والغربية في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، ومن مواقع
الانترنت الكبرى .
وللأسف، نجحت وسائل الإعلام الغربية والإسرائيلية برسم
صورهَ قاتمة للإنسان العربي، فهو "إرهابي"، "أصولي "، "رجعي "،
"بدائي "، "غير منطقي"، "غر ديمقراطي "، "مشاغب "، "متعاطف مع
الإرهاب "، "صاحب ملابس بالية "، " مخادع "، " رخيص "، " غبي "
...
حتى الصحف العبرية والتلفزيون الإسرائيلي وصوت إسرائيل،
يحاولون بثّ صورة سلبية عن المواطنين العرب في هذه البلاد
وخارجها بالرغم من معايشتهم للأمر وبالرغم من كونهم يعرفون
الحقيقة .
فمهما بحثت في الصحف العبرية، لن تجد خبراً يصوّر الإنسان
العربي بصورة إيجابية، ويتم دائماً التقليل من كلّ خبر إيجابي
وتضخيم الأمور السلبية وإخراجها من إطارها الحقيقي.
والسؤال هو: كيف يمكن للإعلام العربي التصدّي لهذه المؤامرة
؟!
والجواب: عن طريق وعينا لأبعاد المشكلة وأهدافها، وتوظيف
أموالنا وعقولنا في خدمة قضايانا الإعلامية والإنسانية
والسياسية وإيصال الحقائق إلى كل بقاع الأرض وبكلّ اللغات
وبشكل مدروس وموضوعي، وبالاستعانة بإعلاميين مختصين وإعطاء
المزيد من الحريات ورفع الرقابة عن الصحف و التلفزيون-
والراديو .
إذا فعلنا ذلك فإنّ النتيجة الحتمية ستكون تعديل صورة
الإنسان العربي في عقول الغربيين وباقي شعوب العالم. وهذا
الأمر سينعكس إيجابياً واقتصادياً وسياسياً .
ومن الأمثلة على الغبن الذي يلحقنا من الإعلام الغربي أنّ
مقتل العشرات من العرب في منطقة الشرق الأوسط لن يثير وسائل
الإعلام هذه وسوف تتجاهل الأمر، وإن اضطرّت للتطرق إليه فستفعل
ذلك باقتضاب ومن خلال وجهة نظرها فقط. بينما إذا قُتل
إسرائيليّ واحد فإنّ هذا الخبر سيتصدّر حتماً صفحات كبرى الصحف
الأمريكية والأوروبية وستفتتح نشرات الأخبار بهذا الخبر، مع
أنّ دولة إسرائيل أيضاً تقع في الشرق الأوسط .
من هنا تنبع أهمية الإعلام في تسويق الحدث والترويج له
والدقّة في اختيار الكلمات والمصطلحات .
على الإعلام العربي أن يصطفّ لتصدير روايته وتدعيمها علمياً
ومهنياً وصحفياً، وعندها فقط تسقط الحواجز الزجاجية الوهمية
التي وضعها هذا الإعلام من أجل بعثرة الحقائق .
المواكب العدد 3+4 / 2001 |