قبل ثلاثة أيَّام
كنَّا في صَفُّورْيِهْ
يا عمّي أبو محمد
بلدكم
الـخضراء
البعيدة القريبة
وكنت خائفا
مثل كل مرة
في كل غزوة.
قبل ثلاثة أيَّام
ومثل كل مرّة
حَطِّيت خُوفي بِقَاع بطني
ومَدِّيت ذراعي:
قَحَفْت أعشاش الصَّبر
وهتكت عْباب التِّين
ومن الرمَّان الـمالس
مثل خدّ العَروس
عَبِّيِتْ سطل عَرَمْرَمْ
أكبر من رأس عنتر.
طَيّبات رُمَّاناتكم
يا أبو محمد
طَيّبات
مثل الشّهد الـمصفّى
وعاليات تِيناتكم
مثل سَنامِ الـجمل
ومغمغمات مثل خيمة أَلـلَّـهْ
وكنت خائفا
خائفا ..
كَأَنّي شُفِتْ
جبهة عَريضة ومُرَّة
تندب أو تصهل
حملت عمرها
خـمسين سنة فلسطينيَّة
وحلّت شعرها
تركض ورائي..
أنا الحرامي
وكنت خائفا
خائفا
"يا ويل حالي" لو طَلَعَتْ
أمامي
من عروق الأرض
الغولةُ التي غنّت
صَفُّورْيِهْ صَفَّرَتْ
وْمَعْلُول انْعَلَّتْ
والِمْجِيدِلْ تـجَنْدَلَتْ
وْلُوبْيِهْ لُولَبَتْ
وصارت حكايتنا لازمة
في عمر التشرّد واللاجئين.
وكأني لمحتك
يا عمي أبو محمد
أيْ والله لمحتك
"تُخَرْدِقُ" وراء الصبرة
العتيقة
تحرس أذيال الذاكرة المكنعشة.
وحين ركضتُ نحو شطوط السلامة
ونسيت غنيمتي في أرض المعركة
سمعتك تزمجر
وصوتك ورائي يهُزُّ رُكبي
ويهدُّ أسوار أحلامهم:
"وَلَهْ..
شُو بِتْساوي وَلَهْ؟!
وَلَهْ..
قَبِلْ ثَلاثْ تِيَّامْ
كُنَّا بْصَفُّورْيِهْ وَلَهْ
قَبِلْ ثَلاثْ تِيَّامْ
وْما لْحِقْنَا نِنْسَى
يا حَرامِي".
لا تنكر يا أبو محمد
لا تنكر
يا أبو عبد الله وعلي وعيسى
ومجاهد
وخديجة وفاطمة وسعدية
وكل الأسماء التي
يحبّها الله ورسوله
لا تنكر يا أبو محمد
وكيف تقدر
ودعسات رجليك
تشهد عليها
أشواك صبرتكم التي
ما تزال
على رؤوس اصابعي
وفي حلوقهم؟!
لا تنكر يا أبو محمد .. لا
تنكر..
وبِالـلَّـهْ عليك..
بِالـلَّـهْ عَلِيكْ..
أريد أن أعرف
كيف قدرت
أن تظلّ هناك
تحرس أذيال الذاكرة المكنعشة
خمسين سنة مسنونة
وراء تلك الصَّبرة اللعينة؟!
24/8/1999 |