قضاء عشائري |
يُحْكى أن مشكلةً حدثت بين فريقين من الناس , فاجتمعوا في بيت أحد الوجهاء للتفاوض من أجل حلِّها ، وإيجاد صيغة ترضي الطرفين لفضّ النزاع القائم بينهما . وأثناء النقاش حمي الجدال واشتد بين رجلين منهما , فقال أحدهما منتهِراً للآخـر : اسكت يا حمار !. ونظر الرجل إلى صاحب البيت وقال له : هل سمعت ما قاله ذلك الرجل ؟ قال : نعم ، سمعت . فقال له :أنت الآن معقود العمامة(1) ، تشهد بما سمعت ورأيت ، وقال لجماعته قوموا بنا ، فعادوا إلى ديارهم وقد أخذ الغضب منهم كل مأخذ . وبعث الرجل وجماعته أناساً لأقارب ذلك الرجل وأبلغوهم بأنهم مطرودون لهم طَرْد الرجال للرجال , وفي هذه الحالة يكون أي شخص يخرج من الطرف الآخر معرضاً للاعتداء عليه ، من أي واحد من أقارب الرجل الغاضب ، وتوسّط الوجهاء لحلّ القضية ورفعوها إلى القضاء العشائري ، فحكم قاضيهم بأن يخرج ذلك الرجل ويقف أمام جمع الحضور وينهق مقلداً صوت الحمار ثلاث مرات ، ويكرر ذلك في ثلاثة بيوت من بيوت الوجهاء حتى يتعلم درساً يكون عبرة له ولغيره ، ولا يصِف بعدها رجلاً كريماً وجيهاً بتلك الصفة التي حَقَّرته أمام الناس ، واعترض الرجل على هذا الحكم ، وقال حتى لو فَنِيَ الطرفان فلن أفعل ما طلبوه مني ، فإنّ ذلك من شأنه الإهانة والتحقير ليس أكثر ، ولكن أهله وأقاربه ضغطوا عليه وقالوا له : إذا لم تفعل ذلك فقد يسقط ضحايا بين الفريقين ، والأَوْلَى ومن أجل حقن الدماء ، أن ترضى بالحكم ، فانصاع الرجل للأمر كارهاً , وقد نهقَ بالفعل ثلاث مرات وفي ثلاثة بيوت مختلفة من بيوت وجهاء تلك المنطقة ، وبعدها رضي الطرف الآخر وانفضّ بذلك الخلاف القائم بينهما وانتهت تلك المشكلة التي كادت تتفاقم وتصل إلى عواقب وخيمة . 1) – كانوا يعقدون عمامة الشاهد عند حدوث مثل هذه الحالات ليشهد بما سمع ورأى . |