الفزورة |
قلتُ لجاري ذات يوم ، وهو شيخ كبير في السبعينات من عمره : حدثني يا جاري عن قصة تعرفها أو حكاية سمعتَ بها .فقال سأحدثك بفزورة لأرى هل ستعرفها أم لا ؟ فقلتُ له تفضّل ، فقال : يُحكى أن أحد القناصة كان يطارد صيداً يصيده في الصحراء ، وقادته خطاه حتى وصل إلى بيت مُنفردٍ في الخلاء ، ليس فيه أحد من الناس سوى فتاة صغيرة السنّ ، فحياها قائلاً : السلام عليك يا صاحبة البيت . قالت : وعليك السلام . قال : أين ذهب أبوك يا فتاة ؟ قالت : ذهب يسقي الماءَ بالماء . قال : وأين ذهبت أمُكِ ؟ . قالت : ذهبت ترُدُّ الدمعَ بالدمع . قال : وأين ذهب أخوكِ ؟ قالت : ذهب يَطْرُد الريحَ بالريح . فهزّ الرجل رأسه وقد فهم كلامها وعرف أين ذهب أهلها ، ثم لوى رأس جواده وسار في حال سبيله . وهنا توقف الشيخ عن الكلام ، فقلت له : أكمِل القصة ، قال قد انتهت ، قلت له : لم أفهم كلام الفتاة فهلاّ شرحته لي فقال : أما قولها عن أبيها بأنه ذهب يسقي الماءَ بالماء ، فهو قد ذهب يسقي بعض نبتات البطيخ التي زرعها ، ولأن ثمر البطيخ يتكون أكثره من الماء فهو كالماء ، وكأنه بذلك ذهبَ ليسقي الماء بالماء . أما قولها عن أمها بأنها ذهبت تردّ الدمع بالدمع ، فهي قد ذهبت تبكي أحد المتوفين ، بعد أن كانت قريبات المُتوفّى قد جئنها وبكين لها عندما فقدت عزيزاً عليها ، وكأنها تعيد بذلك دموع تلك النسوة بدموعها الآن . أما قولها عن أخيها الذي ذهب يطرد الريح بالريح ، فقد ذهب للصيد ومعه كلاب سلوقية وهي تسابق الريح في عَدْوِها وسرعتها ، حيث تطارد غزالاً سريعاً أيضاً ، وكأن الغزال والكلاب السلوقية التي تطارده ريحاً يطارد ريحاً لأنه لا يظهر منها أثناء عدوها في المطاردة إلا الغبار الناتج عن سرعة العدو . وهكذا فهمت مغزى القصة ومعناها بعـد أن شرحـها لي جاري الشيـخ . |