حيلة غريبة |
كان الأعراب يلاقون في صحرائهم كثيراً من الشِّدَّة والعَنَت ، ، بسبب سنوات القحط المتتابعة وقلة سقوط الأمطار ، فكانت تجفّ المراعي ، وتنضب موارد المياه ، فتموت الماشية ، ويعضهم الفقر بنابه ، ولا يجد بعضهم ما يقتات به ، فيتعرضون للجوع والعطش ، وقلة ذات اليد . ولم يكن الأعراب من هواة الزرع والقلع ، فلم يكونوا يستقرون في أماكن ثابتة حتى تستهويهم الزراعة والفلاحة ، ولم تكن نسبة الأمطار مشجعة على ذلك حتى لو كانت النية موجودة . فكان بعض الفقراء منهم يهيمون على وجوههم يبتغون الرزق عند أهل القرى الذين كانت حالتهم أحسن ومنطقتهم أكثر خصباً ، وأوفر حظاً من كمية الأمطار التي تسقط في السنة ، فكانوا يزرعون حقولهم بالحنطة والشعير والعدس ، إضافة إلى كروم العنب والتين والرمان وغيرها من الأشجار المثمرة . وكان بعضهم يزرع نبات التبغ فيقص أوراقه عدة مرات وينشرها ويجففها على ظهر بيته ، فيستعمل بعضها لاستهلاكه الشخصي ويبيع ما يزيد عن حاجته . وكان أهل القرى قد سئموا وضجوا من كثرة السائلين من الأعراب بسبب إلحاحهم وكثرة سؤالهم ، وأصبحوا يكرهونهم ولا يعطونهم شيئاً ، اللهم إلا بعض الأرغفة القليلة من الخبز ، تتصدق بها النساء وهن يخبزن على الطابون ، وكان من عادة أهل القرى إذا جاءهم أعرابي أن يقولوا له : لوك على الجارات ، أي اذهب إلى النساء المجاورات اللواتي يخبزن على الطابون فقد تجد شيئاً من طلبك عندهن ، فيحصل الأعرابي على بعض الأرغفة هناك . وكان أحد الخبثاء قد رأى تبغاً منشوراً على أحد البيوت ، وكان مُدخِّناً مدمناً فسال لعابه له ، وطلب من صاحب البيت شيئاً منه ولكن الأخير رده خائباً ولم يعطه شيئاً . فأضمر الأعرابي شيئاً في نفسه ، وفي المساء أمسك بحرذون وربطه بخيط طويل من ذيله ، وكان معه كيس من القماش ، فانتظر حتى حلَّ الظلام ونامت العين ، فذهب يختلس الخطى حتى وصل إلى ذلك البيت ورمى الحرذون عليه فوقع على التبغ المنشور ، وعندها سَحَبه من الخيط المربوط في ذيله فأمسك الحرذون بأرجله في أوراق التبغ المنشورة ، فسحبه فسقط وسقط معه كثير من أوراق التبغ ، فجمعها الأعرابي في كيسه ثم عاد ورمى الحرذون مرة أخرى ، وأعاد الكرَّة عدة مرات حتى أتى على كل أوراق التبغ وملأ كيسه منها وذهب عائداً إلى رفاقه ، ثم فكّ الخيط وأفلت الحرذون وضحك من تلك الحيلة العجيبة التي استطاع بواسطتها أن يشبع نهمه وشوقه من ذلك التبغ الطازج الذي ضنّ به صاحبه . |