عمر بن الخيَّام (1040 ـ 1131 م) ولد في نيسابور سنة 1040 م وكان أبوه صانع خيام فاشتقّ اسمه من حرفته. وكان أثناء صباه يدرس مع صديقين حميمين، وتعاهد ثلاثتهم على أن يساعد من يؤاتيه الحظ الآخرين، وهذا ما كان .. فقد وصل إلى الوزارة نظام الملك (الطوسي) فخصّ عمر بن الخيَّام عندها بمائتين وألف مثقال يتقاضاها من بيت المال كل عام. وهكذا صار لعمر بن الخيام الوقت الكافي للتفكير بأمور وأسرار الحياة ، بعد أن توفّرت له أسباب المعيشة. يقول: أفنيتُ عمري في اكتناه القضـاء وكشف ما يحجبـه في الخـفاء فلم أجـد أسـراره وانقضـى عمري وأحسست دبيب الفـناء ويقول في رباعياته: لبستُ ثوب العمر لـم أُسْتَشَـرْ وحرت فيه بيـن شتّـى الفكـر وسوف أنضو الثوب عني ولـم أدركْ لمـاذا جئـتُ أيـن المقـر لـم يبرح الداء فؤادي العليـل ولـم أنل قصدي وحان الرحيـل وفـات عمـري وأنا جاهـل كتاب هذا العمر حسم الـفصول وهو يعجب لهذا الفناء السريع للشباب والحياة فيقول: تناثرت أيّـام هـذا العـمر تناثـر الأوراق حول الشـجر فانعم من الدنيـا بلذّاتـهـا من قبل أن تسقيك كفّ القدر أطْفِىءْ لظى القلب ببرد الشراب فإنمـا الأيام مثــل السحاب وفي موضع آخر يتدارك نفسه فيقول: يا عالم الأسرار علـم اليقين يا كاشف الضرّ عن البائـسين يا قابـل الأعذار فئنــا إلى ظلّك فاقبـل توبـة التائبيـن من هنا نرى أن رباعيات الخيام تتراوح بين الإيمان والإلحاد وبين الدعوة للمجون والدعوة للهو وبين طلب العفو من الله عزّ وجلّ وإعلان التوبة. لذا اختلف العلماء في تصنيف عمر الخيام والأرجح أنه لم يخرج عن المألوف إنما هي صرخة في وجه الظلم والأمور الدخيلة على الدين الإسلامي في عصره. ولم يفكّر أحد ممن عاصره في جمع الرباعيات. فأوّل ما ظهرت سنة 865 هـ، أي بعد رحيله بثلاثة قرون ونصف. ولعلّهم كانوا يخشون جمعها لما حوته من جرأة وحكمة. وأوّل ترجمة للرباعيات كانت للغة الإنجليزية، وظهرت سنة 1859، أما الترجمة العربية من الفارسية فقام بها الشاعر المصري أحمد رامي. وهناك ترجمة أخرى للشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي. عمر الخيام بين فكّي التاريخ من أبرز حوادث التزوير في التاريخ أن معظم الناس يقولون بأنّ الخيام لم يكن إلا شاعراً. والصحيح انه كان من أكبر علماء الرياضيات في عصره، واشتهر بالجبر واشتغل في تحديد التقويم السنوي للسلطان ملكشاه. وهو أوّل من اخترع طريقة حساب المثلّثات والمعادلات الجبرية من الدرجة الثالثة بواسطة قطع الـمخروط. وقد وضع الخيام تقويما سنوياً أدقّ من التقويم السنوي الذي نعمل به اليوم. وبسبب الفهم الخاطىء لفلسفته ولتصوّفه اتهم بالإلحاد والزندقة وأحرقت كتبه، ولم يصلنا منها سوى الرباعيات لأنّ القلوب أحبّتها وحفظتها من الضياع. غير أن الخيام كان عالماً عبقرياً وملماً ومبدعاً أكثر بكثير من كونه شاعراً . وضياع كتبه في الرياضيات والفلسفة حرم الإنسانية من الاستفادة من الإطلاع على ما وضعه في علوم الجبر والرياضيات. من جهة أخرى تم الكشف عن جزء بسيط فقط من عبقريته، من خلال ما تبقى لنا من رباعياته. ولو لم تحرق كتبه لساهمت في الكشف عما خفي على العلماء، وربما توصّلوا لما في كتبه بعد قرون وربما لم يهتدوا حتى الآن إلى ما توصّل إليه.. آه لو تمهّل أهل السلطة والقرار في إحراق الكتب القيمة .... فقد احرقوا على سبيل المثال لا الحصر كتاب الغزالي "إحياء علوم الدين" بحجة الكفر وحجج أخرى، وما لبث هذا الكتاب أن أصبح بعد سنين الكتاب من أهم الكتب الإسلامية ! ويذكر هنا أن الأقدار شاءت أن يموت الخيام، وهو الذي اتهم بالإلحاد وأحرقت كتبه، بشكل ملفت للنظر ... مؤكداً إيمانه بالله ... فقد مات الخيام بعد أن صلى ركعتين. |