المناظرة |
يُحكى أن رجلاً صالحاً عُرف بالورع والتقوى ، واشتهر بذلك بين الناس ، وعمت شهرته في الآفاق ، وأصبح له أتباع ومريدون ، وصاروا يتحدثون عن كراماته في مجالسهم المختلفة . وسمعت به امرأة صالحة أخرى تعيش في بلدٍ آخر ، ولها مكانتها وشهرتها ، وسمعت ما يتناقله الناس عن ورعه وكراماته فقررت أن تناظره وتغلبه حتى تصبح هي صاحبة السيادة والكلمة في تلك المنطقـة ، فبعثت إليه وأخبرته عن رغبتها في مناظرته واتفق الاثنان على الاجتماع في مكانٍ في القرية في يومٍ محدّد اتفقا عليه ، وكانت تلك المرأة بارعة الحسن والجمال ، فلبست أفخر ما لديها من الملابس وذهبت لتلتقي به في ذلك المكان ، ولتجتمع بذلك الرجل الصالح وتناظره في المسائل التي اتفقا عليها . وجلس الرجل الصالح وانتظرها حتى جاءت وألقت التحية وجلست ، ثم بدأت تطرح عليه الأسئلة وهو مطرق لم ينظر إليها ولم يرفع بصره نحوها ، وكان يجيب على كلّ سؤال تطرحه عليه إجابة شافية لا تترك لها مجالاً للزيادة . وبعد أسئلة عديدة أصابها الإعياء وأدركت أن منافسها ليس سهلاً ، فكشفت عن وجهها لتغريه وتفتنه بجمالها ، ولكنه ظل مطرقاً لا ينظر إليها ، بل ظل يجيب على أسئلتها وهو على هدوئه المعتاد ، فيئست وأعيتها الحيلة فقالت غاضبة : كُلْـهُ يا قمل . فانتشر القمل على ملابسه وجسده ، حتى كاد يغطيه بالكامل . فقال : نَقِّـهِ يا نمل . فأخذت كلّ نملة قملةً وسارت بها . وهكذا انتصر ذلك الرجل الصالح على تلك المرأة وغلبها وحافظ على مركزه ونفوذه ،وعادت هي إلى منطقتها دون أن تحقق ما كانت تطمح إليه ، ويقول البعض إن العداء ما زال قائماً بين أتباع هذين الصالحين حتى يومنا هذا ، والله تعالى أعلم . |