الإمام عليّ ابن أبي طالب

أم محمد

أم محمد

جارتنا من "المجيدل" التي

شنقوا جدائلها في ظهيرة حمراء

وأقاموا على عشب عمرها الأخضر

بيوتا من الإسمنت الذي

ليس له قلب

كانت

شيخ حارة اللاجئين بلا منافس .

أم محمد

حضورها هيبة

تعلّقها مثل ملاقط الغسيل

على ألسنة الجارات

ووجهها الملفوف بالصمت

خيمة سوداء بلا ثقوب

تلفُّهنَّ بها

وتحميهن

من قولة العيب

والكلام العاطل الذي

يغضب الله ورسوله.

 

أم محمد يا أم محمد..

في قلبك الطيب مثل أكواز الصبر

كم أردت أن أدفن حزني

وكلما حاولت

تطلع شجرة خضراء

تلفُّني

تهزّني مثل قصبة الزّمار

تنوح أغصانها

وينهمر دمعها على شوارع الإسفلت

وتهمس:

"أين حزنك يا ولد

من حزن البلاد التي ضاعت؟! "

 

أم محمد

كانت

دائما وأبدا

حين تنزل في دغشة الصبح

لتزرع الدخان والبندورة والبصل

في أرض الخواجا

تحمل وجهها اليابس

وترمي هيبتها وراء ظهرها

وتظلّ خلف أبو محمد

مسافة خطوتين بالضبط.

كان مكانها

دائما

بجانب حمار العائلة الطيب

الذي

ما اشتكى يوما من ثقل أبو محمد

والذي كم حسدتُهم عليه

يوم كان وهم الطفولة

يقرع أجراس طموحي العجيب

ويوم كنت أبتهل لله

صباح مساء

أن تطول ساقاي

حتى أكون مثل ذلك الذي قال

"ولقد ذكرتك والرماح نواهل""

وأطلع على عبلتي

التي

تنتظر فارسها الهمام.

 

أم محمد .. يا أم محمد

لماذا

ورثَتْ عبلة

شبق أمِّنا حواء

وجمرة القلب والذكرى

وحدَها؟!

ومَنْ وزّع الأرزاقْ؟!

ومَنْ طوّق الأعناقْ؟!

 

ولأنها،

ومثل كل بنات جنسها ،

كانت تؤمن

لا أقلّ من إيمانها

بخالق الأرض والسماء

والجن والعفاريت

والحلال والحرام ،

أن الرجال قوّامون على النساء

ما رآها أحد

إلا على بعد خطوتين

وراء أبو محمد

راضية بنصيبها

أنها إحدى الركوبتين:

المرأة والدابّة

وما قالت "لأ" ولا "ليش"

وما فكّرت بذلك من أصله .

 

أم محمد

رأيتها في ثلاثة أعراس

في الناصرة وسخنين وأم الفحم

وفي وجوه الرّكوبات الكثيرات

ممن لم أشارك

في أفراح ديار أزواجهن العامرة

قبل أن يخترعوا القاعات التي

يُهرِّب شبان المدن المتهورون

في علب الكولا وأباريق البلاستيك

العرق والكونياك الى طاولاتها

ويغمزون بنات القرى الساذجات

بعد الكأس الأوّل .

 

أم محمد

يا التي

أحطّ على ذمتي

وأحلف على الغميض،

لم يفترشها أحد

سوى صاحب رسنها

ولم تقطع فرضا

من أين تشترين كل هذا الصبر؟!

وكيف تزرعين

خيمة الهيبة والكسوف

على وجوه الجارات

لو تمتمت عيونك دون صوت

"يا عيب الشّوم"؟

 

أم محمد

رأيتها في زفّة ابنها البكر

على البيادر

تلوب مثل الحية

ووجهها يطفح بالحقيقة

تُهاهي

وتمسح عرق جبينها

عن رأس أنفها الأسود.

أم محمد

كانت تدقّ الأرض بقدمها

وتقفز مثل كِرْكِسة بيضاءْ

غير آبهة بعيون الصقر

وشواربه التي

رقصت

على وقع أقدامها.

وكأنني سمعتها يومها تقول،

وأحطّ على ذمتي:

"خذ في ..... يا ابن الـ.......

يا مصاص الدم

خذ في ..... يا ابن الـ.......

يا مصاص الدم".

أم محمد

ظلّت

وعيون الصقر تنقرها

تغرف هيبتها

وتنعفها على بيادر العمر

وتلوّح بمنديلها

وتدقّ الأرض بقدميها

تهزّ وتهزّ

والناس سكارى من غير مدام

وما قالوا لها

يومها

"يا عيب الشوم"

ولم يعتب عليها أحد.

21/3/2001


رجوع