مدخـل قصتي مع النقب حكاية آلاف الناس من طلاب ومدرسين ومحاضرين وعمال وموظفين, قذف بهم الحظ والزمان وألهمتهم الظروف للقدوم إلى هذه المنطقة, منهم من وجد نفسه على بساط السعادة يرتشف ملعقة الرضى والانبساط, ومنهم من وجد نفسه دون التأثير أو التأثر من المكان والإنسان, ومنهم من يحاول الانسحاب في كل لحظة سانحة, يلملم نفسه على حياء, أنا ما كنت غيمة صيف عابرة, أو عابر سبيل يقيس الطريق, بل كنت جزءً منه وكان جزءً مني, كنت واحداً من الأهل لم أشعر بطعم الغربة عن المكان أو عن الإنسان, إيماناً مني بأن الطالب الجامعي أو المربي يحمل رسالة اجتماعية وتربوية, وله دور مركزي في المجتمع العربي, يمارس دوره الطلائعي بعيداً عن الأفكار الاستسلامية, التي تكسو الإنسان ثوب القهر والحرمان. الإخلاص في العمل الجماهيري, ضميري يجذف نحو عطاء غير مشروط, من اختار لنفسه تيار العلم والتربية, للمجتمع حق أن يقطف ثمار جهده وأفكاره, من أراد الغوص في بحر العطاء, عليه عدم الانتظار والبقاء في حضن المادة وأزقة الذاكرة، خلال فترة مكوثي في النقب بين السنوات 1993-2004 تركت بصماتي في مجال العمل الجماهيري والثقافي والأدبي والإعلامي وعلى الحركة الطلابية ونشاطاتها المتشعبة, أما في المجال المهني فمن حق الطلاب والأهالي ووزارة التربية والتعليم على المعلم أن يعطي بإخلاص وتفاني ليحفظ للمهنة كرامتها. رأيتُ من المناسب نشر هذه المواقف والآراء, لتكون شمعة تضيء وزاداً لعيونٍ تبحث عن الصدق المختبئ في أعماق الصدور, وجرعة علم لمن يود معرفة معالم طريق اَمن لمن يؤمن بالإنسان، ويزرع المحبة والثقة في نفسه ونفوس الغير، لمن يتوق لمرحلة من التغيير واحترام الذات العربية الأصيلة، لمن تجري تحت لسانه أسئلة يحسبها فجة. وهل من رسالة في هذا العالم الغاضب كالبركان, هل أقدر أن أغير المسار ؟ أم أسير وسط الركب مثل آلة حمقاء ؟ يقيناً أن لكل منا رسالة وإن شاء جعلها مقدسة, ولهُ دورٌ يحدد هو حجمه ومساره، الصدف لا تصنع المعجزات بل بالأظافر والمعول وحبات العرق, والوقوف في وجه كل تيار يلوح بعباءة الخنوع والصمت واجترار يراوح المكان. هي كلمة شكر ووفاء لكل صديق وزميل ورفيق درب شاطرني الأفكار والجهد في ميادين العطاء والتطوع والبحث عن عيون العلم والاغتراف منها وما زلنا نبحث عن الارتواء, هي وقفة تأمل وإجلال لكل الشرفاء في النقب, الذين أخذوا على عاتقهم التضحية من أجل إعلاء كلمة أهل النقب, لمن رفع راية العلم والمعرفة والتحدي, وامتطاء بساط التغير نحو الأفضل, لمن ما زال يرسم وجه البادية والبداوة بريشة الأصالة, رغم الرياح العاتية والتي تحاول أن تشوه الإنسان والمكان وتقلم الأغصان والجذور ... إضاءة وإشارة لنا جميعاً, النقب جزء منا ونحن جزء منه, نحتضن أهلهُ ونتواصل معاً ثقافياً وحضارياً، هو نداء لوضع قضايا النقب وفق أولويات الأقلية العربية في البلاد, هي همسة عتاب للحكومات المتعاقبة في إسرائيل, لماذا تركتم النقب وحيداً, يتيماً يواجه مصيرهُ؟ متى نتجاوز معاً الحقول الشائكة وكل علامات الاستفهام التي تنادي وتصرخ ؟ النقب أولاً.
|